| | | | مصنع الارهاب......مفهوم السلطة 7 ...............................................................
بقلم : زهير كمال .....................
هذه الدنيا تعطي بعض الناس فرصة لتحقيق اهدافهم قد يستفيدون منها وربما عند قيامهم بجرد لحساب ارباحهم وخسائرهم في هذه الحياة ، يشعرون بالندم انهم لم ينتهزوا الفرصة ويحسنوا استغلالها . ينطبق هذا على الدول ايضاً ، الصين مثلاً كانت الدولة الاولى في غابر الزمان ، اخترع اهلها الورق والبارود ثم تدهور حالها واحتاجت الف عام حتى تستفيد من فرصة متاحة ( ثورة ماو ثم الثورة الثقافية) وتنهض ثانية من سباتها الطويل وهي مندفعة الآن بكل قوتها لتتبوأ المركز الاول في العالم . هل يظن احد ان بريطانيا التي كانت امبراطورية عظمى ستأخذ فرصة ثانية يوماً ما ؟ حدث ان التطور البشري قاد الى صناعة المحرك الذي يعمل بالبترول ، ويمكن القول ان المحرك كان من اهم الأسس التي مهدت للحياة الحديثة لما أحدثه من الاستغناء عن الحصان وتثوير وسائل المواصلات، وحدث ايضاً ان البترول موجود في الصحاري العربية بكميات خرافية . فهل تعتبر هذه مصادفة ام فرصة ؟ لو تخيلنا مثلاً ان اختراعات الثورة الصناعية قادت الى محرك يعمل بالهيدروجين الناتج عن تحليل الماء! فكيف ستكون أوضاع الدول وشعوبها في الجزيرة العربية وغيرها؟ ربما كانت جمهوريات منغوليا ، ناميبيا، مالي او بوركينا فاسو افضل حالاً بكثير! عودة بسيطة للتاريخ : رغم وصول عدد كبير من قصائد الشعر الجاهلي ومنها المعلقات السبع ودواوين اخرى الا انها جزء بسيط من كم كبير او كما يقال غيض من فيض ولكنه دليل على الحركة الادبية النشطة التي حفلت بها جزيرة العرب قبل الاسلام، وسوق عكاظ هي تتويج لهذا النشاط الأدبي ، كان عدد الشعراء مذهلاً وكثير من الناس يحفظ الشعر ويستطيع القاء مئات البيوت من قصيدة واحدة اضافة الى حفظ عدد كبير من القصائد ، وعلى رغم بساطة الحياة في الصحراء فان قيس بن الملوّح قد خلّد قصة حبه لليلى العامرية بنفسه كما فعل عنترة بن شداد في تخليد حبه لعبلة ومقارنة نجد ان قصة حب من ايطاليا هي روميو وجولييت احتاجت الى الشاعر الانكليزي الملهم شكسبير لتخليدها، ( المبهر في الموضوع ان الشعر الجاهلي تم توثيقه في كتب بعد مائتي عام على الاقل من تأليفه في حين ان شكسبير كان يؤلف ويدوّن مسرحياته الشعرية ) . ثم جاء الاسلام وفجّر طاقات اخرى كامنة في اهل الجزيرة فشهدنا عدداً كبيراً من العباقرة منهم عمر بن الخطاب في الادارة وعلي بن ابي طالب في الحكمة والبلاغة وخالد بن الوليد في الاستراتيجية والتخطيط العسكري ، وغيرهم كثير . اختفت الجزيرة من مركز الاحداث ولم يعد يسمع عن اي نشاط فيها بعد فترة الخلفاء الراشدين وانتقال مركز الدولة الى خارجها وسمح وجود دولة واحدة ممتدة من المحيط الى الخليج الى انتقال اهلها والاستقرار في المناطق الاكثر خصوبة . العودة الوحيدة اليها كانت لمن استطاع من المسلمين أداء فريضة الحج الى اماكن محددة هي مكة والمدينة فقط ، وهذا نشاط ديني اقتصادي يمس جزءً بسيطاً من الحجاز وليس له أية علاقة بالادب والفن . كان تأثير الدين على الشعر ومشروعيته كبيراً ومع هذا لم يختف من الحياة العربية ، فأي شاعر ملهم يبرز في الجزيرة كان ينتقل فوراً الى العواصم الجديدة بحثاً عن تقدير لشعره وحياة أسهل وربما لحاقاً باقاربه وقبيلته . نتيجة انتقال الناس باعداد كبيرة وانعدام الحياة الادبية بين من تبقى من أهل الجزيرة ، اصابتها بحالة من التبلد والخمول استمرت الف عام لم يحدث فيها أي جديد بل العكس تمّ تحريف الدين بشكل كبير وامتلأ بالخرافات والبدع لحالة الجهل التام والعزلة . ويمكننا القول انه اذا دخلت قرية من قرى نجد في عام 1930 ميلادية فكأنما دخلتها في عام 930 ميلادية . خلال هذه الفترة الطويلة لم يظهر في الجزيرة سوى كاتب واحد هو الشيخ محمد عبدالوهاب (1703- 1792 م) ، وبيئة مغلقة كهذه لا تنتج سوى فكراً محدوداً، فلم يكن امام الشيخ سوى كتب التراث يقرأها ورحلة قصيرة الى بلاد الشام ، فاقتصر دوره على تطهير الدين من البدع التي لحقت به، بعكس جمال الدين الافغاني ومحمد عبده فقد اهتما بالناس وعصرنة حياتهم ويرجع ذلك الى انفتاح الافق لديهما والسفر والتنقل وصولاً حتى اوروبا وعملهما بالصحافة . لا يزال تاثير الانغلاق والجهل متواصلا حتى يومنا هذا ، نجد مثلاً تلامذة الشيخ عبد الوهاب وعاظ سلاطين من الطراز الاول يسلّمون امورهم الى ولي الامر الذي يغدق عليهم العطاء والمناصب لانهم يدعون له ولطاعته ، واذا كان هناك من فتوى فهي من نوع رضاعة الكبير ، واذا تدخلوا في السياسة فانهم يعكسون رأي ولي امرهم وموقفه المتحالف مع الغرب واسرائيل، ولعل آخر فتوى طريفة من احدهم قوله : ان من يقول بصعود الناس الى القمر انما هو كافر ، وعدم مخالفة اي شيخ فيهم لذلك لمثل ساطع على الجهل الكامل لمن يعتبرون انفسهم علماء . والعلم منهم براء فغايته عندهم نقل ما قاله غيرهم في تفسير الطقوس والشعائر. اما شيوخ القبيلة الذين اصبحوا ملوكاً، فلم يتغير فيهم سوى المظاهر ولا يزالون يعتبرون انفسهم ظلال الله على الارض ، والقبيلة في نظرهم انما هي اعداد لا قيمة لها ولا يضعونها في اعتبارهم وحساباتهم. شيوخ القبائل الذين اصبحوا ملوكاً يوظفون الدين من اجل خدمة مصالحهم الخاصة ويوظفون المال من اجل البقاء على رأس السلطة بشتى السبل وتاريخهم حافل بحبك المؤامرات ضد اعدائهم ولعل برج القاهرة شاهد على احدى مؤامراتهم التي باءت بالفشل ، وكذلك توظيفهم للمال لفرض رؤيتهم المحدودة ليس على الجزيرة فحسب بل على المنطقة كلها، فقد وقفوا ضد ثورة اليمن ودعموا ملكها وحاولوا ارجاع نظام القرون الوسطى الى السلطة ، وكذلك الحال مع الثورة الايرانية بدعم الحرب ضدها ، وحتى انتخابات لبنان الاخيرة لم تسلم من تدخلهم فقد قدر البعض مبلغ المال المصروف على مرشحي 14 آذار بمليار وربع المليار من الدولارات. ولعل ابرز شاهد على عدم وجود وازع اخلاقي او ديني لديهم هو المشاركة في تدمير دولة باكملها وقتل شعبها وتشريد من تبقى منهم ، مأساة العراق المستمرة حتى يومنا هذا، والتي تعتبر تتويجاً لما يمكن تسميته بالحقبة السعودية في تاريخ المنطقة ، هذه الحقبة التي بدأت رسمياً بتوقيع اتفاقيات كامب دافيد بين السادات واسرائيل سنة 1978، وكانت المبادرة العربية للسلام هي المحصّلة الطبيعية لسياسة التفريط في الحقوق الاساسية لشعوب المنطقة . يرجع اسباب هذه السياسات الى اجتماع عقلية جامدة ومحدودة تشكلت عبر القرون في بيئة صحراوية مع امتلاكها لكمية كبيرة من المال الذي لم تتعب في الحصول عليه وليس هناك من رقيب يحاسبها على كيفية صرفه عدم وجود رقيب على الصرف هو من اخطر الاسباب التي تجعل انظمة الحكم الدكتاتورية والثيوقراطية تعيث فساداً بهذا الشكل الملموس. ففي الديمقراطيات الغربية توجد سلطات اخرى توافق او ترفض الميزانيات التي تضعها السلطة التنفيذية اما في نظر الاسلام فالمال العام هو مال الله وكيفية صرف الحاكم له يحدّد مسألة الحلال والحرام . الحاكم الجاهل كما في حالتنا هذه يعتقد انه بتأديته للطقوس الدينية قد قام بما يتوجب عليه نحو الله ولكنه في كل تصرفاته الاخرى يطبّق حرفياً مبدأ ان المال ليس له وطن ، ويكشف ذلك ان نسأل: من هم اصدقاؤه ؟ وما هي تحالفاته ؟ خلال الخمسين عاماً السابقة تم صرف مئات المليارات من الدولارات من ثروة اهل الجزيرة على صفقات اسلحة مريبة ، يفترض انها تكدّست في المخازن ، صدأت وفقدت صلاحيتها ويقوم النظام بشراء غيرها، ويطلع علينا الآن بنيّته صرف ستين مليار دولار لصفقات جديدة من اجيال قديمة من الاسلحة ، واسرائيل لن تعترض على ذلك، والتفسير الوحيد لذلك هو توهم النظام ان السياسيين في العالم الغربي سينظرون بعين الرضا والعطف عليه خاصة وانه يعقد الصفقات مع اقوى لوبي في الدول الغربية وهو لوبي مصنّعي الاسلحة. لم يحارب هذا النظام طيلة حياته ، ولن يحارب أحداً في المستقبل ، المرة الوحيدة التي ناوش فيها خصماً كانت مع بعض اليمنيين ضعاف البنية لا يستر اجسامهم سوى قميص ووزرة وينتعلون صنادل بلاستيكية ومسلحين باسلحة خفيفة ! ورغم استعماله للطائرات والمدفعية والدبابابات ، فقد احتل اليمنيون قاعدة عسكرية مجهزة بكل الامكانيات وهرب كل من فيها ضباطاً وجنوداً ، ولكن قائد الجيش اعلن فجأة الانتصار وانهاء العمليات العسكرية ! لم يفكر النظام بانشاء مصانع اسلحة وبموضوع نقل التكنولوجيا الى الشباب ، فالاهتمام بالانسان آخر ما يفكر به . ولا يمتلك الحكمة الكافية ليدرك ان ما حصل (وجود النفط) فرصة ثمينة عليه استغلالها للحاق بركب التقدم الانساني ولا يتم هذا الا بثورة نهضوية في مختلف المجالات وبناء الانسان العربي وتهيئته لتحديات المستقبل تماماً مثلما فعلت اليابان التي قامت بهذه الثورة ومهدت للحاقها بالعصر رغم عدم وجود المال لديها فالمال وحده لا يصنع التقدم ولا يشتري النهضه ولكنه عامل مساعد لو توافرت الحكمة والاخلاص وبعد النظر والتفكير في استغلال الفرصة الى ابعد حد . مع التغير الديمغرافي الكبير وبلوغ عدد السكان 28 مليون نسمة ومع امكانية وصول المعلومات الى الجميع وعدم قدرة النظام على حجبها واكتشاف الجماهير لطبيعة من يحكمهم ، قدراتهم المحدودة وعدم مواكبتهم العصر واهدارهم المال العام ، كل ذلك سيعمل على خلق التمرد والثورة والتي سيصفها النظام بالارهاب كعادته . وسنسمع في الاخبار دائماً عن اكتشاف خلايا ارهابية ، ولكن مهما جنّد النظام من قوى أمن وتخابر فلن يستطيع وقف التغيير والسعي لمستقبل افضل ، فهذه احدى سنن الحياة.
06/11/2014
مصرنا ©
| | ..................................................................................... | |
| | | | |
|
|