ولكن لا يحدث هذا الا في مصر!
...............................................................
| |
ابو خالد | |
بقلم : زهير كمال
....................
وكم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكا !! هل كان المتنبي يتنبأ بما يحدث في مصرنا اليوم ؟ مصر صاحبة الحضارة العريقة، هل خطر ببال احد يوماً انه يمكن ان تقاد كالطفل الصغير من اعداءها! مصر التي كان العالم يحسب حساباً لردود افعالها ومواقفها كلمة او فعل مصر التي كانت تبحث عن المظلومين في هذا العالم لتنصرهم وتشد من ازرهم وتدعمهم بما لديها من الخبرة والتأثير وبعض المال البسيط . ( وصل الامر الى حد التندر عندما تناولت الصحف موضوع ثورة على السفينة بونتي ، ارادت وزارة الحربية ارسال اسلحة للثوار ولكن وزارة الخارجية طلبت التريث والاكتفاء ببيان تأييد ، والسفينة بونتي وثورتها لم تكن الا فلماً سينمائياً لمارلون براندو ) مصر التي وقفت في وجه الاحتلالات كافة وطبقت مبادئ الامم المتحدة في الوقوف مع المحتلين ضد المستعمر وآمنت بأن واجب كل شريف يمتلك ضميراً ان يطبق شرائع حقوق الانسان.
مصرنا اليوم فيها من المضحكات المبكيات الكثير ، وكلها امور تخالف المنطق ويستحق النظام ان يدخل موسوعة جينيس لغرابتها. كل حكومات العالم تفخر بنسبة التصويت المرتفعة في اي انتخابات تجري وتتباهى ان شعبها يمارس حقه الديمقراطي وتقف محايدة بين المرشحين وتقوم بحملات مكثفة لتشجيع الناس على ممارسة حقهم في اختيار ممثليهم.اما في مصر فقد فتحت مراكز الاقتراع وتم منع الناس من دخول اللجان لتأكد النظام ان الشعب سينتخب معارضين له. ورغم منع الناس في لجان عديدة، وبقدرة قادر كانت نسبة التصويت في النتخابات اعلى بكثير من بلاد اخرى.
ولكن لا يحدث هذا الا في مصر!
في عالم التجارة يفرض البائع ثمن السلعة التي ينتجها ويريد بيعها ويحاول بكل الطرق الحصول على اعلى سعر لها ، وان لم يستطع فرض السعر فانه يتحالف مع آخرين من أجل فرضه . اليس من المضحك المبكي ان يفرض المشتري ثمناً بخساً لسلعة يحتاجها من بائع ليس له منافس! هذا هو الحال في شراء اسرائيل لغاز مصر ورغم احتجاج كل اقتصاديي مصر الشرفاء الحريصون على سلعة ثمينة محدودة ، ورغم قرار المحاكم بوقف هذه المهزلة ووقف هذا النزيف المستمر لثروة مصر بسعر بخس. ضربت الحكومة عرض الحائط باوامر السلطة القضائية، التي يفترض انها اعلى سلطة في كل المجتمعات حسب كل الشرائع والقوانين.
ولكن لا يحدث هذا الا في مصر!
وفي عالم التجارة ايضاً فان بعض السلع تندرج تحت بند السلع الاستراتيجية ومن بينها الاسمنت ، فالبائع يوثق الاستعمال النهائي للمادة ويوافق او يرفض البيع بناء على قناعاته ، فليس من المعقول مثلاً ان تبني دشماً عسكرية تحاربني بها ثم ابيعك المادة الاساسية لانشاءها.
كانت حكومة مصر تعرف الى اين تذهب هذه الكميات الضخمة من الاسمنت التي استوردها احمد قريع لصالح جيش اسرائيل لاقامة جدار داخل الارض الفلسطينية، وتم انشاء الجدار غير الشرعي باسمنت مصري رخيص وفي زمن قياسي، ويحق لكل مصري وعربي ان يسأل ماذا فعل اهل فلسطين سكان الضفة ليشارك النظام المصري في ايذاءهم الى هذا الحد الكبير؟ الا تحتاج مصر الى كل ذرة اسمنت لاسكان الملايين من شعبها بانشاء المدن الجديدة؟ اليس سكان المقابر والعشوائيات من دمنا ولحمنا ويستحقون الحياة الكريمة؟ الا يعطيهم ذلك فرصة للعمل في انشاءات المدن ؟ اليس لهم حق في العمل والعيش بكرامة؟
ولكن لا يحدث هذا الا في مصر!
لولا جرائد العدو لما انكشف الجدار الفولاذي الذي يقوم النظام المصري ببناءه على ارضه للحد من ظاهرة الانفاق. في العادة فان وجود حدود بين الدول يخلق ظاهرة التهريب نظراً لاختلاف اسعار السلع على جانبي الحدود ، في اوروبا مثلاً يقوم الالمان الذين يسكنون قريباً من الحدود الفرنسية بقطع الحدود في العطلة الاسبوعية لشراء الاجبان الفرنسية ، يقضون وقتاً جيداً ويوفرون مبلغاً بسيطاً ويعبر الفرنسيون الى المانيا ربما للتمتع بوجبة من المقانق الالمانية مع البطاطا والجعة. وفي امريكا يذهب سكان الشمال الى كندا لشراء الادوية واحتياجاتهم الاخرى مستفيدين من فروق العملة.
هناك أخطر بكثير من هذا التهريب البريء فالحكومات تريد حصتها من مهربات مرتفعة الثمن كالالكترونيات او السجائر الرخيصة ولهذا تخصص وحدات خاصة في جماركها لتحصيل حصتها. وهناك اشد خطراً وهو تهريب المخدرات والبشر من دولة لاخرى .
وفي العادة تبذل الحكومات ما في وسعها لوقف ذلك. ولكن السؤال الهام من الذي يكافح ويبذل كل الجهود من اجل وقف التهريب والجواب : الطرف المتضرر دائماً لم يخطر ببال الولايات المتحدة ان تطلب من المكسيك ان تقوم بعمل جدار في اراضيها لوقف تدفق طالبي العمل المكسيكان من دخول الولايات المتحدة، ولم يخطر في بال الاوروبيون ان يطلبوا من حكومة السنغال او الجزائر او المغرب تسيير دوريات بحرية لمنع المهاجرين من دخول اوروبا. ولاول مرة في التاريخ تقوم دولة بمنع البضائع من الخروج من اراضيها ، عكس باقي دول العالم قاطبة.
ولكن لا يحدث هذا الا في مصر!
في كل صحاري العالم تفرح الحكومات عندما تكبر الاشجار وتعتبر هذا انجازاً هاماً في مكافحة التصحر وتسعى لزيادة الاشجار المزروعة وتشجيع السكان واعطاءهم مكافاأت على كل شجرة تزرع ، في صحراء سيناء تدفع الحكومة 150 – 250 جنيهاً على كل شجرة تقتلعها من اجل تشكيل منطقة صحراوية فارغة وعمل منطقة عازلة مع قطاع غزة الذي كان يوماً ما ملحقاً بمصر .
ولكن لا يحدث هذا الا في مصر!
عند حدوث كارثة في اي منطقة في هذا العالم يهب الشرفاء والخيرين ويقدمون كل ما باستطاعتهم للنجدة، وعندما تصل المساعدات الى المنطقة المنكوبة تتبارى الجهات في ايصالها الى الملهوفين في اسرع وقت ممكن علها تخفف وقع مأساتهم وتشعرهم انهم ليسوا وحدهم وان الانسانية تشاطرهم احزانهم، وبالفعل فان هذه الرسالة تواسي المتضررين وتخفف من احزانهم.
في غزة هب كل الخيرين في العالم للمساعدة ووصلت المساعدات الى حدود غزة وبقيت تراوح هناك على مرمى حجر من الافواه الجائعة! فسدت الاطعمة ورميت في القمامة والجوعى لا يعرفون سبباً لذلك ، اما اصحاب الضمائر الشريفة فقد كانوا يتميزون غيظاً وحنقاً وهم يرون جهودهم المضنية في جمع المساعدات وايصالها تذهب ادراج الرياح. كافة الاديان السماوية تنص على ان اهدار الطعام او النعمة هي جريمة لا يغفرها الله ! لم نسمع ان الشيخ الذي صافح بيريز يستنكر هذه الاعمال المشينة التي تصل الى حد الجرائم ضد الله وضد الانسانية.
ولكن لا يحدث هذا الا في مصر!
يقوم النظام المصري بانشاء جدار فولاذي تحت الارض في الخط الفاصل بين قطاع غزة ومصر وذلك لوقف ظاهرة الانفاق والحد من تهريب البضاعة الخارجة من مصر الى غزة.
بتحليل كافة المعلومات المتداولة عن الجدار وغربلتها نجد التالي:
1: يتكون الجدار من قطع فولاذية طولها 18 متراً وعرض نصف متر وسماكة خمسة سنتمتر وتركب كل قطعة في المجاورة لها ، وتصنيع مستطيلات كبيرة بهذه الابعاد وبهذه السماكة لا يتوفر الا في عدد قليل من البلدان الصناعية مثل الولايات المتحدة ، وقد تم شحن هذه القطع الى ميناء بورسعيد وشوهدت عند التنزيل والتحميل والنقل البري الى رفح.
2: ستقوم معدات انشائية متخصصة بوضع هذه القطع في الارض وعلى عمق 20 متراً (سبعة ادوار في عمارة سكنية) .
3: يتم اكمال منظومة الدفاع ضد الانفاق بوضع مجسات الكترونية وكهربائية
4: طول هذا المنشأ عشرة كيلومترات وقد تم انجاز خمسة كيلومترات واربعمائة متر منها.
5: بحساب تكلفة هذا العمل الضخم يصل المبلغ الى فقط ربع مليار دولار امريكي عداً ونقداً لا غير.
نأتي الى السؤال الهام عندما يتعلق الموضوع بالمال : من الذي يدفع هذه الفاتورة الضخمة؟
1. اذا دفعتها اسرائيل، المستفيدة من هذا المنشأ، بحجة انه سيمنع تهريب السلاح . هذا يعني ان النظام المصري يعمل كمقاول من الباطن لاسرائيل! هل كان خجل افراد النظام من الافصاح عن هذا الموضوع لهذا السبب بالذات؟
كل التصريحات ان النظام لا يؤكد ولا ينفي ، وهذا تعبير عن الخجل من الفضيحة فهم يعرفون انهم يرتكبون عملاً شائناً لا يمكن تفسيره. بالطبع لو لم يكن الجدار موجوداً فاننا سنسمع وصلة ردح من هؤلاء عن المغرضين الذين يحقدون على مصر وشرف مصر وكرامة مصر ، الى آخر هذه الاسطوانة المشروخة. ومصر وشرفها الذي مرغوه في التراب منهم براء!
ولكن دفع اسرائيل لمبلغ ضخم مثل هذا مستبعد جداً لأن هناك كنيست ومساءلة وميزانيات يتم تدقيق كل شيكل فيها وفي كيفية صرفه.
2. تقوم مصر بدفع هذه الفاتورة الضخمة من ميزانيتها ولان المبلغ غير متوفر فستقوم الولايات المتحدة بدفعه وتخصم من ميزانية المساعدات السنوية.
في هذه الحالة قد يكون الرقم السابق متواضعاً فالمستفيد هو الشركات الامريكية والدافع هو الحكومة المصرية.
نقلاً عن شبكة الاعلام العربية قال مسؤول مصري رفيع المستوى:
اياً كان ما نقوم به على الحدود المصرية فهو شأن مصري بحت يرتبط بممارسة حقوق السيادة الوطنية وما يحدث على الجهة الاخرى هو شأن الجهة الخارجية. فموقف مصر من مكافحة التهريب عبر الانفاق معلن وكذلك التزاماتها الدولية.
كلام المسؤول الرفيع المستوى صحيح لو كان التهريب يتم عكسياً اي ان غزة تصدر بضاعتها الى مصر ولكن ماذا ستستفيد مصر من منع تجارها من بيع بضائعهم بالعملة الصعبة وما هي الفائدة التي سترجع على مصر من صرف هذا المبلغ الضخم وهل تم اخذ الموافقة على صرف المبلغ من مجلس الامة المطواع ولو لحفظ ماء الوجه وتحميل اعضاء المجلس الموقرين هذه المسؤولية.
الا يبني هذا المبلغ 25000 وحدة سكنية لرفع الظلم والمعاناة عن سكان المقابر الاحياء او سكان العشوائيات ؟
الايمكن تحديث شبكة السكك الحديدية وتطويرها لتتلائم مع العصر وتجعلها اكثر أمناً بحيث نرفع كابوس توقع الحوادث في كل لحظة.
امور عاجلة وملحة كثيرة يمكن صرف المبلغ عليها الا وضع حديد في الارض يستفيد منه الاخرين، ومنع دخول خراف العيد والاواني البلاستيكية والسجائر والوقود وما يوجد على رفوف اي سوبرمركت في اي مدينة والتي اصبحت من ضرورات الحياة في عصرنا هذا.
ويخرج المسؤول الكبير في النظام ليقول لنا ان قطاع غزة لا يزال خاضعاً للاحتلال وانه مسؤولية الاحتلال الخ...
ودفعني حب الفضول لأعرف عدد الجنود الاسرائيلين الموجودين فعلاً داخل القطاع فلم اجد سوى جلعاد شاليط اما باقي الجنود فهم يتمترسون على حدوده.
وبهذا المنطق المقلوب نستطيع القول ان جلعاد شاليط يحتل غزة!
دفع الفلسطينيون ثمناً باهظاً من اجل تحرير هذا الجزء من ارض فلسطين مثلما دفع قبلهم شعب مصر بعد النكسة ومثلما دفع شعب لبنان.
كان حلم الفلسطينيون على مختلف اتجاهاتهم السياسية ومن اقصى اليمين الى اقصى اليسار ان يستطيعوا تحرير شبراً واحداً من اراضيهم لتكون قاعدة انطلاق لهم لتحرير باقي اراضيهم ولكنهم كانوا يجهلون ان ذلك سيكون وبالاً عليهم وعلى شعبهم!
وبال غير مبرر من اخوتهم في مصر ولهذا فالخيبة التي يشعر بها الشعب الفلسطيني مضاعفة فبدلاً من تلقي الدعم والتأييد والاسلحة يتلقون التجويع والتعطيش والقتل.
ولكن الفلسطينيون شعب لا ييأس فقد تعمدوا بالنار والدم والدموع عبر سنين محنتهم الطويلة ويحاولون بشتى السبل التغلب على تجويعهم وعندما يسمع عاقل عن عدد الانفاق فانه يدهش! فقد بلغ عددها اكثر من الف نفق! فهل يعقل ان هذا العدد الكبير مخصص لتهريب الاسلحة ؟ لنفرض جدلاً ان البضائع والسلع تدخل بحرية الى اهل غزة فكم سيبلغ عدد الانفاق المخصصة لتهريب الاسلحة والتي يجب اغلاقها وتدميرها ؟
نفق واحد ، نفقان، ثلاثة هل تستدعي ثلاثة انفاق صرف ربع مليار دولار ؟ ثم اليس معروفاً ان تهريب السلاح تقوم به منظمات ذكية وتستطيع ايجاد الوسائل المناسبة لحل مشاكلها ؟
اذن فتجويع الشعب الفلسطيني الى حد الموت متعمد ويحق للشعب المصري توجيه تهمة الابادة الجماعية الى افراد النظام المصري الذين يقومون به. وهي تهمة يحاسب عليها القانون الدولي ويطال منفذيها كأفراد وليس كحكومات كما شاهدنا في حالة سلوبودان ميلوسيفتش ورادوفان كاراجيتش وغيرهم من المطلوبين امام القضاء الدولي.
لك الله يا مصرنا ! يا من كنت قلب العروبة النابض! طالت غيبوبتك كثيراً ولكن عندما تستيقظين ستجدين بانتظارك كمية ضخمة من اجود انواع الفولاذ مدفونة في الارض تصلح لعمل الصواريخ والدبابات لتدافعي بها عن شرفك وشرف الامة.
06/11/2014