مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 مفهوم السلطة في العالم العربي ج2
...............................................................

 

الْمُلُوكَ

 

بقلم: زهير كمال
...................

في خطاب متلفز بثه التلفزيون الوطني قال رئيس الدولة العربية :
ايها الفاسدون لا مكان لكم بعد اليوم بيننا فقد اصبحت حياة الشعب جحيماً ، ليس هناك من خطوة يخطوها المواطن الا ويدفع فيها رشوة وثروات البلاد تتركز في يد مجموعة بسيطة من القطط السمان الذين يأكلون الاخضر واليابس ! ويتحسر المرء على ما آلت اليه امورنا بعد ان كنا في غاية النظافة والطهر الثوري ، اليوم امتد الفساد في انحاء البلاد، واصبح المثل يضرب في دولتنا، ووضعتنا منظمات الشفافية في المرتبة الاخيرة بين الدول .
وبصفتي رئيساً للجمهورية فانه لا يمكنني ان اقف مكتوف الايدي امام ما يجري ، لهذا اصدرت تعليماتي بالضرب بيد من حديد على كل من تسوّل له نفسه التلاعب بمقدرات هذا الشعب مهما علا شأنه .

من الآن فصاعداً اي مسؤول تثبت عليه تهمة فساد سيتم التحقيق في كل ماضيه وستتم مصادرة املاكه واملاك عائلته وسيتم التشهير به في كل وسائل الاعلام ليصبح عبرة لمن لا يعتبر ، وكلامي هذا ينطبق ايضاً على المتعهدين والمقاولين والتجار الذين يقدمون الرشوة للمسؤولين وسيتم حبسهم ومصادرة املاكهم .

اما على المستوى الشعبي فلا يسمح لموظف ان يأخذ رشوة لتسهيل المعاملات ولا يسمح للشرطي المفترض فيه ان يحمي القانون ان يقبض مالاً من أحد ولا اريد في هذا الخطاب ان اعدد الامثلة على هؤلاء الموظفين الذين لا يقومون بواجباتهم ، وسنصل في المحاسبة الى تفصيلات بسيطة ودقيقة ، على سبيل المثال مدرس لا يبذل جهده في حصة الدرس حتى يتسنى له اعطاء دروس خصوصية انما هو نوع من الفساد .
لا يرغب احد في تدمير الاجيال الجديدة وتحطيم المثل العليا التي يجب ان يتربّوا عليها .

يتحجّج الموظفون بقلّة الرواتب التي يقبضونها وتجعلهم يحتالون على الناس بوسائل مختلفة للحصول على دخل اضافي ، ولعلاج ذلك أمرت بمضاعفة رواتب جميع العاملين في الدولة ويستثنى من ذلك الوزراء واصحاب المناصب الرفيعة.

بهذه الزيادة لا عذر لأحد في تعطيل مصالح المواطنين والتلاعب من اجل الحصول على المال
ومن يفعل ذلك يطرد من الوظيفة ويشهّر به.
ايها الاخوة ، لقد ارسلت مشاريع قوانين عديدة تتعلق بمكافحة الفساد الى مجلس النواب وستصبح نافذة المفعول حال تصديق المجلس عليها وبعدها لن نصبر دقيقة واحدة على الفاسدين!
والى اخوتنا القضاة : هذه اجراءآت استثنائية لتخليص البلاد من هذه الآفة الخطيرة التي تستشري وستحرق الاخضر واليابس وارجو ان لا تأخذكم في المفسدين اي رحمة حتى نستطيع استئصال هذا المرض.

اما الاخوة الصحفيين فعلى كاهلهم تقع مسؤولية خطيرة وهي تتبع المفسدين وكشفهم وستقوم هيئة مكافحة الفساد التي ستكون برئاستي شخصياً بالاستماع الى ما تقولونه وملاحقة ما تكشفون عنه من جرائم بحق الشعب والوطن.
والسلام عليكم.

كان تصديق مجلس النواب على مشاريع القوانين التي ارسلها الرئيس بالاجماع ، رغم وجود فاسدين بينهم ولكنهم شعروا بجدية الرئيس وحزمه.
طارت رؤوس كبيرة وتم التشهير بها حتى تصبح عبرة لمن لا يعتبر ، وخلال هذه الحملة سربت الدولة بذكاء ان هناك موظفين متخفين يقومون برصد كل الاعمال في كل انحاء الدولة ومن مهماتها الابلاغ عن الكسالى الذين يعطلون مصالح المواطنين، والاخبار عن كل من تسوّل له نفسه الارتزاق بطرق غير مشروعة.

استغرق تخليص البلاد من الفساد عامين فقط ، واسترجعت الناس ثقتها بنفسها وارتفعت اسهم الرئيس بين الجماهير واصبح بطلاً قومياً.
مادياً وبالرغم من المبلغ الذي تم صرفه في البداية بزيادة الرواتب الا ان النتيجة النهائية كانت توفير فائض ضخم من المال كان يذهب الى الجيوب الخاصة ، ولن يتكلم احد عن الفوائد الاخرى والتي من اهمها شعور المواطن بالانتماء الذي كان يتلاشى .

استيقظ الحالم من نومه وأخذ يفكر في هذا الحلم الجميل ما الذي دعاه ان يفكر بهذه الطريقة؟ وتوصل الى ان السبب يرجع الى خاصية هامة لمفاهيم السلطة في العالم العربي وهي المركزية الشديدة في الحكم. فلم يستطع احد ، منذ الحصول على الاستقلال، بناء دولة المؤسسات ، رغم ان جميع الحكام ينادون بذلك من قبيل الاستخفاف بالجماهير

 والضحك عليها ، وبقيت الدولة تدار بعقلية شيوخ القبائل والاقطاع.
فرأس الدولة هو كل شيء ، فاذا كان جاهلاً او غبياً فالدولة كذلك واذا كان وطنياً ويشعر بمصلحة جماهيره فالدولة وطنية اما اذا كان عميلاً لأجنبي اصبحت الدولة كذلك ، واذا كان ضعيفاً اصبحت الدولة كذلك. تمرض الدولة عنما يمرض وتنام عندما ينام وتفسد عندما يفسد وتبعثر المال العام عندما يبعثره .

المواصفات السابقة لا تناسب زمننا هذا في القرن الواحد والعشرين ولا يناسب الجماهير العريضة في كل ارجاء الوطن العربي التي تكتوي بنار الفساد كل يوم وتجعلها تكفر بالوطن وتيأس من المستقبل .
الحلم بخطبة عصماء تبدأ حملةً لمكافحة الفساد انما مثل احلام ابليس في الجنة ، فالحاكم العربي من المحيط الى الخليج غارق في الفساد حتى اذنيه . ولا يستطيع احد ان يجد عذراً مناسباً له ، فاذا افترضنا انه لا يعرف فهذه مصيبة كبرى اما اذا كان لا يستطيع فعليه التنحي وترك الامر لغيره .
وعلى الجماهير ان لا تعوّل على خلاصها بحاكم عادل مستبد بل عليها التعويل على بناء مؤسسات دائمة تحقق مصلحتها ، وهذا يتطلب نضالاً شاقاً ولكن ليس هناك طريق اخرى والاهداف العظيمة تستحق التضحية من اجلها.

عودة الى التاريخ سنجد خطبة عصماء استهلّ بها الحاكم بداية عهده واعطى وعوداً لم ينفذ واحداً منها ، ولكن هذا مفهوم آخر سيكون موضوع المقال القادم.


06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية