مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 بداية النهاية لأسطورة السوبرمان
...............................................................

بداية النهاية لأسطورة السوبرمان

بقلم: زهير كمال
..................

سيقدم الفلسطينيون والعرب خدمة كبرى للشعب اليهودي بتخليصه من أزمة كبرى وقع فيها عندما أسس الصهاينة دولة مزعومة لليهود سمّوها إسرائيل ، فقد عقّد تشكّلها حياة اليهود، وهي تترك آثاراً عميقة سيئة على مستقبلهم . فمع تكوّن إسرائيل تشكلت شخصية أخرى تختلف عن الشخصية اليهودية المعروفة وهي مزيج من تعقيدات كبيرة ، ومن أهم ملامحها أنها :
1. انعزالية بتأثير عقلية الجيتو ، فقد عاش اليهود طيلة حياتهم في مجتمعات خاصة بهم، وكانوا يعزلون أنفسهم عن مواطنيهم من الأديان الأخرى ، وفي عواصم الدول والمدن الكبرى فقط تجد دائماً حارة لليهود أو الجيتو ونادراً ما تجد فلاحين أو عمالاً يهود إلا في بعض مناطق روسيا النائية.

2. متعالية : فهم يعتبرون أنفسهم شعب الله المختار ويعتبرون الآخرين أغياراً لا قيمة لهم.

3.
فخورة : فنسبة كبرى من الموهوبين والعباقرة اليهود برزت خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر والقرن العشرين . وكان هذا نتيجة طبيعية لحياة المدن ، فالطفل اليهودي يجد أمامه في البيت الكتب والآلات الموسيقية والعائلة المثقفة التي تتكلم في الفلسفة والطبيعة والكون ، ومثل هذا الجو هو البيئة المناسبة لظهور العباقرة ، فمن بين ألف طفل يهودي على سبيل المثال برز موهوب واحد، بينما في نفس الوقت فقد برز من بين مليون طفل من باقي الشعوب قضوا وقتهم في اللعب في الشارع أو المزرعة موهوب واحد ، وبالطبع فإن الأقليات تظهر موهوبيها كنوع من الاعتزاز والفخر، وهكذا تشكلت عقلية ( نحن نوع ولسنا كمّاً ، ولهذا اختارنا الله لنكون شعبه ) .

4. مرعوبة بالتأثير السيء والمخيف للهولوكوست على اليهود والذي كان تتويجاً لمذابح الأوروبيين ضدهم عبر العصور والتي عمقت في النفس اليهودية فكرة أنهم شعب مضطهد . وكردّ فعل بدأت أسطوانة العداء للسامية التي وصموا بها كل من فتح فمه بكلمة ضد تصرفاتهم حتى وصلت الى العرب رغم أنهم ساميون مثلهم!

5. مصابة بهواجس سكنهم في بيوت الفلسطينيين بعد طردهم منها ، مما أعطاهم شعوراً بأنهم لصوص، ولا يوجد مثل هذا الإحساس عند أي شعب آخر، فمثلاً في أمريكا، شمالها وجنوبها لم يسكن المهاجرون الجدد في بيوت أو خيام المواطنين الأصليين بل قاموا بإنشاء بيوتهم في المدن الجديدة ، أما في جنوب إفريقيا فالسكان البيض لم يخطر ببالهم أن يحلوا محل السود في أكواخهم . كانت حالة فريدة من نوعها في التاريخ أن يحل شعب في بيوت أنشأها وسكن فيها شعب آخر، وفي العقل الباطن لكل إسرائيلي إحساس عميق باللاشرعية ، فالبيت الذي يسكن فيه لم يشتره بل استولى عليه بالقوة ، وساكنه الأصلي موجود في خيمة قريبة خارج الحدود ينتظر عودته الى بيته ، وقد يصعب على القاريء أن يشعر بنفس المشاعر إلا إذا وضع نفسه في الظروف السابقة . عبّر محمود درويش عن ذلك ببراعة في وصف أحاسيس الجانب الفلسطيني في قصيدته حجر كنعاني عندما قال :

واترك أريحا تحت نخلتها ، ولا تسرق منامي
وحليب امرأتي، وقوت النمل في جرح الرخام
أأتيت ..ثم قتلت..ثم ورثت ، كي
يزداد هذا البحر ملحاً

بهذه التعقيدات في الشخصية الجمعية تم تخليق سوبرمان الشرق الأوسط (بل العالم) مغطياً مشاكله النفسية بأوهام الحقوق التلمودية ومتخذاً من ذريعة ارتكاب بعض المجتمعات للمجازر والمآسي بحقه عبر التاريخ مبرراً ليصبح له الحق في وطن صغير كتكفير لذنوب تلك المجتمعات وتعويض له عن ماض قاس .

كانت ظروف المنطقة مهيأة لظهور هذا السوبرمان ، فالعرب سكان المنطقة ، كانوا يحاولون الاستيقاظ من نوم طويل استمر عدة قرون! وإذا كان القوي يؤمن بمبدأ القوة فوق الحق فان السوبرمان يؤمن أنه في حالة عدم نجاح ذلك فان المزيد من القوة هي الحق نفسه ، وبهذا المبدأ ارتكب أفظع المذابح بحق الفلسطينيين والعرب بدون إعلام وبدون ضجيج ، فسكان المنطقة وحوش وحيوانات لا تستحق الحياة . ونشأ مصطلح جديد التصق بإسرائيل وهو الاستعمال المفرط للقوة !

وصل السوبرمان اليوم الى عقده السابع من العمر وخاض في العقود الستة الماضية حروباً كثيرة يسترعي الانتباه عددها الكبير في مثل هذا الزمن القصير من عمر الدول . ولكن لندع ذلك جانباً ولنركز على بعض المحطات الهامة في حياته :

1. فلسطينياً

نتيجة للنظرة الاستعلائية نحو الفلسطينين والعرب ضيعت إسرائيل الفرصة الوحيدة التي منحها الفلسطينيون لها ، ففي لحظة تاريخية خلال الصراع تعبت القيادات الفلسطينية في ما ظهر أنه تسليم بقوة السوبرمان ووقعت اتفاقيات اوسلو ، تنازلت عن كل فلسطين وقبلت بنسبة قليلة لا تتجاوز 22% من مساحتها ، وانتقلت عدوى التعب الى سكان المخيمات أيضاً بعد أن يئسوا من تكوين قيادات حقيقية لإدارة الصراع وتحقيق النصر، وأصبحت مصطلحات التعويض والتوطين والعودة (لجزء بسيط من السكان الى فلسطين 1948 وجزء أكبر الى الدولة الجديدة في غزة والضفة) متداولة بين الجماهير رغم احتجاجات بعض المثقفين المثاليين ، كانت استفتاءات الرأي العام في العام 1993 تجنح بشكل كبير الى السلام وإنهاء المشكلة التي طالت والتي سببت ولا تزال معاناة كبرى .
كان على إسرائيل أن ترضي الفلسطينيين بكل وسيلة ممكنة وتنهي معاناتهم الى الأبد ، ففي ذلك اكتساب لشرعية مفقودة ، وإمكانية للعيش في المنطقة بالتخلي عن أوروبيتهم والتحول الى آسيويين ، ولكن شخصية السوبرمان المعقدة لن تعترف بندّية الآخرين لها ، ناهيك عن التنازل لهم.

2. عربياً
تراوح تعامل العرب مع إسرائيل في الآونة الأخيرة بين أسلوبين : أولهما هو الأسلوب الحكومي المصري وهو التسليم بقوة السوبرمان ودوره في المنطقة والطلب منه النظر بعين العطف الى الفلسطينيين ومأساتهم. أما الثاني فهو الأسلوب الشعبي اللبناني الذي أظهر للسوبرمان أن قوته المزعومة ناتجة عن ضعف خصومه ليس إلا ! ففي عام ألفين جعله يفرّ من لبنان بالمعنى الحرفي لكلمة فرار وفي عام 2006 جعل الشعب الإسرائيلي ينظر عبر شاشات التلفزيون الى فخر الصناعة الإسرائيلية : الجنود وهم متعبون تائهون وعيونهم زائغة ، والميركافا أقوى الدبابات على الكرة الارضية وهي تحترق بالجملة ، والقيادات العسكرية وهي تتخبط بعد أن كانت أنموذجاً لحسن إدارة الحروب الحديثة ، ليس هذا فحسب بل أدخل اللبنانيون الشعب الإسرائيلي في المعركة لأول مرة منذ نشأة الدولة بانهمار الصواريخ فوق رؤوسهم بعد أن كانت كل معارك إسرائيل السابقة خارج حدودها ، وكانت سكين السوبرمان تقطع قالب الزبدة بينما يجلس المدنيون داخل إسرائيل على المقاهي يشربون القهوة ويتحدثون عن الانتصارات والعظمة ويفخرون بالإنجازات اليهودية التي لا يصل الى مستواها أحد في هذا العالم. استطاع اللبنانيون إضافة تعقيد جديد الى الشخصية الإسرائيلية ولن تنجو من هذه العقدة ابداً !

3. دولياً
بعد الحرب العالمية الثانية تطور العقل الجمعي للبشر ويمكن القول إن هذا العقل كان يقفز متسارعاً ليصبح أرقى وأكثر إنسانية ، فالأوروبيون مثلاً أصيبوا بعقدة الذنب تجاه ما فعلته أيديهم باليهود خلال العصور وكان ندمهم صادقاً ، حقيقياً وليس مفتعلاً ، وحاولوا التعويض بكل إمكاناتهم لدولة إسرائيل بصفتها ممثلةً لليهود ، وسنغفل هنا العوامل الاقتصادية وما تمثله إسرائيل من مركز متقدم لأوروبا في المنطقة ، ولكن مدارس أوروبا كانت تعلّم الأطفال الدروس المستفادة من التاريخ وتغرس فيهم روح التسامح والمحبة ، فقد كانت نتائج الحروب مروّعة. هذه الروح الجديدة هي التي سمحت بالتقاء النقيضين فرنسا والمانيا ، وفي نفس سياق التطور وقف العالم كله ضد نظام جنوب إفريقيا العنصري وتم إسقاطه ، وفي المقابل أظهر السود برئاسة مانديللا وبتوجيهاته تجاوباً في مغفرة الماضي المرعب للعنصرية وإظهار التسامح لإغلاق صفحة مظلمة من التاريخ الإنساني ، ( وكان هذا ما سيفعله الفلسطينيون) .

واستمر التطور المتسارع لتنتخب أمريكا البيضاء رجلاً أسود لرئاستها. كان المنحى العام واضحاً ، ولكن في مقابل ذلك ظلت إسرائيل تتجه الى اليمين وتصبح أكثر تطرفاً وعنصرية بفعل الغرور والخوف معاً ، وهذا يضعها خارج روح العصر ، وعدم المواكبة هذه هي أخطر بكثير من تأخر بعض الشعوب ، والعرب منهم، عن الركب في المجال التكنولوجي ، فالتطور المادي يمكن اللحاق به إذا توافرت الإرادة ، أما الجمود العقلي فيؤدي الى تدمير المحيط أو الانتحار.

في هذه المرحلة من التاريخ يعمل السوبرمان على تدمير محيطه دون مراعاة لأبسط الحقوق الإنسانية ، ولكن شعوب العالم لا تهضم أبداً حصار المدنيين وتجويعهم لهذه المدة الطويلة بعد هدم البيوت فوق رؤوسهم واستعمال كل أنواع الأسلحة ضدهم ويعمل على إنهاء الحصار بكل إمكاناته المتاحة.

لم يتوقف السوبرمان ليفكر لماذا تشارك امرأة يهودية عجوز حضرت الهولوكوست في سفن رفع الحصار!! ولم يتوقف ويفكر لماذا يؤيد المفكر اليهودي البارز نعوم تشومسكي الفلسطينيين!! فقام بمنعه من دخول الضفة الغربية ، وبالطبع لن يعير اهتماماً لمشاركة ( المخربين ) أمثال المطران هيلاريون كبوجي والشيخ رائد صلاح.

تم إغلاق جميع حواس الاستقبال لدى السوبرمان ولن يستمع إلا الى صوته ، وهذا ما اتفق عليه من بقي حياً ممن شاركوا في أسطول الحرية فقد قالوا : هؤلاء الجنود والموظفون يقطرون عنصرية!
المعاملة القاسية وقتل المدنيين بدم بارد ، أظهرت مدى حقد السوبرمان على الجنس البشري واعتباره للجميع أعداء يستحقون الموت، لولا هذا الإعلام البغيض.

ولكن سيكون يوم 31 أيار مايو 2010 هو اليوم الرسمي لانضمام شعوب العالم قاطبة الى الفلسطينيين في نضالهم العادل ضد العنصرية والبغضاء وسيسجل بداية النهاية لوجود دولة إسرائيل وما جرته من ويلات على الشعب اليهودي والشعوب العربية ، وستحتاج الشعوب الى وقت طويل لتلتئم جروحها بسبب تشكّل هذه الدولة المخالف للتطور الإنساني.
وقد يخطر ببال بعض الناس أن في الإمكان ان يرتدع الإسرائيلون ويرجعوا الى الصواب ويعيدوا التفكير في مسيرتهم البائسة ، ولكن ذلك هو المستحيل بعينه ، ومن يفكر بإمكانية حدوث ذلك فكأنما يحلم بأن يرجع الشيطان ملاكاً .

إن أفضل حل للمسألة اليهودية لإنقاذ اليهود من أنفسهم هو إنهاء الكيان الإسرائيلي ، ولا بد أن الاذكياء من اليهود الذين يحملون جنسيات مزدوجة سيشعرون ببداية النهاية وسيبدأون العودة الى بلادهم فليس هناك من إنسان يستطيع أن يعيش في جو كراهية وعلى حافة الهاوية الى الأبد، ولو تحققت الوحدة العربية وأنشئت الدولة العربية الواحدة لرحبت باليهود العرب الذين لم يلطخوا أيديهم بدماء الأبرياء! بل إن العرب في وضعهم الحالي لن يمانعوا في عودة اليهود الذين هاجروا الى فلسطين بعد إنشاء الكيان الإسرائيلي .

همسة في أذن رجال سلطة رام الله: لقد فاوضتم قادة إسرائيل من اليمين الى اليسار خلال عشرين عاماً وبالتكرار (الذي يضرب به المثل) مفاوضات مباشرة وغير مباشرة وعرفتم معدن النخبة فيهم وكان إنجازكم صفراً كبيراً ، فاذا كنتم فعلاً تحبون شعبكم فلماذا لا تذهبون الى بيوتكم وترتاحون فيها ؟ فالنتيجة معروفة سلفاً ، وإذا كنتم تعوّلون على الولايات المتحدة وأوروبا أن يضغطوا على إسرائيل وأن يعطوكم شيئاً فأنتم واهمون ، ليس هناك عطايا مجانية في السياسة الدولية ، فلماذا تصرون على تجميل الوجه الإسرائيلي البشع، فهم يوهمون العالم عبر إعلامهم القوي النافذ أنهم طيبون بدليل أنهم يتفاوضون لإيجاد حل ولكن المشكلة مستعصية وتحتاج وقتاً ، ألم يصل أحدكم الى أن الطريقة المناسبة للتعامل مع عقلية كهذه هي الأسلوب اللبناني ؟ .

لقد حقق الصمود الأسطوري للجياع من شعبكم المعجزات ، فهذا الشعب الذي تعمّد بالحديد والنار وصبر على الجوع والآلام بصمت فرض على العالم احترامه ونبّه كل الطيبين للوقوف الى جانبه فلماذا تحاولون إهانة هذا الشعب وتمييع وقفة العز الذي يقفها ؟!

وأخيراً سيفرض العالم مزيداً من العزلة النفسية على السوبرمان الذي قد يقوم بعمليات تجميلية لا تمس الجوهر مثل فتح معبر رفح ، فبالنسبة لهم فلا بأس من إلقاء بعض الطعام الإضافي الى الجوعى!
ولكن لن يزول السوبرمان إلا بعمل جاد من المحيط .

وآن الأوان للبشرية أن تفرض مبدأ أن الحق فوق القوة حتى يسير تطورها وارتقاؤها بسلاسة .


06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية