مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 حسني مبارك اخر الفراعنة
...............................................................

 

مبارك

 

بقلم : زهير كمال
....................

على ضفتي النيل يعيش الشعب المصري منذ فجر التاريخ ، وبعكس الشعوب الاخرى التي بدأت حضارتها على ضفاف الانهر ثم انتشرت فاصبح النهر جزءاً من تضاريس الدولة ، مثل الجانج في الهند ، الاصفر في الصين، الدانوب في اوروبا او دجلة والفرات في بلاد الرافدين بقي شعب مصر وفياً للنيل وملتصقاً به فلا مكان آخر يلجأ اليه في هذه الصحراء الشاسعة من الركن الشمالي في القارة الافريقية. وبادل النهر حب شعب مصر له بالتدفق الدائم ماداً الخير والحياة لهذا الشعب العظيم وكأنه يبادله الوفاء بالوفاء.

ظاهرة تواجد شعب بشكل دائم على طول نهر فريدة على هذا الكوكب وقد أثرت هذه الخاصية بشكل كبير على المصريين عبر التاريخ فوحدت لغتهم ومزاجهم وتقاليدهم ونظرتهم للحياة وذلك قبل كثير من الشعوب الاخرى ، ويرجع ذلك الى سرعة وصول الاخبار لكل الناس في وقت قصير جداً وكذلك تداول ردود الفعل المختلفة على الاحداث وتكوين رأي عام موحد تجاهها.
والرأي الموحّد المعبّر عن مصلحة واحدة لا يوجد الاّ في العائلات فقط .

ويمكن القول ان شعب مصر هو أكبر عائلة على الكرة الارضية !

وفي العائلات هناك صفات متوارثة وبارزة بوضوح شديد بين كل الابناء الصبر صفة رئيسية في العائلة المصرية فهم من اكثر الشعوب صبراً على ما يقع لهم ، وربما جاءت هذه الصفة من الانتظار الطويل، فغالبية العائلة تمارس مهنة الفلاحة ، تحرث الارض وترمي البذور وليس هناك مشكلة مياه مثل باقي الشعوب وبعد الانتهاء من هذه الاعمال الأولية ليس هناك سوى انتظار المحصول ، تكرار مستمر منظم لوقت الجهد ووقت الانتظار حتى موعد القطاف، تكرارترسّخ في جينات اافراد العائلة عبر سبعة الاف سنة من التاريخ .

هناك ايضاً الصبر على المكاره فالنيل العظيم كان يفيض كل عام جالباً الخير والدمار في وقت واحد ، فمع حصول المنفعة لابد من الصبر وتحمل المكاره .
الفيضان بخيره وشره معاً هو الذي اعطى العائلة الكبيرة النظرة الفلسفية للحياة والحكمة وحب الفكاهة والسخرية من الواقع . ولن تجد بين الشعوب قاطبة شعباً باكمله محباً للنكتة والسخرية مثل شعب مصر.

لعبت الجغرافيا ايضاً دوراً حاسماً في بناء الشخصية المصرية ،
فالتضاريس السهلة التي يصعب الدفاع عنها جعلها فريسة سهلة للاعداء ، فبعد مقاومة بسيطة تسقط مصر بيد الاعداء خاصة اذا كانوا جيوشاً جرارة ولكن العائلة لا تنكسر، تتقوقع على نفسها ويبقى المستعمر الاجنبي دخيلاً غريباً قد يتأثر بمصر ويأخذ منها بعضاً من حضارتها يستفيد منها ، ولكنه يمر كغيره من الغزاة .

العائلة المصرية هي السهل الممتنع ولم تتأثر من خارجها الا برسالات السماء المسيحية والاسلام ، فمصر تتغير بالعقل والمنطق ولا تتغير بقوة السلاح .

عبر التاريخ كانت معارك مصر الحاسمة مع الاخرين كلها انتصارات ، شرط ان لا تكون على ارضها فالجندي المصري صبور وقادر على المنازلة والقتال لو توفرت له القيادة المناسبة .

حارب الفراعنة في سوريا الطبيعية وانتصروا وحارب صلاح الدين بجيشه المصري في حطين وطهر المنطقة من الصليبيين وحارب الظاهر بيبرس بجيشه المصري في عين جالوت وطهر المنطقة من التتار، لم تهزم مصر عبر تاريخها الطويل عندما حاربت خارج حدودها الا مرتين:

المرة الاولى عندما تحالفت كل القوى الكبرى ضد ابراهيم باشا ودمرت اسطوله وقضت على طموحاته بتكوين دولة كبرى تحل محل الدولة العثمانية الآيلة للسقوط ، وكانت محاولة جادة لمواكبة العصر!

والمرة الثانية معارك فلسطين على ما هو معروف وكانت خسائر بسبب الجمود وعدم مواكبة العصر.

كل العائلات لها رب ، وحاكم مصر هو رب العائلة الكبيرة . افراد العائلة ينظرون الى رب العائلة باحترام وتقدير وتعظيم ، فهو الأب الحنون الحكيم الذي يوكلون له امورهم وهو أدرى بمصلحتهم حتى لو كان قاسياً بعض الاحيان.

قلما تم تغيير هذا الرب بالقوة عبر التاريخ الطويل لمصر. تنتظر العائلة النهاية الطبيعية لربها مهما كان مجنوناً او قاسياً ويرجع هذا الى صفة الصبر الموجودة في الجينات المتوارثة !

في العصر الحديث جرت متغيرات كبيرة على كوكب الارض منها حربين عالميتين ومنها جشع الاستعمار الاوروبي وزرعه لجسم غريب على حدود مصر . هذه المتغيرات أثرت على العائلة المصرية فقامت بتغيير رب العائلة مرتين!

المرة الاولى في ثورة 23 يوليو 1952 بقيادة ابناء مصر في الجيش.

ولم ارى في تاريخ الشعوب مثل هذه الكمية الخرافية من الكتابة التي قام بها كتاب مصر لتبرير وتشريع هذا التغيير لرب العائلة، ولو قدر لاحد ان يجمع ما كتب لعرف ما اعني بدءاً من تفسير الانقلاب بأنه ثورة
واعتقد جازماً انه حتى بعد مرور كل هذه السنين هناك كثيرون من افراد العائلة غير راضين عن تغيير ربهم ذو الاصول الالبانية بالقوة !

المرة الثانية كانت عند اغتيال السادات الذي كان فرعوناً حقيقياً اكد في كل خطبه على اخلاق القرية وكبير العائلة التي لاقت هوى في نفس العائلة فهو يتكلم اللغة التي تجري في دمهم!

ربما كان ما جرى مع السادات اكبر دليل على فرضية ربوبية العائلة ، فبقوة منصبه فقط استطاع التخلص من المؤامرة التي حاكها كل الابناء المسيطرين على مرافق الدولة جميعها. ومع هذا تم اغتياله من بعض ابناءه بعد تيقنهم من تماديه في الخروج عن خطها .

قبلت العائلة المصرية طائعةً العقاب الذي فرضه عليها ربها الجديد ، فبعض أبناءها خرجوا عن تقاليدها وطبائعها المتوارثة ، وتقضى عامها الثلاثين تحت قانون الطواريء الذي يسمح لفرعون مصر بتأديب الاولاد العصاة المارقين ، وبعكس باقي الطغاة الذين مروا على شعوب الارض وحكموا بدون قوانين لابد لرب العائلة المصرية ان يأخذ موافقتها على العقاب فمصر بلد االشرائع والقوانين والموازين .

نأتي الى موضوع المقال رب العائلة الاخير حسني مبارك

استلم الحكم قبل ثلاثين عاماً وتوقع المصريون خيراً فرب العائلة السابق قال انه آن لمصر ان ترتاح من الحروب وان المصاريف العسكرية الكبيرة هي سبب فقر مصر، وبعد تحقيق الانتصار المجيد في اكتوبر واستعادة الارض والكرامة لابد للعائلة ان تتمتع ببعض الراحة والرخاء.
وهكذا استلم الحكم بدون مشاكل تذكر وبدون حروب وبعلاقات دولية هادئة ولم يكن عليه سوى البناء والتحديث ورفع مستوى عائلته التي عانت وتعبت كثيراً.

طبعاً وضع مصر اليوم لا يسر احداً ، فهو يتركها اطلالاً على وشك الانهيار ومع هذا يحذر في خطابه الاخير هؤلاء المعارضين في العائلة فالويل والثبور لهم فهو ادرى بمصلحة مصر! يا للسخرية!

ويحتار المرء ان كان هناك مثيل لمبارك في التاريخ ، على سبيل المثال لا يمكن مقارنته بالجنرال بيتان الذي عينه الالمان رئيساً لجمهورية فيشى بعد هزيمة فرنسا.

الجنرال بيتان استلم دولة مهزومة وحاول ان يصنع شيئاً (وفشل بالطبع) ولكن الجنرال مبارك استلم دولة منتصرة وحولها الى دولة مهزومة.

تصرفات غير مفهومة لفرعون مصر تحتار في تفسيرها وعندما تبيّن لبعض افراد العائلة انه عميل ( انظر مقال هو والشيطان) وتأتي بالأدلة الدامغة التي تتماشى مع المنطق ، يهمهمون بالموافقة ولكن في عمق ألاعماق، هم غير مقتنعين بذلك ففي الجينات المتوارثة هو رب العائلة الكبير الحنون الحكيم ، ورب العائلة، فرعون مصر لا يكون عميلاً !

اطرف ملاحظة ما جرى عندما ذهب لاجراء عملية في المانيا ( والمانيا هذه، هي مدينة من اعمال محافظة المنوفية تمتاز بالطب المتقدم المتوفر لكل العائلة ) . اقشعرت ابدان المثقفين ، وبان كأن على رؤوسهم الطير، وظهر الحزن والصمت والتوجس على كثير منهم ، وتمنوا له الشفاء العاجل والعودة سليماً معافى ! هل بعد كل ما فعله يمكن ان يستوي هذا والمنطق السليم؟

ولكنه منطق رب العائلة المتأصل في جيناتها!

ولو سألتهم : سيقولون لك نعم ! نعم نحن نكرهه ولكن لا نريده ان يموت!
غالبية العائلة المصرية تفكر بهذه الطريقة وافضل مثل على ذلك استاذنا الكبير محمد حسنين هيكل فهو عندما يتكلم عن مبارك تجد الاحترام الشديد واكثر ما يفعله معلقاً على دمار مصر هو التنهد وترداد بيت
لعمرك ما تضيق بلاد باهلها ولكن أحلام الرجال تضيق

ولا تجد الا قلائل من ابناء مصر تحدوا رب العائلة ، وربما كان الوحيد الذي شق عصا الطاعة ورفض الأبوية بمجملها هو شاعرنا الموهوب احمد فؤاد نجم لانه يمثل حس الشعب المصري الاصيل المعبر عن مصر المعاناة والقهر والذل والاحزان واللهفة للانعتاق من القديم والموروث. امد الله في عمر شاعرنا ليشهد نهاية آخر الفراعنة.

(تم حبس الشاعر في عهد عبدالناصر والسادات ولو كان صغيراً في العمر لتم حبسه في عهد مبارك) .

بلغ عمر حسني مبارك 83 عاماً وبدأت العائلة تلاحظ بعض التصرفات التي تدل على خرف مبكر ومن هذه التصرفات ارساله لبرقية تهنئة بعيد استقلال اسرائيل!

كثير من كبار السن يصابون بضعف الذاكرة ولكن الشعوب يستحيل ان تصاب به ، ففي كل بيت مصري شهيد مات من اجل مصر وبعضهم قتله اعداء مصر بدم بارد في سيناء بعد ان تم أسر خمسة عشر الفاً من خيرة شباب الوطن.

احدى صفات العائلة التي لم اذكرها ، انها لا تنسى ثأرها ابداً وخاصة في صعيد مصر فهم يتوارثونها جيلاً بعد آخر.

واحدى صفات العائلة ايضاً انها لا تقبل الظلم ، وكمية كبيرة منه قد وقعت على اخوانهم الفلسطينيين بدون اي ذنب جنوه ، ولا زالوا يعيشون مكدّسين في ظروف انسانية صعبة في مخيمات اللجوء ينتظرون عودتهم الى بيوتهم التي طردوا منها.

تهنئة مبارك لاسرائيل بعيد الاستقلال كان تتويجاً لخدمات كبرى قدمها للكيان الاسرائيلي والتي جعلت قادة العدو الملطخة أيديهم بدماء ابناء العائلة يعترفون بفضله العظيم على اسرائيل!

يحتار المرء في توصيف حالة كهذه ، اقصى ما نعرفه ان يصف العدو عدوه بالشهم او بالفارس كما وصف الصليبيون صلاح الدين الايوبي ، ولا يخطر ببال المتنبي بكل اشعاره المليئة بالحكمة انه يمكن حصول وضع كهذا !

قال المتنبي

واذا اتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل

وقال شاعرنا المعاصر

والمدح للمدوح من قبل العدا لدليل صدق بالعمالة قائل
واذا تغزّل قادة العدو بفرعون مصر فانهم لا يهملون للحظة واحدة خطر مصر عليهم ويحاولون النيل منها واضعافها قدر استطاعتهم وما تهديد ليبرمان بتدمير السد العالي واغراق مصر الا قمة جبل الجليد التي تكشف النوايا الخبيثة لهؤلاء الاوروبيين الدخيلين على المنطقة.

ومن بين هذه النوايا والتي تتحول الى اعمال تعتبر عدوانية بكل المقاييس تحريض دول منبع نهر النيل على دول المصب السودان ومصر ، فالمستشارين الاسرائيليين يملأون هذه الدول وكل هدفهم خلق المشاكل لمصر العدو الاستراتيجي وابقاءها تدور حول نفسها.

ومع كل الاحترام لأفريقيا وشعوبها الا انه يخطرفي البال المثل القائل
( ان البغاث بارضنا يستنسر) والبغاث هي صغار العصافير الضعيفة
اما لماذا استنسرت فهذه يسأل عنها رب العائلة الضعيف الذي دمر مصر وسمعتها واقصى رد فعل له هو استنكاف حضور توقيع الاتفاقيات الجديدة ، لأن مصر اصبحت دولة صغيرة هامشية بعد ان كانت كعبة الاحرار والمعذبين والثوار الذين يلجأون لها ملهوفين فتغيثهم .

مر كثير من الفراعنة على حكم مصر منهم العظيم الذي سجل التاريخ اسمه بأحرف من نور ومنهم العادي الذي مر مرور الكرام، ولكن التاريخ لن يشهد اسوأ من هذا الفرعون فما يفعله او بالاحرى ما لا يفعله الوقوف ذليلاً صامتاً ساكتاً امام محاولات فصم العلاقة بين الشعب والنهر ، هذه العلاقة التي استمرت طويلاً وتعمقت جيلاً بعد جيل ، فالنهر ايضاً هو احدى الصفات الوراثية للعائلة المصرية .

لم يعد المفهوم القديم صالحاً للحكم في عصرنا الحاضر فثورة الاتصالات وذهاب افراد الطبقات الفقيرة الى الخارج طلباً للرزق واحتكاكهم بشعوب العالم يؤدي باستمرار الى تغيير جينات العائلة والتخفيف من حدّتها وهناك سبب جوهري آخر ان آخر الفراعنة قد أساء كثيراً للمنصب وحطم الاسطورة بغباءه وقلة طموحه وعدم فهمه لعظمة بلده ودورها القيادي في العالم ، فمصر لا تستجدي ولا تتمسكن ومن يفكر بذلك فهو اما مخدوع او واهم ، ولن ينجح آخر الفراعنة بتغيير جوهر مصر وأصالتها وقدرتها بالدفاع عن نفسها وعن حقها في الحياة.

فيا مثقفينا المحترمين مواد مصر الخام لم تتغير فهي ما تزال عجينة صالحة للتشكّل ، صنع عبدالناصر منها جبلاً شامخاً تناطح قمته السماء ورفع اسمها عالياً واعطاها المقام الذي تستحقه بين الشعوب، رغم كل المؤامرات التي حيكت ضدها وحتى رغم هزائمها.

اما فرعوننا الاخير فقد مدّدها على الارض لتكون مداساً سهلاً للجميع لانه لا يعرف قيمتها فهو لا يتمتع بالحس التاريخي ليكون عقل الدولة وقلبها.

حفظك الله يا مصر من كل سوء !


06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية