مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 التطور الانساني بين التاريخ والدين
...............................................................

التطور الانساني بين التاريخ والدين

بقلم : زهير كمال
.....................


احيانا كثيرة ننسى عامل الزمن في تطور العقل ونحكم على الانسان الذي عاش قبل الف واربعمائة عام وكانه يعيش معنا الآن ونحاكمه على هذا الاساس ! ولتبسيط الامور سننتقل الى المسستقبل الف واربعمائة عام وسننظر الى الخلف ويا لهول ما نرى! سيستغرب انسان المستقبل اننا كنا نحرق الاشجار وكنا نلوث الهواء بعوادم سياراتنا ومصانعنا وسيستغرب ايضاً اننا كنا نقتل الحيوانات ونشوي لحومها الميتة او نطبخها ونأكلها لامدادنا بالبروتين، وسيستهجن اننا كنا ننام مطمئنين ونحن نعرف ان كثيراً من بني الانسان وخاصة في افريقيا وآسيا ينامون جوعى ، واتخيل ايضاً ان سكان القمر من المسلمين ما زالوا في نقاش حاد حول بدء شهر الصيام، هل يستمروا يتبعون الارض ام يقومون بعمل تقويم خاص بهم.

وعموما نظرة انسان المستقبل لنا لن تكون كما نرغب ففي داخله سيدهش من التخلف المريع الذي كنا نعيشه واننا كنا اقرب الى الوحش منا الى الانسان! اذا رجعنا الى عصرنا هذا فاننا ننظر الى انفسنا بعين الرضى ونتمتم ان الانسان يتطور وقد وصلنا الى مرحلة جيدة في الرقي.

اذا رجعنا الى غابر الازمان نجد ان الناس كانت ترمي المذنبين احياء الى الاسود والضواري وكانوا يتسلّون برؤية الحيوانات تقوم بتقطيع ضحيتها الآدمية وافتراسها وكانت مناظر الاحتضار والموت البطيء أمام اعين الناس امراً طبييعياً بالنسبة للمتفرجين واتخيلهم احضروا بعض التسالي والمشروبات الى المدرجات المنتشرة في كل مدن العالم القديم وربما علّق احدهم هل ترى كيف قطع النمر رجل المجرم ولم يمت بعد، او صراخ هذه المرأة حاد بعد ان ضرب الأسد ظهرها ضربة قوية واتمنى ان يجهز عليها فصراخها مزعج ، ويعلق آخر انهم مقصرين كان يجب ان يرسلوا حيوانات أشد جوعاً فقد حضرنا من مكان بعيد لنتسلى! وعموماً لم يكونوا يذهبون الى بيوتهم والارق ينتابهم جراء مشاهدتهم للمناظر الوحشية !

تلك الايام كانت الناس تصنع التماثيل بنحتها من الحجارة او تشكيلها من الطين ويصل قصور العقل الانساني الى الوقوف بخشوع واحترام امامها واقامة دور عبادة يقوم على خدمتها رجال ونساء يسمّون بالكهنة وتقدم لهذه الاصنام قرابين بشرية تذبح على اعتابها ، او يفتحون صدور الشباب الاحياء ويستأصلون قلوبهم النابضة ويقدمونها للصنم من اجل البركة والخير او يقدمون عذراء بكامل زينتها الى النهر طلباً للفيضان!

اما نصف المجتمع وهو المرأة فكانت سلعة عادية للبيع والشراء في كل العالم القديم وكثير من الحروب والغزوات كانت من اجل الحصول على هذه السلعة واستعمالها او المتاجرة بها وان تكون مالكاً لقطيع من العبيد ، او ان تكون مملوكاً امر طبيعي وغير مستهجن وكثير من الفلاسفة العظام الذين ننظر لتراثهم بكل احترام كانوا يفكرون ضمن اطار المفاهيم السائدة. مثلاً اعتقد افلاطون انه لا ضير من اقامة المدينة الفاضلة على اكتاف العبيد والاماء .

السرد السابق للتطور الانساني يظهر بلا شك ان ما هو مستساغ ومقبول للجنس البشري اليوم لن يكون كذلك في الغد وما كان مستساغاً ومقبولاً امس ليس مقبولاً اليوم وهذا امر طبيعي فالانسان وقدراته العقلية (الجنس البشري) يتطور بشكل دائم ويمكن تشبيه ذلك بالراديو القديم حيث تقوم بتحريك مؤشر ضبط الموجات باستمرار لتحصل على صوت اوضح وأنقى لمحطة الاذاعة اي ان الانسان يتحول تدريجياً ليصبح اكثر انسانية.

يعتبر ظهور الانبياء امثال المسيح ومحمد والمصلحين امثال حمورابي علامات بارزة في تاريخ رقي الانسان ودفع تطوره الى الامام، هذا التطور الذي كان في منتهى البطء ففي خلال سبعة قرون بين المسيح ومحمد لم تتغير المفاهيم كثيراً ولم يصدر سوى كتابين هما الانجيل والقرآن وللمقارنة فقط فانه يصدر في الولايات المتحدة ثلاثمائة الف اصدار وبحث في العام الواحد ويخجل المرء من ذكر عدد الاصدارات الصادرة باللغة العربية!
لعب الانبياء والمصلحين دوراً هاماً في عملية الانسنة! جاء المسيح ليحدث برسالته ثورة على كل المفاهيم السائدة في العالم القديم وكانت رسالة المحبة والاخاء والسماح واللين والعطف كرد فعل على كل القسوة والتصلب والاستغلال والقهر فماذا كان رد فعل الجمهور سوى قلة أمنت برسالته؟

تلك الايام كانوا يدقون ايدي وارجل المذنبين ويعلقونهم على صليب خشبي مرتفع عن الارض وينتظرون موته البطيء وربما يذهبون بعد انتهاء اعمالهم ليتسلوا بمنظره وهو يتألم ويحتضر وربما يرميه الصبية بحجارة ويتبارون من يستطيع جعل المصلوب يصرخ اكثر.

وفي نفس الظروف جاء محمد برسالته ليرتقي بالناس في ثورة على المفاهيم والقيم والتقاليد القديمة ومكملاً لرسالة المسيح وناقلاً البشرية درجة على سلم التقدم.

نجحت الرسالة المحمدية باستعمال التدرج مع العقل الانساني وكأن الرسول يقود طفلاً صغيراً يحبو ويعلمه المشي خطوة خطوة، واعطانا المثل المرة تلو المرة .

من الامثلة المعروفة تدرج منع الخمر وفي موضوع الرق وضع المفاهيم الاسلامية الأساسية ان الناس سواسية كأسنان المشط وانه لا فضل لعربي على عجمي الا بالتقوى وهي مفاهيم لا يمكن المساومة عليها فهي من صلب رسالة الاسلام ولكنه راعى ظروف المجتمع ومستوى تفكيره .
موضوع التدرج هذا في منتهى الاهمية وجمود المسلمين في الاجتهاد والتطور والدروس التي اعطاها الرسول وخلفاءه انما يحسب في غير صالحهم. ومنها عدم فهمهم لكون الاسلام صالح لكل زمان ومكان، فهم يرددونها ولكن بدون تدقيق في المرحلة التي وصل اليها الوعي البشري وما هو مستساغ ومقبول في الزمن الذي يعيشونه . ولكن يرجع ذلك لاسباب موضوعية كثيرة . من الامثلة التي احب طرحها ما جرى في السنة الثامنة عشر للهجرة في عام الرمادة وهي تظهر وجه الاسلام الحقيقي ومدى تناسبه مع الظروف التي تمر بها المجتمعات فقد اوقف الخليفة عمر بن الخطاب بصفة مؤقتة ركناً من اركان الاسلام الخمسة وهو ركن الزكاة والكل يعرف مدى اهمية هذا الركن فقد قامت حروب الردة من اجل تطبيقه
والمعروف عن عمر انه كان من اكثر الخلفاء استشارة لاصحابه في امور الدين والدنيا واهمية هذا الحادث انه جرى بعد وفاة الرسول بسبعة سنوات وتبين كيف يفهم صحابة الرسول الدين الذي لا يشك احد في ايمانهم العميق به. ويضع لنا قانوناً من اهم القوانين الاسلامية :

مصلحة الناس وسعادتها هي مقصد الشريعة ويبين هذا القانون مدى المرونة التي يتمتع بها الاسلام والتي لم يستطع فهمها شيوخ كثيرون في عصرنا هذا فالقفزة التي تمت في جميع مناحي الحياة والمفاهيم هي لا شك كبيرة وتحتاج الى قدرات كبيرة وجرأة غير عادية ، فمن يستطيع مثلاً ان يستفيد من (فان خفتم الا تعدلوا فواحدة ) فيصدر تشريعاً يناسب العصر يقول فيه انه لا يحق للمسلم سوى الزواج من واحدة ، وهناك كثير من الامور مثل مساواة المرأة بالرجل وغير ذلك من مناحي الحياة استفادة من الرسول الكريم وفهم تدرّجه .

الدين ضرورة حياتية للبشر وهو يمثل الروح مقابل المادة ويخلق التوازن معها ولو تركت العولمة تصول وتجول في الساحة لوحدها فستتوحش وتصير اكثر قسوة على مستقبل الانسان ونحن في الشرق مهد الروحانيات غيّرنا مجرى تاريخ البشرية ورفعناها درجات على سلم الرقي والتقدم.
واخيراً فان الحملة على الاسلام والهجوم على بعض الجزيئيات وخلط الماضي بالحاضر انما هي حملة ظالمة وان تأتي من بعض المسيحيين الجهلة ليست من اخلاق المسيح النبيلة والطاهرة المسامحة والتي تصل الى حد ادارة الخد الايسر!

كما انه يحز في النفس ان نقرأ بعض المقالات من كتبة جهلة يدعون انهم مسلمين تهاجم المسيحية والانجيل المقدس فهذه ليست من اخلاق الرسول الكريم وتصغّر من الاسلام وعظمته.

ومثل هذه الحملات انما هي حرف للجهود التي يجب ان تتركز على اعداء الامة وخاصة الدكتاتوريات التي تعمل على تدمير مستقبلنا ومستقبل اجيالنا !
وآن لاصحاب الضمير ان يقفوا معاً لوقف هذه الحملات والانتباه للامور الهامة قبل فوات الاوان !

وعلى المتعطشين للتغيير والحداثة وانا واحد منهم ان يدركوا انهم لن يشهدوه قبل تغيير النظم القائمة في الوطن العربي التي اصيبت بالجمود والشلل ومثل هذا التغيير هو الذي سيطلق الطاقات الخلاقة في المجتمع والتي ستستنبط ما يناسب عصرها في كل مناحي الحياة ومنها الدين .


06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية