المثقفون والقفز فوق الجدار
...............................................................
| |
القدس هدفنا | |
بقلم : زهير كمال
..................
تكمن مشكلة بعض مثقفي الطيقة الوسطى في عالمنا العربي الى عدم قدرتهم على القفز فوق جدار بسيط الارتفاع موجود في عقولهم ، ويمكن ان نطلق على هذا الجدار اسم تابو السلطة ! فقدراتهم العقلية تؤهلهم لتحليل الأوضاع بدقة متناهية ثم تشريحها ووضع اصبعهم على الجرح او فلنقل تحديد أُس المشكلة وسببها ، وبعد ذلك يتوهون لعدم قدرتهم على تخطي هذا الحاجز العقلي البسيط .
وكان من المؤمل للبعض منهم الذي يعيش خارج الوطن العربي ان يكون لديه القدرة على القفز فوق الجدار نظراً لوجوده ( خارج الصندوق ) اي متحرراً من كافة الضغوط العقلية والجسدية والمعيشية ثم لاحتكاكه بالعقلية الغربية التي لا تعرف سوى برودة الاعصاب في النظرة للحياة وفي التخطيط والسياسة. قرأنا اخيراً مقالين يعبران بصدق عن عجز المثقفين المطلق امام هذا الجدار والتخبط امامه ، هذا التخبّط هو طرح الفكرة ونقيضها ويعطي القارئ الاحساس بانه امام ما يمكن تسميته ( طوشة عرب ).
تنطبق كل المواصفات السابقة على الكاتبين ومن الطريف ان احدهما اسلامي والآخر علماني ، بمعنى ان التوجه الفكري للكاتب لا علاقة له بالمشكلة وانما انتماءه لطبقته هو سببها .
كرس الكاتب الاسلامي كل كتاباته لفضح السلطة الفلسطينية وعفنها ما ظهر منه وما خفي ، وكان بذلك يؤدي دوراً مميزاً يشكر عليه . ولكن هذا الصحفي اللامع ، وفي مقال اخير له، يقول لنا انه لما أظهرت اسرائيل كل هذا التعنت وبانت نواياها فانه قد آن اوان المصالحة ، وهذا منطق عقيم لان المفترض في قيادة اي شعب ان لا تبني سياساتها على ردود الفعل ، وبهذا لا تصلح لقيادة شعبها وعليها التنحي وترك المجال لآخرين ان يتولوا القيادة ( ولن اتطرق هنا الى موضوع ان القيادة الحالية هي مغتصبة للسلطة وغير شرعية)
طبعاً هذا من حيث المبدأ ولكن افكار الكاتب تتناقض مع مفهوم منطقي بسيط وهو : لا يمكن ان يكون مسّبب المشاكل جزء من الحل!
طلع علينا كاتب وطني أخر بمقال طويل يطلب فيه من الزعماء العرب ان يعيدوا الينا كرامتنا المهدورة عندما يجتمعون في سرت ، والحق يقال انه قد وضع اصبعه على كل المشاكل العربية التي نعيشها وظننت ان العنوان نوع من لفت النظر الى المقال، فكثير من الكتاب يضعون عناوين براقة لمقالاتهم، ولكن العنوان هذه المرة يعبر عن رغبة الكاتب الصادقة ان يفعل (اصحاب الجلالة والفخامة والسمو ، كما توجه بخطابه اليهم) شيئاً من اجل التربية والتوعية والتعبئة ، لانهم لا يستطيعوا فعل شيء أخر !
يسرح عقل الانسان أحياناً مع التاريخ فيتخيل المرحومة شهرزاد وهي تخاطب ملك الملوك ، طاغية عصره شهريار قائلةً : بلغني ايها الملك الرشيد ذو الرأي السديد ان التعليم مهم للرعية.كيف يستطيع هؤلاء ان يعيدوا لنا كرامتنا وتاريخهم حافل بالمخازي !؟
فجميعاً
تآمروا على العراق ودمروه وقتلوا مليوناً من شعبه وشردوا ربع سكانه وأرجعوه الى القرون الوسطى!
والقدس ليست أعز من بغداد !
يتفرجون على الصومال ينزف ببطء منذ عقود ولا يحركون ساكناً حتى بكلمة!
والقدس ليست أعز من موغاديشو!
تآمروا على لبنان ووقفوا مع العدو وهو يقصف ويقتل اهله قي حرب عام 2006 لولا حفنة قليلة صامدة قلبت الطاولة فوق رؤوسهم جميعاً!
والقدس ليست أعز من بيروت!
وقفوا مع العدو في حربه على أهل غزة ويقتلون أهله بالتجويع والموت البطيء! كل ذنب اهل فلسطين انهم يقولون لا عالية مدوية!
والقدس ليست أعز من غزة
فردياً
بعض الامثلة للتوضيح فقط.
كيف يستطيع الزعيم قراءة الصحف والمجلات العالمية وفيها ان بلاده تتصدر قائمة الدول الفاسدة في العالم ؟ ثم لا يتحرك لانقاذ كرامة بلاده ونظرة العالم الهازئة اليها ؟ الى اي درجة تصل بلادة الشعور وعدم الاحساس بكرامة بلده التي أوصلها الى هذا الدرك؟ او هل هو الغباء المطلق بحيث يعتقد ان هذه جائزة لبلده ؟
كيف يستطيع زعيم ان يقرأ التقارير الدولية التي تقول ان 11 مليون من أبناء شعبه مصابون بأمراض وبائية ولا يحرك ساكناً ؟ اليس هو مسبب هذه المصيبة ؟ اين الكرامة في سفره لمعالجة امراضه خارج بلاده وترك مواطنيه للموت يحصدهم؟
كيف يقرأ زعيم ان 2 مليون من سكان البلاد يعيش في المقابر ومثلهم في العشوائيات ؟ اليست كرامة الوطن ان يسكن المواطن في مسكن لائق به هو واولاده؟ ماذا سيكون جوابه لو سأله احد سؤالاً محرجاً كهذا؟
كيف يرى زعيم مظاهرات الجوع تنطلق في بلاده بشكل يومي؟ جوع جعل اهل البلاد يكفرون بالوطن ويريدون الخلاص من الطاغية بالانفصال لانه يسرقهم ويوزع ثرواتهم البسيطة على عائلته ومنافقيه ! اليست كرامة الوطن ان يجد المواطن عملاً يقتات منه ؟
كيف يسمح زعماء لدول كبرى باقامة قواعد عسكرية على اراضي دولهم ؟ وكأنه لا يكفينا اسرائيل اكبر قاعدة عسكرية على الكرة الارضية !
ايها السادة: فاقد الشيء لا يعطيه ومسببوا المشكلة لا يمكن ان يكونوا جزءاً من الحل وهؤلاء الذين أفقدوا بلادهم الكرامة لا يمكن ان يعيدوا كرامة لأحد!
وانما لا بد من القفز فوق الجدار والخلاص الى النتيجة الطبيعية والمنطقية :
هذا الوطن يحتاج الى بداية جديدة!
وسيصل المثقفون تباعاً لهذه النتيجة المنطقية وحالما يصل عدد كبير منهم للاقتناع بذلك ويبداؤون التبشير بها بشكل منهجي منتظم ومتواصل سنشهد التغيير لان هذه هي الرسالة الوحيدة التي ستصل الى عقول وقلوب الناس لأنها تعبير عن مصالحهم الحقيقية.
قال الاخ لاخيه الذي ينوي السفر وهو يودّعه : يا أخي لا تثق بمن هم فوق الثلاثين ! كثير ممن تخطى هذه السن مصاب بمرض ارتفاع نسبة ال أنا في دمه مما ينعكس على شخصيته فتجد بعض الغرور والعظمة التي قل من استطاع الشفاء منها .
ربما كان الاخ يقصد هؤلاء الذين لا يستطيعون القفز فوق جدار منخفض الارتفاع!