مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 احلام هيكل‏
...............................................................

 

محمد حسنين هيكل

 

بقلم : زهير كمال
....................

 احلامنا تتشكل تبعاً لظروفنا ، هل يمكن تخيل ان اقصى حلم لراكب قطار في مصر هو وصوله سالماً الى بيته. وان يقوم ركاب القطار بتهنئة بعضهم بعد كل رحلة . او تخيل دعوات ساكن شقة في كل صلاة ان المقاول لم يتلاعب في المواصفات وابتهالاته ان الشقة لن تنهار فوق رأس عائلته. في هذا الزمن بدأت احلامنا تتضاءل وبدأ سقف توقعاتنا ينخفض ولم يخطر على بال احد من قبل ان احلامنا ستتقلص وسيكون هدفها التخلص من الكوابيس التي نعيشها فقط. اذا كنت تشارك الموتى سكناهم فاكبر حلم لك ان تجد سكناً معقولا تستطيع ان تتحمل أجرته وتترك اهل القبور ينعمون بالسلام الذي لم يجدوه في دنياهم، واذا كنت تسكن في احدى العشوائيات فغاية طموحك ان تنساك البلدية ولا تاتي جرافاتها وتهدم ما تعبت في بناءه مع اولادك لتجدوا سقفاً يحميكم، واذا كان طعامك اليومي المعتاد طبق الفول او الطعمية فغاية امنياتك ان يأتي عيد الاضحى لتذوق طعم اللحم. واذا كنت مريضاً فغاية امنياتك ان يزول المرض بدون لجوء الى اطباء ومستشفيات وتحمل مصاريف فوق طاقتك. طال نمط احلام التخلص من الكوابيس حتى سكان الاحياء الراقية نسبياً فصاروا يحلمون بشارع نظيف كما تعودوا دائماً ويتمنون ان يأتي عمال النظافة لجمع القمامة قبل ان يستفحل مكروهها.

 وبدلاً من التفكير بالابداع والاختراع والتطوير تقوقع اهل مصر في دائرة صغيرة من المشكلات تنغص عليهم حياتهم ولا يستطيعون حيالها عمل شيء واصبح الهم الوحيد لاغلبيتهم تحصيل لقمة عيش يومهم، ولا يرجع ذلك لعيب فيهم او كسل فقد منحهم الله ذكاءً فطرياً حاداً وجلد على العمل وصبر على تحمل المصاعب والمشاق ولكن المشكلة تكمن في فشل العقد الاجتماعي الذي يحرمهم من فرصة تحقيق ذواتهم واظهار مدى جدهم واجتهادهم، وشوقهم الى تغيير واقعهم الى الافضل. الكابوس الذي تعيشه مصر ليس لها يد فيه او حيلة، كان المفروض في حاكمها ان يبذل كل جهوده من اجل تحقيق احلامها ومن خلال تميزه في عمله سيضمن تسجيل اسمه في كتب التاريخ ، حلم كل رجل (او امرأة) وصل الى اعلى المناصب.

 لو توفي حسني مبارك فستخرج جرائد اليوم التالي في العالم محملةً بالتحليلات عن جردة الحساب للمدة الطويلة التي قضاها في السلطة وسيقول المراقبون الواقفون على الحياد ما يلي: لم تعرف مصر نظاماً اشد فساداً من نظام مبارك ، وصلت الى ان منظمات الشفافية العالمية وضعت مصر في المؤخرة مع نظيراتها العربيات، ترك مصر وهي مثقلة بمصائب كثيرة فقد بلغت البطالة مستويات غير مسبوقة جعلت اكثر من مليوني مواطن يسكنون المقابر وعدد مماثل يسكن في عشوائيات خطرة وغير صالحة للسكن الآدمي، اما الامية والجهل فقد بلغت اعلى نسبها، وقد ترك الشعب المصري في حالة يرثى لها . اذ بلغ عدد المصابين بالامراض الوبائية 11 مليون من عدد السكان البالغ ثمانين مليوناً، ليس هذا فحسب فان طعام مصر وبفعل الاهمال المتعمّد اصبح يحتوي على مواد مسرطنة وتقلل من ذكاء المواليد الجدد وهكذا فان فساده لم يقتصر على حاضر مصر بل على مستقبلها. اما في المجال العربي فقد غض نظره عن الفاسدين في الرياض والجزائر وغيرها من العواصم. وكان عاملاً اساسياً في التحالف الذي دمر العراق وقتل مليوناً من سكانه وشّرد اربعة ملايين، وفي عهده استعملت اساليب جديدة تعتبر غاية في القذارة مثل تجويع السكان المدنيين في غزة او منع الناخبين من الوصول الى صناديق الانتخابات للحفاظ على برلمان صوري مطواع . تركة ثقيلة يواجه مبارك بها ربه .

 أما الشعب المصري فيحتاج الى اجيال عديدة للتغلب على المآسي والاحزان والمصائب الكبرى لهذا الزعيم الفاشل. سينسى التاريخ ما سبق من مآثر مبارك، هل يذكر احد مآثر الحاكم بأمرالله الفاطمي، جبروته وقسوته اللهم الاّ بعض المتخصصين، ولكن فرمان منع اهل مصر من تناول الملوخية سينعش الذاكرة، وربما سيذكره البعض على سبيل التندر وهم يتناولونها. ولولا شقاوة المتنبي لما ذكر احد كافور الاخشيدي، ولولا القول الشهير ( ابك كالنساء ملكاً مضاعاً لم تحافظ عليه كالرجال) لما تذكر احد حاكما فاشلاً مثل ابي عبدالله محمد الثاني عشر اخر ملوك غرناطة . اسم حسني مبارك سيرتبط بالعبّارة وغرق اكثرمن الف مصري ابتلتعهم مياه البحر الاحمر تتويجاً لعهد بلغ مداه في الفساد، مثلما سيذكر اسم عبدالناصر بالبحيرة الموجودة على الخارطة المصرية.

محمد حسنين هيكل شاب في السادسة والثمانين من العمر ( امدّ الله في عمره) وهو بالطبع غني عن التعريف وشارك في صياغة السياسة المصرية ايام عبدالناصر وساهم في تبوؤها لمركزها الرفيع الذي يليق بها. في حوار مطول مع الاستاذ مجدي الجلاد، هال هيكل هذا الحجم الغير مسبوق من تردي الاوضاع في البلاد، واكد على ان مصر تحتاج الى بداية جديدة واقترح انشاء مجلس امناء للدولة ووضع دستور تعاقدي جديد. دافع هيكل ناتج عن رهافة شعور واحساس وناتج عن حبه الشديد لوطنه وتعلقه به فهو من الرجال الذين يطلق عليهم انهم مصريون حتى النخاع ، وتمتع هيكل بثقافة عالية ومقدرة على استشفاف المستقبل يجعله يحس بالخطر القادم وهو الانفجار في حالة عدم تدارك الاوضاع والذي اطلق عليه اسماً غريباً نوعاً ما فقد سماه الفوضى السوداء! فوضى بدون هدف ما تفعله هو التدمير والتخريب فليس لها قيادة توجهها لتتحول الى ثورة، وهي الفعل الفوضوي المنظم الهادف للتغيير، وهيكل لم يحدد موعداً لهذا الانفجار القادم فالتوقيت كما قال يرتبط بالكيمياء وليس الحساب. يرى هيكل طفلاً صغيراً ينفخ بالونة ويستمر في النفخ ويتوتر سطحها ويتمدد وهو لا يعي ما يفعله، ويراقب الرجل المرهف الوضع فالبالونة على وشك الانفجار فيحذر الطفل من انفجارها، ويطلب منه التوقف، فالطفل لا يعي انه في لحظة الانفجار ستتحول البالونة الى قطع صغيرة ، كل قطعة تطير في اتجاه ما وبسرعة رهيبة وسيحدث انفجارها دوياً كبيراً سيصل صداه الى اقصى المعمورة.

 باقتراحه هذا يريد هيكل ارجاع القاطرة على قضبان السكة وجعلها تسير الى الامام بدون خسائر لمصر ولكن دون ذلك خرط القتاد! فمبارك وعائلته يرون الامور بشكل مختلف واذا وصل الى مسامعهم هذا الاقتراح فانهم سيطلقون اقذع الشتائم بحق الرجل ابسطها الحقد ونكران الجميل بعد ان عرض عليه مبارك العلاج على نفقة الدولة. والتقارير التي تصل الحاكم هي ما يحب سماعها ( كل شيء على ما يرام والامن مستتب) يفرضه مليون ونصف المليون من عساكر الامن المركزي. واستتباب الامن هو الهاجس وهي النظرة الوحيدة لكل طاغية، يحكم بالحديد والنار، الى الاوضاع في بلده. لكن مبارك ليس المشكلة او العائق الوحيد ضد ( تصحيح سلمي للاوضاع ) ، فهناك كثيرون يقفون مع ركود الاوضاع وجمودها بهذا الشكل .

 واذا اردنا تسميتهم فعلينا تحليل عبارة ارجاع القاطرة الى قضبان السكة وجعلها تسير الى الامام. عبارة تعني ببساطة شديدة عكس اتجاه مصر 180 درجة والنقاط التالية توضح المعنى:

 1. تعاني مصر من الفساد، وعكس الاتجاه يعني محاربته بلا هوادة ويتطلب ذلك ردع المفسدين ومحاربتهم وحسابهم واصلاح القوانين وسد الثغرات فيها.
 2. تعاني مصر من حالة ترهل اداري غير مسبوقة وموظفوا الدولة لا يقومون بواجباتهم وفي ظل قوانين بيروقراطية من مخلفات العصور الوسطى، وعكس الاتجاه يعني دب روح الحياة والنشاط في كل مفاصل الدولة.
 3. تعاني مصر من نسبة بطالة وبطالة مقنعة مرشحة للتصاعد ويعني ذلك تعطل طاقات الشعب الخلاقة، وعكس الاتجاه يعني ان من اولويات الدولة خلق فرص العمل والتوظيف بوضع خطط خمسية وفتح مشاريع جديدة ومنها مدن جديدة في سيناء والصحاري ، اي تحول مصر الى ورشة عمل واسعة تخدم الطبقات الفقيرة والمحرومة.
 4 . تعاني مصر من نسبة أمّية تشلّ اي امة عن الحركة وعكس الاتجاه يعني وضع الخطط للقضاء عليها وعلى امية الثقافة التي تدبّ في جسد مصر وتنتج التفاهة والسطحية التي نشهدها.
 5 . تعاني مصر من غياب او تغييب دورها في العالم وعكس الاتجاه يعني ان ترجع لقيادة امتها العربية وكافة الدول الفقيرة في هذا العالم ، وتحاول كثير من الدول ملء هذا الفراغ مثل ايران وتركيا وحتى فنزويلا ولكن هيهات، فمن الصعب ان تحاول رسم دائرة من نقطة على سطحها وما اسهل رسمها من نقطة المركز مصر ( حقائق التاريخ والجغرافية ) وهذه النقطة بالذات هي التي تحدد من هم اعداء التغيير في مصر، ومن هم المستفيدين من الاوضاع المقلوبة .

 اسرائيل ومن خلفها وانظمة التخلف والفساد العربي، التي ستنهار واحداً تلو الآخر مثل احجار الدومينو بفعل التغيير في المركز. لا يشك احد ان هيكل الذي يتمتع بخبرة سياسية كبيرة يعرف هذه الامور جيداً ويعرف ان اقتراحاته هذه تصطدم بجدار صلب وجبهة كبيرة من الاعداء. ولكنه يحاول وينبه ويذكر عسى ان تنفع الذكرى. ومما يؤسف له ان كثيراً من الفلاسفة والمفكرين قاموا بتنبيه شعوبهم لما سيحدث من الاهوال ولم يعر احد اهتمام لما يقولون. الانفجار واقع لا محالة وقد ذكر هيكل ان توقيت وقوعه يتعلق بالكيمياء وليس بالحساب اي بنضج الظروف الموضوعية ولكن علوم المستقبليات يعطينا مؤشراً بسيطاً على التوقيت. فمن المتوقع حدوث الانفجار بعد عام 2014 (انظر رواية صيد الثلج الصادرة عن الدار العربية للعلوم– بيروت عام 2006 ). ربما لن يكون الانفجار فوضى سوداء كما يتوقع هيكل ففي الثورة الفرنسية افرزت الجماهير قيادات جديدة مثل دانتون وروبسبير وغيرهم قادوا الثورة ووجهوا العمل الفوضوي.

 ولا شك ان البداية ستكون دموية ولكن مع الوقت ستخرج قيم ومبادئ جديدة كما حدث في الثورة الفرنسية التي اعطت البشرية مبادئ الحرية والاخاء والمساواة . ومصر التي تغوص حضارتها في اعماق التاريخ تمتلك التقاليد الضامنة لولادة الجديد بأقل ما يمكن من الخسائر. مهما بلغت حسن النوايا ورغم كل مخاوف هيكل وقلقه على مستقبل مصر فان علم المنطق يقول : استحالة ان يكون سبب المشكلة جزأً من الحل. لم تحدث ابداً في التاريخ وليس متوقعاً حدوثها ابداً. سيظل مبارك ينفخ البالونة ولن يتوقف عن النفخ وندعو الله ان تكون ارباحنا اكثر من خسائرنا عند الانفجار ومما يؤلم ويعطل مسيرة الشعوب الابتلاء بحكام لا يحلمون بالمجد فهم يفتقرون للثقافة والاحساس بالتاريخ والجهل المطلق بمعنى كلمة الخلود.

zuhair1001@gmail.com

06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية