الحلّ هو في حلّ السلطة
...............................................................
| |
الرئيس عباس | |
بقلم : زياد السلوادي
........................
لو قمنا بعمل مقارنة شاملة بين وضع القضية الفلسطينية قبل اتفاق أوسلو عام 1993 وبين ما آلت إليه حالها في وقتنا الراهن 2010 ، وقد مضى على أوسلو سبع عشرة من السنوات العجاف أحرقت الزرع وجففت الضرع وانحدرت بالقضية الى الحضيض ، لوجدنا أن وضع القضية قبل أوسلو إن لم يكن أفضل من وضعها الآن فإنه كان أقل سوءً بدرجة كبيرة .تعالوا نقـُم بجردة حساب لما كان قبل أوسلو وما أمسى الآن بعد مضي هذه السنوات الطويلة عليها .
أولاً – قبل أوسلو كانت انتفاضة الحجارة التي بدأت في عام 1987 قد جعلت من القضية الفلسطينية الخبر الأول الرئيس في جميع نشرات الأخبار في العالم أجمع ، وأظهرت الوجه الحقيقي القبيح لإسرائيل لكل ذي عينين ، فتراجع التعاطف الغربي مع إسرائيل بينما كانت الشعوب الغربية تراقب بقلق وتأثر كيف أن إسرائيل واجهت حجارة الأطفال بالدبابات ، وكيف أن رابين قد أعطى تعليمات للجيش بكسر عظام الأطفال . ولما جاءت أوسلو كانت أولى نتائجها هي توقف انتفاضة الحجارة . فظن المراقبون أن اتفاق أوسلو ما هو إلا نصر للقضية الفلسطينية جاءت به الانتفاضة ، ولكن الأيام أثبتت عكس ذلك تماماً ، حيث أخمدت أوسلو جذوة الانتفاضة العظيمة .
ثانياً – قبل أوسلو كان وجود القيادات الفلسطينية خارج فلسطين يجعل من الصعب على المخابرات الإسرائيلية معرفة ما يدور داخل هذه القيادات ، وكان الموساد الإسرائيلي يتكلف الكثير من الجهد والمال في سبيل معرفة ذلك . ولما جاءت أوسلو أصبح بيض القيادات بأجمعها في السلة الإسرائيلية ، وأصبح من السهل على إسرائيل معرفة كل صغيرة وكبيرة تدور بين القيادات الفلسطينية من خلال تكنولوجيا التجسس التي تتفوق فيها إسرائيل ربما على أمريكا نفسها ، وأصبح من السهل كذلك تجنيد العملاء والاتصال بهم .
ثالثاً – قبل أوسلو كانت سمعة إسرائيل العالمية في الحضيض ، وأصبحت الشعوب الغربية المخدوعة تدرك بوضوح أن إسرائيل هي دولة عنصرية عدوانية تعتمد في وجودها على القوة ولا تأبه بالسلام لا مع أصحاب الأرض الأصليين ولا مع الجيران . وبعد أوسلو أحرزت إسرائيل هدفاً قوياً في مرمى الشعوب الغربية واستطاعت أن تبرز أمام العالم كدولة حريصة على السلام تدفع ثمنه من ( أرض ميعادها ) .
رابعاً – قبل أوسلو كان فلسطينيو الداخل يقاومون الاحتلال بكل وسيلة مقاومة سواء سلمية أم عنيفة ، وكانت إسرائيل تعاني ما تعانيه من تلك المقاومة الباسلة حتى وصل الأمر بحافلات الركاب العامة فيها أن تسير فارغة من الركاب جراء الخوف الكبير من انفجارها بمن فيها ، وكذلك كانت الحال في الحانات وفي المطاعم ، بينما كانت القيادة الفلسطينية في الخارج تقاوم على الصعيد الدبلوماسي ، وكان التنسيق بين القيادة في الخارج وبين المقاومة في الداخل يؤتي ثماراً تصب في رصيد الشعب الفلسطيني . وبعد أوسلو جاءت إسرائيل بقادة الخارج ليضربوا مقاومة الداخل !!!! ويعملوا على ضمان أمن إسرائيل ، حتى بلغ الأمر بأكبر القادة لأن يكفر بالمقاومة علناً ويصفها بأقذع الألفاظ .
خامساً – قبل أوسلو كان العالم يشاهد أطفالاً وشباناً صغاراً يقاومون بأجسادهم ضد الجيش الإسرائيلي المسلح بالدبابات ، وكان من المألوف أن ترى طفلاً صغيراً يرجم دبابة بالحجارة ، وكنت ترى كذلك الجندي الإسرائيلي وهو يغطي عدسة الكاميرا بكفه حتى لا تكشف الوحشية الإسرائيلية أمام العالم . وبعد أوسلو قامت إسرائيل بتسليح الشرطة الفلسطينية فأصبح العالم يرى ( جنوداً ) فلسطينيين مسلحين ، مما أعطى العالم انطباعاً بأن دولة فلسطينية قد قامت ، فأصبح في إمكان إسرائيل أن تضرب الشعب الفلسطيني بالطائرات وبالقنابل الفوسفورية دون خوف على سمعتها لأن الأمر سيبدو وكأنه حرب بين دولتين ، لا بين دولة قوية ومدنيين كما كان الحال من قبل.
سادساً – قبل أوسلو كانت إسرائيل تتكبد مشقة كبيرة لدى قيامها باغتيال أحد القادة الفلسطينيين في الخارج وتتحمل الحرج الكبير أمام العالم وأمام الدولة التي يتم تنفيذ الاغتيال فيها ، ويكفي أن تعرف أنها في اغتيالها للشهيد أبي جهاد خليل الوزير قد استعانت بحاملة طائرات أمريكية وسفينة تجسس وأقمار اصطناعية وألف عنصر من خيرة العناصر لديها ، وفي محاولتها الفاشلة لاغتيال المناضل خالد مشعل في العاصمة الأردنية وقعت في حرج كبير واضطرت الى الإفراج عن الشيخ الشهيد أحمد ياسين من سجونها . وبعد أوسلو أصبح من السهل على إسرائيل أن ترسل بطائرة أباتشي واحدة لتغتال بصاروخ واحد من تشاء من القيادات الفلسطينية كما فعلت مع الشهيد أبي علي مصطفى ومع الشيخ الشهيد أحمد ياسين وغيرهما .
سابعاً – قبل أوسلو كان بناء إسرائيل لمستوطنة واحدة يواجه برد فعل عنيف من الشعب الفلسطيني من خلال التظاهرات الحاشدة والصدامات الدموية مما يجعل الأمر يتصدر نشرات الأخبار العالمية . وبعد أوسلو بنت إسرائيل عشرات المستوطنات الجديدة ووسعت القديم منها ولم تواجه سوى ببيان شجب هزيل من أحد قيادات السلطة تارة ، وبصمت مطبق تارات أخرى ، مما جعل أراضي الضفة جميعها مزروعة بالمستوطنات .
ثامناً – قبل أوسلو لم تكن إسرائيل لتستطيع بحال من الأحوال التخلي عن مسئوليتها القانونية والأخلاقية تجاه الشعب الفلسطيني الذي تحتل أراضيه ، ولم تكن لتستطيع بناء جدار العزل العنصري ، وكانت مضطرة لتحمل نفقات بنيته التحتية ، وتوفير فرص العمل ، وكفالة الغذاء والدواء والحاجات الإنسانية . وبعد أوسلو أصبح بإمكانها حصار غزة ومنع الدواء والغذاء عن مليون وثمانمئة ألف إنسان فيها ، وأصبح بإمكانها كذلك محاصرة الضفة أيضاً بمئات الحواجز العسكرية وبجدار العزل العنصري دون أن يعترض أحد ، ولم تعد مضطرة لتحمل أعباء معيشة المدنيين المحتلين بل ألقت بتبعات ذلك كله على ما تقدمه الدول المانحة .
تاسعاً – قبل أوسلو كانت إسرائيل محاصرة بجيران يعادونها – باستثناء النظام المصري – ولا أقول الشعب المصري . وبعد أوسلو أصبح لإسرائيل سفارات وقنصليات ومكاتب تمثيل في العديد من الدول العربية بعد أن اعترفت هذه الأخيرة بحق إسرائيل في فلسطين التاريخية واقتصر موقفها على المطالبة بدولة فلسطينية هزيلة في جزء من الضفة وغزة .
عاشراً – قبل أوسلو لم يكن مرور الوقت في صالح إسرائيل ، كانت انتفاضة الحجارة مستمرة لما يقرب من سبع سنوات انحدرت خلالها سمعة إسرائيل الى درجة كبيرة من السوء ، وكسب الشعب الفلسطيني خلالها تعاطفاً دولياً غير مسبوق . وبعد أوسلو بدأ مؤشر سمعة إسرائيل في الارتفاع ، وأصبح الوقت يجري في صالحها ، وأخطر من ذلك فقد أصبح الآن في إمكان إسرائيل أن تميت القضية برمتها وتتركها دون حل ولو لعشرات السنوات القادمة دون أن تتأثر سمعتها ، وأصبح عنان المفاوضات في يدها كاملاً ، تبدأها متى تشاء وتوقفها متى تشاء ، وما على السلطة الفلسطينية إلا السمع والطاعة ، وما على أوروبا إلا دفع المال للسلطة وكأن السلطة موظفة في خدمة الحفاظ على الأمن الإسرائيلي ، وما على أمريكا إلا السكوت ، وما على الشعب الفلسطيني إلا الرضوخ والقبول وعدم الثورة ضد إسرائيل لأنه ببساطة لا يستطيع أن يثور ضد الاحتلال قبل أن يثور على السلطة التي تقف بينه وبين إسرائيل . وبعد ، أفلا يبدو الآن جلياً أن العودة الى المربع الأول قبل أوسلو هي أفضل خيار للشعب الفلسطيني ؟