مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 بذرة النهضة ، تـُربتها الأجيال القادمة ، وسمادها التعليم
...............................................................

 

بذرة النهضة

 

بقلم : زياد السلوادي
.......................

تخيل معي رجلاً يملك سيارة ( تاكسي ) ، هي رأسماله كله ، يعمل عليها في نهاره لينفق من ريعها على نفسه وأسرته ، وذات يوم انثقب إطار السيارة ولم يكن معه إطار احتياطي ، فحمل الإطار وقصد محل تصليح الإطارات ، وفي الطريق لفتت نظره واجهة عرض لمحل ملابس وأعجبته فيها ربطة عنق ( كرافتة ) معروضة وقد وضع عليها ثمنها ، فتفقد جيبه فوجد أن ما معه من مال لا يكفي لشراء ربطة العنق وإصلاح ثقب الإطار معاً ، فإما هذا وإما ذاك ، فماذا يفعل ؟ بالطبع لأنك قارئ ذكي وعقلاني فستقول إن الحكمة تقضي بأن يصلح الإطار أولاً ثم بعد أن تصبح السيارة جاهزة للاستثمار اليومي فإنه يستطيع بعد يوم أو يومين أن يشتري ربطة عنق أو اثنتين إن شاء ، لأنه لو اشترى الربطة من الآن فسيعدم إمكانية العمل على السيارة وسيوقف الإنتاج ولن تغني عنه ربطة العنق شيئاً . حسناً ، فماذا تقول في هذا الرجل لو أنه اختار أن يشتري ربطة العنق ورجع بالإطار مثقوباً كما هو ؟

هذه هي بالضبط حال عالمنا العربي ، إننا ننفق المليارات فيما لا يؤسس لنهضة حقة ، بل فيما لا يجدي أصلاً ، مليارات تدفع ثمناً للسجائر ، ومثلها لمكالمات المحمول ورسائله ، ومثلها لكرة القدم ، ومثلها للحفلات الغنائية ، ومثلها لمستحضرات التجميل ، ومثلها لأسلحة لا تستخدم ، ومثلها ومثلها في أتفه التفاهات ، بينما إطار نهضتنا لا يزال مثقوباً وسيارة استثمارنا معطلة .

إن مفهوم الاستثمار يعني الاستفادة من المادة المتاحة وتنميتها بحيث تدر دخلاً مربحاً لمن يستثمرها ، فالأرض الزراعية الخصبة هي مجال كبير للاستثمار الزراعي ، والبحر مجال آخر للاستثمار في مجال صيد السمك ، والمعادن والبترول الكامنة في الأرض هي مجال آخر للاستثمار الذي يدر دخلاً كبيراً على الدول التي تمتلكها ، والتاريخ والجغرافيا هما مجالان آخران مهمان للاستثمار في مجال السياحة . ولكن الاستثمار الأعظم الذي تستطيع الأمم من خلاله أن تبدع في استثمار كل مجال آخر هو الإنسان نفسه ، واستثماره الناجح إنما يكون بالتعليم والتربية الممنهجة . فبذور النهضة لأية أمة لا يمكن أن تنبت إلا في تربةِ أجيالِها ، المستصلحة بسماد التعليم .

ولو نظرنا الى الجدول الذي تنشره الأمم المتحدة لنسبة الأمية في مختلف دول العالم لاتضحت لنا الصورة ، ذلك أن أكثر الدول تقدماً في جميع المجالات هي تلك التي تقل نسبة الأمية بين شعوبها أو تلك التي تبلغ نسبة الأمية فيها صفراً في المئة . وسوف نصاب بالحزن الشديد حين نرى نسبة الأمية في عالمنا العربي على اختلاف دوله ، وسنحزن أكثر حين نتذكر أن عالمنا العربي لا ينقصه أي عامل من عوامل النهضة ( اللهم إلا الإرادة ) ، فالعرب يملكون من المال ما يكفي لتعليم أطفال العالم جميعاً ، ويملكون من عوامل التكامل ما لا تملكه أمة أخرى على وجه هذه الأرض ، وحتى لا يتشعب الحديث عن ذلك – وما أكثر تلك الشُعَب – فسوف يقتصر حديثنا هنا عن التعليم الذي يعتبر بحق البذرة الخصبة للنهضة ، والذي إن اعتنينا به فسيغير حياة أمتنا تغييراً جذرياً ، ولن نكتفي باللحاق بركب الأمم التي تسبقنا بعشرات السنين من التقدم المدني الإنساني بل هو كفيل برفع شأن هذه الأمة الى قمة التقدم المدني والحضاري ، وتأهيلها لتبوّء دورها القيادي القديم الذي طالما مارسته عبر التاريخ .

حاول كثير من الدول العربية إطلاق مشروع محو الأمية منذ سنوات عديدة ، ولكن من العجيب أن الأمية بعد كل هذه السنوات قد زادت نسبتها ، والسبب هو تسرب الأطفال من التعليم ، فماذا يجدي تعليم الكبار القراءة والكتابة بينما الأطفال يتسربون من التعليم ؟ إن الحكمة تقضي أننا إذا أردنا تنظيف ماء النهر من قاذورات طافية على وجه الماء أن نبدأ بالمنبع لا أن نركز جهودنا قرب المصب . والشاعر القديم الحكيم يقول :

لا تقطعنْ ذنب الأفعى وترسلها .... إن كنتَ شهماً فأتبعْ رأسها الذنبا
إن سر نهضة أمتنا يكمن في التركيز على أهمية تعليم أجيالنا القادمة وهو في حاجة ماسة الى ثورة تصلح جميع مفاهيم التعليم السائدة ، ثورة بكل ما للكلمة من معنى . وهذه الثورة في حاجة الى رغبة حقيقية في النهضة ، ثم هي في حاجة الى قرار شجاع من القيادات . ونحن هنا لن نخوض في الأمور الفنية والإدارية والتنظيمية ، فهذه لأصحاب الاختصاص ، ولكننا نستطيع أن نتصور من خلال هذه النقاط الوجه الجميل الذي يمكن للتعليم في عالمنا العربي أن يكون عليه ، والذي سيؤدي حتماً الى نهضة هذه الأمة .
أولا – يجب مضاعفة المبالغ التي تخصص للتعليم وللبحث العلمي عشرات المرات بحيث ينفق منها بسخاء مفرط على كل صغيرة وكبيرة .
ثانياً – يجب أن يكون التعليم إلزامياً لاثنتي عشرة سنة كاملة ، مع إمكانية فرض عقوبات على الأسر التي تسمح لأبنائها بالتسرب من التعليم ، ويراعى أن تقدم مساعدات مادية للأسر الفقيرة التي قد تلجأ لسبب الفقر الى استغلال أطفالها في العمل .

ثالثاً – تحسين ظروف المعلمين مادياً وعلمياً كما يلي :

أ – مضاعفة أجورهم عدة مرات بحيث يستغني المعلم عن أي دخل ثانوي آخر غير مرتبه ، وبحيث تصبح وظيفة المعلم واحدة من أعلى الوظائف العامة مردوداً ، بحيث أن أية أسرة تتمنى أن يصبح ابنها معلماً في المستقبل .

ب – تأهيل المعلم تأهيلاً خاصاً يفرض عليه الحصول على مؤهل يتناسب مع المرحلة التعليمية التي سيعمل فيها بحيث لا تقل درجة معلم المرحلة الثانوية عن الماجستير في مادة تخصصه ، إضافة الى حصول معلمي جميع المراحل على درجة محددة في التربية وعلم النفس وتدريب خاص يجعل المعلم قادراً على اكتشاف المواهب الخاصة المختلفة في طلابه .
رابعاً – يكون التعليم مجانياً من السنة الأولى وحتى نهاية المرحلة الجامعية ، وتقدم التسهيلات المادية والأدبية بسخاء لراغبي الدراسات العليا في جميع المجالات .

خامساً – تخصص لكل مدرسة لجنة مسؤولة عن الإشراف الاجتماعي والنفسي على الطلاب ويكون من مهامها اكتشاف المواهب المتميزة في شتى المجالات .

سادساً – تخصيص مدرسة أو أكثر لكل منطقة تعليمية تحت مسمى ( مدرسة علماء المستقبل ) ، ينقل إليها جميع الطلاب الموهوبين مواهب خاصة في شتى المجالات والسابقين بهذه المواهب أقرانهم ، ويراعى التركيز على تدريس أصحاب المواهب بشكل خاص يناسب كل موهبة .
سابعاً – مدارس التعليم المهني تبدأ باستقبال طلابها ابتداء من المرحلة الثانوية ، ويجب أن يكون التعليم المهني جاداً وممنهجاً بحيث يتخرج منها المهني كفؤاً لممارسة مهنته فلا يمارسها إلا بعد حصوله على شهادة تثبت كفاءته وترخيصاً بمزاولة المهنة .
 
تخيل حال عالمنا العربي بعد سنوات معدودة لو كان التعليم على هذه الشاكلة ، واتهمني إن شئت بأنني أحلم ، ولكن أليست جميع الإنجازات الحضارية العظيمة قد بدأت بحلم ؟


06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية