القط العربي والببغاء الإسرائيلية
...............................................................
| |
السكان الأصليين | |
بقلم : زياد السلوادي
........................
لعل الخطأ القاتل الذي وقع فيه منظروا المشروع الصهيوني لإقامة دولة إسرائيل في قلب العالم العربي والإسلامي هو أن هذا المشروع منذ أن بدأ في نهاية القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا يسير قدماً ولكن في اتجاه مضاد لحركة التاريخ . ورغم أنه مشروع إحلالي يهدف الى طرد السكان الأصليين وإحلال عنصر بشري آخر محلهم ، مثلما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا ، وقد تبدو هذه الطريقة ( طريقة الإحلال) هي أكثر طرق الاحتلال قابلية للعيش والاستمرار كما هو حادث في الدول التي ذكرتها . ولكن الأمر بالنسبة لإسرائيل مختلف كلياً عن ذلك وإن تشابه في الشكل . ذلك أن الدول سابقة الذكر سارت بمشروعها الإحلالي سيراً يوافق حركة التاريخ فهي وإن تجنت على السكان الأصليين أول الأمر إلا أنها تختلف عن الحالة الإسرائيلية في ثلاثة عناصر مهمة جداً كانت وراء نجاحها .
أولها أنها وإن كانت تجنت على السكان الأصليين في بداية تأسيسها إلا أنها فتحت قلبها وحدودها لكافة أجناس البشر ممن رغبوا في الإقامة فيها والانتماء إليها دون النظر الى عنصرهم أو جنسهم ، مما أدى الى ذوبان ما بقي من سكانها الأصليين في الخليط الاجتماعي الكبير .
وثانيها أن السكان الأصليين هناك لم يكن لهم امتداد خارج أوطانهم أو على حدودها كما هو حاصل بالنسبة للشعب الفلسطيني الذي يمتد انتماؤه عربياً من المحيط الى الخليج وإسلامياً الى أبعد من ذلك .
وثالثها أن المساحة الشاسعة لتلك البلاد مع قلة عدد سكانها الأصليين سمح للملايين من المهاجرين أن يعيشوا فيها بسهولة ويسر .
أما في حالة إسرائيل فإن العناصر الثلاثة التي ذكرتها منعدمة تماماً ، ولذلك فإن على المشروع الصهيوني أن يظل محافظاً الى الأبد على تفوقه النوعي على جميع الدول المحيطة به ، وهذا أمر هو أقرب للمستحيل ، ذلك أن الفترات التاريخية متقلبة دائماً فلا تستطيع أية قوة في العالم أن تحافظ فيها على التفوق المستمر . فحركة التاريخ لا تسير على وتيرة واحدة أبداً ، وكل القوى المختلفة فيها هي إما في صعود الى أجل محدود أو في هبوط الى أجل محدود . ولكن سرعة الهبوط تتناسب دائماً طردياً مع سير تلك القوى بعكس حركة التاريخ ، ولعل أقرب مثال حي لا يزال نابضاً في وجدان الشعوب هو الاتحاد السوفييتي والذي قام على أسس تناقض الطبيعة الإنسانية ، تلك الأسس القائمة على الشيوعية ، فرغم جبروت القوة السوفييتية إلا أنها لم تستطع الصمود أمام تيار التاريخ لأكثر من سبعين سنة عاد فيها هذا التيار الى إصلاح الفكرة الخاطئة التي قام عليها الاتحاد ، وأعاد دوران عجلة التاريخ الى وجهتها الصحيحة . ولعل في المثال التالي صورة واضحة لموقف إسرائيل ( الدولة ) من السير بعكس اتجاه التاريخ وبعكس طبيعة الأشياء .
يحكى أن ملكاً كان يحكم إحدى البلاد ، وكان في قصره قط مدلل ولكنه شرس جداً ، وببغاء صغيرة ، وكان الملك حفياً بهما ، ولكنه لم يكن يستطيع أن يجمعهما معاً في قفص واحد خوفاً على الببغاء أن يقتلها القط الشرس . وذات يوم زار الملكَ بهلوانٌ متمرس في ألعاب السيرك ، فسأله الملك إن كان يستطيع أن يجمع له القط والببغاء في قفص واحد شريطة أن لا يعتدي القط على الببغاء ، وعرض الملك على البهلوان جائزة عظيمة إن هو فعل ذلك ، فوافق البهلوان وطلب أن يختلي بالقط والببغاء ساعة من الزمن في غرفة ، فأدخله الملك الى غرفة منعزلة ومعه القط والببغاء ، وبعد ساعة خرج البهلوان يحمل بيده القفص وقد جمع فيه القط والببغاء وكلاهما ينظر الى الآخر في وداعة وسلام .
فرح الملك كثيراً وأمر للبهلوان بجائزة عظيمة ، فأخذها البهلوان وانصرف ، وجلس الملك يراقب القط والببغاء في دهشة وفرح عظيمين .
وما هي إلا ساعة أو أقل حتى انتفض القط من مكانه فجأة ، وهجم على الببغاء فقطـّعها إرباً إرباً قبل أن يتمكن أحد من منعه . فغضب الملك وأمر بإحضار البهلوان فوراً . ولما مثل البهلوان بين يدي الملك ، قال له الملك بهدوء : أيها البهلوان الماكر ، لقد كنت أعرف منذ البداية أن جمع القط والببغاء في قفص واحد دون أن يقتل القط الببغاء هو أمر مستحيل ، وأنا لن أعاقبك على ما فعلت بل سأعطيك جائزة أخرى إن أخبرتني كيف استطعت أن تقنع القط بأن يظل وديعاً في القفص طيلة ساعة كاملة . فقال البهلوان : يا مولاي الملك ، حين اختليت بالقط والببغاء في غرفة واحدة ، خلعت عباءتي ووضعت القط فيها ، ثم أمسكتها من طرفها وظللت ألفـّها وأديرها على شكل دائرة كما تدور المروحة ، والقط محشور فيها طيلة الساعة التي مكثت فيها في الغرفة ، حتى أيقنت أن القط قد أصيب بدوار لا يفيق منه إلا بعد وقت طويل ، ثم وضعتهما معاً في القفص وخرجت إليك ، فأنت كنت تشاهد القط ينظر الى الببغاء في وداعة وسلام ، ولكن الحقيقة أن القط لم يكن يرى الببغاء قـَط لما كان يعانيه من دوار ، ثم ما إن أفاق من دواره بعد ساعة حتى رأى الببغاء وكان ما كان .
الواقع والحقيقة أن جميع حكام إسرائيل على مدى تاريخها القصير ، وإن كانوا يسيرون على طريق استراتيجي طويل المدى يهدف في نهايته الى الوصول بحدود إسرائيل الى الفرات شرقا والى النيل غرباً ، إلا أنهم ومنذ أن بدأ أول تفاوض بين السادات وبيجن ، لا ينظرون الى أبعد من تحت أقدامهم . ولا ينطقون إلا بما يملي عليهم غرور القوة ( المؤقتة )، ولو كانوا عاقلين فعلاً لسعوا الى السلام سعياً حثيثاً ولرضوا بدولة فلسطينية على حدود 1967 ، ولاستفادوا من مبادرة الضعف العربي وجنوا ثمار التطبيع وفرصة العيش الآمن في هذا المحيط العربي الشاسع ، الممتلئ بالقطط الدائخة ، لأن ساعة دوار القط العربي توشك على الانتهاء ، وعندها لن تجد الببغاء الإسرائيلية فرصة للعيش حتى على حدود 1948 .