ثقافات بدون حدود
...............................................................
زكية خيرهم
..................
تنوعت الأنشطة وفعاليات مهرجان ثقافة بدون حدود، لتشمل خليطا من النشاطات الفنية من رقص وغناء وصناعات تقليدية من مختلف دول العالم، النرويج، السويد، ليتوانيا، أسبانيا، إيطاليا مقدونيا، تشيتشينيا ، تركيا، ، فلسطين، كردستان، العراق، أيران، أفغانستان، باكستان، الهند، سيرلانكا، التايلند، الفيتنام، الفلبين، الصين، المغرب، تونس، غامبيا، غانا، كامرون، ساحل العاج، نيجيريا، أغندا، جنوب أفريقيا، صوماليا، أثيوبيا والسودان. اجتمعت دول القارات الخمس، لتشكل التحاما إنسانيا يجمعه نفس الهدف والرؤيا، وعرض كل الجنسيات نتاجها الذي تفتخر به ويميز ثقافتها وحضارتها، كما شرّف المهرجان مجموعة من الطلبة الأكادميين والمثقفين ومبدعين و رسامين، بعضهم مغاربة وآخرون من دول أخرى أوروبية وذلك لتلاقي وتبادل الأفكار الجديدة وأحدث الإبداعات الثقافية والفنية على مختلف الأصعدة.
أبرز أنشطة المهرجان الفولكلور المغربي
استطاع المنتدى الثقافي المغربي النرويجي، أن يكون أعضاؤه المشاركون في طليعة المهرجان. لقد كانت السمة البارزة لفعالية المنتدى ونجاحه في مهرجان ثقافات بلا حدود، هي أن المنتدى تجاوز المثقف أو الفنان المغربي، ليشمل المثقف والفنان النرويجي وكل أجنبي يحمل الجنسية النرويجية، ليصبح منتدى يشمل كل الأجانب المهتمين والنرويجين المثقفين أصحاب أبداعات مختلفة والتشكيليين وأيضا الفرق الموسيقية.
ما أثار إعجابي في هذا المنتدى المغربي النرويجي، هو انفتاحه على الثقافات الأخرى، والتمسك في نفس الوقت بالتراث المغربي الذي يجسد أصالة المغرب ويعبر عن تقاليده وعاداته. استطاع أعضاء المنتدى المغربي النرويجي " نوماف" أن يحافظوا على هذا الثراث المغربي والحرص على توريثه للجيل القادم في الوطن النرويجي. الهدف هو ترسيخه في ذاكرة الأبناء والأحفاد للجالية المغربية الذين تزوج بعضهم نرويجيات، فأنجبوا جيلا جديدا يجمع ثقافات وعادات البلدين.
|
فرقة عيساوة |
أثارت أنظار الحضور وبالتحديد الصحافيين الذين أخذوا صورا كثيرة للمشهد التراثي الأقرب إلى الأسطورة. بعد العروض الغنائية الأفرونرويجية، قدمت المجموعة المغربية بلباسها التقليدي في طريقها إلى منصة العرض وأعضاءها يهللون بكلمات صوفية مغربية بصوت عال مستخدمين إيقاعات موسيقية، مصحوبة بزغاريد مما أدى إلى انبهار المتواجدين. صعدت الفرقة إلى المنصة وبدأت في الرقص والتراتيل، ثم حوّلت المجموعة تراتيلها الصوفية إلى أغان خاصة بحفلات الأعراس المغربية، مما أضفى جمالا أكثر ووقعا في نفوس المشاهدين.
جولة حول العالم خلال ست ساعات
كانت الخيم مصطفة قرب بعضها وكل خيمة تقدم تراث دولتها من أزياء وطنية وتقليدية وأبرز صناعاتها ، وفي زوايا الخيم هناك مجموعة من نفس البلد تعرض طبخا مميزا تشتهر به دولتهم وكيفية تقديم الشراب من شاي أو قهوة. ما أثار انتباهي طريقة تحضير القهوة الحبشية، والتي لا تختلف عن صنع الشاي الموريتاني الذي يستغرق ساعات. كما أن طريقة التحضير بنفس الطقوس التي يحضر بها الشاي الموريتاني. وعلى مستوى فن الطبخ أقيمت سلسلة من الموائد المتنوعة بمختلف أنواع الطبخ لأكثر من ثلاثين دولة . ينتقل الحاضرون من خيمة إلى أخرى ملتصقة بعضها ببعض يتذوقون طعام كل خيمة،وكأنهم ينتقلون من دولة إلى أخرى بدون تأشيرة أو جواز سفر . يكفيك أن تخطو خطوتان لتجد نفسك أما عالم أخر وطبخ أخر وحلويات أخرى . والمضيف في الخيمة بزي وطنه يستقبل الحاضرين بابتسامة فرح وكل في عينه الفخر بتقديم ثقافة بلده.
تقول لي أمرأة في الخمسينيات مع زوجها أنهما سعيدان بهذا الخليط الثقافي ويتمنون المشاركة في هذا المهرجان فقط لحبهما الاطلاع على العالم الآخر بمختلف ثقافاته وفنونه. كما أضافا أن النرويج أصبح مغايرا على ما كان عليه سابقا حيث أصبح منفتحا على الثقافات الأخرى وهذا في نظرهما رائع. وتقول الزوجة: إن الطعام أفضل وسيلة لجمع الناس. طعام مختلف من ثلاثين دولة في مقاطعة "فوروست" بمدينة أسلو، أكلة " بلنيس" من تشيتشينيا، و" كباب " من المغرب مصحوب بالشاي الأخضر بالنعناع ، و"كابولي" من أفغانستان، و"ووك" من الفيتنام و"فوفو" من غامبيا، كما قدمت أكلات سريعة من دول غربية، اسبانيا وانجلترا وفلندا.
أضحكتني سيدة في السبعينات، وصحن من الأكل المغربي في يدها، تقول لي ، سأذهب الآن إلى أثيوبيا ، أعني إلى خيمة اثيبويا حتى اشرب هناك القهوة. وشاب نرويجي يبتسم، وملعقة في يده يقول بصوت عال: ما أطيب هذا الأكل المتنوع، لذيذ بتوابله ، ليست حادة وطعمها متميز ، سآكل قدر ما استطيع لأنني بعدها سأرجع إلى البيت و إلى الوجبات السريعة والبطاطا المقلية.
الخيمة المغربية
أثارت أنتباهي الخيمة المغربية أكثر من غيرها. وقف كل من الأعضاء بالمنتدى، سهام السكوري من أنشط أعضاء المنتدى، ترتدي الزي المغربي ، واقفة أمام المنتوجات التقليدية المغربية من اللباس النسائي التقليدي إلى المصنوحات الفضية والنحاسية ، و سهام أوازيف ، تشوي اللحم " الكباب" وبجانبها حفيط بنيوب يصنع الشاي المغربي والحاج محمد كرموشي ، يصب الشاي في الكؤوس المغربية المميزة بشكلها، مرتدين الزي التقليدي المغربي ، الجلباب والطربوش، يشوون اللحم ويغنون وينكتون، مما أثار أنتباه الكثير من الحاضرين في ذلك المهرجان، فأقتربوا إلى الخيمة وكل يشتري الشاي المغربي ، ويسألون عن كيفية تحضير وسر تلك النكهة المميزة بالنعناع.
كانت الخيمة ومن فيها من الشباب المغاربة بروحهم المرحة ، ودخان الشواء المتطاير في فضاء تلك الساحة الكبيرة وكأنك واقف في ساحة جامع الفنا في مراكش.
المنظمات الثقافية في النرويج، فلسفة واندماج
عدد من المنظمات هنا في مدينو أسلو، كانت نشيطة جدا واثبتت جدارة في تعاونها مع بعضها البعض وفي تنظيم المهرجان. ليس من السهل ذلك الإنجاز الكبير. كان العمل إنسانيا وبدون مقابل مادي. فالهدف كان واحدا، وهو التعريف بثقافات وعادات الآخر المقيم في النرويج حيث انصهرت تلك الثقافات في وطن واحد هو النرويج، إذ أصبح الوطن الأم لكل تلك الجنسيات مع المحافظة على خصوصيات كل أصل، وهذا ما يجعل التصاق الجميع بالمملكة النرويجية حميما وفاعلا.
ورغم الأمطار الغزيرة ذلك اليوم إلا أنها لم تحول دون تجمع تلك الحشود لتعبر بعمق حميم عن هذا الاندماج والتنوع الثقافي المذهل. التي كانت ذلك اليوم لم تنمع ذلك الاندماج الثقافي. وبدون تحيز كان في طليعة ذلك الحشد ما يمكن تسميته المغربي النرويجي الذي مثّله وأسسه المغربي النرويجي الأستاذ علي بو عبد الله من مدينة مكناس حيث وحّد مجموعات مغربية في تجمع مذهل تفتخر به النرويج والمغرب. وفي هذه النقطة تكمن عظمة المملكة النرويجية التي تعطيك وطنا أم جديدا لا يحول دون احتفاظك بثقافة وعادات وطنك الأصلي . وطنك حيث كرامتك . وطنك حيث شعورك بالحرية والأمن والأمان . وهنا تبرز المملكة النرويجية كوطن أم للعديد من الجنسيات والأصول. ألم أسميها مرارا المملكة النرويجية المباركة.
Zakia kahirhoum
Ghaliawin11@yahoo.com
www.zakianna.se