مصرنا


مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الامريكية عن المركز الامريكى للنشر الالكترونى .. والاراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
رئيس التحرير : غريب المنسى .. مدير التحرير : مسعد غنيم
............................................................................................................................................................

 
 

 تعليق على رواية "الجمال العربية على الثلوج القطبية "
...............................................................

بقلم : زكية خيرهم
..........................

للكاتب العراقي: محمد سيف المفتي

هل نعاني غربة الزمان والمكان فقط أم غربة الأهل والوطن
وغربة الروح والفكر؟

" إنه الفردوس الأوربي في افكار الشباب العربي " كما يقول الكاتب في مقدمة الرواية.

الرواية تصور حياة اللاجئين في الدول ألإسكيندينافية وتحديدا النرويج، فيعيش القارئ مشهدا حقيقيا للمعاناة التي يتعرض لها اللاجئ عند هروبه الكبير حاملا وطنه معه عبر محطات الرعب ليحط رحاله المرتبك في أحد مراكز اللاجئين المنتشرة في" الوطن البديل " حيث الأحلام الوردية بمستقبل زاهر وحياة مطمئنة و بداية انطلاقة نحو الاستقرار وبناء الذات من جديد ، بعد أن أنهكتها عاصفة الذل والرعب والحروب فلم يعد في تلك الروح إلا بقايا ألم راسخ في النفس، لكن الأمل يظل متأرجحا بين ابتسامة أمل شاحبة أو شرود مرتبك وبين إشتياق الأهل والإنتظار الموجع الذي يزيد من حزن اللاجئ ، مما يجعل أحاسيسه مختلطة بين نقمة على وطنه الذي يحضنه في قلبه وهو الذي كان سببا في إقتلاعه من الأهل والأحباب ، و صمت وهم وحزن وبكاء على بقايا سنوات مرهونة بين الإقامة والترحيل.

الرواية مرآة تعكس صورة الفردوس الأوروبي، وتكشف المستور غير غافلة عن جوانب أخرى إنسانية مهمة ، يكتشفها القارئ بين السطور والفقرات ، منها مواقف لشخصيات نرويجية كانت في قمة العطاء والإيثار، وأخرى تعطي من القليل القليل وثالثة تشجع وتثني أو تحبط وتكره . شرائح اجتماعية ككل المجتمعات ويبقى على المرء أن يعرف اين يحط رحاله ومع من وكيف ولماذا؟ فكما يزرع الإنسان يحصد وكما يعطي يأخذ. إنها رواية ذات مضمون أخلاقي وفلسفي لمعضلة اصطدام الحضارات والثقافات وبالتالي السلوك والعادات.

شخصيات الرواية

شدّني في الرواية شخوصها ، ودقة الكاتب في وصفها بجمل قصيرة غنية عميقة بمعاني كلماتها. يسترسل الكاتب بسلاسة وبأسلوب بسيط غير معقد عبر المحطات الزمنية التي تنقل القارئ من حدث إلى آخر ومن سلوك إلى آخر بجرأة في الطرح والإيهام في التأويل وتصوير العناصر من محطة إلى أخرى عبر ذلك الفضاء الجغرافي من الشرق إلى الغرب. الزوجة التي تودع الوطن للأبد في آخر ليلة في بيتها وكيف تعصر جسدها لإخراج كل ما فيه من دموع. صديق الطفولة وهو يجاهد لمساعدة صديقه "بطل القصة" للخروج من الوطن سالما. بطل القصة الذي يتأرجح بين الضعف والقوة لمواجهة المستقبل الغامض القادم عليه. رجال الدرك في المطار في الوطن وفي الترانزيت بمطار غربي وسلوكياتهم التي تزرع الرعب حتى وإن كان المسافر سائحا نظيفا من كل الشبهات ، دون أن يغفل الكاتب وصف بعض المشاهد المثيرة المخيفة في المطار والمضحكة أيضا، إنه ينتقل بك من الحزن إلى الفرح ومن الغضب إلى الضحك ومن أنقباض العضلات وفقدان الأمل إلى إنشراحها ويزرع فيك وأنت تقرأ بشوق أن الأمل آت لا محال.

العنصر ( الشخصية) في الرواية

وصف الكاتب بموضوعية وحياد سلوكيات كل فرد بغض النظر عن عرقه أو لونه. شخصية المسلم الصالح وشخصية المسلم بالهوية فقط . كما صور بدقة سلوكيات الشخصية النرويجية التي تمثل السلطة أو شريحة من شرائح المجتمع، فأظهر جليا السلب والإيجاب والبيروقراطية التي تخنق الروح وتخلق الإحباط ، وصف الأفراد، منها الرائع إلى درجة الذهول وأخرى عنصرية إلى درجة الإستغراب والنفور. شخصيات بعضها تصنف إلى شخصية صانعة للحدث وأخرى يصنعها الحدث، أحداث عشناها نحن الأجانب أو سمعنا عنها. تجعلنا نحس أن الراوي لم يصنع الشخصية بشكل مطلق. فسلوك كل شخصية وصفاتها وأفعالها من الواقع الذي يتكرر كل يوم . أبدع الكاتب محمد سيف المفتي، في انتقاء الأشخاص من بداية ظهورها من أول صفحة على مسرح الأحداث ، حيث يلاحظ القارئ استقلال أفعالها واستقلال سلوكياتها حسب خلفيتها الإجتماعية والفكرية بعيدا عن رغبة الكاتب.

سرد الأحداث

كتب محمد المفتي جملا شفافة غير معقدة تسهل على القارئ إستنباط حلول وتساؤلات وأفكار تؤدي إلى إجتهادات موفقة حتى يستفيد القارئ من تجربة قد يكون مر بها أو سيمر بها أو تكون عبرة لكي لا يمر بها على الإطلاق. الرواية واقع حقيقي بأحداثه فهي تجربة كل لاجئ مغترب، تقف بك أمام محطات أحيانا تدمع عينك، وأحيانا تترك الكتاب وتنفجر بكاء وأحيانا أخرى تنفجر ضحكا. إنه تداخل سردي ومتراكم للأحداث تشد القارئ وتجعله يحس أنه هو المعني بل هو المتحدث والراوي. قصة قد تكون من صنع خيال الكاتب ولكنها تبقى أحداثا تتكرر إلى يومنا هذا مع كل لاجئ إلى جنته الموعودة. أستطاع الكاتب أن يرسم جوانب عديدة من حياة الغربة والبعد عن الوطن بأسلوب سلس ومترابط غير ممل وكأن القارئ يشاهد فيلما سينيمائيا بل أكثر من ذلك، إنها مشاهد لفضاء واسع من الصور والأشخاص لا يستطيع أي مخرج تصويرها. يأخذك الكاتب من محطة إلى أخرى ومن انتظار إلى آخر ومن أمل وابتسامة، وأحيانا يرجع بك إلى أغصان الطفولة وحلاوتها وحب الأهل ودفئهم الذي إنقطع فجأة نتيجة سطو قوة خفية على سلام تلك المنطقة ، ليجرجرك الكاتب معه خلسة عبر الحدود وفي الطائرة وفي الترانزيت ثم إلى مطار النرويج، والحفاوة التي أستقبل بها وهو يفترش الرعب في زنزانة بالمطار حتى الصباح.

مركز اللجوء

لم يترك الكاتب محمد المفتي جانبا إلا وذكره وذلك ما لفت نظري. معاناة اللاجئيين النفسية والعضوية و العقلية، تنافر اللاجئين القادمين من نفس البلد وخلافاتهم المذهبية هي الأبرز مما يجعلهم يحملون الكره والعداوة لبعضهم ، لتتشكل على شكل دسائس وشك في بعضهم وأتهام بعضهم البعض بالجاسوسية، ولاجئون آخرون يتضامنون وتجمعهم مودة مفرطة وكأنهم عائلة واحدة. إبداع جليّ في تصوير الطيبة والقبح والظلم والخيانة والوفاء ، إنه الفراغ والضياع والبعد عن الأهل والأحباب وعن الوطن كما يسرد الكاتب، مشيرا أيضا إلى مشاكل تعليم اللغة وتعامل الموظفين النريويجيين مع الأجانب. وصف بكل موضوعية وصراحة مواقف ومشاهد للاجئين وهم ينتظرون أشهرا وسنوات في خوف وإحباط، منتظرين الإجابة من السلطات إن كانوا سيقبلون بالبلد أو يرحلون. وأشار الكاتب إلى لباسهم الموحد وكأنهم سجناء، إنه زي اللاجئ كان امرأة أو رجلا يميزه عن غيره من سكان المنطقة ، وهذا بطبيعة الحال يطبع في نفسية اللاجئ تمييزا ... أنه مختلف ....

الأسلوب

أثار أنتباهي وشدني سلاسة الأسلوب بطابعه الوجداني وبخاصيته الشاعرية وارتباط الأحداث في الرواية، والوصف الدقيق . عندما يصف الأشخاص ويصور أحاسيسهم وعندما يصف الأماكن والطبيعة الصامتة والإنسان، يلمس القارئ مدى براعة الكاتب على توصيف المشاعر والتعبير بلغة سلسة غير معقدة ، وينقلك الكاتب فجأة إلى مغامرة طريفة وكأنه يريد أن يخفف عن القارئ ثقل هم الوطن والمنفى، هم الصراع الإنساني بين الشرق والغرب وبين أفراد المجتمع وطبقاته في البلد الجديد. نسج الكاتب حكاية الجمال العربية على الثلوج القطبية التي تمثل جانبا حيويا وخطيرا ايضا. هل ستتأقلم هذه الجمال العربية الهاربة من الصحراء مع الثلوج، أم ستبلعها عواصف القطب الشمالي في غياهب المجهول؟

قيم .... تسامح... محبة .... وحرية

هذا ما يستنتجه القارئ منذ بداية قراءته للصفحات الأولى من الرواية، أنها لم تكتب من فراغ ولم تسطر حروفها وكلماتها لملئ الصفحات، وإن ما يستشفه القارئ تجربة حقيقية المراد بها الإفادة والعبرة. رواية تهدف إلى كشف معاناة اللاجئئين من الحرب والديكتاتورية إلى عالم " السلام والأمان" ليجدوا أنفسهم يمرون عبر مسارات متعددة وتيارات مظلمة أحيانا، وأخرى محبطة، وعدم الإستقرار النفسي والمادي ، والصراع لإثبات الذات والتأقلم مع الواقع الجديد . رواية تكشف المكنون، وتضع الأصبع على موضع الداء، رواية تنادي بأعلى صوت، أنظروا إلى الواقع، إلى أسباب الترحال ..أنظروا إلى الوطن والمنفى وإلى العلة والدواء، رواية تصرخ بقوة : انتبهوا وعالجوا الظلم الذي يقع على الشعوب العربية فيعطل طاقاتها وحرياتها، ذلك الظلم حرم المجتمع بأسره الإستفادة من هذه الطاقات المهاجرة الهاربة، إذ بدون عدل لا يمكن أن يكون هناك مجتمع يبني ويعمل ويعطي وبدون حرية لا يمكن بناء ديموقراطية، وبدون ديموقراطية لا يمكن بناء دولة.

البحث عن بداية الإنطلاقة

نجح الكاتب في تصوير حقيقة اللاجئ في بداية إنطلاقته. وقد أشار في روايته إلى أمثلة : منها انسياق بعض اللاجئين وراء فضاء وهمي وآمال تركض وراء السراب. وهناك من يجاهد قدر المستطاع أن يتأقلم مع مجتمع جديد بكل تجلياته ، والصعوبة في التعرف على شعب منغلق حتى مع بعضه البعض. وصف الجيران، ووصف الحفاوة التي أستقبل بها بطل الرواية وهو الجار الجديد، وأظهر في روايته من سلوك الجار القريب من بيته طيبة هذا الشعب، لكن المبادرة تبدأ من ذلك الأجنبي الدخيل ولكنه الفريد بصفاته الكريمة الطيبة والدافئة التي حملها معه في قلبه وهو يغادر المكان الأول. في بداية البحث عن الإنطلاقة يأخذك الكاتب بين مد وجزر، بين ألم وأمل ومطاردة وإصرار، بين أمواج مشاكسة وتيارات تسحبك أحيانا إلى الشعور بالإحباط والسقوط . لكن تبقى العزيمة والإصرار سر النجاح في عالم غريب، صحراء من الثلوج المدثّرة بالظلام بكل أنواعه فتبقى الجمال رغم قدرها الذي أرسلها غصبا إلى بيئة غير بيئتها وطقس غير طقسها ، تظل رافعة رأسها بشموخ، تتذكر الوطن وتحن إليه وتراه جليا، واحة رغم الثلوج التي تحيطها. يبقى الأمل أن تلك الواحات الصحراوية الدافئة بإنسانيتها، الدافئة بشمها سترجع حتما إلى الإشراق ليس في الذاكرة فقط .

المستقبل المجهول

يسرد الكاتب أحداثا مشوقة يشعر القارئ مع الراوي " بطل القصة" المد والجزر في تفاعلات الحيات وعقباتها، صعوبة التعرف على الجيران، انغلاق الشعب وخوفه من الأجنبي، صعوبة إيجاد العمل، أبواب تقفل، وأخرى تفتح، وفاجعة فراق إنسانة عزيزة نرويجية كانت بمثابة الأم في حبها وعطفها، وموت صديق نرويجي حسرة على فقدان زوجته وجيرانه الطيبين" بطل القصة وزوجته"، الوقوع في مخالب الذئاب من العرب وتعاملهم البشع وسرقة كل ما كان يملكه " بطل الرواية" من لباس ومتاع، ترك الزوجة مع عائلة عربية طيبة، بينما هو يعمل بعيدا عن المنطقة التي تسكن فيها الزوجة مؤقتا، ييحث عن عمل متشرد لا مأوى ولا سند. إلا سيارته التي لا تقيه من صقيع البرد، ويظل الأمل بعد كل تلك المعانات والجد وعدم الرضوخ إلى الإنهزام لأن الاستقرار آت لا محالة من وراء عتمة ذلك المستقبل المجهول.

على قمة الجبل

لا يسعني إلا أن أكتب بعض الجمل من آخر فقرة في رواية الكاتب.
" كانت يارا مستلقية بجانبي، وإصبعها يؤشر إلى السماء، وهي تقول هل تعني هناك، فقلت لها نعم هناك. لم تكن ترى وجهي ولا أرى وجهها. كنا ننظر إلى تلك السماء الصافية وإبننا يلعب بالرمل والحجارة .... يبدو عليه أنه وجد جنته على الأرض في هذا المكان ... لا نعلم ماذا سيقول أحفادنا عندما يقرأون قصتنا ... هل سيقولون يا لحياتهم الصعبة!! أم يقولون يا لسهولة حياتهم وشدة مبالغتهم!! كل ما أتمناه لأحفادنا أن يجدوا حياة تليق بإنسانيتهم ...."

أهم شيء يجعل الرواية قصة حقيقية هو أن الكاتب كتب من منطلق معاناة ظهرت جليا من خلال قراءة النص، لأن من يقرأ الرواية يحس نداء في نفسه وصوتا في عقله يقول إن محمد المفتي فعلا ما قدمه في روايته هو من خلال معرفة ومعاناة ، حتى أن القارئ " اللاجئ" الذي يعيش في الغرب يحس كأنه هو نفسه "سيف" بطل الرواية.

وأخيرا وليس آخرا، رواية أثرت في كثيرا وأرجعتني سنينا إلى الوراء متذكرة معاناتي في بداية سنواتي بالغربة ، فما كتبته مجرد إنطباع قارئ عادي وليس ناقد .... أترك النقد لأصحابه.

Zakia Khairhoum
كاتبة مغربية مقيمة في النرويج
ghaliawin11@yahoo.com


المؤلف: مجمد سيف المفتي ، عراقي الأصل
ماجستير ثروة سمكية
عمل مديرا لمنتدى الحضارات 1998 ، 2000 .
عضو مجلس بلدية مدينة إيدسفول النرويجية
ناشط سياسي في مجال السياسة الخارجية، ودمج الأقليات في المجتمع الجديد
روايته " الجمال العربية على الثلوج القطبية " صدرت عن دار الفكر العربي في القاهرة عام 2007


 

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية