| | | | كيف ننهض؟
| | كيف ننهض؟ | |
بقلم: محمد زكريا توفيق ...........................
كيف ننهض إذا كان وزير التعليم سلفي؟ للإجابة على هذا السؤال، لابد من فهم كيف بدأت النهضة الأوروبية. عصر النهضة الأوروبية يبدأ مع نهاية العصور المظلمة عام 1350م، ويستمر حتى عام 1600م. كلمة نهضة باللغة الإنجليزية هي (Renaissance)، وتعني حرفيا البعث أو الميلاد من جديد.
لماذا هذه الفترة الزمنية، التي تسمى عصر النهضة، هي بعث وميلاد جديد للأمة؟ لأنها فترة حيوية تظهر فيها الأفكار الجديدة والقيم الإنسانية النبيلة. فترة تتصحح فيها مفاهيمنا وعاداتنا المغلوطة، وتتحرر خلالها عقولنا وإرادتنا. فترة يبدع فيها الإنسان في كل مجالات الإبداع، من علم وأدب وفن وشعر وموسيقى.
عصر النهضة بدأ في شمال إيطاليا. ولم يكن نبلاء إيطاليا، لوباردي وتوسكاني الإيطاليون، يعيشون في عزلة مقفلة مثل لوردات إنجلترا وفرنسا الإقطاعيين. إنما كانوا تجارا. وكانت مدنهم مثل ميلانو وفلورنسا والبندقية، تحكم بنظام يشبه الحكم الجمهوري وحكومات منتخبة. مثل مدينة أثينا في الزمن القديم.
الحكام الجدد لهذه المدن، مثل فيسكونتي في ميلانو والمديسي في فلورنسا، كانوا يعتمدون على ثروة المدينة وقوتها في الحكم. لم تكن سياساتهم مبنية على تعاليم الكنيسة وأخلاقيات الديانة الكاثوليكية. هذه هي بداية الدولة المدنية والتحرر من السلطة الدينية.
ثم بدأ التحرر من السلطة الدينية ينتشر في دول شمال أوروبا. دول مثل فرنسا وانجلترا وأسبانيا والبرتغال، شهدت نوعا من النظام والاستقرار والتقدم الإقتصادي.
التقدم الإقتصادي حدث بسبب التجارة والتحرر من القوانين التي تحرم فائدة البنوك. فقد وجدت هذه الدول أن تحريم فائدة البنوك، أدي إلى تراكم الثروات داخل قصور النبلاء التي استنزفت في بناء القصور وشراء التحف والطنافس والجواهر.
كانت الرجال تبيع ضمائرها والنساء تبيعن أجسادهن عندما يعز عليهن الإقتراض وتشتد حاجتهن للمال. عندما سمح بفائدة معقلولة، نشط النظام المصرفي والإئتماني والتعاوني، وظهرت شركات التأمين التي تؤمن على المراكب وحياة البحارة، فنشطت التجارة والصناعة.
كانت التجارة بين المدن الإيطالية والهند والصين، تمر بمصر. وعندما بدأت الدول شمال أوروبا في منافسة المدن الإيطالية في التجارة، حاولت اكتشاف طرق أخرى للتجارة مع الهند والصين.
فنجد الأمير البرتغالي هنري الملاح، يرسل العديد من الرحلات البحرية حول سواحل أفريقيا الغربية. في عام 1488م، كان المستكشف البرتغالي بارتولوميو دايس هو أول من وصل إلى أسفل مكان في القارة الأفريقية وأثبت أنه صالح للملاحة حوله.
في عام 1497م، أبحر فاسكو دي جاما البرتغالي الجنسية بمحازات الساحل الغربي الأفريقي إلى أن وصل إلى رأس الرجاء الصالح أسفل القارة الأفريقية، ثم واصل إبحاره إلى أن وصل إلى الساحل الغربي للهند. وهو أول من أبحر من أوروبا إلى الهند دون المرور بمصر أو بمنطقة الشرق الأوسط. بحلول عام 1516م، وصل البرتغاليون إلى الصين بطريق الإبحار.
في عام 1492م، أبحر الإيطالي كرستوفر كولومبس غربا تحت العلم الأسباني بحثا عن طريق آخر إلى الهند. لكنه اكتشف عالم آخر، قارتي أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية. في عام 1513م، عبر فاسكو دي بالبوا برزخ بنما إلى المحيط الهادي.
في عام 1521م، أبحر فرديناند ماجلان حول قارة أمريكا الجنوبية واكتشف جزر الفيلبين. ولم تكن هذه الرحلات سهلة أو تنقصها الشجاعة. المؤرخ الإيطالي بيجافيتا كان يصاحب ماجلان في رحلته وكتب لنا ما يلي:
"مكثنا ثلاثة شهور وعشرين يوما بدون أكل طازج. كنا نعيش على البسكويت، الذي لم يعد بسكويتا. لكنه مسحوق بسكويت يمتلئ بالديدان، معجون ببول الفئران. وكنا نشرب ماء أصفر آسن منذ أيام عديدة. وكنا نأكل شرائح جلود الثيران التي تحمي الأخشاب عندما نجدها والتي أصبحت جافة جدا بسبب تعرضها للشمس الحارقة والمطر والريح. وكنا ننقعها في الماء المالح لمدة أربعة أيام ثم نأكلها. وكنا نأكل الفئران ونبيعها لبعضنا، والتي لم نكن نجدها بسهولة. ولولا نعمة الله وفضله، التي أعطتنا جوا معتدلا، لما قدرت لنا النجاة ومتنا جميعا في هذه المياة المترامية."
في عام 1519م، وصل المستكشفون الأسبان إلى المكسيك وهزموا قبائل الأزتيك، وقبائل الأنكا في بيرو، ثم واصلوا اكتشافاتهم في أمريكا الجنوبية.
في عام 1497م، كان الإنجليزي جون كابوت هو أول من وضع قدمه على أرض قارة أمريكا الشمالية. ولمدة 100 سنة تقريبا، ظل الإنجليز والفرنسيين يحاولون إيجاد طريق غربا من أمريكا الشمالية إلى الصين.
في عام 1608م، أنشأت فرنسا أول مستعمرة في مقاطعة كويبيك بأمريكا الشمالية. بعد ذلك بعام واحد، قامت أول مستعمرة إنجليزية في جيمس تاون بفرجينيا. في عام 1621م، أقام الهولنديون مستعمرة نيو أمستردام على جزيرة منهاتن، جزء من مدينة نيويورك حاليا، وعلى ضفاف نهر هدسون.
النجاح في اكتشاف طرق جديدة للتجارة مع الشرق الأقصى، الهند والصين، واكتشاف العالم الجديد، الأمريكتين، جعل التجارة تتحول عن منطقة الشرق الأوسط ومصر بالأخص. مما تسبب في ضعف دولة المماليك في مصر وجعلها عرضة لعزو العثمانيين بقيادة سليم الأول. الأمر الذي أدي إلى أفول عظمة مصر وبداية عصر الإظلام والتخلف الذي استمر لمدة 300 سنة تقريبا.
لندع شعوبنا في الشرق الأوسط تغط في سباتها العميق، ولننظر ماذا حدث في العالم الغربي. ازدهار في التجارة والصناعة. المعادن الثمينة والمواد الخام أصبحت متوافرة بكثرة. الذهب والفضة المستخرجة من البلاد المستكشفة حديثا تسببت في نمو رأسمالي ضخم. لكن النمو الإقتصادي كان يصاحبه تقدم في النظم السياسية والتكنولوجيا والعلوم.
صاحب عصر الإكتشافات تقدم كبير في الآداب. وظهر مفهوم جديد للعلوم الإنسانية، بدأت في إيطاليا. نادت بإحياء الأدب الكلاسيكي والفن اليوناني والروماني القديم.
التعليم في العصور الوسطى، كان يهتم بدراسة الدين والطب والقانون. لكن العلوم الإنسانية في عصر النهضة، كانت تهتم بالعلوم والفلسفة والأدب اليوناني والروماني القديم.
كتاب مثل بيترارش وبوكاشيو بدأوا في كتابة أشعار لها طابع إنساني، بخلاف ما كان يكتب أثناء العصور الوسطي. وبدأ البحث عن التراث والكنوز الأدبية والفكرية التي ظهرت في العالم القديم. والتي ظلت مجهولة ومهملة لعدة قرون. جاءت الكنوز اليونانية القديمة إلى إيطاليا من مدينة القسطنطينية (استامبول حاليا).
بعد الحصول على الكنوز اليونانية والرومانية القديمة، بدأت العلوم الإنسانية تتسرب إلى المناهج الدراسية في المدارس والجامعات. وبدأ الإهتمام بالفلسفة اليونانية القديمة ودراسة أعمال العمالقة أمثال سقراط وأفلاطون وأرسطو. هذا عكس ما يحدث في بلادنا اليوم. ولا يجب أن نذهب بعيدا للبحث عن سبب تخلفنا وانحطاطنا الفكري والعلمي.
ترجمة الأدب اليوناني والروماني القديم، لا تشبع ثقافتنا التاريخية فقط، لكنها تصحح أيضا مفاهيمنا المغلوطة، التي ليس لها إلا مصدر واحد للمعرفة، وهو التفاسير الدينية التي لا تستقيم مع العقل أو المنطق، والتي لم تعد تساير العصر.
كان الفيلسوف نيتشة يرى أن الأخلاق الحقيقية، تنحصر في النمط الإغريقي الذي يمجد القوة والفن. وكان يستخف بالرقة والنعومة وطيبة القلب التي رآها من صفات الديانة المسيحية.
العلوم الإنسانية، فضلا عن أنها تركز على أهمية الإنسان كفرد، وتشجعه على اكتشاف أعماقه والتعبير عن عواطفه وشعوره، هي أيضا قد ساعدت في ظهور صيغ جديدة للتعبير الفني في مجالات الرسم والنحت.
فنجد مثلا اللوحات الفنية قد تحولت من الرسم المسطح ذي البعدين إلى الرسم الذي يوحي بالعمق والأبعاد الثلاثة. ونجد هذا واضحا في أعمال سيمابيو ودوشيو وجيوتو. وكان جيوتو رساما ونحاتا ومهندس معماري، وأول من كان يرسم بالزيت صورا من الطبيعة لا من الذاكرة. وإذا أضفنا لهذه الأعمال أعمال ليوناردو دافنشي، تبين لنا الكنوز الفنية التي تركها الفنانون الإيطاليون في هذه الحقبة.
مع نهاية عصر النهضة، انتقل مركز الفنون من فلورنسا إلى البندقية ومنها إلى روما. وظهرت الأعمال الرائعة لفناني عصر النهضة، أمثال دافنشي ورفائيل ومايكل أنجلو.
لم يكن فنانو عصر النهضة رسامين ونحاتين فقط، وإنما كانوا حرفيين إلى درجة عالية وعلى دراية فائقة بعلم التشريح. تمثال مايكل أنجلو "دافيد"، يعتبر تمجيدا رائعا لجسم الإنسان. ولوحة المونا ليزا لدافنشي بإبتسامتها الغامضة، تبهر محبي وعشاق الفنون حتى اليوم.
هؤلاء بعض فناني عصر النهضة الإيطاليين. وهناك إلى جانبهم عشرات الفنانين ظهروا في إيطاليا وباقي أوروبا، وأصبحوا جزءا لا يتجزء من عصر النهضة الأوروبية.
بالطبع لا يمكننا الحديث عن عصر النهضة الأوربية بدون الحديث عن الثورة الدينية التي قام بها القس الألماني مارتن لوثر. في عام 1517م، قام لوثر بكتابة 95 أطروحة ولصقها على الأبواب الخارجية لكنيسة ويتنبرج في ألمانيا.
هذه الأطروحات كانت تنتقد الكنيسة الكاثوليكية وتعاليمها، مما تسبب عنه جدال ونزاع، إنتهى إلى انشقاق وتصدع في الكنيسة الكاثوليكية أفضى إلى نشوء الكنيسة البروتستانتية لاحقا.
أوضح مارتن لوثر خلال خطاباته ومنشوراته رأيه في الكنيسة الكاثوليكية. وقام بترجمة العهد القديم والعهد الجديد من اللاتينية إلى الألمانية. وسرعان ما انتشرت أفكاره وآرائه في كل أنحاء أوروبا.
مع مرور الوقت، انشطرت من الكنيسة البروتستانتية كنائس أخرى هي: المينونية والآمش والكويكر. وفي إنجلترا، قام الملك هنري الثامن بالانفصال عن الكنيسة الكاثوليكية وكون الكنيسة الإنجيلية.
لذلك لم تجد الكنيسة الكاثوليكية مندوحة عن القيام بالإصلاح من الداخل. لكن بعد فوات الأوان، وبعد أن تدمرت وحدتها التي كانت تمثل وحدة للعالم الغربي تحت بابا كاثوليكي واحد وكنيسة واحدة.
استمر عصر النهضة في أوروبا ما يقرب من 200 سنة. ولم تصل النهضة إلى إنجلترا إلا نهاية القرن الخامس عشر. وبلغت النهضة أوجها في إنجترا في عصر الملكة إليزابث التي حكمت من عام 1558م إلى عام 1603م.
خلال حكم الملكة إليزابث، بلغت إنجلترا أوج قوتها. فقد كانت قوة عظمى تسيطر على كل البحار. وكانت على وشك استعمار العالم الجديد. الكنيسة الإنجيلية في إنجلترا بدأت تستقر بعد سنين من المرارة والعداء مع الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة البروتستنتية.
العلوم الإنسانية تقدمت إلى درجة كبيرة بجهود وأعمال أدباء وشعراء وعلماء مثل كرستوفر مارلو ووليم شيكسبير والسير فرانسيس باكون وآخرين.
في خلال ال 75 عاما التي أعقبت عام 1550م، كانت كمية القصائد الشعرية والأغاني تنهمر مثل السيل من العديد من الشعراء، وكانت تفوق في عددها وجودتها كل إنتاج الألف سنة السابقة على هذا التاريخ. وكانت الدراما تعالج قضايا وعواطف الناس. وأصبح المسرح أداة تعليم وتثقيف للعامة، كما كانت الكنيسة المصدر الوحيد لتثقيف وتعليم العامة في العصور الوسطى.
العصور الوسطى كانت تدور حول مفهوم الإله. عصر النهضة كان يدور حول مفهوم الإنسان. لم يعد الإنسان يؤمن فقط بالله، ولكن أصبح إلى جانب إيمانه بالله، يؤمن بنفسه وقدرته على حل مشاكله ومشاكل مجتمعه. وأصبحت الجنة التي ينشدها هي جنته على الأرض، بجانب جنته في السماء.
أين نحن من عصر النهضة؟ كنا نغط في سبات عميق. أطفأنا الأنوار وتدثرنا بالألحفة. ولم نستيقظ إلا بالحملة الفرنسية عام 1798م. عصر النهضة المصرية بدأ بجهود رفاعة رافع الطهطاوي في عصر محمد على وجهود على باشا مبارك في عصر الخديو إسماعيل وجهود عظماء مثل أحمد لطفي السيد وقاسم أمين والإمام محمد عبده وطه حسين وغيرهم من الكتاب.
في الموسيقى ظهر عبده الحامولي ومحمد عثمان وأبو العلا محمد وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب ومحمد القصبجي ورياض السنباطي ومحمود الشريف ومحمد الموجي وكمال الطويل إلخ. وفي فن النحت ظهر مختار وفي العلوم ظهر مصطفي مشرفة، وفي الشعر ظهر أحمد شوقي وحافظ إبراهيم إلخ.
لكننا اليوم نشاهد نهضة عكسية إلى الوراء تصاحب المد الديني وسيطرته على عقول المصريين. فتعليمنا لم يعد يستند إلى أرسطو وأفلاطون وسقراط. ولم تعد السينما والمسرح والرواية والشعر والفن أدوات تعليم وتثقيف.
ومنعت أيضا كتب الفلسفة وعلم النفس والمنطق من مدارسنا وجامعاتنا، واختفت الروايات والقصص من بيوتنا. وأصبح إمام المسجد والدعاه الجدد وشيوخ السلفية هم المصدر الوحيد للتعليم والتثقيف.
هل النهضة جديدة على الشعب المصري وغريبه عنه. أبدا والله. فقد عرفت مصر عصر النهضة أيام حكم البطالمة الذي استمر أكثر من 300 سنة قبل الميلاد.
فقد كانت فلسفة سقراط وأفلاطون وأرسطو تدرس بالمدارس، وكانت أشعار هوميروس، هي الكتاب الرئيس في التعليم المدرسي، في كل مكان في مصر. وكانت توجد قصائد هيسيود (Hesiodus)، وأغاني سافو وروايات مناندر وقصائد كاليماخوس.
وأجزاء من قصائد الشعراء الغنائيين وروايات الكتاب المسرحيين الأوائل، كأناشيد الشكر وغيرها من المنظومات لبندار والشعراء المعاصرين. وروايات أسخيلوس وعددها لا يقل عن 40 رواية، وروايات أخرى لسوفوكليس ويوريبيديس وأرسطوفان.
لذلك يجب أن نقلق عندما يقترح خيرت الشاطر نائب مرشد جماعة الإخوان تشكيل حكومة ائتلافية برئاسته، مع إسناد وزارة التربية والتعليم للسلفيين.
تخيلوا معي وزير التربية والتعليم بعد الثورة هو عبد المنعم الشحات، المتحدث الرسمي باسم الدعوة السلفية، الذي يعتبر الحضارة المصرية القديمة عفن وأدب نجيب محفوظ دعارة والديموقراطية كفر، ويحرم كرة القدم والموسيقى والفنون وكل ما هو مبهج وجميل في حياتنا، ويؤمن بأن الأرض مسطحة والإبل مخلوقة من الشياطين، لذلك يجوز أكل الشياطين. فإلى أين نحن ذاهبون؟ وأي مصير ينتظرنا؟ لا شك أنها هاوية سحيقة، ومصير مظلم مخيف.
06/11/2014
مصرنا ©
| | | |
| | | | |
|
|