مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 لا، لن يحكمنا الخليفة من قندهار

 

الخليفة

 

بقلم: محمد زكريا توفيق
................................

الإنسان عدو ما يجهل، والنفس أمارة بالسوء. تأنس لما تهوى، وتعشق ما تعرف. وكما يقول الفيلسوف دافيد هيوم، العقل عبد للرغبات والشهوة. العقل عبد للمعتقد. منا من يؤمن بأول عقيدة تصادفه دون تفكير. يقبل كل ما يعضدها، ويرفض كل ما يخالفها. يدافع عنها بماله وعياله وحياته. يكفّر من يرى غير ما يراه، أو يؤمن بغير ما يؤمن به. إنني هنا سأترك أحداث التاريخ تبرر، لماذا لم يعد نظام الخلافة يصلح لنا. وذلك بمناسبة فوز الإسلاميين وحصولهم على أكبر عدد من مقاعد المجلس التشريعي القادم. فهل قمنا بالثورة لكي يحكمنا خليفة قابع على أريكته في قندهار، عليه ثيابا خضر سندس وإستبرق وأساور من فضة، محاطا بالجواري والغلمان والعبيد؟

هل نظام الخلافة يصلح لنا اليوم بعد هذا الكفاح المرير للحاق بالحضار الإنسانية، وبناء دولتنا المدنية؟ سوف أدع أحداث التاريخ تجيب على هذا السؤال، وسأترك الحكم للسادة القراء.

سعد بن عبادة لم يبايع، فقتلته الجن:

عندما قبض الرسول صلعم، كان في المعارضين سعد بن عبادة، سيد الخزرج، وهو من النقباء الاثني عشر. مات في عهد عمر، على معارضته لخلافة أبي بكر وعمر، ودون أن يبايع لهما؟!

قالوا أنه وجد ميتا في مغسله، وقد اخضر جسده، ولم يشعر بموته أحدا، حتى سمعوا قائلا يقول ولا يرون أحدا:

نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة

ورميناه بسهمين فلم نخط فؤاده

يقال : إن الجن قتلته . وروى ابن جريج عن عطاء قال: سمعت الجن قالت : فذكر البيتين .وقال ابن الأثير : فلما سمع الغلمان ذلك ذعروا، فحفظ ذلك اليوم، فوجدوه اليوم الذي مات فيه سعد بالشام. وقال ابن سيرين : بينا سعد يبول قائما إذ اتكأ فمات، قتلته الجن.

لقد أراد سعد تناوب السلطة، أمير من عندكم وأمير من عندنا. لكن قريش أبت إلا أن تكون الخلافة من نصيب القرشيين فقط.

حكم الشريعة:

كان أبي بكرة والمغيرة متجاورين، بينهما طريق. وكانا لهما مشربتين متقابلتين في داريهما. في كل منهما كوة. اجتمع إلى أبي بكرة نفر يتحدثون في مشربته، فهبت ريح فتحت باب الكوة، فقام أبو بكرة ليصفقه.

بصر المغيرة وقد فتحت الريح باب كوة مشربته وهو بين رجلي امرأة. فقال للنفر: قوموا فانظروا. قاموا فنظروا، ثم قال اشهدوا. قالوا ومن هذه، قال أم جميل ابنة الأفقم، وكانت أم جميل إحدى نساء بني عامر بن صعصعة. وكانت غاشية للمغيرة، وتغشى الأمراء والأشراف، وكان بعض النساء يفعلن ذلك في زمانها.

قالوا إنما رأينا أعجازاً، ولا ندري ما الوجه، ثم أنهم صمموا حين قامت. لما خرج المغيرة إلى الصلاة، حال أبو بكرة بينه وبين الصلاة، وقال لا تـُصل بنا. فكتبوا إلى عمر بذلك.

ارتحل المغيرة وأبو بكرة ونافع بن كلدة وزياد وشبل بن معبد البجلي حتى قدموا على عمر، فجمع بينهم وبين المغيرة، فقال المغيرة: سل هؤلاء الأعبد كيف رأوني، مستقبلهم أو مستدبرهم، وكيف رأوا المرأة أو عرفوها، فإن كانوا مستقبلي فكيف لم أستتر، أو مستدبري فبأي شيء استحلوا النظر إلي في منزلي، على امرأتي، والله ما أتيت إلا امرأتي. وكانت شبهها.

بدأ أبي بكرة، فشهد عليه أنه رآه بين رجلي أم جميل وهو يدخله ويخرجه، كالميل في المكحله. قال كيف رأيتهما، قال مستدبرهما، قال فكيف استثبت رأسها، قال تحاملت.

ثم دعا بشبل بن معبد، فشهد بمثل ذلك، فقال استدبرتهما أو استقبلتهما، وشهد نافع بمثل شهادة أبي بكرة، ولم يشهد زياد بمثل شهادتهم.

قال زياد رأيته جالساً بين رجلي امرأة، فرأيت قدمين مخضوبتين تخفقان، وإستين مكشوفتين. وسمعت حفزاناً شديداً. قال هل رأيت كالميل في المكحله؟ قال لا، قال فهل تعرف المرأة؟ قال لا، ولكن أشبهها، قال فتـَنـَح .

وأمر عمر بالثلاثة فجلدوا الحد. فقال المغيرة: اشفني من الأعبد (اي الثلاثة الذين شهدوا ضدي)، فقال : اسكت، اسكت الله نأمتك، لو والله تمت الشهادة لرجمتك بأحجارك.

العدل في عهد عثمان بن عفان:

يذكر الطبري في كتابه تاريخ الأمم والملوك الجزء الثالث:

لبث عثمان بعدما قتل، ليلتين لا يستطيعون دفنه. ثم حمله أربعة. فلما وضع ليصلي عليه، جاء نفر من الأنصار يمنعوهم الصلاة عليه، ومنعوهم أن يدفن بالبقيع.

فقال أبو جهم: ادفنوه فقد صلى الله عليه وملائكته، فقالوا: لا والله لا يدفن في مقابر المسلمين أبداً. فدفنوه في حوش كوكب، مقابر اليهود. فلما ملكت بني أمية، أدخلوا ذلك الحوش في البقيع.

المشكلة هنا أن نظام الخلافة ليست به ضوابط. تحاسب الحاكم وتمنعه من الخطأ والتجاوز، وتعزله إن خرج على الأمة وأساء لها. فقد اتهم عثمان بخروجه على قواعد العدل، ولما اشتد على المسلمين الخطب، حاصروه وطلبوا منه أن يعتزل.

لكنه رفض وأجابهم بقوله الشهير: والله لا أنزع ثوبا سربلنيه الله. وبعد مقتل عثمان بشهور، خرج طلحة والزبير يطالبان بالثأر له في جيش عائشة. فقتلا وهزم جيش عائشة.

ثروة الأقارب والمعارف في عهد عثمان:

يقول ابن سعد في طبقاته الكبرى:

كان لعثمان يوم قتل، ثلاثون ألف ألف (مليون) درهم، وخمسمائة الف درهم، وخمسون ومائة الف دينار، وترك ألف بعير، وصدقات قيمة مائتي ألف دينار.

كانت قيمة ما ترك الزبير واحد وخمسين مليون. وكان للزبير بمصر خطط وبالإسكندرية خطط وبالكوفة خطط وبالبصرة دور، وكانت له غلات من أعراض المدينة.

ترك طلحة من الأموال ثلاثين ألف درهم، ومن العين 2 مليون ومائتي ألف دينار، والباقي عروض.

ترك عبد الرحمن بن عوف، ألف بعير وثلاثة آلاف شاة بالبقيع، ومائة فرس، وكان يزرع بالجرف عشرين ناضجا، وترك ذهب قطع بالفؤوس، حتى مجلت أيدي الرجال منه، وأربع نسوة.

ذكر ابن كثير أن ثروة الزبير قد بلغت 57 مليونا وأموال طلحة بلغت الف درهم كل يوم.

ماذا فعل ترجمان القرآن عندما تولى السلطة:

هذا ما دار بين الخليفة علي بن أبي طالب وواليه بالبصرة عبد الله بن عباس، ترجمان القرآن:

علي:

أما بعد، فقد بلغني عنك أمر. إن كنت فعلته، فقد أسخطت ربك، وأخربت أمانتك، وعصيت إمامك، وخنت المسلمين. بلغني أنك جردت الأرض، وأكلت ما تحت يديك، فارفع إلى حسابك، واعلم أن حساب الله أشد من حساب الناس.

الرد من ابن عباس:

أما بعد، فإن الذي بلغك باطل، وأنا لما تحت يدي، أضبط وأحفظ. فلا تصدق على الأظناء، رحمك الله، والسلام.

علي:

أما بعد، فإنه لا يسعني تركك حتى تعلمني ما أخذت من الجزية، ومن أين أخذته، وفيما وضعت ما أنفقت منه. فاتق الله فيما ائتمنتك عليه، واسترعيتك حفظه. فإن المتاع بما أنت رازئ منه قليل، وتبعة ذلك شديدة، والسلام.

ابن عباس يرد ويقدم استقالته:

أما بعد، فقد فهمت تعظميك على مرزئة ما بلغك أني رزأته أهل هذه البلاد. والله لأن ألقى الله بما في بطن هذه الأرض من عقيانها ولجينها وبطلاع ما على ظهرها، أحب إلي من أن ألقاه وقد سفكت دماء الأمة، لأنال بذلك الملك والإمارة.

فابعث إلى عاملك من أحببت.

على يتعجب مردداً :

وابن عباس، لم يشاركنا في سفك هذه الدماء ؟

ثم جمع ابن عباس ما تبقى من أموال في بيت المال، و قدره نحو ستة ملايين درهم، ودعا إليه من كان في البصرة من أخواله من بنى هلال، وطلب إليهم أن يجيروه، حتى يبلغ مأمنه.

ففعلوا، وحاول أهل البصرة مقاومتهم وناوشوا بنى هلال قليلاً. ثم أقنعوا أنفسهم بترك المال عوضاً عن سفك الدماء. ومضى ابن عباس بالمال، آمناً، محروساً، قريراً، هانئاً.

حتى بلغ البيت الحرام في مكة، فاستأمن به، وأوسع على نفسه، واشترى ثلاثة جوار مولدات حور بثلاثة آلاف دينار. يقال لهن شادن وحوراء وفتون. صدمة هائلة، لا لعلي فقط، بل لنا جميعاً في ابن عباس، ترجمان القرآن.

بعد خلافة عثمان وعلي، لم يعد للخلافة الإسلامية علاقة بالإسلام، إذا استثنينا خلافتي عمر بن عبد العزيز والمهتدي.

الخلافة قرشية:

الخلافة كانت منذ بدايتها خلافة قرشية. الخلفاء الراشدون كانوا قرشيين، وكذلك الأمويين والعباسيين. بذلك تكون قبيلة قريش قد حكمت المسلمين أكثر من 900 سنة، بدون انقطاع حتى سقوط دولة المماليك في أيدي العثمانيين عام 918 هجرية. بينما الخلافة الرشيدة لا تزيد عن25 سنة.

أين حقوق الإنسان:

الخلافة لم تحرم تعذيب الإنسان بصفة عامة. حتى أيام الرسول عذبت وقتلت أم قرفة بالطريقة الآتية:

هي فاطمة بنت ربيعة بن بدر بن عمرو الفزارية. أم قرفة تزوجت مالكا بن حذيفة بن بدر وولدت له ثلاثة عشر ولدا أولهم قرفة وبه تكنى.

كل أولادها كانوا من الرؤساء. كانت من أعز العرب, وفيها يضرب المثل في العزة والمنعة فيقال: أعز من أم قرفة. كانت إذا تشاجرت غطفان بعثت خمارها على رمح فينصب بينهم فيصطلحون.

كانت تؤلب على الرسول صلعم، فأرسل في السنة السادسة للهجرة زيد بن حارثة في سرية، فقتلها قتلا عنيفا, فقد ربط برجليها حبلا, ثم ربطه بين بعيرين حتى شقها شقا. وكانت عجوزا كبيرة, وحمل رأسها إلى المدينة ونصب فيها ليعلم قتلها.

حدث عقب مقتل عمر ابن الخطاب، حين انطلق ابنه عبيد الله ابن عمر، و قتل ثلاثة ظن فيهم التآمر على مقتل والده، لم يثبت ذلك في حق أحد منهم.

كان أحدهم الهرمزان، الذي أسلم وصح إسلامه. واجه عثمان هذا الموقف في بدء ولايته، وكان رأي الدين فيه واضحاً. أعلنه علي، وأصر عليه. وهو أن يقتل عبيد الله بدم من قتل ظلما.

يقال أن عمرو بن العاصي أفتى بفتوى بالغة الذكاء والمهارة عندما تولى عثمان، وسأل عمرو أن يخرجه من المأزق الصعب. سأله عمرو: هل قتل الهرمزان في ولاية عمر؟ أجابه عثمان: لا، كان عمر قد قتل. فسأله ثانية: وهل قتل في ولايتك؟ أجاب عثمان: لا، لم أكن قد توليت بعد. فقال عمرو: إذن يتولاه الله. ولم يفعل شيئا.

بعد وفات علي بن أبي طالب بطعنات عبد الرحمن بن ملجم، دعا عبد الله بن جعفر بابن ملجم، فقطع يديه ورجليه وسمل عينيه. فجعل يقول : إنك يا ابن جعفر لتكحل عيني بملمول مض. أي بمكحال حار محرق.

ثم أمر بلسانه أن يخرج ليقطع، فجزع من ذلك. فقال له ابن جعفر : قطعنا يديك ورجليك، وسملنا عينيك، فلم تجزع، فكيف تجزع من قطع لسانك؟

قال: إني ما جزعت من ذلك خوفاً من الموت، لكني جزعت أن أكون حياً في الدنيا ساعة لا أذكر الله فيها. ثم قطع لسانه، فمات وأحرقت جثته.

السلطة المطلقة؟:

عام 45هـ قال ابن عون : كان الرجل يقول لمعاوية : والله لتستقيمن بنا يا معاوية، أو لنقومنك فيقول : بماذا ؟ فيقول : بالخشب فيقول : إذن نستقيم . تاريخ الخلفاء للسيوطي

عام 75هـ، خطب عبد الملك بن مروان، على منبر الرسول في المدينة، بعد قتل عبد الله بن الزبير قائلاً: والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه.

قال ابن أبي عائشة: أفضى الأمر إلى عبد الملك، والمصحف في حجره فأطبقه وقال: هذا آخر العهد بك.

وصيته لابنه الوليد وهو يحتضر:

يا وليد اتق الله فيما أخلفك فيه، وانظر الحجاج فأكرمه، فأنه هو الذي وطأ لكم المنابر، وهو سيفك يا وليد ويدك على من ناوأك، فلا تسمعن فيه قول أحد، وأنت أحوج إليه منه إليك، وادع الناس إذا مت إلى البيعة، فمن قال برأسه هكذا فقل بسيفك هكذا.

ثم أخذته غفوة، فبكى الوليد. فأفاق معاوية وقال: ما هذا؟ أتحن حنين الأمة؟ إذا مت فشمر وائتزر، والبس جلد النمر، وضع سيفك على عاتقك. فمن أبدى ذات نفسه فاضرب عنقه، ومن سكت مات بدائه.

للمقارنة فقط:

في مصر القديمة، الأب الملك ينصح ابنه "مرى-كا-رع" ويحثه على إقامة الحق والعدل على سطح الأرض، ويقول: لا تكن شريرا, واصبر فالصبر جميل. اعطي حبك لنفسك إلى العالم كله. فالأخلاق الحميدة والسمعة الطيبة تظل خالدة.

هذه تعليمات أب يعد ابنه لتولي الحكم من بعده. هذه ليست تعليمات تبين له كيف يستعبد شعبه, أو كيف يزور الإنتخابات حتى يظل كابسا على أنفاس الناس, أو كيف يبقي السلطة فى يده بكل الطرق المشروعة والغير مشروعة.

لكنها تعليمات روحية فى الأخلاق والسلوك.

فالحضارة المصرية القديمة، لم تكن أبدا حضارة عفنة، كما يقول شيخ السلفيين عبد المنعم الشحات.

استباحة جيش يزيد للمسلمين:

هاجم جيش يزيد المدينة، حين خلع أهلها بيعته، وقاتل أهلها قليلاً، ثم انهزموا فيما سمي بموقعة الحرة. فأصدر قائد الجيش أوامره باستباحة المدينة ثلاثة أيام.

قيل أنه قتل فيها أربعة آلاف وخمسمائة، وأنه قد فضت فيها بكارة ألف بكر، وقد كان ذلك كله بأمر يزيد إلى قائد جيشه، مسلم بن عقبة. وكانت التعليمات الموجهة له هي:

ادع القوم ثلاثا فإن أجابوك وإلا فقاتلهم، فإذا ظهرت عليها فأبحها ثلاثاً، فكل ما فيها من مال أو دابة أو سلاح أو طعام فهو للجند، فإذا مضت الثلاث فاكفف عن الناس.

ولم يكتف مسلم باستباحة المدينة بل طلب من أهلها أن يبايعوا يزيد على أنهم "عبيد" له، يفعل فيهم وفي أموالهم وفي أولادهم ما يشاء.

يزيد بن عبد الملك:

ننتقل إلى يزيد بن عبد الملك، أحد أربعة تولوا الخلافة من أبناء عبد الملك بن مروان. هم على الترتيب، الوليد وسليمان ويزيد وهشام. فيذكر السيوطي في تاريخ الخلفاء:

ما أن ولي يزيد بن عبد الملك، التاسع في ترتيب خلفاء بني أمية، حتى أتى بأربعين شيخاً فشهدوا له أنه، ما على الخليفة حساب ولا عذاب.

بدأ خلافته بعشق سلامة، وانتهت خلافته وحياته، بسبب عشقه لجارية أخرى اسمها حبابة. كانت له رغبة غريبة في الطيران. قصة ذلك أنه كان يوماً في مجلسه، فغنته حبابة ثم غنته سلامه، فطرب طرباً شديداً ثم قال : أريد أن أطير، فقالت له حبابة : يا مولاي، فعلى من تدع الأمة وتدعنا.

بينما هو معها في القصر، على أسر حال وأنعم بال، وبين أيديهما عنب يأكلان منه، إذ رماها بحبة عنب وهي تضحك، فشرقت بها وماتت، فمكث أياماً يقبلها ويرشفها وهي ميتة حتى أنتنت وجيفت فأمر بدفنها، فلما دفنها أقام أياماً عندها على قبرها هائماً، ثم رجع فما خرج من منزله حتى خرج بنعشه.

الخليفة المتوكل:

روي عن الخليفة المتوكل العباسي أنه، كان منهمكاً في اللذات والشراب، وكان له أربعة آلاف سرية، ووطىء الجميع. تاريخ الخلفاء للسيوطي.

الوليد بن يزيد:

اشتهر بالمجون وبالشراب وباللواط وصدق، وبرشق المصحف بالسهام. وكان إلى جانب ذلك، شاعراً مطبوعاً، سهل العبارة، يحسن اختيار الألفاظ ورويه. قال الذهبي وهو يدافع عنه: لم يصح عن الوليد كفر ولا زندقة، بل اشتهر بالخمر والتلوط، فخرجوا عليه لذلك.

قرأ الوليد ذات يوم: "واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد، من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد". فدعا بالمصحف فنصبه غرضاً للنشاب، وأقبل يرميه وهو يقول:

أتوعد كل جبار عنيد فها أنا ذاك جبار عنيد

إذا ما جئت ربك يوم الحشر فقل يارب خرقني الوليد

وذكر محمد بن يزيد المبرد، النحوي، أن الوليد ألحد في شعر له، ذكر فيه النبي، وأن الوحي لم يأته عن ربه، ومن ذلك الشعر:

تلعب بالخلافة هاشمي بلا وحي أتاه ولا كتاب

فقل لله يمنعني طعامي وقل لله يمنعني شرابي

حاول الوليد نصب قبة فوق الكعبة ليشرب فيها عام حج هو ورفاقه، لكن حاشيته نجحت في إقناعه أن لا يفعل بعد لأى، وأنه راود أخاه عن نفسه في اللواط.

لقد أحاطت به الذنوب، وتألب عليه الصالحون، وانتهى الأمر بخروج ابن عمه يزيد بن الوليد عليه، وقتله، بعد خلافة قصيرة استمرت عاماً وثلاثة أشهر.

السفاح:

السفاح، أول خلفاء بني العباس. قال على المنبر:

إن الله رد علينا حقنا، وختم بنا كما افتتح بنا، فاستعدوا فأنا السفاح المبيح، والثائر المبير.

يستحق اللقب بجدارة. فقد أمر بإخراج جثث خلفاء بني أمية من قبورهم، وجلدهم وصلبهم، وحرق جثثهم، ونثر رمادهم في الريح، وتذكر لنا كتب التاريخ ما وجدوه. فيقول ابن الأثير:

نبش قبر معاوية بن أبي سفيان، فلم يجدوا فيه إلا خيطاً مثل الهباء، ونبش قبر يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، فوجدوا فيه حطاماً كأنه الرماد، ونبش قبر عبد الملك بن مروان، فوجدوا جمجمته، وكان لا يوجد في القبر إلا العضو بعد العضو، غير هشام بن عبد الملك. فإنه وجد صحيحاً لم يبل منه إلا أرنبة أنفه فضربه، بالسياط وصلبه وحرقه وذراه في الريح. مروج الذهب للمسعودي.

تتبع السفاح بني أمية من أولاد الخلفاء وغيرهم فأخذهم ولم يفلت منهم إلا رضيع، أو من هرب إلى الأندلس.

في كتاب الكامل في التاريخ لابن أثير: دخل سديف الشاعر على السفاح وعنده سليمان بن هشام بن عبد الملك، وقد أكرمه فقال سديف :

لا يغرنك ما ترى من رجال إن تحت الضلوع داء دوياً

فضع السيف وارفع السوط حتى لا ترى فوق ظهرها أموياً

فقال سليمان : قتلتني يا شيخ، ودخل السفاح وأخذ سليمان فقتل.

دخل شبل بن عبد الله مولى بني هاشم، على السفاح، وعنده من بني أمية نحو تسعين رجلاً على الطعام فأقبل عليه شبل فقال:

أصبح الملك ثابت الأساس بالبهاليل من بني العباس

طلبوا وتر هاشم فشفوها بعد ميل من الزمان وباس

لا تقيلن عبد شمس عثارا واقطعن كل رقلة وغراس

إلى آخر القصيدة ..

فأمر بهم السفاح، وقيل عبد الله، فضربوا بالعمد حتى قتلوا. وبسط عليهم الأنطاع فأكل الطعام عليها وهو يسمع أنين بعضهم حتى ماتوا جميعا.

غدر السفاح:

أعطى السفاح ابن هبيرة قائد جيوش مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين، كتاباً يحمل إمضاءه ويتعهد له بالأمان، ثم قتله بعد أيام من استسلامه.

قتل السفاح وزيره أبا سلمة الخلال، أحد مؤسسي الدولة العباسية في الكوفة، وتعمد أن يتم ذلك على يد أبي مسلم الخراساني، المؤسس الأول للدولة.

غدر أبا جعفر المنصور:

سلط المنصور أبا مسلم الخراساني لقتل عبد الله بن علي، ثم تولى هو بنفسه قتل أبي مسلم، ولم يشفع له صياح أبي مسلم: استبقني يا أمير المؤمنين لعدوك، بل رد عليه: وأي عدو لي أعدى منك؟

دخل عليه ولي عهده، عيسى بن موسى، فوجد أبا مسلم قتيلاً. فقال: قتلته؟ قال: نعم، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، بعد بلائه وأمانته؟ فقال المنصور: خلع الله قلبك! والله ليس لك على وجه الأرض عدو أعدى منه، وهل كان لكم ملك في حياته؟

أرسل ابن المقفع للمنصور كتاباً صغير الحجم، عظيم القيمة أسماه، رسالة الصحابة. نصح فيه الخليفة بحسن اختيار معاونيه، وحسن سياسة الرعية، وكان في نصحه رفيقاً كل الرفق، رقيقاً غاية الرقة.

قبض على ابن المقفع، واتهم بالزندقة. فقطعت أطرافه قطعة قطعة، وشويت على النار أمام عينيه، وأطعم إياها مجبراً، قطعة قطعة، حتى أكرمه الله بالموت في النهاية.

الخليفة الواثق:

كان له غلام اسمه مهج. خلب لبه وصرفه عن شئون الدنيا والدين. وكان يقول فيه الشعر:

مهج يملك المهج بسجي اللحظ والدعج

حسن القد مخطف ذو دلال وذو غنج

ليس للعين إن بدا عنه بالحظ منعرج

تاريخ الخلفاء للسيوطي.

بينما الخليفة الواثق وهو جالسا بين حاشيته، ويمضي إليه مهج متـثـنياً، منكسر النظرة، مترنح الخطوة، مترجرج الأعطاف، ويناوله ورداً ونرجساً. فيطرب الخليفة وينشد:

حياك بالنرجس والورد معتدل القامة والقد

فألهبت عيناه نار الهوى وزاد في اللوعة والوجد

أملت بالملك له قربه فصار ملكي سبب البعد

ورنحته سكرات الهوى فمال بالوصل إلى الصد

إن سئل البذل ثنى عطفه وأسبل الدمع على الخد

غر بما تجنيه ألحاظه لا يعرف الإنجاز للوعد

مولى تشكي الظلم من عبده فأنصفوا المولى من العبد

أغضب الواثق غلامه مهج في يوم من الأيام. فطار لب الواثق وأنشد فيه الأبيات التالية:

يا ذا الذي بعذابي ظل مفتخرا ما أنت إلا مليك جار إذ قدرا

لولا الهوى لتجارينا على قدر، وإن أفق منه يوما ما فسوف ترى

بالرغم من ولع الواثق بغلامه مهج، إلا أنه كانت له صولات وجولات في مجالات آخرى.

يروى عن الواثق أنه أحضر أحمد بن نصر الخزاعي، أحد كبار رجال الحديث في التاريخ الإسلامي، من بغداد إلى سامرا، مقيداً في الأغلال، وسأله عن القرآن، فقال: ليس بمخلوق، وعن الرؤية في القيامة فقال: كذا جاءت الرواية.

فثار الواثق ودعا بالسيف، وقال: إذا قمت فلا يقومن أحد معي، فإني أحتسب خطاي إلى هذا الكافر الذي يعبد رباً لا نعبده، ولا نعرفه بالصفة التي وصفه بها، ثم أمر بالنطع فأجلس عليه وهو مقيد، فمشى إليه، فضرب عنقه، وأمر بحمل رأسه إلى بغداد، فصلب بها وصلبت جثته في "سر من رأى".

استمر ذلك ست سنين إلى أن ولي المتوكل، فأنزله ودفنه ولما صلب كتبت ورقة علقت في أذنه، فيها : هذا رأس أحمد بن نصر بن مالك، دعاه عبد الله الإمام هارون إلى القول بخلق القرآن ونفي التشبيه، فأبى إلا المعاندة، فعجله الله إلى ناره.

الأمين:

كما تعلق قلب الواثق بمهج، تعلق قلب الأمين بغلامه كوثر، وقال بعض الشعراء عن عصره :

أضاع الخلافة غش الوزير وفسق الأمير وجهل المشير

لواط الخليفة أعجوبة وأعجب منه خلاق الوزير

فهذا يدوس وهذا يداس كذاك لعمري خلاف الأمور

لما هاجم المأمون الأمين، خرج كوثر خادم الأمين ليرى الحرب، فأصابته رجمة في وجهه، فجعل الأمين يمسح الدم عن وجهه ثم قال :

ضربوا قرة عيني ومن أجلي ضربوه

أخذ الله لقلبي من إناس حرقوه

وقيل في الأمين غداة وفاته :

لم نبكيك؟ لماذا؟ للطرب يا أبا موسى وترويج اللعب

ولترك الخمس في أوقاتها، حرصا منك على ماء العنب

أبو حيان التوحيدي يحدثنا أنه كان في بغداد خمسة وتسعون غلاماً جميلاً يغنون للناس، وأنه كان صاحب صبي موصلي مغن، ملأ الدنيا عيارة وخسارة، إلخ.

كما يحدثنا عن علوان غلام ابن عرس، فإنه إذا حضر وألقى إزاره، وحل أزراره، وقال لأهل المجلس: اقترحوا واستفتحوا فإني ولدكم، بل عبدكم لأخدمكم بغنائي، وأتقرب إليكم بولائي،... لا يبقى أحد من الجماعة إلا وينبض عرقه، ويهش فؤاده، ويذكو طبعه، ويفكه قلبه، ويتحرك ساكنه، ويتدغدغ روحه الخ.

الخلافة في العصر العباسي الثاني:

كان الخلفاء في العصر العباسي الثاني، ضعفاء يمثلون رمزا واهيا للدولة. ثلاثة منهم، خلعوا وسملت أعينهم وعاصروا بعضهم البعض. هم القاهر والتقي والمستكفي.

شوهد أحدهم، القاهر، وهو يشحذ على باب أحد المساجد، مسمول العينين، منادياً : تصدقوا علي فأنا من عرفتم. وهو نفسه من أمر بتحريم القيان والخمر، وقبض على المغنين، ونفى المخنثين، وكسر آلات اللهو وأمر ببيع المغنيات من الجواري على أنهن سوادج، وكان مع ذلك لا يصحو من السكر، ولا يفتر عن سماع الغناء. تاريخ الخلفاء للسيوطي.

أما الطائع، فإن وزيره، بهاء الدولة دخل عليه، وقبل الأرض بين يديه، فمد الطائع يده إليه مسلماً فجذبه من على كرسي الخلافة وأعلن خلعه.

تداول السلطة في نظام الخلافة:

عدد الخلفاء والسلاطين الذين ماتوا ميته طبيعية يكاد يعد على الأصابع. أما الباقى فقد إنتهت حياتهم حياة مروعة. فمنهم من قضى نحبه بالسم أو بالسيف أو بالخنق أو بالجوع أو بالتعذيب أو بالدفن أحياءً أو بالإلقاء فى غيابات الجب.

من الخلفاء من سُمِلْت عيناه وألقي به في الحُفَر ليموت كما تموت الكلاب الضالة, ومنهم من سُمِلت عيناه وترك يتسول فى شوارع بغداد عاصمة الخلافة. الأب يقتل إبنه, والإبن يقتل أباه وأخوته وأولاد أخوته. كل ذلك من أجل الخلافة والسلطة.

عمر بن الخطاب, قتله أبو لؤلؤة المجوسي وهو يصلي في المسجد.

عثمان, قتلته الغوغاء وهو يصلى فى منزله.

على بن أبي طالب, قتله ابن ملجم وهو يصلي في المسجد.

الحسن سَمّته زوجه عندما وعدها معاوية بالمال والزواج من إبنه يزيد.

الحسين, قتل هو وأهل بيته فى كربلاء فيما يشبه الإغتيال.

الأمين، قتله أخاه المأمون.

المهتدي، قُتل بعد أقل من أحد عشر شهراً من خلافته، واختلف في قتله، فذكر البعض أنه قتل بالخناجر، وشرب القتلة من دمه حتى رووا منه. ومنهم من رأى أنه عصرت مذاكيره حتى مات.

ومنهم من رأى أنه جعل بين لوحين عظيمين وشد بالحبال إلى أن مات خنقاً ؟ أو كبس عليه بالبسط و الوسائد حتى مات.

آل عثمان, والذين إنتهى إليهم أمر المسلمين, كانت من عادتهم قتل آبائهم وخنق إخوتهم أو حبسهم داخل قصورهم حتى يؤمن شرهم وعدم مشاركتهم فى السلطة.

السلطان مراد الثالث, له جارية كانت فى الأصل أميرة من البندقية اسمها صفية, لها مسجد بمدينة القاهرة فى شارع محمد علي. أعتقها السلطان وتزوجها وأنجبت له محمد الثالث.

عندما مات السلطان، وقبل أن توارى جثته الثرى, قامت صفية وابنها محمد الثالث، بخنق إخوته الثمانية عشر واحدا بعد الآخر.

جلبى بن عثمان, قتل أخاه عثمان وأخذ جميع بلاده.

مراد بن عثمان, أمر بقتل إبنه صوجى.

إبن مراد بن عثمان، ترك أربعة أولاد. تقاتلوا حتى لم يبق منهم إلا واحدا ليستبد بالملك.

مراد صاحب برصا, قبض على أخيه أرضن بك وسَمَل عينيه بمسمار محمي وسجنه حتى مات فى السجن.

محمد الثاني الفاتح (فاتح القسطنطينية), أمر بقتل أخ له رضيع إسمه أحمد.

سليم الأول, الذى غزا مصر سنة 1517م وأفقدها استقلالها، قام بصلب سلطانها طومان باي على باب زويلة, نجده قد قتل والده بايزيد الثاني بالسم وخنق إخوته وأولادهم.

ويستمر مسلسل قتل الآباء وخنق الإخوة والأبناء بين السلاطين العثمانيين إلى أن الغى كمال أتاتورك الخلافة العثمانية عام 1924م.

الخلافة الإسلامية، لا تحمل من الإسلام سوى الإسم. إن الثابت لدينا من قراءتنا للتاريخ الإسلامي أننا نعيش مجتمعاً أرقى بكل المقاييس من مجتمع البداوة والصحراء.

لقد قطع مجتمعنا شوطا بعيدا في طريق الأخلاق والتقدم والحضارة الإنسانية. لم تعد لدينا جواري وسرائر وعبيد وغلمان. أصبحت الحرية والعدل والمساواة بين بني البشر هدفنا الأسمى وشغلنا الشاغل.

المساواة الكاملة، بغض النظر عن الجنس أو اللون أو العرق أو الدين. لم تعد قريش سيدة القبائل، حتى وإن جاء منها الرسول ومعظم الخلفاء. هذه هي العنصرية بعينها.

أصبحت أخلاقياتنا تشمل الاهتمام بمستقبل الإنسان، بصفة عامة، ومستقبل هذا الكوكب بصفة خاصة.

لذلك باتت الحرية وحماية البيئة من التلوث وحماية حيواناتها من الإنقراض، هي قضايانا الملحة اليوم، وواجبنا الأخلاقي والإنساني.

جهودنا اليوم يجب أن توجه إلى مثل هذه الأمور التي تعلي من شأن الإنسان، لا إلى حضارة التخلف، التي تجعلنا نغرق في رمال البداوة وهضاب الجهالة وكثبان التخلف.

‏.zakariael@att.net
 


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية