عندما يغيب العقل ويحكم رجال الدين
| |
عندما يغيب العقل ويحكم رجال الدين والعسكر | |
بقلم: محمد زكريا توفيق
.............................
في ربيع عام 1543م أمر كوبرنيق, وهو على فراش الموت, بنشر مؤلف له. جاء فيه أنه إذا راقبنا الأجرام السماوية من نقطة في الفضاء تدور حول الشمس, لوجدنا تفسيرا لحركة الكواكب وشدة إستضاءتها ومساراتها الغير مفهومة.
الأرض إذن ليست مركز الكون، كما كنا نعتقد. كل النجوم والأجرام السماوية التي نراها تدور حول الأرض, هي في الواقع بسبب دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس. أي أن معلوماتنا عن الأرض والأجرام السماوية ماهي إلا وهم. أما الحقيقة فشئ مختلف تماما.
كفر والعياذ بالله. هكذا قابل رجال الكنيسة هذه الأنباء. فهم قد أعطوا أهمية كبرى للإنسان, ووضعوا الأرض في مركز الكون. أما أفكار كوبرنيق, فهي تحول الإنسان إلى شئ تافه, والأرض إلى كوكب صغير قليل الأهمية, يدور حول الشمس مثل باقي الكواكب.
لذلك سرعان ما اتهم كوبرنيق في إيمانه, وحرم من الشهرة، ومن جني ثمار اكتشافه, وأهمل مؤلفه. لكن إزاء رصانة منطقه المدعم بالمعادلات الرياضية والأرقام والحسابات الفلكية الدقيقة, أضاف رجال الدين إلى مؤلفه جملة "هذه ليست إلا مجرد نظرية, لا يجب أخذها بجدية".
في نهاية القرن السادس عشر, جاء العالم والفيلسوف "جيرانو برونو" ليكمل أبحاث كوبرنيق, وليعطيها بعدا جديدا. أخذ برونو ينشر نظرية كوبرنيق في جميع أنحاء أوروبا, متنقلا من قطر إلى قطر, ومن مدينة إلى أخرى. أضاف إلى نظرية كوبرنيق قراءات فلكية جديدة تدعمها.
طبق هذه النظرية الجديدة على كل الأجرام السماوية الأخرى. وأضاف برونو، أن الأرض ليست تدور فقط حول الشمس, لكن الشمس نفسها, ما هي إلا نجم صغير متواضع الحجم، بالنسبة لباقي النجوم التي نراها في السماء. وقال أيضا، أن النجوم الأخرى قد يكون بها كواكب مثل الأرض, وقد يكون بعضها آهل بالحياة والسكان.
في عام 1594م تم القبض على برونو, وسجن لمدة 6 أعوام كاملة, حتى ينظر في أمره. وفي عام 1600م, تمت محاكمته وإدانته. ولأنه رفض الإعتراف بجريمته وخطئه, حكم عليه بأقصى عقوبة.
في ميدان الزهور بروما, وبعد أن ربط لسانه وجرد من ملابسه, قيدت يداه ورجليه في قضيب من حديد. ثم بدأ حرقه حيا وسط جمع غفير من المؤمنين الأبرار, الذين ظلوا يهتفون بالموت للكفار.
بعد 32 سنة من حرق برونو, تمكن جاليليو العالم الإيطالي من نشر كتاب له, يؤكد فيه حقيقة دوران الأرض حول الشمس بالأدلة والبراهين القاطعة. عندما علمت السلطات بذلك, تملكها الغضب الشديد, وقامت بتحديد إقامة جاليليو حتى ينظر في أمره.
لكن عبقرية جاليليو كانت قد طبقت الآفاق في ذلك الوقت. اختراعه للتلسكوب, وتجربته الخاصة بقوانين الجاذبية, كانت معروفة داخل إيطاليا وخارجها. لذلك لم تستطع السلطات إعدام جاليليو بسبب آرائه, كما فعلت مع برونو من قبل, إلا أنها لم تتركه دون عقاب.
فقامت بإرهابه وتهديده وهو في سن السبعين. ولم تدعه إلا بعد أن خر صاغرا جاثيا على ركبتيه. وأجبرته على الاعتراف على الملأ بخطئه، وعدم دقة قراءاته, لأنه رجل عجوز مخرف. أما الحقيقة الثابته, فهي مايراه رجال الدين. أي أن الأرض هي مركز الكون. وكل الأجرام السماوية تدور حولها.
عندما قررت الكنيسة أن بداية العالم كانت يوم الأحد 23 أكتوبر سنة 4004 قبل الميلاد(الأسقف آشر), أخرجت رفاة العالم "وكليف" الذي كان يقول، منذ مدة طويلة، أن عمر الأرض يزيد على مئات الألوف من السنين. وأمرت الكنيسة بطحن عظام العالم الكافر هذا، ونثرها في البحر حتى لا تدنس رفاته الأرض.
كان رجال الكنيسة الكاثوليكية يؤمنون إيمانا لا يقبل الشك بأن الأرض مسطحة. وكان منطقهم في ذلك يقول: "هل رأيت أشجارا تنمو إلى أسفل؟ أو أن المطر يصعد إلى أعلى؟ إذا كان هناك جانب آخر من الأرض, كما يدعي من يقول بأنها كروية, هذا الجانب عليه شعوب أخرى. والسيد المسيح عليه السلام, كان عليه أن يذهب إليهم لكي يصلب مرة أخرى. وكان لا بد من وجود نسخة أخرى من جنة عدن وآدم وحواء والحية. هذا بالطبع لم يحدث, لذلك فالأرض مسطحة."
الأمراض, كما كان يعتقد رجال الكنيسة, هي من فعل الشياطين. الشياطين هي سبب المجاعات والقحط والعقم عند النساء وفساد الجو. الشياطين تحوم في الجو ممتطية السحاب, وتأتي لمن يطلبها عن طريق السحر, أو لمن يقترف إثما أو خطيئة. لذلك أمر البابا "بيوس" الخامس أن يدعى الأطباء بأطباء الروح. لأن الأمراض تأتي من الشياطين والأرواح الشريرة.
الأوبئة, مثل الجدري والكوليرا, كانت تعتبر إرادة إلهية. لذلك كان التطعيم ضد بعض هذه الأوبئة مرفوضا رفضا باتا من رجال الكنيسة. إلى درجة أن ألقيت قنبلة في منزل الدكتور "بولستون" عندما أقام مركزا لتطعيم الناس ضد مرض الجدرى.
كانت معارضة الكنيسة لتشريح الجثث بعد الوفاة سببا في تخلف علوم الطب في أوروبا. كان منطق رجال الدين يقول بأن تشريح الجثث بعد الوفاة, يشوه هذه الجثث ويجعلها تبعث في الحياة الأخرى في صورة مرعبة.
في عام 1770م ظهرت خاصية عجيبة في عدة أماكن في أوربا. وأرسلت عدة تقارير إلى الأكاديمية الملكية للعلوم, بأن الماء قد تحول في عدة أماكن إلى دماء. وسارع رجال الكنيسة بإعلان أن سبب حدوث هذا يرجع إلى غضب من الله سبحانه وتعالى.
عندما ظهرت هذه الظاهرة في السويد, قام العالم "لينوس" بفحص هذه الظاهرة بعناية. فوجد أن احمرار المياة يرجع إلى وجود حشرات دقيقة صغيرة لونها أحمر.
عندما وصلت الأنباء إلى كبير الأساقفة, قال بأن هذا التفسير عمل شيطاني. رفض تفسير العلم، وأقر بأن ظاهرة المياة الحمراء هي ظاهرة غير طبيعية. وأجبر العالم لينوس على التراجع عن تقريره العلمي, وأمره بنشر تقرير آخر يقول فيه بأن ظاهرة المياة الحمراء هذه هي أعلى من مستواه العلمي.
كانت تقول الكنيسة بأن عدم إصلاح الكنائس، وعدم دفع العشور, هي أسباب حدوث البرق والصواعق. عندما أطلق بنيامين فرانكلين طائرته الورقية، ليثبت أن البرق ماهو إلا كهرباء, سارع الناس بوضع مانعات الصواعق في أعلى المنازل, لامتصاص وتفريغ هذه الكهرباء في الأرض.
لكن رجال الكنيسة رفضوا استخدام مانعات الصواعق. بل اتهموا مانعات الصواعق هذه، والتي بدأ إنتشارها في مدينة بوسطن, بأنها قد تسببت في زلزال سنة 1755م في مدينة ماساشوست.
لكن في ألمانيا في الفترة من عام 1750م إلى عام 1753م فقط, دمرت الصواعق 400 برجا من أبراج الكنائس, وقتلت 120 رجلا، كانوا مكلفين بخدمة الأجراس.
بينما المبانى التي إستخدمت مانعات الصواعق لم تصب بأي أذى. لذلك بدأت الكنائس مرغمة في استخدام مانعات الصواعق. وبانتهاء القرن, كانت كل الكنائس بدون استثناء تستخدم مانعات الصواعق.
أثناء عصور الظلام, كانت الرياح والأعاصير تفسر بأنها من أعمال الشياطين. لذلك أمر البابا جورجي الثالث عشر بدق الأجراس في الكنائس عندما يشتد هبوب الريح, أو يزداد هطول الأمطار, أو عندما يسطع البرق، أو يعلو صوت الرعد.
وفي القرن الخامس عشر ظهر اعتقاد مأساوي بأن بعض النساء يقومن بمساعدة الشياطين في ظهور الأعاصير، أو العواصف الثلجية، أو الفيضانات، أو ما شابه ذلك من كوارث.
لذلك أصدر البابا "أنوسنت" الثامن, في السابع من شهر ديسمبر عام 1484م, أمرا بالقضاء على كل الساحرات. فقام رجال الكنيسة في ألمانيا بتعقب الساحرات اللاتي يسببن فساد الجو وبوار الأرض وباقي الكوارث.
من ثم وجدن آلافا من النساء الأبرياء أنفسهن على أجهزة التعذيب, أو مكبلين ومحاطين بأقرب الناس إليهن, لكي يقودوهن إلى أماكن الإعدام حرقا , حتى تتطهر أرواحهن.
لا تزال الحرب قائمة بين نظرية دارون في النشوء والارتقاء وقصة الخلق, كما ترويها الكتب المقدسة. عندما أخبرت زوجت القسيس "ورشيستر" عن نظرية دارون, قالت معلقة: "تقول يا عزيزي أننا جئنا من القرود!!! دعنا نأمل إذن أن يكون هذا غير صحيح. ولكن إذا كان صحيحا, فنطلب من الله أن يخفي هذه الحقيقة عن الجميع."
في عام 1609م, كان وباء الخوف من الساحرات يكتسح جنوب فرنسا. مئات من الناس كانوا يعتقدون أنهم ملبوسون بالشياطين. بعضهم كانوا يتوهمون أنهم قد سخطوا كلابا, فيقومون بالنباح.
شكلت لجنة من قبل البرلمان لمحاكمة المشتبه فيهم. عرفت طريقة لتحديد المكان الذي تدخل منه الشيطان إلى جسم المتهم أو المتهمة. وهي أن تعصب عيني المتهمة, وتغرز الإبر في جسدها. وأي مكان في جسدها لا تشعر به بالألم, يكون هو المكان الذي دخل منه الشيطان.
كان المتهمون ينفون التهمة عن أنفسهم باتهام بعضهم البعض. ثمانية منهن أقرت المحكمة جريمتهن. هرب خمسة منهن وثلاثة تم إعدامهن حرقا. الجمهور المشاهد, فيما بعد, أقسموا أنهم قد رأوا الشياطين تهرب في صورة ضفادع تقفذ من رؤوس المتهمين.
في لورين, تم إعدام 800 ساحرا وساحرة حرقا. بسبب تهمة ممارسة السحر خلال مدة 16 سنة. وفي ستراسبرج, تم إعدام 134 خلال أربعة أيام (أكتوبر 1582). وفي لورين, تم إعدام 62 خلال 10 سنوات (1562-1572م).
في بيرن, تم حرق 300 متهم في العشر سنين الأخيرة من القرن السادس عشر. و240 في العشر سنين الأولى من القرن السابع عشر.
في ألمانيا, كان الكاثوليك والبروتستانت يتنافسان في إرسال الساحرات إلى المحرقة. والشئ الذي لا يصدقه عقل, أن رئيس أساقفه ترير, كان قد أعدم 120 متهما حرقا عام 1596م, بتهمة أنهم قد تسببوا في برودة الجو لمدة طويلة. وحينما حل وباء بالماشية عام 1598م بضاحية شونجو, أرجع هذا الوباء إلى فعل الساحرات. لذلك قررت قنصلية بافاريان في ميونخ تشديد العقوبة.
تبعا لذلك تم حرق 63 متهما, وتغريم أهاليهم مصاريف المحاكمة. وفي هينبرج بالنمسا, تم إعام 80 بسبب الشعوذة خلال سنتين, 1617-1618م. وفي المدة من 1627-1629م, أمر أسقف ورزبرج بإعدم 900 ساحرة حرقا.
في عام 1572 في ساكسون, صدر قرار بحرق الساحرات حتى وإن لم يقمن بفعل أي شئ ضار (يعنى بدون تهمة). في إلنجن, تم إعدام 1500 ساحرة عام 1590م.
في إلوانجن, أعدم 167 عام 1612م, وفي وسترستيتن, أعدم 300 في مدة عامين. وكذلك 300 في أسنابروك عام 1588م, و300 في نوردلنجن عام 1590م. ويقدر علماء التاريخ الألمان أن الذين تم إعدامهم بتهمة السحر والشعوذة في ألمانيا وحدها في القرن السابع عشر يبلغ 100,000 برئ.
ونجد عقولا علمية مثل بويل صاحب قوانين الغازات المشهور, يطلب سؤال عمال المناجم عن الشاطين الذين يرونها في أعماق المناجم. وكان رجال الدين, الذين يبدون شكهم في مقدرة الساحرات على فعل الشر, تقوم الكنيسة بإتهامهم بالهرطقة.
تذكرهم بآيات سفر الخروج التي تطلب الموت للساحرات. جنون الخوف من الساحرات استمر حتى عصر جاليليو وكبلر. واستمر لمدة 100 عام بعد اكتشاف القارة الأمريكية عن طريق كرستوفر كولومبس. إلى أن نصل إلى ما يعرف بعصر التعقل واستخدام المخ.
في الولايات المتحدة في مدينة سالم بولاية ماساشوست, عشرات من النساء صغيرات السن المصابات بالهيستيريا, وقفن أما المحلفين, ليعترفن بأن سبب أمراضهن, يرجع إلى فعل النساء العجائز الساحرات. هن أصلا مريضات بالهستيريا. وزادت حالاتهن سوءا بسبب الرعب وتعرضهن للإتهام والقبض عليهن.
النساء الصغيرات تصرخن ويشرن بأصابعهن إلى العجائز في قفص الإتهام ويهتفن: ساحرات, ساحرات, ساحرات. وفي نهاية المحاكمة, غالبا ما تعترف النساء العجائز بالتهم الموجهة إليهن, ثم يجهشن في البكاء والنحيب.
يتوسلن ويطلبن العفو والمغفرة. لكن المحلفين تدينهم ويحكم عليهم بالموت حرقا. آخر ساحرة ماتت في مدينة سالم كانت عام 1693م.
الخلط العقلى والأمراض النفسية, كانت تفسر على أنها لبس وسحر وعمولات وحسد وما شابه. لعدة قرون, كان افتراض وجود القوى الشريرة والقوى الغير طبيعية هذه, تفسر كل ما يتعلق بمشاكل وانفعالات الإنسان, الخاصة بالحب والكره والرغبة.
ليس هذا فقط, وإنما تفسر أيضا الأمراض والاطرابات العقلية والعصبية, والمجاعات والعواصف والقحط والرياح وكل شئ لا يعرف الإنسان سببه.
حتى اليوم نجد صدى هذا في بلادنا في صورة الزار والرقية والشبة والفسوخة والآيات المنجيات والزواج من الجن وتسخير الجن وعمل الأحجبة للوقاية ورش الماء على الأرض في مواقع التعثر, والبخور والخرزة الزرقاء والخمسة وخميسة وتحضير الأرواح والمندل والفال والتشاؤم والنظرة والعين وخلافه.
ونحن أيضا، بسبب سيطرة الدين وغياب العقل، نسير في نفس الإتجاه كما سارت أوروبا وأمريكا في العصور المظلمة. فالتفاسير التراثية للكتب السماوية والأحاديث المقدسة عندنا، هي تفاسير حرفية مليئة بالأساطير التي تطفح باللاعقلانية والخرافة.
هذه التفاسير عبارة عن إسرائيليات نقلها الصحابة أو نقلت عنهم. تجعل المسلمين يعيشون بصفة دائمة في رمال البداوة وهضاب الجهالة وكثبان التخلف. وإليك بعض الأحاديث الصحيحة التي يكفر من يشك في صحتها أو إعادة تأويلها.
عن أبي هريرة قال، أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام ، فلما جاءه صكه ففقأ عينه فرجع إلى ربه، فقال أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، قال فرد الله إليه عينه، وقال ارجع إليه ،فقل له يضع يده على متن ثور. فله بما غطت يده بكل شعرة سنة. قال أي رب ثم مه، قال ثم الموت، قال فالآن فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر، فقال رسول الله صلعم فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر .
عن أبي هريرة أن النبي صلعم قال: إذا سمعتم صياح الديكة، فاسألوا الله من فضله، فإنها رأت ملكا، وإذا سمعتم نهيق الحمار، فتعوذوا بالله من الشيطان، فإنه رأى شيطانا. البخاري
عن جابر بن عبد الله، قال رسول الله صلعم، إذا كان جنح الليل أو أمسيتم، فكفوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من الليل، فحلوهم فأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا، وأوكوا قربكم واذكروا اسم الله، وخمروا آنيتكم واذكروا اسم الله، ولو أن تعرضوا عليها شيئا، واطفئوا مصابيحكم. البخاري
عن عبد الله بن مسعود، قال رسول الله صلعم، ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن. قالوا وإياك يا رسول الله، قال وإياي. إلا أن الله أعانني عليه، فأسلم فلا يأمرني إلا بخير. مسلم
عن عثمان بن أبي العاص أنه أتي النبي صلعم فقال: يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي، فقال رسول الله صلعم، ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته، فتعوذ بالله منه، واتفل على يسارك ثلاثا، قال ففعلت ذلك، فأذهبه الله عني. مسلم
عن جابر أن رسول الله صلعم، رأي امرأة، فأتى امرأته زينب وهي تعمس منينة لها، فقضى حاجته. ثم خرج إلى أصحابه فقال، إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان. فإذا أبصر أحدكم امرأة، فليأتي أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه. مسلم
عن أبي هريرة أن النبي صلعم قال، إذا استيقظ أحدكم من منامه، فليستنثر ثلاث مرات، فإن الشيطان يبيت على خياشيمه. مسلم
عن سهيل بن أبي صالح قال، سمعت عن رسول الله صلعم أنه قال، إذا تثاوب أحدكم، فليمسك بيده على فيه، فإن الشيطان يدخل. مسلم
عن أبي هريرة أن النبي صلعم قال، إذا نودي للصلاة، أدبر الشيطان له ضراط، حتى لا يسمع التأذين...مسلم
عن ابن عمر أن رسول الله صلعم قال، إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب، فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله. مسلم
عن جابر عن الرسول صلعم أنه قال، إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها فليمط ما كان بها من أذى وليأكلها، ولا يدعها للشيطان، ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه، فإنه لا يدري في أي طعامه البركة. مسلم
تقدم العلوم كما نعرفه اليوم كان مكبلا بالإعتقاد في الخرافات والسحر والعفاريت. الخوف والإيمان الأعمى بنصوص كتبنا السماوية بدون فهم, وضعت غشاوة على بصائرنا. فأصبحنا لا نرى ما حولنا, وجعلتنا نتخيل أشياء غير موجودة.
هذا لم يساعدنا كثيرا في فهم قوانين الطبيعة من حولنا. فقد ظلت علوم الطب الحديثة محظورة في أوروبا. وكانت الكنيسة الكاثوليكية تمنع تشريح الجثث لمعرفة كيف يعمل جسم الإنسان.
فما هي القوى التي تشكل إيماننا بهذه الخرافات. وكم منها قد تكون بسبب الصدفه أو الفهم الخاطئ للدين وللظواهر الطبيعية. وما مدى تأثير إيماننا بالخرافات على درجة إدراكنا للحقيقة؟
مثل هذه القصص المحزنة التي تبين الصراع المرير بين العلم والفهم الخاطئ للدين لا ينتهي عددها. وهي ليست مقصورة على دين واحد أو زمان واحد. والعالم الإسلامي لا يخلو من مثل هذه القصص في الماضي والحاضر. فقصص تعذيب العلماء والمفكرين وإعدامهم لا ينكرها أحد.
ابن المقفع, الذي كان يجمع بين لغة العرب وصنعة الفرس وحكمة اليونانيين, ومؤلف كتاب كليلة ودمنة, والأدب الصغير, والأدب الكبير. وكتب أخرى كثيرة، والذي كان يوضح ما ينبغي أن يكون عليه الحاكم إزاء الرعية, وما يجب أن تكون عليه الرعية إزاء الحاكم.
أغضبت آراؤه الخليفة المنصور في صدر العصر العباسي الأول. فاتهم ابن المقفع بالكفر, وقطعت أطرافه وفصلت رأسه, وألقي بباقي جسده في النار.
الحلاج المتصوف الإسلامي المشهور, اتهمه الخليفة المقتدر بالله بالكفر، وحكم عليه بالموت. فضرب بالسياط نحوا من ألف سوط, ثم قطعت يداه ورجلاه, ثم ضربت عنقه, وأحرقت جثته بالنار. ثم ألقي مابقي من تراب جثته في نهر دجلة.
شيخ الاستشراق المتصوف السهروردي، في عصر صلاح الدين الأيوبي, تم قتله بنفس الطريقة التي قتل بها الحلاج من قبل.
الإمام ابن حنبل, قام الخليفة المعتصم بسجنه وتعذيبه. والكندي, فيلسوف العرب, جرد من ملابسه وهو في الستين من عمره, وجلد ستون جلدة في ميدان عام وسط تهليل العامة.
الرازي, ضرب على رأسه بكتبه حتى فقد البصر, وعندما طلب أحد تلاميذه علاجه, رفض وقال لقد نظرت إلى الدنيا حتى مللت.
ابن رشد, حرقت داره وكتبه وأتهم في إيمانه. ولم ينج إبن سينا أو ابن خلدون من الاتهام بالكفر.
في العصر الحديث, قتل الدكتور فرج فودة بسبب آرائه ودفاعه عن أقباط مصر. وكاد نجيب محفوظ, الحاصل على جائزة نوبل في الآداب, أن يقتل ذبحا بسبب إحدى رواياته. وفرق بين الدكتور أبو زيد وزوجته بسبب أبحاثه. ومنعت كتب طه حسين ونجيب محفوظ من التدريس بالمدارس والمعاهد والجامعات المصرية.
إعصار الإرهاب الفكرى بدأ يطغى على المنطقة دون رحمة أو هوادة. وعاجلا أم آجلا, سوف نصل إلى ما وصلت إليه أوروبا في العصور المظلمة. والفرق بيننا وبين أوروبا هو أن أوروبا استطاعت أن تنجو من هذا الوباء.
فهمت الدين كما يجب. وفصلته عن العلم والسياسة. أما نحن, فلا نزال نخلط بين العلم والدين والسياسة. ونحن لا نعرف مفهوم العلم أو معنى الإيمان.
نستخدم العلم مكان الإيمان, والإيمان مكان العلم والسياسة. التقدم له أسبابه. والتخلف لا يأتى من فراغ. وإذا لم نراجع أنفسنا ونعيد حساباتنا, سوف نضيع. وقد ضاعت أمم قبلنا كثيرة حين اختلط عليها الأمر, وحجبت الرأي, وحاربت العقل وتحكم فيها رجال الدين. فلم تعد تفرق بين الخطأ والصواب. أو الظلم والعدل.
.zakariael@att.net