مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 مونتسكيو وروح القوانين

 

مونتسكيو

 

بقلم: محمد زكريا توفيق
.............................

يعتبر كتاب "روح القوانين"، الصادر عام 1748م، من أعظم الكتب التي ظهرت في عصر الأنوار الذي سبق الثورة الفرنسية. مؤلف هذا الإنتاج الفكري الكبير، هو شارل لويس سيكوندا دي مونتيسكو، بارون دي لابريد، عندما كان في التاسعة والخمسين من عمره. الكتاب عبارة عن ثمرة عمر كامل من الجهد والتجربة والخبرة، وأربعين عاما من الدرس والبحث، وعشرين عاما من التأليف والمكابدة والمراجة والمعاناة.

مبدأ فصل السلطات، يعمل به في معظم دساتير العالم اليوم، ويذكر في بلادنا أيضا من حين لآخر في بعض المقالات السياسية، أو يأتي على لسان بعض السياسيين وزعماء المعارضة، حينما يتحدثون عن تعديل الدستور. لكن، من أين أتى هذا المبدأ، وماذا يعني؟ هذا المبدأ أو نظرية الفصل بين السلطات أتت من كتاب روح القوانين لمنتسكيو.

السلطات التي نعنيها هنا هي سلطات الحكومة الثلاث. السلطة التشريعة والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية. السلطة التشريعية (مجلس الشعب مثلا) تسن القوانين، لكن لا تتولى تنفيذها. السلطة التنفيذية (الرئيس والوزارة) تتولى التنفيذ، لكن لا تسن القوانين. أما السلطة القضائية (المحكمة الدستورية العليا) فتقوم بتفسير القوانين والتأكد من مطابقتها لبنود الدستور. أي ليس لها دخل بسن القوانين أو تنفيذها. السلطات الثلاث تكون ما يعرف بالحكومة. فمن هو مونتيسكو هذا، وماذا جاء بكتابه "روح القوانين"؟

في يناير عام 1689م، ولد مونتسكيو في بلدة لابريد بالقرب من بوردو في مقاطعة مونتاني جنوب غرب فرنسا. كان أبوه، جاك دي سيكوندا، ضابطا من سلالة طويلة من النبلاء. وكان يعمل كبير قضاة في جودين. قضى مونتسكيو الإبن السنوات الثلاث الأولى من عمره بين فلاحي القرية. أرسل في سن الحادية عشرة إلى مدرسة على بعد عشرين ميلا من باريس. ثم عاد إلى بوردو في سن السادسة عشر ليدرس القانون. الصداق الذي قدمته أمه البروتستنتية، جين دي لارتيجيه، كان عبارة عن قصر لابريد وأرضها.

في ذلك الوقت، كانت إنجلترا دولة ملكية دستورية، منذ ثورتها العظيمة (1688-1689م). وكانت تكون مع إسكتلندا عام 1707م، مملكة بريطانيا العظمى. (إنجلترا ليست هي بريطانيا، وإنما جزء منها). في عام 1715م، وبعد حكم فرنسا مدة طويلة ، توفي الملك لويس الرابع عشر، ليرث بعده لويس الخامس عشر الملك، وهو طفل في الخامسة من عمره. كانت لهذه الأحداث تأثير كبير على مونتسكيو، كان يشير إليها مرارا في كتاباته.

مات أبوه وهو في سن الرابعة والعشرين، تاركا له ثروة طائلة. بعد ذلك بسنة، دخل برلمان بوردو كعضو وقاضي. ثم ورث عن عمه عام 1716م ثروته ومنصبه كرئيس للبرلمان. كان يقوم بالتجارب والأبحاث في الفيزياء والفسيولوجيا ويقدمها إلى أكاديمية بوردو، ويجمع بيانات عن جيولوجية الأرض، ساعدته في تأليف كتابه العظيم "روح القوانين". نلاحظ هنا أن الثروة الكبيرة لم تفسد مونتسكيو، إنما ساعدته على الدراسة والبحث والتأليف الذي أفاد البشرية كلها فيما بعد.

عندما كان يعمل مونتسكيو قاضيا بالبرلمان، نشر كتابا ساخرا بعنوان "الرسائل الفارسية" عام 1721م، تحت اسم مستعار لسائحين فارسيين يزوران فرنسا. هما ميرزا وأوزبك. ينتقد فيه بأسلوب تهكمي، سخافة المجتمع الباريسي المعاصر، ونقط الضعف فيه والأهواء والتحيز عند الفرنسيين. ويسخر ، في نفس الوقت، من حماقات السلوك والمعتقدات الشرقية.

كتاب الرسائل لمونتسكيو يبين أن الملكية نظام شاذ غير سوي، ينتهي حتما إلى حكم استبدادي مطلق. الحاشية فاسدة، والنبلاء خاملون مبذرون يسيئون إدارة أموال الدولة. لكنه يمتدح جمهوريات اليونان وروما القديمة، وهولندا وسويسرا الحديثة. الحكومة شئ ضروري. شر لابد منه. لكنها يجب أن تكون قائمة على الفضيلة والأخلاق. (إنما الأمم الأخلاق ما بقيت – فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا). لكن إنتقادات مونتسكيو الدينية كانت أكثر قسوة.

جاء في الرسائل على لسان أوزبك، أن الزنوج يتصورون أن الإله أسود البشرة غليظ الشفتين أكرت الشعر، وأن الشيطان أبيض البشرة أصفر الشعر أزرق العينين. بعكس صورتي الإله والشيطان عند الأوروبيين. وكان ينتقد عقيدة التثليث عند المسيحيين وحدوث المعجزات.

الساحر "على بابا" يحث الناس على الإعتقاد بأن الخبز ليس خبزا والخمر ليس خمرا. ويسخر من إختلاف المذاهب المسيحية، والمسابح وثياب الرهبان الفضفاضة. وأفزعته محاكم التفتيش في أسبانيا والبرتغال حيث كانت تحرق الناس بدون رحمة مثل القش باسم الدين.

امتناع الرهبان والراهبات عن الزواج وتحريم الطلاق سوف يعوقان ازدياد السكان في كل من فرنسا وإيطاليا وأسبانيا. الرهبان خاملون يستولون على كل ثروات الدولة تقريبا عن طريق الوقف، فلا تتداول هذه الثروات ولا تستغل في التجارة أو الصناعة.

كان يسخر مونتسكيو من الاضطهاد العنصري ويقول على لسان أوزبك: "أنت تعلم ياميرزا كيف أجبر الأرمن على مغادرة المملكة أو الدخول في الإسلام. اعتقادا منهم أن هؤلاء الكفار يلوثون المملكة. اضطهاد هؤلاء الكفار عبدة النار جعلهم يفرون إلى الهند الشرقية، مما حرم البلاد من شعب جاد نشيط. هذا التعصب الأعمى سوف يتسبب في تدمير الصناعة ومن ثم البلاد، حاملة معها الديانة التي نريد حمايتها.

بعد ثلاثة عشر سنة من كتاب الرسائل لمونتسكيو، كتب فولتير عندما كان في المنفى في إنجلترا، كتابا شبيها يصف فيه الحرية ونظام الحكم في بريطانيا، بعنوان: "رسائل عن الإنجليز". كتاب الرسائل لمونتسكيو وكتاب الرسائل لفولتير يعتبران إنتصارا لحرية الرأي، وإيذانا ببداية عصر الأنوار في فرنسا. من حسن الحظ، كان الوصي على عرش فرنسا في ذلك الوقت متسامحا بعض الشئ.

ترك مونتسكيو زوجته وراءه في لابريد، وذهب إلى باريس لكي يجني ثمار الشهرة بين الطبقة الراقية والصالونات. لذلك لم يكن من الصعب وقوعه في غرام أخت الدوق دي بوربون الذي أصبح رئيسا لوزراء فرنسا عام 1723م. ألف لها قصيدة شعر بعنوان "معبد الحب" عام 1725م. انضم بسبب مساعدة حبيبته إلى مجمع الأربعين الخالدين عام 1728م.

ثم زار بعد ذلك إيطاليا والنمسا والمجر وسويسرا وهولنده وإنجلترا، في رحلة استغرقت ثلاثة أعوام. قضى نصف هذه المدة في إنجلترا. أثناء هذه الزيارة، عقد مونتسكيو أواصر الصداقة مع مجموعة من علية القوم. واختير عضوا في الجمعية الملكية بلندن. واستقبله الملك جورج الثاني والملكة كارولين. وحضر جلسات البرلمان الإنجليزي، وأولع بالنظام السياسي البريطاني. عندما عاد إلى فرنسا، كان شديد الإعجاب، مثل فولتير فيما بعد، بالحرية التي يتمتع بها الإنجليز. رجع إلى لابريد وتفرغ لأبحاثه وكتاباته التي شغلت بقية أيام حياته.

لم يحظ كتاب مونتسكيو الثاني "نظرات في أسباب رفعة الرومان وسقوطهم" الذي صدر عام 1734م، بنفس النجاح الذي لاقاه كتابه الأول "الرسائل الفارسية". الكتاب الجديد كان محافظا بعض الشئ. كما أن الراديكاليون(المتطرفون)، لم يعجبهم التركيز على أهمية الأخلاق، ولم يكونوا مستعدين لفهم عبارات عميقة مثل "الذين لم يعودوا يرهبون القوة، في مقدورهم إحترام السلطة". وهي تعتبر من روائع النثر الفرنسي.

الفناء قدر محتوم يصيب الأفراد والديانات والدول. وكما كان اسحق نيوتن يبحث عن القوانين التي تحكم الطبيعة، كان مونتسكيو يبحث عن القوانين التي تحكم حركة التاريخ وتسبب نهوض وفناء الدول. أحداث التاريخ لا يسيرها الحظ أو القدر وحدهما. لكن هناك أسباب مادية ومعنوية هي التي تسير التاريخ. الفرد ما هو إلا أداة للحركة العامة للتاريخ، أو لروح العصر كما أسماها هيجل.

القدر ليس قوة ميتافيزيقية، إنما هو محصلة عدة عوامل. وعلى المؤرخين والفلاسفة، الكشف عن هذه العوامل ودراستها. لماذا سقطت روما؟ لأنها تحولت من جمهورية إلى دكتاتورية. الجمهورية تتوزع داخلها السلطات وتتوازن. لكن الدكتاتورية لا تصلح إلا للإعتداء على الجيران واستعمار الدول الأخرى.

الدكتاتورية تدمر الحرية وتشل نشاط المواطنين. هذا يؤدي بمرور الزمن إلى انتشار الخنوع والخمول والذل بين الجماهير. ويجعل الفقراء عالة على الدولة، ويضعف الأخلاق بسبب سوء توزيع الثروة وانتشار الفسق والفجور. وتسبب الدكتاتورية وحكم الفرد أيضا فساد رجال الإدارة وزيادة الضرائب، وهجر المزارع والحقول. وهي أيضا تستنزف الحيوية العسكرية للدولة وتجعل الجيش يسطر على الحكومة المدنية. ويصبح إهتمام الجيش، تنصيب الحكام وخلعهم، بدلا من حماية أمن البلاد.

بعد مرور أربعة عشر عاما من كتاب مونتسكيو عن الرومان، صدرت أعظم أعماله، كتاب "روح القوانين". بدأ كتابته عندما كان في سن الأربعين. كان يكابد وهو يؤلف الكتاب وكثيرا ما طرحه جانبا أو قذف به بعيدا. حتى أنه كان يناغي ربات الفنون والعلوم، الموزيات، لكي يساعدنه قائلا: "الدرب طويل. لقد أضناني الأسى والإرهاق. فأدخلن على قلبي البهجة والانشراح لكي تدفعاني إلى الطريق الصحيح."

لقد بدأت هذا العمل دون خطة أو قاعدة. وكانت الحقائق تأتيني ثم تهرب مني ثانية. إذا صادف هذا العمل نجاحا، فسأكون مدينا به لعظمة الموضوع وجلاله. لقد فقد مونتسكيو بصره كله تقريبا أثناء تأليفه هذا الكتاب، مما اضطره في النهاية إلى املاء الأجزاء الأخيرة منه.

كانت مراجع مونتسكيو في تأليف روح القوانين، إلى جانب محاوراته مع الفلاسفة والمفكرين الذين عاصروه، العديد من المؤلفات منها: كتابي الجمهورية والقوانين لأفلاطون، السياسة والحيوانات لأرسطو، الأعمال الأخلاقية لبروتارخ، كتاب الأمير لميكافيللي، المدينة المثالية لتوماس مور. وكان كلما كتب جزءا، عرضه على أصدقائه، ومنهم الوزير الأديب دارجنسون والآب جاسكو وهلفشيوس وفولتير.

كان الإعتراض على الأسلوب، لكن هلفشيوس كان ينصح مونتسكيو بألا يسئ إلى سمعته الطيبة بنشر كتاب ينتقد فيه الدين والمعتقدات المحافظة المستمسكة بالقديم. إلا أن مونتسكيو اعتبر هذه التحذيرات غير ذات موضوع. وتقدم لطبع الكتاب. ولما كان يخشى الرقابة الفرنسية، أرسل المخطوطة إلى جنيف. وهناك صدر الكتاب عام 1748م في مجلدين دون ذكر اسم مؤلفه.

ما أن ظهر كتاب روح القوانين حتي أحدث ضجة كبرى اجتاحت فرنسا من أقصاها إلى أقصاها. انقسم الفلاسفة ورجال الفكر والدين بين مؤيدين ومعارضين. لكن النقد المر، جاء كالعادة من رجال الدين. بحجة أن ما جاء بالكتاب يتعارض مع ما جاء بالكتاب المقدس. وأصدر رجال الدين بيانا يتهمون فيه مونسكيو بالهرطقة وعدم الإيمان بالملائكة والوحي والرسل، إلخ. مما حدا بمنتسكيو إلى إصدار كتاب آخر عام 1750م، يدافع فيه عن كتابه بعنوان "دفاع عن روح القوانين".

أما الكنيسة الكاثوليكية في روما، فقامت بمراقبة "روح القوانين" بشئ من الإعتدال. وقام بفحصه علماء السربون دون نقده رسميا. وفي عام 1751م، وضعت السلطات الدينية في فرنسا الكتاب في قائمة الكتب المحرمة، وأصدرت الحكومة الفرنسية أمرا بمنع تداوله. لكن، عندما تولى رقيب جديد على المصنفات، قام برفع الحظر عن الكتاب. وسرعان ما شق طريقه إلى الأسواق لكي تصدر منه عشرون طبعة في عامين. ثم تمت ترجمته إلى معظم لغات أوروبا.

كتاب روح القانون، يبين العلاقة بين القوانين ونوع الحكومة. ويوضح العلاقة بين القوانين والعادات والمناخ والدين وأسلوب التجارة وغيرها من العوامل. الكتاب عبارة عن بحث إجتماعي في العلاقات المتبادلة بين مكونات الحضارة.

طبيعة القوانين عند مونتسكيو يحددها مناخ البلاد وتربته. وكذلك طبيعة الشعب واقتصاده وحكومته ودينه وخلقه وعاداته. القوانين عند مونتسكيو، هي العلاقة الضرورية التي تنشأ بين الأفراد والمجتمعات. لكنه يميز بين عدة أنواع من القوانين:

1- القانون الطبيعي، أو الحقوق الطبيعية لكل الناس بوصفهم مخلوقات لها عقل.

2- قانون الأمم الذي يحكم علاقاتها ببعض.

3- قوانين سياسية تحكم العلاقات بين الأفراد والدولة.

4- القانون المدني الذي يحكم علاقات الأفراد بعضهم ببعض.

في بداية المجتمعات البشرية، كانت أهم العوامل بالنسبة لقوانين البلاد، هو عامل الجغرافيا. طبيعة الأرض وتضاريسها. هل هي غابة أم صحراء أم أرض زراعية، وهل هي أرض جبلية أم سهول، داخلية أم سواحل؟ القوانين التي تحكم سكان مصر مثلا، تختلف عن القوانين التي تحكم البدو سكان الصحراء. والمناخ أيضا من أهم العوامل التي تحدد إقتصاد الشعب وقوانينه وطبيعة شخصيته.

في البلاد الباردة، تجد الناس أكثر نشاطا وحيوية. لذلك، تجدهم أكثر جرأة وشجاعة وثقة في النفس. الثقة بالنفس، تعطيهم شعورا بالتفوق والأمن. ومزيدا من الصراحة وقدرا أقل من الإرتياب والشك. وليس مصادفة أن نرى أهل الشمال تقل رزائلهم وتكثر فضائلهم. بينما أهل الجنوب يتسمون بالأهواء والإنفعالات والعنف.

في البلاد الحارة، يفقد الجسم بسبب العرق كثيرا من الماء، الذي يجب تعويضه بالسوائل الكثيرة لكي لا يتخثر الدم. لا يحدث ذلك في البلاد الباردة، لأن الجسم لا يفقد ماء بسبب العرق. لذلك لا يشرب أهل البلاد الباردة السوائل بكثرة. ويكون الدم لديهم عرضة للتخثر. شرب الخمر قد يمنع تخثر الدم. لذلك يصبح ضروري للبلاد الباردة، بعكس البلاد الحارة. من ثم، يكون تحريم شرب الخمر، ملائما لبلاد العرب، وغير ملائم للبلاد الباردة.

في البلاد الحارة، تبلغ الفتيات في سن مبكرة، ويزول جمالهن في سن مبكرة أيضا. أي أن البنت تكون جميلة وهي صغيرة قبل أن ينضج عقلها. وعندما يتقدم بها السن وينضج عقلها، تكون قد فقدت شيئا من جمالها. عندما تكون جميلة غير ناضجة عقلينا، تكون في تبعية للرجل. وعندما تكون ناضجة عقليا وينقصها الجمال ونضارة الصبا. تكون في تبعية للرجل أيضا. لذلك يصبح تعدد الزوجات أمرا طبيعيا في البلاد الحارة.

لكن في البلاد الباردة، يتأخر سن البلوغ عند البنات. وتحتفظ البنت بمفاتنها ونضارتها مع نضوجها العقلي. وتقترب شيخوختها مع شيخوخة زوجها. لذلك لا تكون في تبعية له على الدوام. ويصبح مبدأ الزوجة الواحدة والمساواة بين الجنسين أمرا مقبولا في البلاد الباردة. إننا نجد تعدد الزوجات ينتشر بسهولة ويسر في أفريقيا وآسيا، بينما يجد صعوبة في الإنتشار في أوروبا وأمريكا الشمالية.

حرارة الجو، تثير الشهوات. لذلك وجب إخفاء المرأة بالنقاب. ويكون اختلاط الجنسين غير مناسب في البلاد الحارة. لكن في بلاد الشمال، تكون العواطف باردة هادئة. من ثم يتسلط الحب على القلب. إنها متعة أن تعيش في مثل هذه الأجواء التي تبيح الحديث مع الجنس اللطيف بدون مشاكل، ودون حصر العلاقة مع الجنس الآخر على العلاقة الجنسية فقط.

النظام الجمهوري يصلح في المساحات الصغيرة من الأرض. حيث يستطيع الزعماء فيها أن يجتمعوا للتشاور والتداول والعمل. إذا اتسعت الرقعة، خضعت للحكم الملكي. وإذا ازدادت الرقعة اتساعا أكثر مما ينبغي، تحولت الملكية إلى نظام استبدادي، حتى تستطيع المحافظة على باقي المقاطعات تحت سلطانها.

الجمهورية يجب أن تقوم على الفضيلة. الفضيلة عند مونتسكيو هي حب الوطن والمساواة بين مواطنيه. الديموقراطية يجب أن تحقق المساواة السياسية والإقتصادية بين المواطنين. الضرائب يجب أن تكون تصاعدية حتى تحقق العدالة الإجتماعية بين المواطنين.

الحكم المطلق، يقطع الشجرة من جذورها لكي يجمع ثمارها. والحاكم المستبد، يستأصل أعظم الناس كفاءة ومقدرة لكي يحمي قوته وسلطاته. كره مونتسكيو للحكم المطلق، جعله يأتي بأشهر وأعظم نظرياته، نظرية الفصل بين السلطات، التشريعية والتنفيذية والقضائية.

السلطة التشريعية تضم مجلسين: مجلس يمثل الطبقات العليا، وآخر يمثل العامة. يوجد أناس متميزون ثقافيا وعلميا واجتماعيا في كل مجتمع، النبلاء مثلا. إذا تساوا بعامة الشعب، يكون لهم صوت واحد مثل الباقين. من ثم يفقدون اهتمامهم بمساندة الحكم. وتكون معظم القرارات الشعبية في غير صالحهم. لذلك يجب أن يكون لهم الحق في مقاومة إساءة استعمال عامة الشعب للسلطة.

في نفس الوقت، يكون للشعب الحق في مقاومة أي اعتداء على حريتة من الطبقات العليا. من هنا تكون السلطة التشريعية في أيدي النبلاء وأيدي الذين ينتخبهم الشعب متوازنة. على أن يكون لكل هيئة صلاحياتها وآراؤها، وتكون منفصلة عن الأخرى.

عندما تفصل السلطات الثلاثة، ويراقب كل منها السلطتين الأخريين، تتحقق حرية المواطن، وتلتئم مع عدالة الحكومة. هذه الأفكار نجد جذورها عند هارنجتون والجرنو وسيدني وجون لوك. لقد وجد مونتسكيو ضالته في نظام الحكم الإنجليزي. فالملكية يكبح جماحها مجلس العموم. ومجلس العموم يكبح جماحه مجلس اللوردات.

كان مونتسكيو معجبا بمذهب الرواقيين، ويعتبر القضاء علي مذهبهم محنة ابتلي بها الجنس البشري. لأن هذا المذهب وحده، هو الذي صنع الموطنين وعظماء الرجال. الحرية عند مونتسكيو حق لكل إنسان، طالما كانت في ظل القانون. وكان يستنكر الرق لأسباب أخلاقية.

كان يعترف مونتسكيو بالله كعقل تعبر عنه قوانين الطبيعة وروح القوانين. لكنه يعتقد أن المعجزات لا تلائم طبيعة الإنسان. لا يمانع من وجود شرائع دينية تكمل القوانين المدنية، بشرط ألا تلغيها. وجود القوانين المدنية تحد من استبداد الشرائع الدينية. كما يجب أن تكون الدولة والكنيسة كل منهما رقيبة على الأخري، حتي يحدث التوازن.

في سنيه الأخير، وكان مونتسكيو مصاب بالعمى أو يكاد، قصد إلى باريس لإنهاء عقد إيجار بيته، لكنه أثناء الزيارة أصيب بالتهاب رئوي وقضى نحبه في 10 فبراير عام 1755م، وهو في سن السادسة والستين. كان الأديب الوحيد الذي اشترك في تشييع جنازته، هو ديدرو.

كتب جيبون: "على مدي أربعين عاما منذ صدور روح القوانين، لم يقبل الناس على قراءة كتاب أكثر منه". لقد استفاد كل من جيبون وبلاكستون وبيرك من كتابات مونتسكيو. وعده فردريك الأكبر أحسن الكتب بعد كتاب الأمير. ورأت كاثرين الكبرى أنه ينبغي أن يكون كتاب الصلوات اليومية للملوك.

لقد أصبح كتاب روح القوانين الكتاب المقدس عند زعماء الثورة الفرنسية. ونقل واضعوا مسودة الدستور الأمريكي عن مونتسكيو نظريته في فصل السلطات، ومبدأ استبعاد الوزراء وموظفوا الحكومة من عضوية المجالس النيابية. وعلى مدى جيل واحد من الزمان، كان مونتسكيو، لا فولتير، هو صوت العقل وبطله في فرنسا. كما يقول "ول ديورانت"، صاحب كتاب قصة الحضارة.

zakariael@att.net

 


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية