مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 ملاحظات زائر لأرض الكنانة
...............................................................

مصر الخير والبركة

بقلم: محمد زكريا توفيق
...........................

كنت في زيارة حديثة لأرض الكنانة، لرؤية الأهل والأصدقاء ولقضاء بعض المصالح. هذه هي بعض ملاحظاتي على حالة مصر الآن التي لا تسر عدو أو حبيب. هي ملاحظات أشبه بالأسى والعتاب والغضب على ما آلت إليه أحوال البلاد والعباد.

أول ما يلاحظه الزائر لمصر اليوم، سواء لمدنها وقراها، أو كفورها ونجوعها، هو كمية الزبالة الهائلة التي تلقى في الشوارع والحارات، وعلى جانبي الطرق الممهدة لسير العربات، وعلى شريط السكة الحديد بكل فروعه من الإسكندرية إلى وادي حلفا على الحدود السودانية.

كذلك تُلقى الزبالة والقاذورات في القنوات والمصارف وشاطئي النيل وفروعه، وكل مكان خالي أو حوش مهجور. أصبحت الزبالة تحاصرنا من كل جانب ومن كل حدب وصوب، وبات الشعب المصري يعيش بدون مبالغة في زريبة كبيرة أو صفيحة زبالة عظيمة.

كنت أحضر أحد المؤتمرات للكمبيوتر منذ عدة سنوات في مدينة مينابوليس بولاية ميناسوتا بالولايات المتحدة. تصادف وصولي إلى الفندق عصر يوم الأحد السابق لبداية المؤتمر. فقررت أن أنتهز هذه الفرصة للتعرف على معالم المدينة والسير في طرقاتها.

كانت معي برتقالة، أخذتها في يدي وسرت في شوارع المدينة على أن ألقي بقشرها في أقرب سلة مهملات أو صندوق قمامة. لكن للأسف لم أجد أي صندوق قمامة أوسلة مهملات في طريقي. فنازعتني نفسي، والنفس أمارة بالسوء، أن ألقي بالقشر في الطريق. لكن لجمال الشوارع ونظافتها الغير عادية، لم استطع إلقاء القشر في الشارع، وعدت به بعد سير ما يزيد على الساعتين، والقشر في يدي، لكي ألقيه في صندوق قمامة الفندق.

كنت أزور مدينة فانكوفر التي تقع غرب كندا على ساحل المحيط الهادي منذ عدة سنوات. لاحظت جمال الشوارع واهتمام الناس بواجهات منازلها وحدائقها الأمامية. الورود الجميلة والنجيلة الخضراء التي تشبه البساط، والأشجار الوارفة والزهور البهيجة. الشوارع كأنها مغسولة بالماء والصابون.

سألت مرافقي الكندي عن سر هذا الجمال وهذه الروعة. أجاب ببساطة: البلدية تمر على هذه الشوارع والفيلات للتفتيش، ومن تجده مقصرا أو مهملا في العناية بحديقته وواجهة بيته، تقوم البلدية بنفسها بالعناية بالحديقة والواجهة. أي تعمل اللازم من إستبدال الأشجار الميته وقص النجيلة الطويلة وتهذيب الأغصان وزراعة الزهور. ثم ترسل فاتورة التكاليف لصاحب البيت.

ثاني شئ تلاحظة في بلادنا، هو عدم وجود إشارات مرور أو إشارات ضوئية عند تقاطع الطرق. لا إشارة مكتوبة ترغمك على الوقوف بسيارتك والنظر يمينا وشمالا ثم عبور التقاطع ببطء درءا للحوادث، أو إشارات ضوئية ذات الألوان الثلاثة المعروفة، الحمراء والصفراء والخضراء.

ولا تجد أيضا أماكن لعبور المشاة. حتى أحدث المدن والتجمعات السكانية الراقية التي أنفق على بنائها بلايين الجنيهات، لا يوجد بها إشارات مرور أو أماكن لعبور المشاة. ناهيك عن المطبات الصناعية والحفر الكبيرة والبالوعات المفتوحة. إهمال غير عادي واستهتار بأرواح الناس ليس له مثيل.

تصادف وجودي بسبب عملي في مكان نائي شمال ولاية نيويورك يبعد عن منزلي مسافة ساعتين بالسيارة. كانت الساعة الثالثة صباحا والسماء تصب جام غضبها من مطر وسيل وبرق ورعد وأعاصير. وعليّ قيادة السيارة في هذا الجو وفي تلك الساعة. مسّاحات الزجاج لاتقدر على إزاحة الماء المنهمر على الزجاج الأمامي للسيارة.

ما أن وصلت إلى آخر الشارع المؤدي إلى الطريق السريع حتى وجدت إشارة مرور حمراء. إنتظرت الإشارة الخضراء في هذا الوقت المبكر وهذا المكان المنعزل الذي يخلو من أية عربة تمر. عندما طال إنتظاري، قررت تخطي الإشارة الحمراء والسير شمالا خرقا لقواعد المرور.

ما أن فعلت ذلك حتى ظهرت خلفي سيارة شرطة المرور بأنوارها الحمراء المتقطعة وكشافاتها القوية وصوت سرينتها المميزة. أشار ضابط المرور بالسيارة طالبنا مني الوقوف على جانب الطريق. عندما فعلت، طلب مني رخصة القيادة وباقي أوراق السيارة. وجدته يحرر لي مخالفة تخطي إشارة مرور حمراء. هذه هي أول مرة في حياتي أتخطى إشارة مرور حمراء.

لا أدري من أين أتت سيارة الشرطة، ولاحظت أن المخالفة ليست مكتوب بها قيمة الغرامة. عندما سألت الشرطي عن سبب ذلك، قال هذه قضية، ويجب عليك أن تمتثل أمام القاضي والمحلفين، لكي يتقرر قيمة الغرامة أو سحب رخصتك إذا لزم الأمر.

هذا يعني أنني سوف أعود إلى هذا المكان النائي مرة ثانية لكي أمتثل أمام القاضي للدفاع عن نفسي. وهذا يتطلب يوم أجازة أو أكثر من عملي. بعد عدة إتصالات تليفونية بقسم شرطة المرور الخاصة بتلك الناحية، تمت الموافقة على أن أعترف كتابة بأنني مذنب. حينئذ، تقررت قيمة المخالفة المالية بمبلغ 250 دولار.

أرسلت شيك بالمبلغ وحمد الله على أنني قد أعفيت من العطلة والمثول أمام القاضي والمحلفين. لكن الأمر لم ينته عند هذا الحد. فقد أُخطرت شركة التأمين بالمخالفة، فقامت برفع قيمة التأمين السنوي على سيارتي بمقدار 200 دولار سنويا لمدة خمس سنوات. أي أن كسر إشارة مرور حمراء في الولايات المتحدة كلفتنى مبلغ 1250 دولار بالتمام والكمال.

بالنسبة لحالة المرور في مصر، كنت أركب عربة يقودها ابن صديق لي في العشرينات من عمره، من الإسكندرية إلى القاهرة على الطريق الصحراوي. كانت حدود السرعة على هذا الطريق لا تتعدى 100 كيلومتر في الساعة.

لكنه كان يسير بسرعة 160 كيلومتر في الساعة وهو يرفع يديه عن عجلة القيادة من حين إلى آخر لكي يتعطر من زجاجة كولونيا بجواره. وأنا أصرخ بجانبة كي يهدئ السرعة، ولكي يمسك بعجلة القيادة. لكنه كان يقهقه ويقول ماتخافش يا عمي دالعمر واحد والرب واحد.

عند مكان تحصيل رسوم الطريق (الكارته)، تم سحب رخصته أثناء عودتنا مرتين متتاليتين. لكنه في كل مرة، كان يُظهر بطاقة أخيه الضابط بالبحرية سابقا والذي لم يكن معنا في السيارة. فيعيد شرطي المرور الرخصة دون غرامة بعد أن يقوم بتأدية التحية العسكرية له.

العسكريون عند الكارته لهم طريق مخصوص غير طريق عامة الشعب، تمر به العربات الخاصة لرجال الجيش والشرطة بدون دفع رسوم المرور. لماذا العسكريون مميزون عن المدنيين في وقت السلم، ولماذا هذه التفرقة البغيضة الغير آدمية؟ لا أدري.

طبعا هذه قصص محزنة جدا تبين مدى التسيب وإستهتار الناس والحكومة بالأرواح في مصر. وكأن أرواح المصريين لا قيمة لها ولا تساوي بصلة. وما دام السيد الرئيس له وزن دولي ويتسم بالحكمة، وحكمه مستقر على الدوام، ووزارته إلكترونية يتقن وزراؤها اللغات الأجنبية، ويلبسون البدل الأنيقة والأحذية اللامعة وأربطة العنق المستوردة، فلا يهم بعد ذلك أرواح الناس التي تهدر وتتساقط مثل أوراق الخريف على الطرق السريعة. 30 ألف مصاب وسبعة آلاف قتيل كل عام. الأعلى بين كل الأمم.

الطرق السريعة مليئة بعربات النقل ذات المقطورة. والحارة اليمنى من الطريق مشغولة بالعربات الواقفة في المنحنيات لانزال الركاب أو للراحة، والناس تجدها في الحارة اليمنى واقفة إنتظارا للركوب.

عربات الميكروباص أو النعوش الطائرة، نصفها يقاد بشباب تحت سن العشرين. تجدهم وبالأخص في الأرياف يقودون سياراتهم بدون رخصة، أو وهم تحت تأثير البانجو والحشيش. طبعا وصف حالة المرور في مصر يعرفها الجميع ولا تحتاج إلى المزيد من الشرح والتعليق.

اشتريت سيارة مرخصة في دمياط، لكي أقضي بها بعض المصالح أثناء زيارتي الأخيرة هذه لمصر. قررت نقل ملكيتها بإسمي وإعادة تسجيلها في قسم المرور بالإسماعيلية.

أخذت معي أخي المدير السابق، بالمعاش حاليا، وأخذت أيضا زوج أختي، وهو ضابط برتبة عميد أيضا بالمعاش. قضينا أربعة أيام كاملة مابين هذا الشباك وذاك الشباك. وبين هذا المبنى وذاك المبنى. الزحام شديد على كل شباك. اطلع فوق وانزل تحت. روح يمين وروح شمال. لا يا أفندم، أنت في الشباك الغلط. اختم هذه الورقة وصور هذا المستند. اكشف على الموتور وهات بصمته.

اشتري طفاية حريق لأن طفايتك غير صالحة. اشتري مثلث وعلبة إسعاف. ابصم طفاية الحريق. جدد التأمين وجدد رخصة العربية. طيب التأمين القديم ساري والرخصة سارية. لا ما ينفعش لازم تتجدد.

اذهب إلى دمياط لتكملة البيانات. اذهب مرة ثانية لدمياط لتسليم نمرة السيارة. هل يمكن تسليم نمرة السيارة في الإسماعيلية؟ لا. لابد من تسليمها في دمياط. ذهبنا للمرة الثانية إلى دمياط لتسليم النمرة. لازم الذهاب إلى قسم شرطة دمياط لاحضار شهادة بأن السيارة غير مطلوبة في قضية سابقة.

عند العودة إلى الإسماعلية، المفاجأة الكبرى هي طلب عودتنا إلى دمياط للمرة الثالثة لتسليم إستمارة 105. والله هذا حدث وليست نكته. بالطبع كل خطوة فيها رسوم وبرطلة والذي منه. وإلا، تعالى بكرة يا سيد. ألفين جنيه بالتمام والكمال تكاليف نقل ملكية السيارة، ما بين تسجيل وتأمين ومصاريف وبرطلة.

يعني العملية ببساطة، إنتهاك لآدمية الإنسان وقتل وقته وتدمير روحه وتفريغه من قيمه الخلقية والمعنوية. كيف يستمرئ السيد الرئيس الحياة في شرم الشيخ ويتمتع بالهواء النقي، وكيف ينام ملء جفونه؟ وكيف يهنأ رئيس وزرائه ووزير داخليته في قصورهما المنيفة؟ بينما يكابد الإنسان المصري من الروتين والعفن الحكومي بهذه القسوة والعنف؟

عندما قررت بيع سيارتي الأخيرة في الولايات المتحدة، أحضرت شهادة ملكية السيارة، وقمت بالتوقيع في ظهرها وإنتهى الأمر. توقيع واحد، نقل ملكية السيارة مني إلى المالك الجديد. فلماذا لا نفعل نفس الشئ؟

هذه قصة مدينتين. مدينة تحترم آدمية الإنسان وتعمل على راحته ورفاهيته. ومدينة تتلذذ في تعذيب الإنسان والحط من قدره وإهانته. هل العيب في الشعب المصري، لا والله. جينات الشعب المصري لم تتغير منذ عصر الفراعنة. حسب آخر دراسة، 97 في المئة من جيناتنا نشترك بها مع جينات الفراعنة الذين شيدوا الأهرامات والمعابد العظيمة، والذين علموا البشرية كيف يكونوا بني آدمين.

المصريون جيناتهم سليمة وأفضل وأنقى بكثير من جينات شعوب أخرى. المصريون قابلون للنهضة والتقدم والرقي مثل باقي شعوب الأرض. لكن ما يتعرضون له الآن فوق طاقة البشر. عملية نصب وتخريب وتحطيم وتدمير مقصودة للإنسان المصري من الداخل والخارج، حتى يسهل حكمه. عملية تسطيح لشبابنا، وتفريغ كامل لكل ما هو نبيل وجليل في حياتنا وحياة أولادنا. فإلى متى سنظل هكذا؟ لا أدري.

zakariael@att.net


06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية