مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 تداعيات نظرية التطور لداروين (1)
...............................................................

 

داروين

 

بقلم: محمد زكريا توفيق
.........................

ما هي نظرية التطور لداروين؟ نظرية التطور يمكن أن نقسمها إلى جزئين. الجزء الأول يقول أن كل الأحياء على هذا الكوكب تربطهم صلة قرابة. كلنا أقارب، أهل وحبايب. وكل نوع من هذه الأحياء، جاء من مخلوقات سابقة، يمكن أن تكون قد إنقرضت منذ مدة وأصبحت في خبر كان.

الجزء الآخر من نظرية التطور يبين كيفية تتغير الأنواع مع الزمن، حتى تستطيع المواءمة مع البيئة ومواصلة الحياة. هذه المواءمة تستخدم أسلوب أو مبدأ "البقاء للأصلح".

من يستطيع المواءمة والتكيف مع البيئة يبقى حيا لكي يتوالد ويتكاثر، ومن لا يستطيع، يذهب غير مأسوفا عليه وينقرض. الإنقراض شئ طبيعي لازم للتطور.

هناك آلاف الأنواع في عالمي الحيوان والنبات تنقرض سنويا. لكن الشئ المقلق هو تزايد نسبة الأحياء المنقرضة في السنوات الأخيرة عن المعدل المعروف، بسب التلوث وزحف العمران المدني دون وعي أو وازع أخلاقي. ويعتقد بعض العلماء أننا وسط أكبر إنقراض جماعي بعد إنقراض الديناصورات منذ 65 مليون سنة.

أهم شئ بالنسبة للإختيار الطبيعي هو الإستمرارية. الأفراد من الأحياء، لا تستطيع أن تحيا للأبد. لذلك تتكاثر وينتج كل منها شبيها له. عملية التكاثر ينتج عنها أعدادا هائلة أكثر من الحاجة. أنظر إلى ما تنتجه النخلة الواحدة من بلح، أو شجرة الجميز من ثمار.

هذه الأعداد تتنافس فيما بينها للحصول على الغذاء. لكن الغذاء لا يكفي الجميع. من هنا يأتي الصراع. الصراع بين الأفراد، والصراع بين الجماعات. الحروب بين الأمم والصراع بين اليهود والفلسطينيين.

هناك أيضا الصراع بين الأنواع نفسها. الأسود والظباء، الحشرات الضارة والنباتات، الميكروبات والإنسان، إلخ. هل نحن نعيش في سلام آمنيين؟ أنظر كيف تهاجمنا البكتيريا والميكروبات بضراوة.

مظهر آخر من مظاهر الإختيار الطبيعي هو التنوع. الذي ينتج بسبب أخطاء في عملية التكاثر والإستمرارية. أي أن الوليد لا يكون نسخة مطابقة للأصل من الأم، أو من الأب والأم معا.

هذا الخطأ أو الخلاف في عملية النسخ من جيل إلى جيل قد يكون بسبب الإختتلاف بين الوالدين. وهذا يأتي بسبب إختلاف جينات كل منهما. أو بسبب عملية نسخ الجينات كيميائيا، والخطأ في تركيبة الحامض النووي (دي إن إيه) داخل الخلية التناسلية أثناء تكوينها. بسبب التلوث أو بسبب التعرض للإشعاع أو لأسباب أخرى.

معظم الأخطاء الجينية تتسبب في موت الوليد الذي يحملها وبذلك تموت معه. لكن بعض الأخطاء الجينية تكون نافعة وتعطي الوليد ميزة كبيرة يستطيع بها التغلب على صعوبة الحياة أو للمنافسة الشرسة بين أقرانه. مثل الأخطاء التي تتسبب في تكوين فرو سميك للحيوان في بيئة شديدة البرودة، أو التي تعطي الكائن ألوانا تشبه ألوان البيئة التي يعيش فيها، بذلك يستطيع الإختفاء عن أعين الأعداء.

هذه الأخطاء هي التي تتسبب في وجود الأنواع المختلفة. وقد يبدو للوهلة الأولى أن الأنواع المختلفة جاءت بعد تخطيط مسبق لكي تناسب الوسط الذي تعيش فيه، لكن نظرية داروين تقول بأن هذا مجرد صدفة بحتة وبسبب أخطاء في الجينات فقط لا غير.

الجزء الأول من نظرية التطور الذي يقول أننا وباقي الكائنات أقارب، أهل وحبايب، هو ما يعرف بالتطور. نحن وقرود الشمبانزي والغوريلا أولاد عم نأتي من جد واحد. الحيتان وأفراس النهر أقارب أتت من أصل واحد أيضا. وهكذا.

فكرة أن الأحياء تتطور ليست جديدة علينا. فقد نادى بها الفيلسوف اليوناني القديم إمبيدوكليس قبل الميلاد بعدة قرون. وكانت فكرة مقبولة عند العلماء والفلاسفة في أيام داروين.

لم تأت عظمة داروين من قوله "نحن والشمبانزي أقارب- أهل وحبايب"، ولكن من الجزء الثاني لنظريته. أي من تفسيره للسيناريو والميكانزم الذي يحدث عن طريقه التطور. الصراع من أجل البقاء، والبقاء للأصلح.

لكن نظرية داروين بشقيها قابلت منذ نشرها، معارضة شديدة من جميع المحافل والمراكز والفرق الدينية. حتى الجزء الثاني للنظرية، البقاء للأصلح، واجه هو الآخر معارضة شديدة من بعض العلماء.

الفكر الديني يعارض نظرية التطور من منطلق ديني بحت. كيف يساوي داروين بين الإنسان والحيوان، بينما الكتب المقدسة تفرق بين الإنسان والحيوان.

الإنسان بالنسبة للفكر الديني، له روح خالدة، بعكس الحيوانات والحشرات. التي تفنى أرواحها بمجرد موت أجسادها. البعث والحياة الأخرى والثواب والعقاب تكون فقط للإنسان. لماذا؟ لا أدري. آسف كلبي العزيز، ليس لك مكان في العالم الآخر مع المؤمنين الأبرار.

ماذا يعني هذا بالنسبة للفكر الديني؟ يعني أن الإنسان ليس له علاقة بعالم الحيوان هذا. خلقه الله في أجمل صورة أو على صورته كما يقول المسيحيون. أو كشعب مختار له الحق في إبادة الفلسطنيين، كما يقول اليهود. أو كخير أمة أخرجت للناس، كما نقول نحن المسلمون.

كما أن الفكر الديني يقول بأن عملية الخلق لم تأت بالتدريج وعبر بلايين السنين، كما يقول داروين. إنما جاءت مرة واحدة. كن فيكون. أما بقايا الأحياء المتحجرة الموجودة بكميات هائلة في كل طبقات الأرض المختلفة في كل أنحاء المعمورة، فهي بسبب فيضان سيدنا نوح.

البعض يراها مجرد أعمال شريرة من صنع الشييطان. أما إبليس نفسه، فقد ظهر متخفيا في صورة داروين لكي يعطينا هذه النظرية الرهيبة. الهدف منها هو لخبطة المؤمنيين وإبعادهم عن الدين القويم. لكن هناك ليبراليون وعلمانيون متدينون لا يرون أية تعارض بين نظرية الخلق، كما جاءت في الكتب المقدسة، ونظرية التطور .

التطور في نظرهم، هو طريقة الله سبحانه في خلق الأحياء. وما آدم وحواء إلا مرحلة متأخرة من تطور الإنسان وإنفصاله عن عالم الحيوان.

لكن نظرية التطور لداروين تقول بصراحة أن الإنسان لم يأت عن فكر مسبق أو غرض ما. الإنسان وباقي المخلوقات جاءت وليدة الصدفة المحضة. كلام خطير جدا.

ليس هناك هدف طبيعي، كما يقول أرسطو، يقود عملية الخلق بصفة عامة، وخلق الإنسان بصفة خاصة. بالتالي، التطور كما طرحه داروين، لا يحتاج إلى طبيعة إلهية لكي ينجح. مبدأ البقاء للأصلح لا يحتاج إلى طبيعة إلهية.

فكرة الخلق الميكانيكي كما جاءت في نظرية التطور لداروين، أصابت معاصريه في القرن التاسع عشر بالرعب الشديد. مما جعل الفيلسوف الأمريكي المعاصر "دانيال دينيت" يسميها، "فكرة داروين الخطرة".

في القرن السابق لداروين، كان البرهان على وجود الله يعتمد على مقارنة عملية خلق العين للإنسان أو الحيوان مثلا، بعملية تصنيع الساعة.

تصنيع الساعة لا يمكن أن يكون قد أتي بمحض الصدفة. هذا التصنيع وراءه عقل مفكر، قام بالتصميم والتصنيع. هذا العقل هو الصانع أو المهندس. وكانت الفكرة في رأسه قبل أن ينفذها.

كذلك العين. قام بتصميمها وتصنيعها صانع قدير. هو الله نفسه. العين بلغت من التعقيد والدقة والتخصص حدا، جعل تصنيعها بمجرد الصدفة البحته أمرا مستحيلا.

لكن نظرية داروين توضح بالتفصيل كيف تكونت أعضاء بالغة التعقيد مثل العين بالصدفة البحتة. أو بتراكم أخطاء جينية مفيدة عبر الدهور، جاء كل منها بالصدفة البحته.

بعض الأمثلة التي توضح كيف يعمل الإختيار الطبيعي، هي قصة فراشات إنجلترا (Moth) ذات اللونين، الأبيض والأسود. قبل القرن التاسع عشر، كانت الفراشات البيضاء هي السائدة كثيرة العدد. بينما الفراشات السوداء، كانت نادرة صغيرة العدد، على وشك الإنقراض.

لماذا؟ لأن الفراشت السوداء عندما تقف على جذوع أشجار الحور البيضاء (Aspen) ، تكون واضحة جلية للعيون الحادة للطيور. بعكس الفراشات البيضاء التي يصعب رؤيتها.

في القرن التاسع عشر، إنتشرت المصانع وسط إنجلترا. وانتشر معها التلوث والدخان وتراب الفحم في الهواء. وصبغت بسبب هذا التلوث سيقان الأشجار باللون الأسود.

ماذا حدث بعد ذلك؟ أصبحت الفراشات السوداء مخفية عن أعين الطيور الجارحة، فتكاثرت بكميات كبيرة وأصبحت هي السائدة. بينما باتت الفراشات البيضاء واضحة الرؤيية تماما لعيون الطيور الجائعة، مما تسبب في نقص عددها وندرتها.

لون الفراشات هنا لم يأت عن تخطيط مسبق. إنما مجرد عمل ميكانيكي محض. في الحالة الأولى، سيقان الأشجار البيضاء مع الطيور الجائعة، هي المسئولة عن إنتشار الفراشات البيضاء. في الحالة الثانية، التلوث والطيور الجائعة هي التي تسببت في تغير لون الفراشات السائدة من اللون الأبيض إلى الأسود.

في المقالات القادمة، سوف أتحدث عن نظرية داروين من الناحية الإجتماعية والفلسفية والأخلاقية. فإلى اللقاء حتى نستكمل مناقشة وفهم أهم نظرية علمية ظهرت حتى الآن.

zakariael@att.net


06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية