مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 قصة الفلسفة الغربية: بيركيلي المؤمن- هيوم الملحد
...............................................................

 

دافيد هيوم

 

بقلم: محمد زكريا توفيق
...........................

ثاني الفلاسفة التجريبيين بعد جون لوك، هو الفليسوف الإيرلندي جورج بيركيلي (1685-1753م). مدرس بكلية ترينيتي في مدينة دوبلين. ثم أسقف إنجيلي في مدينة كلوين. كان جورج بيركيلي شغوفا بفلسفة جون لوك. أراد أن يصحح بعض الأخطاء، من وجهة نظر بيركيلي، التي جاءت في فلسفة لوك. مع عدم المساس بأصول الفلسفة التجريبية. في كتابه،"مبادئ المعرفة البشرية"، هاجم بيركيلي تقسيم جون لوك الأفكار، إلى أفكار إبتدائية وأفكار ثانوية. الأفكار الإبتدائية تأتي من الأشياء المادية، عن طريق الحواس مباشرة، وتوجد مستقلة عن العقل. مثل الشكل والحجم والموضع. أما الأفكار الثانوية، فهي التي توجد فقط في المخ أو الذهن. مثل الإحساس بالألوان والأصوات والروائح العطرية. اللون الأحمر لا يوجد إلا في الذهن، أما في الواقع، فلا توجد سوي الموجات والترددات الضوئية المنعكسة من الأجسام.

يقول بيركيلي، إن الأفكار الإبتدائية، هي الأخري، لا توجد إلا في الذهن. مثل الأفكار الثانوية. لأن الأفكار الإبتدائية، هي مجرد تفسير لأفكار أخري، للإحساس بالشئ الموجود أمامنا.

ولشرح فكرته، قام بيركيلي بالتفرقة بين التصور المباشر والتصور الغير مباشر للأشياء. التصور المباشر، يأتي عن طريق الحواس في صورة قراءات وبيانات مباشرة.

الطفل في أول عهده بالقراءة، يرى مجرد شخبطة سوداء على الورقة البيضاء. شخبط شخابيط لنانسي عجرم. عن طريق التعلم، تتحول هذه الشخابيط إلى كلمات، لها معنى. هذا ما نعني بالتصور الغير مباشر. بمجرد إتقاننا للقراءة، نفقد البراءة في النظر للأشياء على حقيقتها. الكلمات لم تعد شخابيط وإنما قصص وحكايات.

هذا يفسر لنا، لماذا نتصور نحن الكبار العالم من حولنا على أنه مجاميع وتكتلات وتعصبات لأشياء، بدلا من مجرد قراءات حسية. ما نراه في العالم الخارجي، كما يقول بيركيلي، هو تجميع لأفكار. يمكن تحليلها إلى عناصرها الحسية الأولية.

نلاحظ هنا أن بيركيلي لم يدخل مفهوم المادة في الموضوع. إنه يتحدث عن أفكار فقط. معرفتنا بالعالم من حولنا أصبحت أسيرة الكلمة واللغة. نحن نعلم أولادنا الكلمات، والكلمات ترتب الأفكار في عقولهم وتحولها إلى أشياء.

كل منا يعيش في عالمه الشخصي. الذي يتكون من القراءات الحسية التي تأتينا عن طريق الحواس. هذا هو السبب في أن كل جيل له مطربيه وأغانيه وموسيقاه. أنا تعجبني أغاني أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وأسمهان وفيروز، هؤلاء ليسوا بالضرورة، مطربي الجيل الجديد. سماعنا لهؤلاء المطربين في الصغر، شكل عقولنا، وأفقدها براءة الأطفال في الحكم على الأشياء. وجعلنا ننحاز لمثل هذا النوع من الغناء في الكبر.

نحن أيضا نتعلم اللغة، ونتعلم كيف نقرأ الكلمات. اللغة والكلمات هي بمثابة كباري وأنفاق توصل عالمي الخاص بعالمك الخاص وعالم الأشخاص الآخرين. بدون اللغة، كيف أستطيع أن أبثك أفكاري التي أضعها في هذا المقال. سوف يصبح كل منا جزيرة عقلية معزولة عن الآخرين.

يعتقد بيركيلي أنه عن طريق القراءات الأولية الحسية واللغة، تصبح المعرفة الإنسانية ممكنة. فيما عدا معرفة الرب. لقد كان بيركيلي أسقفا، فلا غرابة في إدخاله "الرب" في فلسفته. وجود الرب، كما يقول بيركيلي، يمكننا إستنتاجه من إنتظام قراءات حواسنا والقدرة على التنبؤ بها.

إذا كان هذا العالم المحسوس، والذي نطلق عليه الوجود، نعرفه عن طريق الحواس، التي هي بدورها تنقل قراءاته الحسية إلى العقل. فوجوده بالنسبة لنا، يعتمد على العقل.

لكن، لماذا عندما أعود إلى غرفة ما فارغة، قمت بإخلائها من قبل، أجدها لا تزال فارغة كما تركتها؟ لماذا لا تختفي الغرفة، عندما أتوقف عن تصورها؟ الإجابة: لآن الله كان يتصورها عندما توقفت أنا عن تصورها.

لأن الله لا يغفل ولا ينام عن مخلوقاته. الله هو الضامن لإستمرار القوانين الطبيعية في هذا العالم. الماء يغلي بإستمرار عند درجة 100 مئوية، ويتجمد عند درجة الصفر.

عندما يقول الإنجيل بأن الله قد خلق العالم، هذا يعني أنه قد خلق القراءات الحسية والعقول التي تستقبلها. لم يخلق الله هذه البيانات لكي تتغير بأستمرار أو لكي تكون غريبة لا يمكن التنبؤ بها.

الإعتقاد بوجود أشياء مادية ترسل هذه البيانات والقراءات الحسية، هو الخطأ الذي وقع فيه جون لوك من قبل. خطأ جون لوك، كما يقول بيركيلي، يتمثل في عدم رؤيته لما يمثل الحقيقة والوجود من حولنا.

هنا يقوم بيركيلي بإلغاء الوسيط بالمرة. نظرية بيركيلي في الوجود، تشبه إلى حد كبير نظرية جون لوك. لكنها أبسط. وهنا يدخل مبدأ "موس أوكام" الذي يقول أن الأبسط هو الأجمل والأصح. لذلك قام بيركيلي بإلغاء المادة من الوجود كلية. مافيش مادة ولا يحزنون. الموجود فقط قراءات وبيانات تأتي من الأشياء.

ثالث الثلاثة، وأكبر الفلاسفة التجريبيين البريطانيين، هو الفيلسوف دافيد هيوم (1711-1776م). ولد في ادينبرا في سكوتلندا لأسرة برجوازية. وجهته الأسرة لدراسة القانون، لكنه كان شغوفا بالفلسفة.

بعد تخرجه من جامعة ادينبرا، اتجه إلى التجارة. لكنه فشل فيها فتركها للإشتغال بالكتابة. مكث في فرنسا ثلاث سنوات وهو يكتب ويحرر بعض المقالات. عين وزيرا في الحكومة البريطانية عام 1768م. إلا أنه بقي في منصبه عاما واحدا، عمل بعدها محافظا للخزانة. ثم تفرغ للفلسفة والكتابة. تأثر به عدة فلاسفة في أوروبا وأمريكا.

قام بنشر أول كتاب له،"بحث في الطبيعة البشرية"، وهو في سن العشرين. كان يأمل أن ينال الشهرة والثراء بسبب هذا الكتاب. لكن الكتاب، قوبل بالتجاهل التام من الناشرين.

بعد عشر سنوات، أعاد هيوم تأليف الكتاب، وقام بنشرة تحت عنوان،"بحث يخص الفهم الإنساني". الكتاب الثاني، كان أكثر نجاحا. ربما بسبب النبرة الأكثر تواضعا في أسلوبه. ثم ألف كتاب "بحث في المبادئ الأخلاقية" عام 1751م، وكتاب "محاورات في الدين الطبيعي" عام 1754م، ثم كتاب "تاريخ إنجلترا" عام 1761م، وهو أعظم ما كتب عن تاريخ الأمم.

الآن، يعتبر دافيد هيوم، أكثر الفلاسفة التجريبيين البريطانيين عنفا وغموضا. لا يؤمن بالله والملائكة والشياطين، ولا بالبعث والحياة الأخري والثواب والعقاب وخلود الروح.

يبدأ هيوم فلسفته بإحياء أفكار ليبنيز في التفرقة بين القضايا التحليلية والقضايا التركيبية. أو بلغة هيوم، التفرقة بين "الأفكار" و"الحقائق". القضايا أو الجمل التحليلية تتسم بالخواص الآتية:

1- نفيها يؤدي إلى تعارض، (كل العوانس نساء)، النفي (ليست كل العوانس نساء) يؤدي إلى تعارض. لأن هذا يعني أن بعض العوانس ليست نساء.
2- معلومة بالفطرة (Priori)، (1=1)
3- صحيحة بالتعريف (المثلث له ثلاثة أضلاع)
4- صحتها لازمة، أي أنها لا يمكن أن تكون غير صحيحة (1+1=2)

القضايا التركيبية، تتصف بالخواص الآتية:

1- نفيها لا يؤدي إلى تعارض (ارتفاع الغرفة 4 أمتار)
2- معلومة بالإشتقاق من معلومات أخري (Posteriori)
3- ليست تعريف
4- صحتها ليست ضرورية. ممكن أن تكون صحيحة أو لا.

لكن هيوم يقول: إن القضايا التحليلية لا تقدم معلومات جديدة عن العالم الذي نعيش فيه. إنما معلومات عن معني الكلمات فقط. أي جديد نعرفه من جملة (كل العوانس نساء).

كلمة نساء لا تضيف جديدا، لأن المعروف أن العانس إمرأة. وما الجديد في قولنا "المثلث له ثلاثة أضلاع". هذا مثل وصف الوردة الحمراء بأنها وردة لونها أحمر. وهي تذكرنا بالقول: "وبات طول الليل يقدح فكرته، وفسر الماء بعد الجهد بالماء."

الحقائق المعروفة بالفطرة وباقي القضايا التحليلية، كما يقول هيوم، ليست إضافات أو أوصاف جديدة لأي شئ. القضايا التركيبية فقط هي التي تصف الحقيقة. هذا يعني أن المعرفة الحقة لهذا العالم الذي نعيش فيه، يجب أن تعتمد علي المشاهدة والتجربة فقط.

بالنسبة لهيوم، القضايا تنقسم إلى ثلاثة أنواع: تحليلية، وتركيبية، وكلام فارغ. إذا ذهبنا إلى مكتبة الإسكندرية مثلا وفحصنا كتبها الخاصة بالمعرفة. ثم نسأل أنفسنا عن طبيعة كل كتاب: "هل يحتوي على قضايا تحليلية مثل القوانين والمعادلات الرياضية؟ أم يحتوي على قضايا تركيبية مثل التجارب المعملية؟"

إذا كانت الإجابة بالنفي في كلتا الحالتين، فالكتاب عبارة عن "كلام فارغ"، يحتوي على وهم وخداع، يجب التخلص منه، وإلقاءه في النار. ربما يكون هذا هو السبب في فقد هيوم لوظيفته كأمين مكتبة.

إذا كانت لدينا جملة أو قضية، نريد أن نختبرها بطريقة هيوم:

أولا، نختبر هل هي قضية تحليلية؟ كيف؟ عن طريق نفي الجملة. إذا حدث تعارض منطقي، فالقضية تحليلية. القضايا التحليلية حقيقية، ولكن من الناحية الفلسفية تعتبر تافهة لأنها لا تضيف شيئا جديدا. هي مجرد إعادة شرح لواقع موجود.

ثانيا، إذا لم تكن القضية تحليلية، فعلينا إختبار كونها قضية تركيبية أم لا. كيف؟ عن طريق تتبع أفكارها حتى البداية. إذا كانت البداية تأتي من قراءات حسية، تكون القضية تركيبية. وإذا لم تكن تركيبية فالقضية كلام فارغ.

ولنأخذ قضية مثل "الله موجود". هل هذه القضية تحليلية؟ نفي هذه القضية هو: "الله غير موجود". هل هذه الجملة تعارض نفسها؟ معظم الناس تقول لا. لكن فلاسفة مثل أنسيلم وديكارت واسبينوزا، سوف يجيبون على السؤال بنعم. لأن لديهم برهان على وجود الله. بذلك تكون جملة "الله موجود" جملة تحليلية. لكن هيوم يقول بأن برهان أنسيلم وديكارت على وجود الله مجرد تلاعب بالألفاظ.

إذا افترضنا أن الجملة ليست تحليلية، فعلينا أن نختبر، هل هي تركيبية؟ يعتقد هيوم أنه من المستحيل تتبع الفكرة حتي القراءات الحسية. ليست لنا خبرة بالصفات الإلهية تساعدنا في ذلك. ومن ثم، فالجملة ليست تركيبية أيضا. من هنا يستنتج هيوم أن جملة "الله موجود" لا يمكن إثبات صحتها أو خطئها.

لكن كيف يرى هيوم العالم من حوله؟ بإستخدام مبدأ "موس أوكام"، قام هيوم بإلغاء وجود المادة في الفلسفة التجريبية، مثل بيركيلي من قبل. مفهوم المادة (الهيولي) يعتبر مفهوم أساسي استخدمه الفلاسفة والعلماء من قبل، في فهم العالم من حولنا. كل قوانين نيوتن في الميكانيكا والفيزياء، تعتمد على وجود المادة.

ثم تحول هيوم إلى مفهوم آخر. مفهوم لا يستخدمه فقط الفلاسفة، لكن أيضا العلماء والعامة. وهو مفهوم "السببية".

دعنا نفحص جملة "س تسبب ص". س و ص تمثل أحداثا. الحدث س: "كرة البيلياردو (أ) تضرب كرة البيلباردو (ب)".
الحدث ص: "كرة البيلياردو (ب)، تتحرك بعد ضربها بالكرة (أ)".

هل الجملة: "س تسبب ص" جملة تحليلية؟ لنقوم بفحصها عن طريق النفي. هل الجملة "س لا تسبب ص"، تعارض نفسها؟ واضح بأن الجملة لا تتعارض مع نفسها. لماذا؟ لأنه من المحتمل جدا أن الكرة (ب) لا تتحرك بعد ضربها بالكرة (أ). لا تعارض يعني أن الجملة ليست تحليلية.

هل الجملة تركيبية؟ على ما يبدو أن الإجابة بنعم. لأننا لا نجد صعوبة في تتبع الأحداث إلى أصلها، حتي نصل إلى القراءات الحسية التي تأتي من الحواس. لكن هيوم يجد صعوبة هنا.

في تحليل هيوم للأحداث، قام بتقسيمها إلى ثلاثة أنواع. أحداث لها أولوية، وأحداث متجاورة، وأحداث ضرورية. الأحداث التي لها أولوية، مثل س تسبق ص في الحدوث، يمكن ترتيبها ترتيبا زمنيا وتتبعها إلى القراءات الحسية.

الأحداث المتجاورة، س تلمس ص، هي أيضا يمكن تتبعها إلى الحواس. لكن ليست هناك علاقة ضرورة، كما يقول هيوم، في ضرب الكرة (أ) للكرة (ب). بمعني أن الكرة (ب) قد تتحرك وقد لا تتحرك.

ماذا يعني هذا؟ يعني أننا عندما نقول "س تسبب ص"، فنحن نعبر هنا عن توقعاتنا في أن الحدث س سوف يتبعه الحدث ص في المستقبل، ولا تعبر عن حقيقة مطلقة.

هذه ظاهرة سيكلوجية تعبر عن أنفسنا، وليست حقائق عن العالم حولنا. حدوث الأحداث مرارا وتكرارا بنفس الطريقة، لا يعني أنها لابد أن تحدث بنفس الطريقة في المستقبل. شروق الشمس من المشرق كل يوم، لا يعني أنها سوف تشرق بالضرورة غدا من نفس المكان.

هذه المشكلة تعرف بمشكل الإستقراء (Induction). ما الذي يجعلنا متأكدين من أن المستقبل سوف يسلك سلوك الماضي؟ وهل نجاح التلميذ في الأعوام السابقه، يضمن نجاحه في العام المقبل؟ وما هو الضامن أن القوانين الطبيعية، مثل "الماء يغلي في درجة حرارة 100 مئوية"، سوف تكون صالحة غدا؟

يستنتج من ذلك هيوم، أنه لا توجد علاقات ضرورية بين الأحداث في هذا العالم الذي نعيش فيه. ولكن كلها مجرد توقعات وإحتمالات وتكهنات.

الدارس لعلوم الذرة والفيزياء الحديثة ونظرية الكم ومبدأ "عدم اليقين" لهيزنبرج، يجدها كلها قوانين إحتمالات كما قال هيوم من قبل.

ماذا عن موضوع النفس أو الروح بالنسبة للإنسان؟ وجد هيوم، أنه لا يوجد شئ إسمه النفس أو الروح. ما يعرف بالنفس، عبارة عن مجموعة تصورات مختلفة. حرارة أو برودة، أضواء أو ظلال، حب أو كره، لذة أو ألم،...الخ. يتبع كل منها الآخر بسرعة مثل صور شريط السينما.

اتبع هيوم الفلسفة التجريبية بالتزام شديد، حتي أوصلها إلى نهايتها الطبيعية. النتيجة، كارثية بالطبع للفكر الفلسفي. المساحة العقلانية تضاءلت في فلسفة هيوم إلى مساحة صغيرة جدا، تنحصر في بيانات وقراءات حسية تستطيع فقط الحواس إدراكها.

لقد كان هيوم متمردا على الفكر العقلاني بما تعنيه الكلمة. إلى الدرجة التي جعلته ينصح بهجر الفلسفة كلية والتفرغ لرعي الأغنام. وكان من رأيه أن العقل خادم للهوى.

نحن عبيد ما نهوى ونحب. نوظف عقولنا وإمكاناتنا وحتي علومنا ومعادلاتنا الرياضية وقوانين الإحصاء والبيانات لتبرير ما يوافق أهواءنا.

انظر ما يفعله الساسة بالبيانات والأرقام. وما يقوله رجال الدين، ومنافقي السلطة من منطق في التبرير وقلب الحقائق. ألا يعني هذا أن العقل عبد للشهوة والهوي كما يقول هيوم؟

لم يكن هيوم، كسابقيه من الفلاسفة التجريبيين، يؤمن بوجود الله. وكان من رأية أن الكون قد خلق نفسه بنفسه. لا يؤمن بوجود الروح والملائكة والشياطين والحياة الأخري. وكان يقول:

"أنظر إلى العالم من حولك. هل هذا عمل إله قادر على كل شئ. وهل تصميم الكون والمخلوقات هذه عمل مثالي خالي من العيوب.

إذا كان الأمر كذلك، كيف نفسر البؤس والألم والشقاء والظلم والشر في هذه العالم؟ اليس كل من هذه المخلوقات عدوا للآخر؟ أليست قوى الطبيعة من زلازل وفيضانات وبراكين وأعاصير وتصحر، قوى عمياء تصب غضبها بدون تمييز على كل المخلوقات؟"

إذن، لماذا يؤمن الناس بوجود الخالق القادر على كل شئ؟ يجيب هيوم، لسببين. لأنهم تعلموا ذلك منذ الطفولة. واستمروا في الإيمان، عن طريق القوي الإجتماعية.

أصل الإيمان بالله هو الخوف. الخوف من الموت والرغبة في الخلود. الخوف بكل صوره، هو أصل الإيمان في الإنسان.

في عام 1776م، كان يعلم دافيد هيوم أنه سوف يموت من مرضه. إلا أنه كان هادئا حاضر الذهن سريع البديهة. يستقبل كل زواره ببشاشة وترحاب. كان أحد زوار هيوم، الكاتب المرموق جيمس بوزويل.

كان بوزويل ضعيفا من ناحية النساء والكحوليات، مرعوبا دائما بفكرة الموت والعقاب في نار جهنم. مما أصابه بإكتآب حاد. وكان معجبا بجرأة هيوم في الهجوم على الأديان.

لذلك جاء بوزويل لزيارة هيوم. لمعرفة ما إذا كان هيوم، لا يزال على عهده في إنكار وجود الله، وهو على فراش الموت؟ اقترب بوزويل من هيوم وسأله وهو متردد: "هل تعتقد أنه توجد حياة بعد الموت، وأن روحك سوف تبقي بعد موتك؟"

بسهوله بالغة وروح فكاهية وسخرية معروفة عن هيوم جاءت الإجابة: "نعم. هناك احتمال كون الروح خالدة. وأيضا هناك احتمال، عندما ألقي قطعة الفحم هذه في المدفأة، أن لا تحترق. مجرد إحتمال. لكن لا يوجد أساس للإيمان بذلك وتصديقه. لا عن طريق العقل، ولا عن طريق الحس، ولا عن طريق تجاربنا السابقة."

ثم أضاف هيوم: "خلود الروح، ومقولة أن الإنسان سوف يوجد بعد الموت إلى الأبد، هي أعظم الأوهام وأكثرها لا عقلانية.

من العدل القول، إن تاريخ الفلسفة كان سيقفل بالضبة والمفتاح بعد هيوم، ويتحول الفلاسفة إلى رعاة أغنام. إذا قدر لأفكار هيوم أن تنتصر، ولم تجد الفلسفة من يدافع عنها، ويفند أفكار هيوم ويدحضها.

لكن هذا يتطلب وجود عقل مميز وذكاء حاد وفكر أصيل. هذه الصفات، سوف نجدها في الفيلسوف العظيم الألماني عمانويل كانط. وهذا موضوع المقال القادم إن شاء الله.

zakariael@att.net

06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية