مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 تأملات فى المسألة التعليمية فى مصر
...............................................................

بقلم : د. محمد زكريا توفيق
........................


ما هو الهدف من الخطة التعليمية فى مصر؟ ومن هو المسئول عنها, وأين دور مجلسى الشعب والشورى؟ هل الهدف من التعليم هو بناء مدارس وتوفير مكان لكل طالب فقط؟ أم تربية الطالب بدنيا وعقليا وخلقيا؟ أم كل هذا؟ وإذا كان الهدف هو التربية, فعلى أى منهج؟ هل نريد من أولادنا أن يكونوا أبطالا, أو عباقرة, أو نساك زاهدين, أو بنى آدمين؟ أم الهدف هو تدمير أجيال وتحويلها إلى غثاء سيل, حتى يسهل حكمها, أم ماذا بالضبط؟ وكيف نعدهم لكى يستطيعوا العيش والبقاء والمنافسة الشريفة فى هذا الزمن الصعب؟

هذه بعض الملاحظات والتأملات فى المسألة التعليمية لعلها توقظ هذه القضية الهامة من رقادها.

- التعليم فى بلادنا يعتمد على الحفظ والتسميع بدون فهم. إجهاد للذاكرة, وشلل للقدرة التفكيرية, وقتل لملكات العقل التحليلية. ولقد كنت اتساءل فى صباى عن جدوى تدريس مادة الهندسة المستوية(الإقليدية) فى سن مبكرة. ويأتى الجواب لأن تدريب التلاميذ فى سن مبكرة على نظريات الهندسة المستوية وعلى حل تمارينها, هو خير وسيلة لتدريب العقول على التفكير المنطقى.

إذا لم يكن تفكيرك فى تسلسل منطقى ومنظم, فلن تستطيع برهان شئ, أو حل أى تمرين هندسى, أو كسب أى قضية, أو الوصول إلى أى حقيقة. تدريب العقول منذ نعومة أظافرها على التفكير المنطقى, هو الذى سوف ينهض بشعوبنا ويحل مشاكلنا الإجتماعية والسياسية والإقتصادية. ولهذا السبب كتب إقليدس على باب داره : "لا يزورنى إلا من يعرف أصول الهندسة". وكذلك كتب أفلاطون على باب أكاديميته أنه لا يجب أن يدخلها إلا من عرف الهندسة.

الهدف من التعليم هو بناء عقول قادرة, وليست عقول حافظة لمعلومات مكدسة لا يربطها رابط. عقول فاهمة, وليست عقول تحمل شهادات وأجازات بدون فهم. مثل الحمار الذى يحمل أسفارا, ولكنه لايعلم ما بها من معرفة. لأن العلوم والمعارف موجودة فى الكتب والمنشورات وعلى شبكات الإنترنت وأصبحت متاحة للجميع بسبب ثورة المعلومات التى نشاهدها اليوم والتى لم يسبق لها مثيل. المهم فهم هذه المعلومات وربها ببعضا والتمييز بين الغث والثمين منها. ويا ريت يلغوا الشهادات بالمرة. حتى لا يطلب العلم إلا من يريده حقا.

- معظم المدرسين غير أكفاء لهذه المهنة الجليلة. فمنهم من يقوم بصب المواد فى عقول الطلبة صبا. وكأنك تصب سائل فى قمع دون روية ودون مراعات درجة إستيعاب كل طالب على حدة. ومن المدرسين من يقف حجر عثرة فى طريق الفهم والتحصيل. ومنهم من يسبب بأسلوبه وغبائه كره الطلبة لمادته ولعملية التعليم برمتها. ومنهم من يحول الفصل إلى مجموعة متطرفين أو منحرفين. فهل ننتبه لدور المعلم فى تشكيل عقول أولادنا؟

- هل نعلم أولادنا القدرة على النقد البناء؟ والقدرة على التمييز بين الحقائق والخرافات؟ ومعرفة أى ريح تدفع شراع المركب إلى الأمام وأى ريح تدفعها إلى الخلف؟ وهل نضع أمامهم المواضيع والقضايا بأوجهها المختلفة كما هى, حتى يختاروا بأنفسهم إذا إستطاعوا؟ وإن لم يستطيعوا, هل نعلمهم القدرة على الشك؟ لأن الأغبياء فقط هم الواثقون والمتأكدون والمدافعون حتى الموت عن أول فكرة أو قضية تواجههم فى حياتهم. وكما قال دانتى:" الشك يسرنى كما تسرنى المعرفة". فالحقيقة التى نعرفها نسبية دائمة التغير, لأن العقل عاجز عن معرفة المطلق كما يقول الفيلسوف كانط. وما قصة العلوم والفلسفة إلا تأييد لهذه المقولة. أما المعرفة المطلقة (الدوجماطيقية), فمكانها المعتقدات الدينية الغير قابلة للبرهان أو النفى. فهل نشجع أولادنا على إبداء الرأى دون تعصب فى أمور دنياهم؟ وهل نجعلهم يتساءلون ويبحثون عن الأسباب؟

- هل نربى أولادنا على الخشونة, والرجولة, والقيم النبيلة؟ وهل ندربهم على أسلوب الحكم الديموقراطى منذ طفولتهم؟ وهل نشجعهم على إعادة إكتشاف أنفسهم وقدراتهم وإمكانات بلادهم؟ وهل نشجعهم على إكتشاف حيوانات ونباتات الوادى والصحراء وسيناء. وهل نعلمهم النظافة والنظام والحفاظ على البيئة وحمايتها منذ نعومة أظافرهم؟

- هل نعلمهم الأخلاق, والصدق والأمانة, وأدب الحوار, والإستماع الجيد, وفضيلة الصمت, كما كان أجدادنا قدماء المصرين يعلمون أولادهم؟ وهل نعلمهم تقديس الحق والعدل, والإمتثال للحقيقة والدفاع عنها متى وجدت, والإعتراف بالخطأ عندما يظهر.

- وهل نعلمهم التذوق الفنى الذى يرقى بالحس والشعور, من موسيقى وشعر وأدب وفنون تشكيلية وسينما ومسرح؟ فالفنون والآداب الجيدة تحرر الإنسان. وتجعله أكثرة حكمة وقدرة على فهم معنى الحياة. وهل يمكن أن نفهم النفس البشرية إذا لم نقرأ أو نشاهد الأدب العالمى ومسرحيات شكسبير؟ ولا أفهم حرمان طلبة القسم العلمى فى المدارس الثانوية من الدراسات الأدبية, وحرمان القسم الأدبى من الدراسات العلمية, وحرمان كلاهما من دراسة الموسيقى والمسرح والسينما وقصرها على المتخصصين فى الجامعة. ولا أدرى كيف تخرج جامعتنا طبيبا أو مهندسا لا يعرف شيئا عن الفلسفة والمنطق ولا يستطيع تذوق كلمات أغنية جميلة أو مشاهدة مسرحية جادة أو سماع قطعة موسيقية جيدة أو يعرف شيئا عن تاريخ بلده أو حقوقه السياسية. أوخريج كلية نظرية لا يعلم شيئا عن الكيمياء والكهرباء والضوء ونجوم السماء وكيف تنمو الأحياء من حشرات ونباتات وحيوانات.

- هل نعلم أولادنا لماذا وكيف, بدلا من أين ومتى, عند دراسة التاريخ؟ وهل نعلمهم التساؤل, وأن الفضائل تقاس بإعتدالها لا بحدتها حتى لا يختلط عليهم الأمر؟ وهل نعلمهم الشجاعة والأمانة, والقدرة على قول كلمة "لا" عندما يتطلب الأمر ذلك, حتى لا يصبحوا عبيدا لشخص واحد؟

- وهل نهتم بصحة أولادنا وبناء أجسامهم بالرياضة البدنية, لكى يكون العقل السليم فى الجسم السليم. ولكى نقوى عندهم روح الفريق, والمنافسة الشريفة, والثقة فى النفس؟ وهل نعرضهم للريح والشمس والبرد والخشونة والخطر؟ حتى يتخلص كل منهم من كل مظاهر الضعف والليونة فى ملبسه ونومه ومأكله ومشربه ومسلكه.

- هل نعلمهم حب الوطن, والتعايش السلمى مع أبنائه, وإحترام الآخر والمرأة والكبير, والعطف على الصغير والضعيف, وأصول الصداقة, وواجبات المواطنة, وحقوقهم وواجباتهم السياسية, وأن الدين لله والوطن للجميع؟ وهل نعلمهم حب فعل الخير, وكره فعل الشر, بدون الخوف من عقاب, أو طمعا فى مكافأة؟

هذا هم والهموم كثيرة. ولكنه هم مخيف. السلعة الرديئة يمكن التخلص منها, والعوض على الله فى ثمنها وإنتهى الأمر. ولكن ما بالك فى طبيب سئ التربية والتدريب, أو مدرس ردئ أو مهندس غير كفء. سوف تظل هذه السلع الرديئة تدمر المجتمع وتلقى بسمومها داخله لعدة أجيال هى عمرها الوظيفى. وما بالك بجيل من الشباب الهايف أو المتطرف, وماذا يكون تأثيره على مستقبل أمة؟ التقدم له أسبابه, والتخلف له أسبابه أيضا. ولننظر كيف تبنى الحضارات, وماهى نوعية الفرد فيها وأسلوب تعليمهم. لذلك نقول أن التعليم مهم لمستقبل بلدنا الحبيب (ومن يعترض على هذا؟). فيجب أن نوجه لمشاكل التعليم بعض إهتماماتنا. وجل ما أخشى أن يكون الأمر كما يقول الشاعر:

لقد أسمعت لو ناديت حيا ****  ولكن لا حياة لمن تنادى

ولو نار نفخت بها أضاءت **** ولكن أنت تنفخ فى رماد





zakariael@att.net
 

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية