مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 الضفادع تطلب ملكا، قراءة في فلسفة الدساتير
...............................................................

 

طائر اللقلق آكل الضفادع

 

بقلم: محمد زكريا توفيق
...........................


كانت الضفادع تعيش حياة سعيدة هانئة في مياة مستنقع دافئة، غنية بيرقات الحشرات، ومحاطة بنباتات البوص والأعشاب. وكانت الضفادع تقضي وقتها في الغوص والقفذ والنط والتهام غذاءها الوفير أثناء النهار، والغناء والغزل والحب أثناء الليل. لكن ظهر بينهم من وجد أن هذه الحياة ليست على ما يرام، ولا يجب أن تكون. بسبب عدم وجود ملك يرعى شؤونهم ودستور ينظم أمرهم. لذلك قرروا أن يرسلوا إلى الإله جوبيتر إلتمسا جاء فيه:
"يا جوبيتر العظيم، أعطنا ملكا يحكم بيننا وينظم شؤوننا." ضحك جوبتر من سذاجتهم، وألقى إليهم فى المستنقع بجذع شجرة كبيرة.

عند سماع الضفادع لصوت إرتطام الجذع بالماء، أصيبت بالرعب وفرت هاربة من المستنقع في كل اتجاه. ظلت من بعيد تراقب الجذع وهي تظن أنه وحش كاسر. لكن بعد فترة، إكتشفت أن الجذع ميت لا حراك فيه. تقدم أشجعهم وقفذ على الجذع وأخذ في الرقص والغناء. عندئذ، تبعته باقي الضفادع وفعلت مثل ما يفعل.

عادت الضفادع إلى أسلوب حياتها اليومي، دون أن تشعر بوجود ملكهم الجديد بينهم. لكنهم لم يقتنعوا. ووجدوا أن هذا ليس طلبهم وما يبغون. لذلك، قاموا بإرسال إلتماسا جديدا، يطلبون فيه ملكا بحق وحقيقي. ملك يستطيع أن يحكمهم كما يجب أن تحكم الشعوب، أو علي الأقل كما تحكم الشعوب العربية.

لكن هذا الطلب السخيف أصاب جوبيتر بالغضب. فأرسل إليهم على الفور طائر اللقلق كبير الحجم. سرعان ما أطلق لشهيته وجشعه العنان، وبدأ في إلتهام الضفادع واحدا بعد الآخر.

هذه حكاية من حكايات "أيسوب" بعنوان "الضفادع تطلب ملكا". الحكمة منها، هي أننا يجب أن نكون حذرين في إختيارنا لنظم الحكم التي نحلم بها. النظام الرئاسي لا يصلح للدول الضعيفة ذات النسب العالية من الأمية، والتي يسيطر علي عقول شعوبها رجال الدين. لأن الحاكم يستعبد شعبه بدنيا، ورجل الدين يستعبدهم روحيا.

ما يصلح لهذه الشعوب، هو النظام البرلماني والحكومة البرلمانية. الذي يكون فيه الرئيس يملك ولا يحكم. مثل النظام الجمهوري في الهند أو في إسرائيل ، أو النظام الملكي عندنا قبل الثورة، أو النظام الملكي الإنجليزي، أو مثل جذع الشجرة الذي ألقاه جوبيتر للضفادع ولم يرتضوا به.

يقسم أفلاطون نظم الحكم إلى نظامين: نظام يكون فيه القانون هو السيد. ونظام تكون فيه القوة هي السيد. يأتي أرسطو بعده، لكي يُعّرف الدستور بأنه مجموعة القوانين التي تمنح السلطة لأفراد الحكومة المشكلة وفقا للدستور. ثم يشير أرسطو إلى الرجال الذين يقومون بتأسيس دول دستورية، بأنهم أعظم الواهبين والمانحين.

ماذا يعني أرسطو عندما قال أن "سولون" في أثينا، و"ليكورجوس" في اسبرطة هم أول من أسسوا دولا؟ وماذا كان يعني بوصفهم أعظم الواهبين والمانحين؟

مصر الفرعونية كانت تسبق أثينا واسبرطة بقرون عديدة. ملوك الفرس كانوا موجودين في الوقت الذي كانت توجد فيه أثينا واسبرطة. لماذا قال أرسطو أن الدولة لا توجد إلا مع الدستور. الإجابة تأتي من أرسطو نفسه حينما فرق بين حكومة العائلة وحكومة المدينة.

في حكومة العائلة، الأب يحكم أولاده حكما مطلقا، لا يكون للأطفال أي رأي أو صوت في الأمر. الأب يفعل ذلك لأنه أنضج وأكثر خبرة من أطفاله، ويعرف مصلحتهم. نظام الحكم القبلي أيضا، الأكبر سنا في القبيلة هو الذي يحكم. أكبر منك بيوم، يفهم عنك بسنة. وهو نظام يعتبر إمتدادا للنظام الأبوي.

الملوك التي تحكم بالحق المطلق، لا تفعل ذلك بسبب تفوقهم في الخبرة والحكمة على رعاياهم، إنما بسبب إمتلاكهم للقوة والسلطة دون غيرهم. لكن هذا أيضا نظام حكم يعتبر إمتدادا للنظام الأبوي.

بالنسبة لأرسطو، نظم الحكم الدكتاتورية والأبوية، لا ينتج عنها دولا. الدولة لا تتكون إلا إذا كانت الحكومة دستورية. أي عندما يظهر الدستور، ويُفعّل وتلتزم به الحكومة. فيه دستور، فيه دولة. مافيش دستور مافيش دولة. كده ببساطة شديدة.

لهذا إعتقد أرسطو أن "سولون" في أثينا و"ليكورجوس" في اسبرطة، هم أول من أسسوا دولا، بوضعهم دساتير لمدنهم. بقيام الدولة والدستور والحكومة الدستورية، يظهر المواطن والمواطنة للوجود. قبل ذلك، ما كان فيه مواطنة ولا يحزنون.

إختراع الإغريق للدستور يعتبر أعظم تقدم في تاريخ البشرية. إختراع يقف في عظمته جنبا إلى جنب مع إكتشاف النار وإختراع العجلة وترويض الحيوانات وإتقان الزراعة. قبل إختراع الدستور، كانت الناس تحكم، كرعايا أو كعبيد. لكن لا يوجد مواطنين في أي دولة من الدول.

لم يكن الدستور الأمريكي هو أول الدساتير، ولم يكن من إختراع الآباء المؤسسين للولايات المتحدة. بعد الدستور الأمريكي بسنوات قليلة، جاء الدستور الفرنسي، لكي ينهي حكم الإستبداد لملوك البربون. وينشئ أول جمهورية فرنسية، ويعطي مفهوم "المواطنة" بعدا ثوريا جديدا.

الجمهوريات وجدت في العالم القديم. في اليونان وفي روما. الحكومة الدستورية لم تكن الأولي في الولايات المتحدة عام 1787م.

الحكومة الدستورية، بدأت في إنجلترا عام 1215م، مع "الماجنا كارتا"، التي كانت أول الخطوات في تقييد سلطة الملك، وزيادة سلطة نواب البرلمان. والتي جعلت الناخبين، مواطنين إلى جانب كونهم رعايا الملك.

لكن ما هو الدستور؟ هل يمكن أن آتي بصفحة من دليل تليفونات، أو مجموعة قوانين كيفما تكون، وأقول هذا هو الدستور؟ الدستور الذي يحولنا من مجرد رعايا وعبيد، إلى مواطنين محترمين، يجب أن يحمل في طياته ما يحافظ على حقوقنا كبني آدمين.

إذن، الدستور وسيلة وليس غاية. نبدأ بالأهداف التي نبغيها لكي نكون مواطنين صالحين، ثم نطلب الدستور الذي يحمي ويصون هذه الأهداف. الأهداف تختلف من شعب إلى شعب، ومن زمن إلى زمن، ومن مواطن إلى آخر، لكن هناك أهدافا عامة أساسية لا يمكن بدونها أن نكون بني آدمين أو مواطنين صالحين.

هذه الأهداف الأساسية هي:
- المساواة
- حقوق الإنسان الطبيعية
- حقوق الإنسان المدنية
- حق كل فرد في طلب السعادة
- حق الإنسان في المعارضة

ماذا نعني بالمساواة بين المواطنين؟ المساواة تعني أن لا أحد من المواطنين، له ميزة طبيعية بالمولد، تجعله أكثر أو أقل من الباقين. كلنا ننتمي إلى نوع واحد من البشر يسمى "هومو سيبين". لا فرق بين رجل وإمرأة، أو بين أبيض وأسمر، أو بين مسلم ومسيحي، أو بين مدني وعسكري، أو بين أهلاوي وزمالكاوي.

نفس عدد الجينات، وعدد الكروموزومات الثلاثة والعشرين. كل منا إن إختلف، فهو يختلف فقط عن باقي الحيوانات والمخلوقات. أما بالنسبة للبشر، فكلنا متساوين. أو كلنا في الهم سويا.

الإختلاف يكون فقط في النشأة والتربية والتعليم. هي كلها أشياء مكتسبة وليست طبيعية. لذلك، كل منا له شخصيته وكيانه الخاص به، الذي لا يشاركه فيه أحد.

إذا كانت الجينات والكروموزومات، تساوي بيننا وتوحدنا جميعا تحت علم واحد، فعلينا ألا ننكر هذا ونحترم هذه الحقيقة التي لا يقربها الشك. العكس غلط وخاطئ وقميئ ولا يقبله العقل. العلم والفلسفة والأخلاق كلها تثبت إننا متساوون ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى.

لا فرق في القدرة الذهنية بين المرأة والرجل. أنظروا إلى أوائل الثانوية العامة. جلهم من البنات. من قال أن المرأة لا تصلح أن تكون عالمة ذرة، ماري كوري وعايدة نوداك وليز ميتنر وسميرة موسى، وغيرهن كثيرات. ومن قال أن المرأة لا تصلح أن تكون فيلسوفة، هيباشيا من الزمن القديم، وسيمون بوفوار وهانا أرندت وغيرهن كثيرات من الزمن الحديث.

كلنا كجنس بشري متساوون كأفراد. لذلك، يجب أن نكون متساوين في الحقوق والواجبات، متساوين في الفرص المتاحة، متساوين أمام القضاء، متساوين في المعاملة، متساوين في حق التعليم، في الفرص الإقتصادية، متساوين كمواطنين لهم حق الإقتراع والمشاركة في الحكم.

إذا لم يتحقق ذلك، يكون من المستحيل التطلع إلى مساواة سياسية وإقتصادية يكفلها الدستور. منذ 220 سنة، كانت هذه المطالب مع مطلب الحرية، هي أسلحة الثورة الفرنسية التي ساعدت على نجاحها.

نحن لم نولد متساوين فقط، إنما لنا حقوقا طبيعة أيضا. أهمها هو حقنا في الحياة وفي الحرية. هذه حقوق لا تأتي لنا كهبة من الحاكم. إنما هي حقوق تولد معنا، طبيعية ممنوحة من الخالق.

الحرية إذا كانت هبة من الحاكم، يستطيع هو أن يستردها في أي وقت يشاء. الحرية تمنع فقط عن المجرمين لفترات محدودة، يقرها القانون كنوع من العقوبة بالسجن. لا يمكن أن يعاقب الشعب كله بحرمانه من الحرية، لمجرد رغبة الحاكم في حماية عرشه.

إذا كان الحق طبيعي، فليس من حق الحكومة أن تسلبه من أي شخص. متى استعبتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا.

الحكومات تنشأ لحماة هذه الحقوق. التاريخ السياسي لشعوبنا يفيد بأن معظم حكوماتنا، بما فيهم حكومتنا الحالية، لم تحفظ أو تحمي حقوق الإنسان الطبيعية لنا. هذه هي طبيعة الطغاة والمستبدين الذين يحكمون بقوة البطش لا بقوة القانون. هم يدمرون هذه الحقوق ولا يحمونها.

الحقوق الطبيعية لا يمكن سلبها من الناس. لأنها جزء من طبيعتهم الإنسانية. لذلك يجب حمايتها بكل السبل. أول واجبات الحكومة، هو حماية حقوق الإنسان الطبيعية.

تدمير هذه الحقوق أو إهمالها، يعتبر ظلما، هو من شيم نظم الحكم الإستبدادية. هذا هو الفرق بين حكومة إستبدادية جاءت بقوة الجيش، وحكومة جاءت بقوة القانون.

لكن، كيف يتسنى لحكومة، أن ترعى وتحمي حقوق الإنسان الطبيعية؟ الإجابة تكون عن طريق فرض وحماية حقوق الإنسان بالقانون. قوانين تمنع القتل والتعذيب الذي يهدد حياتنا وصحتنا الجسدية والنفسية. قوانين تمنع الإختطاف والإعتقال والسجن بدون محاكمة.

هذه القوانين، وإن كانت تحمي حقوقنا الطبيعية، إلا أنها لا تؤسس حقوق الإنسان المدنية. لكي نؤسس الحقوق المدنية ونؤكدها، يجب أن نذهب إلى الدستور. حتي لا تأتي حكومة لكي تقوم بالسيطرة على مجلس الشعب، ثم تقوم بإصدار القوانين التي تسلب الناس حقوقها المدنية. لذلك يجب أن ينص الدستور على الآتي:

- لا يجب إصدار قوانين تناصر دين معين على دين آخر، أو تمنع أتباع دين معين من مزاولة شعائره بحرية وسلام.
- لا يجب مصادرة حرية التعبير بكل اشكالها المسموعة والمرئية، أو مصادرة حرية الصحافة وحق إصدار الصحف.
- لا يجب منع الناس من التظاهر للتعبير عن مظالمهم وبث شكواهم.
- الجيش، إلى جانب حمايته لأرض الوطن، عليه أيضا حماية الدستور الذي يكفل حقوق الإنسان.
- ليس من حق الحكومة أن ترسل جنودها لكي تقتحم البيوت إلا بسند قانوني من الهيئة القضائية.
- من حق الإنسان أن يكون آمنا على نفسه ومسكنه وممتلكاته وأوراقه الخاصة.
- لا يجب القبض على أي إنسان، إلا بسند قانوني من الهيئة القضائية.
- من حق المتهم، سرعة التقاض. ومن حقة الدفاع عن نفسه وتوكيل محام للدفاع عنه. ومن حقه أيضا سماع شهود النفي ومواجهة شهود الإثبات.

هناك حق آخر من حقوق الإنسان إلى جانب حقوقه الطبيعية والمدنية. هو حقه في الحياة كما يريد، وحقه في طلب السعادة كما ينشدها.

كل إنسان يبغي السعادة لنفسه. هذه حقيقة واضحة. السعادة تختلف عن الثروة أو السلطة أو المجد أو الشهرة، في أنها غاية وليست وسيلة. الناس تبغي السعادة لكي تعيش سعيدة. إنما تطلب الثروة لغاية. أي لكي تعيش سعيدة. السعادة في الدنيا والآخرة هي غاية ما يرجوه كل منا.

السعادة، فضلا عن كونها هدفا في حد ذاته، هي شئ جميل كامل. بعكس الثروة أو السلطة أو العلم أو الشهرة أوغيرها. لأننا عندما نحصل علي الثروة مثلا، نريد معها أشياء أخري مثل السلطة والشهرة. لكن، عندما نصل إلى السعادة، لا نريد معها شيئا أخر.

السعادة من الناحية السيكلوجية، هي لحظة تحقيق هدفا ما، كنا نأمله ونتوق إليه. هي أيضا حسب تعريف القدماء، الحياة السعيدة التي تأتي بالإلتزام بالقيم والآخلاق وطلب العلم والحكمة. وهما في الواقع، شئ واحد. لأن الرجل صاحب الأخلاق، يشعر دخليا أنه يحقق الهدف الذي يصبو إليه كل لحظة تمر به.

حقنا في طلب السعادة، هو إلتزام خلقي نحو حياة أفضل. وهذا يعني حقنا في حياة خالية من الخوف والعوز والفاقة والبطالة والمرض والجهل والتلوث والفوضى والزبالة. تحقيق هذه الأمور للناس، ليس منة من أحد، إنما هو حقها في أن تحيا حياة سعيدة.

الحكومة ليس من واجبها أن تسعد فئة من الناس على حساب فئة أخرى. الفقراء على حساب الأغنياء، كما كان الحال في عصر المد الإشتراكي، أو الأغنياء على حساب الفقراء كما هو الحال اليوم. إنما وظيفة الحكومة، أن تخلق المجال الذي يسعد فيه الجميع دون أن يعتدي أيا منهم على حقوق الآخر.

الحكومات التي تشكل لحماية هذه الحقوق، تستمد شرعيتها من رضاء وموافقة المحكومين. هي حكومات تحكم بالحق، لا بالقوة. شرعية الحكومة تتوقف على مدي حمايتها للحقوق الطبيعية لمواطنيها.

وضع دستور لبلادنا شئ، وكون الدستور يحمي حقوقنا الطبيعية والمدنية، ويسمح بقيام حكومة شرعية يرضى عنها الناس، شئ آخر. لكن ما هو الدستور؟

الدستور هو مجموعة قوانين تشكل الإطار العام الذي تعمل به الحكومة بأفرعها الثلاثة، التشريعية والقضائية والتنفيذية. الدستور يحدد الوظائف الحكومية وخصائص كل وظيفة وواجباتها. ويمنح الحكومة السلطة التي تحتاجها لممارثة عملها بنجاح.

الوظائف في الحكومات الدستورية، بما فيها وظيفة رئيس الجمهورية، ليس لها سلطة سوى السلطة التي يمنحها لها الدستور. أي موظف يتعدى السلطة التي يمنحها له الستور، يجب أن يعاقب بالطرد من وظيفته، متي يثبت ذلك.

هذا ما نعني بحكم الشعب بنفسه لنفسه. أي العصمة يجب أن تكون في أيدي المواطنين. لا في يد طاغ أو بلطجي أو مغامر من الجيش. يأتي بحجج واهية ليحكم ويستولي على خيرات البلد. ثم يزور التاريخ ويستعبد شعبة ويصادر حقه في الحياة الحرة الكريمة.

أرسطو قام بتعريف الحكومة الدستورية، بأنها حكومة الأحرار المتساوين في الحقوق والواجبات. عن طريق هذه الحكومة، المواطنون تَحكُم وتُحكَم في تناوب وتبادل للسلطة. يطبقون القانون عندما يكونون في السلطة، ويطيعونه عندما يتركوها. القانون الذي شاركوا هم في وضعه، يعمل لما فيه مصلحة المواطنين.

توماس الإقويني، كتب يناقض مبدأ الحق الإلهي للملوك ولضباط الجيش في الحكم، في كتابه "سوما ثيولوجيكا"، قائلا:
"القوانين تصنع عن طريق المواطنين، أو من ينوب عنهم."

الجمهورية أو الحكومة الدستورية في الدولة الرومانية القديمة، تم إستبدالها بحكم الأباطرة الإستبدادي. عندما تنازل المواطنون عن كل سلطاتهم. تنازلوا عنها للإمبراطور، وتحولوا تبعا لذلك إلى رعايا وعبيد بدلا من مواطنين أحرار.

إنتقال السلطة من الناس إلى الحاكم، لا يعتبر تفويضا أو توكيلا. إنما في الواقع هو تنازل عن حق طبيعي لهم. تنازل عن المواطنة والسيادة، لكي يصبحوا بعدها مجرد رعايا وعبيد.

هذا التنازل لا يمكن إصلاحه فيما بعد، وعودة الأمور بأثر رجعي إلى نصابها. تجربتنا مع الحكم العسكري منذ عام 1952م، خير شاهد على ذلك. فمنذ أن تنازلنا بمحض إختيارنا عن حقوقنا، ووضعنا كل السلطات وكل ثقتنا في يد الحاكم، لم نتمكن من إستردادها وعودتها ثانية إلى أصحابها حتى اليوم.

التنازل عن بعض الحقوق لممثلي الحكومة حتي يتمكنوا من أداء وظائفهم شئ مختلف. لأن هذا التنازل بمثابة توكيل مؤقت مرهون بالأداء الجيد للوظيفة. يمكن سحبة أو إلغائه متي ثبت العكس، عن طريق سحب الثقة.

رضاء الأغلبية عن الحكومة، لا يسقط حق الأقلية في المعارضة. المواطنون قد يصبحون معارضين للحكومة لسبب أو لآخر، عندما يشعرون أن هناك قانونا أو تصرفا ما غير عادل، يخل أو يمس حقوقهم الطبيعية، أو لأي سبب آخر. هذا النوع من المعارضة، يعتبر مقبولا طالما كانت بأسلوب قانوني.

الدستور يجب أن يعطي الناس الحق في المعارضة لرفع الظلم عنهم، ويعطيهم حق التعبير والكتابة وحرية إنشاء الصحف.

إذا لم يتسر للناس التعبير عن آلامهم وإظهار الظلم الواقع عليهم، بسبب إقرار قانون معين أو إجراء ما. وإذا لم نسمح لهم بالتعبير عن شكواهم، فماذا يتبقى لهم بعد ذلك سوى الهجرة إلى بلد آخر، أو اللجوء إلى العنف وحمل السلاح.

حق الناس في تكوين حكومة تحمي حقوقهم، ينبع من حقهم في الحرية السياسية. وكما أن لهم الحق في تشكيل الحكومة وفقا لرغبتهم، لهم أيضا الحق في سحق وإلغاء أي نوع من الحكومات، تفشل في حماية حقوقهم الطبيعية، أو تعتدي عليها.

حق سحق الأنظمة الفاسدة، أيضا له علاقة بالحرية السياسية. الناس لها الحق في تغيير أو محو الأنظمة التي تعتدي على حقهم الطبيعي في الحرية. لأنهم إن لم يفعلوا، سوف يتحولون إلى رعايا وعبيد لحاكم مستبد.

هنا يجب أن نفرق بين تغيير الحكومة، وتغيير النظام برمته. الحكومة الدستورية يمكن تغيرها بإدخال تعديلات في الدستور. لكن الحكومة المستبدة، لا يمكن تعديلها بهذه الطريقة.

الدستور السيئ قد يكون بسبب نقص بنوده، أو بسبب إحتوائها على بنود تعرقل حرية المواطنين، أو تمس حقوقهم الطبيعية.

الحكومة المستبدة، لا يمكن تغيرها بإدخال تحسينات على بنود الدستور أو بالطرق القانونية. الحكومة التي تحكم بالقوة الغاشمة، لا يمكن تغيرها إلا بالقوة الغاشمة. هذا يعني التمرد والثورة هو الطريق الوحيد.

بهذا المعنى كتب جون لوك: "من يحكم بدون حق، يضع نفسه في حالة حرب مع من تُستخدم القوة ضدهم. هنا تصبح كل القوانين عديمة الفائدة، ويصبح كل واحد مدافعا عن نفسه ومقاوما للعدوان".

عند تغير النظام القديم الإستبدادي، يجب على الفور تشكيل حكومة جديدة على أساس المبادئ التي تحفظ للمواطن حقوقه الطبيعية.

فقط الحكومات الإستبدادية، هي التي تستحق الإطاحة بها، ومن واجبنا التمرد عليها. لكن بالنسبة للحكومات الدستورية، يكون من واجبنا تعديل وتحسين قوانينها بالطرق السلمية.

المشكلة أن شعوبنا لا تعرف حقوقها الطبيعية. الحكام أيضا لا تفهم أن عليها واجبات قانونية وأخلاقية قبل شعوبها. لا أعتقد أن أحدا في حكومتنا أو في مجلس الشعب، يفهم معني الحقوق الطبيعية للإنسان أو وظيفة الدستور. وإلا لما كان حالنا بهذا البؤس.

الحاكم أو رئيس الوزراء الذي يعتقد بأننا شعب لا يستحق الحرية لأننا لم ننضج بعد، لا يفهم أن الحرية حق طبيعي ليس له علاقة بنضج الشعب أو عدمه. هذا يدل على أن من بيدهم أمورنا، لا يفهمون مبادئ حقوق الإنسان الأولية، أو الفلسفة التي بنيت عليها الدساتير قديما أو حديثا. كيف يفهمون وفاقد الشئ لا يعطيه.

الحكم ليس فهلوة وشطارة تبين من فينا الذي يستطيع أن يكسب ويقهر الآخرين. عندما نحكم بقانون الطوارئ لمدة 28 سنة، وتزور الإنتخابات في كل مرة، ويطبخ مشروع التوريث على نار هادئة, ويعدل الدستور لكي يسلب الناس حقوقها. يكون من واجبنا الدعاء لجوبتر العظيم، لكي يحن قلبه ويرسل لنا جذع شجرة، ويكفينا شر اللقالق ويبعدها عنا، آمين.

zakariael@att.net

06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية