مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 هل هناك أمل فى تحرير المرأة المسلمة
...............................................................

بقلم: محمد زكريا توفيق
...........................

لم يتغير وضع المرأة فى تركيا منذ أيام الرسول حتى ظهور كمال أتاتورك. مجرد جارية تعيش فى عزلة تامة عن العالم الخارجى. محرومة من التعليم والثقافة. وظيفتها الأساسية إرواء شبق الرجل الجنسى، وخدمة أولاده.

الرجل التركى فى عالمه الذكورى هذا يرى المرأة مجرد مخلوق دنيئ لا يرقى إلى مستوى الرجل فى الخلق أو رجاحة العقل. لذلك، من واجبه حمايتها من نفسها، ومن سوء خصالها المولودة بها. المرأة كانت دائما تحت مراقبته. وهى مراقبة صارمة. يقوم بها الأب والأخ، والمشاة فى الشارع، وكل الأقارب والجيران أيضا. حتى لا تجرؤ على كشف جزءا من جسدها، والتمرد على القواعد الصارمة التى وضعها لها مجتمعها.

فى المدن التركية، المرأة غير مسموح لها بالسير فى الشارع فى رفقة الرجل، أو الركوب معه فى أى مركبة. حتى لو كان زوجها أو يمت لها بصلة القرابة. غير مسموح لها أيضا بالتواجد والإختلاط مع الرجال فى أى تجمع أو مناسبة، حتى وإن كانت عائلية. إذا كان لابد لها أن تسير مع زوجها فى الشارع، فالزوج يسبقها بعدة خطوات، وهى تتبعه على إستحياء سائرة خلفه.

داخل عربات الترام أو المركبات العامة أو المراكب، كان لابد من وجود ساتر لفصل الرجال عن النساء. فى مدارس البنات، حينما سمح بتعليمهن، كان المدرسون الخصي هم فقط المسموح لهم بالتدريس للبنات.

فى المسارح، كان دور النساء يقوم به الرجال، أو النساء المسيحيات. عندما يسمح للنساء بدخول المسرح، يكون ذلك فى أيام معينة مخصصه لهن مسبقا.

فقط فى أجزاء بعيدة فى هضبة الأناضول بين الريفيات، كانت المرأة تتمتع بشئ من الحرية. فهن غير منقبات إلا بالنسبة للأغراب. ذلك بسبب حاجتها للعمل فى الحقول بجانب الرجل.

هذه العادات ظلت سائدة فى تركيا حتى بداية القرن العشرين. إلى أن تبنى قادة تركيا الفتاة حركة تحرير المرأة التركية ومساواتها بالرجل. بالرغم من أنهم فى البداية لم يطالبوا بإلغاء النقاب، إلا أن المنشورات التى كانت توزع فى السر أيام حكم السلطان عبد الحميد، تقول بأن النقاب ليس له شأن بالدين الإسلامى. إنما هو من بقايا عصور الجاهلية الأولى.

عندما شارك حزب تركيا الفتاة فى السلطة، أحرز تقدما كبيرا فى مجال تعليم المرأة. فقد أنشأوا المدارس الإبتدائية والثانوية لتعليم البنات. ثم سمحوا لهن بدخول الجامعة. وبذلك أصبحت المرأة مهيأة لتولى المناصب المهنية والإدارية.

أثناء الحروب التركية، كانت المرأة تحل محل الرجال فى بعض الوظائف. فى المصانع، والمكاتب، والخدمات العامة، وبعض الخدمات الخاصة بالجيش.

لذلك، أصبح النقاب معوقا لأدائها الوظيفى. تحول بمرور الوقت إلى الحجاب الذى نراه منتشرا فى بلادنا اليوم. مع نهاية الحروب التركية، صدر قانون الأسرة بناء على القانون السويسرى، ثم تم إلغاء قانون المحاكم الشرعية. بمقتضاه، تم تقييد تعدد الزوجات بالنسبة للرجل.

أصبح الطريق ممهدا الآن للمضى فى حركة تحرير المرأة التركية. وجاء كمال أتاتورك ليمضى قدما فى هذا الطريق. وأخذ يذكر الناس بالدور الذى قامت به المرأة التركية فى الحرب والحفاظ على إستقلال البلاد. وكان يقول أنه لا يوجد بين نساء العالم من قامت بالتضحيات والأعمال البطولية مثل المرأة التركية التى تعيش فى هضبة الأناضول.

فى بداية عام 1923م، قامت ضجة عارمة عندما إقترح أحد المسؤولين الأتراك، إدراج المرأة فى التعداد العام، تمهيدا لإدراجها فى قانون الإنتخابات. فوقف المسؤول يدافع عن نفسه قائلا أن هذا مجرد إقتراح وليس قانونا، إلا أن هدير وصخب العامة منعه من إستكمال كلمته.

لكن كمال أتاتورك، كان يواصل بذر مفهوم المساواة بين الجنسين بخطى ثابته. ففى إجتماع للمدرسين بأنقرة، كان يحضره الرجال والنساء، جلست النساء فى جانب، والرجال فى الجانب الآخر فى نفس الصالة. بينهما عدة صفوف من المقاعد الفارغة.

قام بعض الناس بتوبيخ المسؤول عن الإجتماع، لوضعه النساء والرجال فى قاعة واحدة. عندما علم كمال أتاتورك بذلك، إستدعى المسؤول على الفور، وقام هو الآخر بتوبيخه قائلا: "ماذا حدث فى إجتماع المدرسين؟ كيف تجرؤ على هذا الفعل المشين؟ ألا تخجل من نفسك؟"

استكمل كمال أتاتورك توبيخه للمسؤول، والمسؤول يتصبب عرقا: "لقد دعوت المدرسات لهذا الإجتماع. لكنك جعلتهن يجلسن لوحدهن بعيدا عن المدرسين زملائهن. ألا تثق فى نفسك يا رجل؟ ألا تثق فى أخلاق هاته النسوة؟ لا أريد أن أسمع أبدا فى المستقبل عن عملية عزل النساء عن الرجال."

نزلت كلمات كمال أتاتورك على المسؤول مثل الصاعقة. غادر الغرفة بصعوبة، وهو مندهش غير قادر على الكلام.


من حين لآخر، يذكر كمال أتاتورك فى خطبه وأحاديثه، موضوع تحرير المرأة. المرأة لها الحق فى التعليم مثل الرجل تماما. فى الواقع، يجب أن تحصل المرأة على تعليم أفضل من الرجل. لأن النساء سوف يصبحن أمهات للرجال. إننا نريد رجالا أرجح عقلا وأكثر كمالا. أم المستقبل فى تركيا، تعرف كيف تعد لنا مثل هؤلاء الرجال.

جسم المجتمع، يتكون من نوعين من البشر، نساء ورجال. المجتمع لا يستطيع أن يتقدم إلا بهما معا. إذا قيد نصف المجتمع بالسلاسل والأغلال وثبتت أقدامه بالأرض، هل يستطيع النصف الآخر أن يسمو ويصعد إلى السماء؟ ليس هناك شك، فى أن التقدم سوف يتم بجهود النصفين. إذا تحقق ذلك، تكون ثورتنا قد نجحت وحققت أهدافها.

يستمر كمال أتاتورك فى حديثه عن تحرير المرأة قائلا: " فى بعض الأماكن، أرى النساء يضعن خرقا أو قطعا من القماش على وجوههن لإخفائها. وبعضهن، يدرن ظهورهن أو يلقين بأنفسهن على الأرض عندما يمر أمامهن رجل عابر. ماذا يعنى هذا السلوك؟ هل أمهات وبنات أمة متحضرة تفعل هذا الفعل الغريب؟ هذا سلوك وعادات شعوب منحطة همجية، يجب أن ينتهى من بلادنا إلى الأبد."

بدأ الجليد الذى يفصل بين النساء والرجال فى الأماكن العامة فى تركيا يذوب شيئا فشيئا. بعد خمس سنوات، سمح للمرأة بالتصويت فى الإنتخابات المحلية. وخلال عشر سنوات، سمح لها بالتصويت فى الإنتخابات العامة لإختيار أعضاء البرلمان. وفى عام 1935م بمساندة كمال أتاتورك، تم إنتخاب 17 إمرأة، كوكيلات للجمعية الوطنية التركية.

بعد فترة قصيرة، مررت الجمعية الوطنية قانونا يمنع الزوج من تطليق زوجته بإختياره، إلا بعد حكم محكمة مدنية. ويكون للزوجة لها نفس الحق مثل الرجل فى طلب الطلاق عندما تصبح الحياة بين الزوجين غير ممكنة. وتم إلغاء تعدد الزوجات أيضا، وأصبح الزواج والطلاق تحكمهما قوانين مدنية تساوى بين الطرفين، بعد إلغاء المحاكم الشرعية.

كان كمال أتاتورك يقول بإستمرار، أن أشد أعداء الثورة خبثا هى القوانين العفنة القديمة، والعجزة الذين يحتمون بها ويخافون تغييرها. من واجبنا إصدار قوانين جديدة وتمزيق النظام القانونى القديم. وقد كانت من أعظم إنجازات كمال أتاتورك، هى تحديث القوانين التركية والعمل على إستقلال القضاء.

لم يكن حال المرأة المصرية أو العربية أفضل من حال المرأة التركية أيام حكم السلاطين العثمانيين. وقبل جهود كمال أتاتورك لتحرير المرأة التركية، كانت تجرى فى مصر حركة أخرى تدعو لتحرير المرأة المصرية. تدعو إلى تعليمها، وتحريرها من سجن النقاب، المتمثل فى البرقع والحبرة واليشمك. تنادى بتقييد الطلاق، وتنظيم تعدد الزوجات.

فى أوائل القرن العشرين، ظهرت كتب لمرقص فهمى المحامى وقاسم أمين، بتشجيع من الشيخ محمد عبده وسعد زغلول وأحمد لطفى السيد، تنادى بتحرير المرأة ومساواتها بالرجل. وظهرت أثناء الحرب العالمية الأولى مجلة السفور. تطالب بالتخلص من النقاب وتشجع إختلاط الجنسين.

عند عودة سعد زغلول من منفاه، وإستقباله فى الإسكندرية، نزع النقاب عن وجه هدى شعراوى، وحذت باقى النساء حذوها بعد ذلك.

فى عام 1924م، تأسس الإتحاد النسائى المصرى برئاسة هدى شعراوى للعمل على تحرير المرأة ومساواتها بالرجل. وفى عام 1944م، عقد مؤتمر الإتحاد النسائى العربى الذى حضرته مندوبات عن البلاد العربية، وكان يعمل على تحقيق نفس الأهداف.

من رائدات حركة تحرير المرأة فى مصر: سيزا نبراوى، صديقة هدى شعراوى. وهى من أوائل الذين نزعن النقاب فى مصر. ودرية شفيق، تلميذة أحمد لطفى السيد. التى حصلت على الدكتوراة من فرنسا ثم سافرت إلى إنجلترا بمفردها. وعندما عادت إلى مصر، شكلت حزب بنت النيل عام 1949م.

وكانت درية شفيق تقود المظاهرات عام 1951م وعام 1954م. وأضربت عن الطعام فى نقابة الصحافيين، إحتجاجا على عدم السماح للمرأة بالترشيح للمناصب السياسية. حتى كللت جهودها بالنجاح أخيرا، وسمح لها بالترشيح، ولكنها لم تنجح فى ذلك الوقت.

أيضا أمينة السعيد تلميذة الدكتور طه حسين. رأست مجلة حواء وكانت تهاجم النقاب والحجاب بجرأة. الدكتورة سهير القلماوى والصحفية الكبيرة إقبال بركة، والأديبة العالمية العظيمة الدكتورة نوال السعداوى، مؤسسة جمعية تضامن المرأة العربية. وغيرهن كثيرات.

إنتقلت عدوى تحرير المرأة إلى بلاد عربية أخرى مثل تونس. وأثمرت جهود مفكرين مثل طاهر الحداد وكتابه "المرأة فى الشريعة والمجتمع"، فى تحرير المرأة التونسية إلى حد كبير بالمقارنة بباقى الدول العربية بما فيها مصر.

وكانت حركة تحرير المرأة فى تونس، تعتمد أيضا على رجال مصلحين مثل الحبيب برقيبة ورفاقه خريجى مدرسة الصادقية، الذين تميزوا برؤيتهم الإصلاحية والتقدمية بالنسبة للمرأة. فلا تقدم أو رقى فى المجتمع، إلا عن طريق حرية المرأة.

حرية المرأة التونسية ليست منحة أو هدية، لكن رؤية وإستراتيجية. فقوة المرأة التونسية ترجع إلى مساندة الرجل القوية لها منذ بداية الإستقلال، كما تقول الوزيرة التونسية اللبان. فطاهر اللبان ورفاقه خريجى جامعة الزيتونة، ساندوا المرأة حتى نالت حقوقها.

هل هذه الجهود تبشر بالخير والمستقبل المشرق لبلادنا؟ الدلائل تقول عكس ذلك. ولنأخذ موضع النقاب مثلا. فقد كانت مصر فى بداية عصر الرئيس السادات، لا تعرف شيئا إسمه النقاب. ولا توجد إمرأة واحدة محجبة تسير فى الشارع. أنظر إلى حفلات السيدة أم كلثوم لكى تتأكد من ذلك. أما اليوم، فليس هناك إمرأة مصرية مسلمة تستطيع أن توجد فى مكان عام وهى غير محجبة أو منقبة.

موضوع النقاب هو الأمر المحير. كيف يسمح للمرأة المسلمة كشف وجهها أثناء أداء فريضة الحج، ولا يسمح لها بذلك أثناء سيرها فى الشارع. وإليك أقوال الفقهاء على إختلاف مشاربهم فى موضوع النقاب:
أمامى 41 تفسير تجزم بفرضية النقاب. ونظرا لضيق المساحة، سأكتفى ببعضها، والباقى يصب فى نفس المعنى:

1) الإمام حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس رضى الله عنهما: "أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن فى حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة"

2) يحى بن سلام التيمى البصرى القيروانى: "الجلباب: الرداء تقنع به، وتغطى به شق وجهها الأيمن، تغطى عينها اليمنى وأنفها"

3) الإمام أبو المظفر السمعانى: "تتغطى المرأة بجلبابها فتستر رأسها ووجهها وجميع بدنها إلا احدى عينيها"

4) الإمام البغوى: "أمر نساء المؤمنين أن يغطين رؤوسهن ووجوهن بالجلاليب إلا عينا واحد ليعلم انهن حرائر"

5) الإمام العز بن عبد السلام: "الجلباب هو الرداء أو القناع أو كل ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها وإدناؤه أن تشد به رأسها وتلقيه فوق خمارها حتى لا ترى ثغرة نحرها أو تغطى به وجهها حتى لا تظهر إلا عينها اليسرى"

وقس على ذلك حى نصل إلى 41 تفسير كلها تطالبنا بالنقاب لزوجاتنا وبناتنا. هذه التفسيرات للآية الكريمة التى تقول: "يا أيها النبى قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما"

معنى الآية، كما يقول المستشار سعيد العشماوى فى كتابه "حقيقة الحجاب وحجية الحديث"، غير ذلك تماما. نزلت الآية الكريمة للتمييز بين الحرائر والإيماء من النساء حتى تعرف الحرائر بطول ثيابهن فلا يؤذين أثناء قضاء حواجهن فى الخلاء.

طبعا أنا لا أريد أن أطيل فى موضوع النقاب هذا. وإنما ضربت مثلا لحال المسلمين اليوم وقضاياهم الملحة. فلدينا المرأة المنقبة التى تنظر بعين واحدة من خلف نظارة سوداء. تلبس قفازا أسودا وحذاء برقبة طويلة أيام الصيف شديد الحرارة. ولدينا أيضا البلغارية "أرينا بوكوفا" الرئيسة الجديدة لمنظمة اليونسكو. وهى قصة مدينتين مختلفتين كل الإختلاف والثقافة.

لولا تأثير هذا الفكر المظلم، على مستقبلنا ومستقبل أولادنا، لما أعرته أى إهتمام. الغريب حقا أن النقاب بدأ ينتشر بسرعة فائقة بين العاملات وطالبات الجامعة. 9% من النساء المصريات منقبات. النسبة فى تزايد مستمر. فهل هناك أمل فى تحرير المرأة المسلمة؟ وأى مستقبل ينتظرنا؟

zakariael@att.net

06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية