| | | | الشمس ...............................................................
بقلم: محمد زكريا توفيق ...............................
كان الفيلسوف بيرتلاند راسل يلقى محاضرة عن الفلك للعامة. وصف فيها حركة الأرض حول الشمس. وحركة الشمس حول مجرتنا، مجرة طريق التبانة. وحركة المجرة نفسها حول مجموعة المجرات العظمى،... إلخ. وقفت سيدة عجوز فى نهاية القاعة لتقول: "هذا كلام فارغ. الأرض مسطحة، تستند على ظهر سلحفاء كبيرة".
تبسم الفيلسوف راسل وهو يسألها: "على ماذا تستند السلحفاء، إذن". أجابت السيدة: "يا لك من رجل ماهر، غاية الذكاء. يا سيدى، سلاحف على طول الخط وأنت نازل".
كل شعب من الشعوب له قصة تفسر عملية الخلق. بالطبع حجم المقال لا يتسع لسردها كلها. لذلك سوف أكتفى بما تقوله المملكة المصرية القديمة لأهمية.
جاء فى بردية منف كيف بدأ الخلق: قبل الخلق كانت هناك مياة محاطة بالعدم والظلام. وكما أن فيضان نهر النيل يرسب تلال الطمى لتظهر عليها الحياة فى مصر, كذلك المياة سمحت بظهور جزء من اليابسة ومن حولها العدم والظلام.
على هذه اليابسة كان عرش الإله آتوم على الماء. إسمه يعنى أنه الكل فى شئ واحد. أصبح إسمه "آتوم رع" فيما بعد. خلق آتوم الكون وكل شئ آخر. ولأن آتوم هو الكل فى شئ واحد. لذلك، خلق الكون بمجرد تسمية أجزاء من جسمه.
فكر فى القلب وتعبير باللسان أو بالكلمات، هى الطريقة التى خلق بها آتوم الكون. طريقة كن فيكون. هذا يطابق ما جاء فى كتبنا المقدسة: "فى البدء كانت الكلمة، الكلمة كانت مع الرب، الكلمة هى الرب".
العلماء لهم أيضا قصة للخلق. وما فيش حد أحسن من حد. العلماء أحيانا يقولون كلاما غريبا. وشطحات لا يقبلها العقل. فمثلا فى علم الرياضيات جاءوا بمفهوم "المالانهاية". وهى مقدار ليست له نهاية. يأتى عندما نقسم أى عدد حقيقى على صفر. الجزء من "المالانهاية" يعادل الكل. ولا تنطبق عليها قوانين الرياضة العادية.
جاء العلماء أيضا بمفهوم الأعداد التخيلية، التى تأتى من إيجاد الجذر التربيعى للعدد السالب. فهى لا توجد فى الطبيعة، لذلك سميت تخيلية. ولها قوانينها الخاصة.
يقول العلماء أيضا أن الضوء له طبيعة مزدوجة. فهو موجات وجزيئات تسمى فوتونات فى نفس الوقت. ويقولون أيضا أن الأجسام، أنا وأنت والكرة الأرضية، لها موجات ترافقها.
كل شئ وخصوصا جسيمات المادة الصغيرة التى تكون الذرات، لها قرائن تعتبر مضادات. فالإلكترون مثلا، له قرين مضاد. إذا تقابلا، يلغى كل منها الآخر من الوجود. ولا يتبقى منهما سوى وميض من الضوء، أشبه بالروح تصعد لبارئها عند الوفاة.
يؤكد العلماء أن الضوء له وزن. وأن الزمن نسبى يتمدد وينكمش ويتقدم إلى الأمام مثل السهم، وأيضا يرجع إلى الوراء. الفراغ ينحنى حسب كمية المادة التى يحتويها. ويقولون أن الجمل يستطيع أن يلج فى سم الخياط. والفيل يمكن أن يمر من ثقب الإبرة.
العلماء يقولون الآن أن الكون كله بما فيه أنا وأنت والكرة الأرضية والمجموعة الشمسية وكل النجوم التى نراها فى السماء، وكل الأجرام والمجرات التى لا نراها، بما فيها من نجوم يبلغ عددها بلايين البلايين ، كل هذه الأشياء يمكن أن تضغط مع بعضها وتظل تصغر وتصغر فى الحجم إلى أن تبلغ شيئا صغيرا جدا لا يرى بالعين المجردة، أو حتى بالتلسكوبات الضوئية. ويصبح الكون كله فى حجم ذرة واحدة أو أصغر. وبالتالى يتلاشي الزمان والمكان.
طبعا هذا كلام أغرب من كون الأرض مفلطحة تستند على عدد لا نهائى من السلاحف. لكن الفرق بين ما يقوله العلماء وموضوع السلاحف، هو أن العلماء يؤيد كلامهم الغريب هذا، المنطق والمعادلات الرياضية والتجارب المعملية.
النظرية العلمية مهما كانت معقولة ومحبوبة ومعتقد فى صحتها، إن لم تستطع التنبؤ بالنتائج التى تحققها التجربة، فالنظرية غير سليمة لا يعترف بها أحد ولا تساوى بصلة. وإذا قلنا أن الأرض تحملها السلاحف، فليس لدينا دليل واحد يثبت صحة هذا الكلام.
لذلك موضوع الأطباق الطائرة موضوع غير علمى. لأنه حتى الآن لم يتمكن أحد من إثبات صحة وجود الأطباق الطائرة. مجرد ناس رأت وسمعت، وقصص وحكايات. ولم نجد دليل مادى واحد، مثل قطعة خشب أو مسمار أو جهاز أو آلة أو مركبة، تثبت صحة هذا الأمر. هذا ما يأخذ به القاضى العادل، الدليل المادى. وحينما لا يوجد دليل مادى، لا توجد قضية.
نظرية النسبية العامة لأينشتين تتنبأ بأن الكون كله بما فيه من مادة وطاقة ومكان وزمان، بدأ من نقطة صغيرة تقترب فى الحجم من الصفر. النسبية العامة تتنبأ أيضا أنه لو تغلبت قوة الجاذبية على سرعة تمدد الكون وإتساعه إلى الخارج، فإن الكون سوف يتوقف عن التمدد فى يوم من الأيام، ثم يبدأ فى الإنكماش. إلى أن يعود كما بدأ، نقطة تقترب من الصفر.
أثناء إنكماش الكون، تتحول تكتلات المادة الموجودة فى المجرات والنجوم إلى ثقوب سوداء مثل البلاعة. تجذب المادة وكل شئ إليها. حتى الضوء لا يستطيع أن ينفذ من جاذبيتها. لذلك تسمى ثقوبا سوداء لأنه لا يمكن رؤيتها. فى النهاية، تلتحم الثقوب السوداء مع بعضها لكى تكون ثقبا أسودا واحدا، يتحول بدوره إلى نقطة مثل نقطة البداية.
الدراسات الحديثة تثبت أن الكون يسرع فى التمدد إلى الخارج. لكن طبيعة الطاقة المعتمة التى تملأ الكون وتسبب سرعة تمدده، غير معروفة. ولا يزال هناك مجرد إحتمال، يتوقف فيه الكون عن التمدد، ويعود للإنكماش إلى نقطة كما بدأ. ثم يحدث إنفجار كبير مرة أخرى. هذا يعنى فى هذه الحالة، أن الكون أبدى. إنفجار كبير يخلق فيه الكون والمكان والفراغ والزمان. يعقبه إنكماش إلى نقطة واحدة. ثم إنفجار وإنكماش، وهكذا إلى مالانهاية.
أما إذا فشلت قوة الجاذبية فى السيطرة على تمدد الكون، فإن التمدد سوف يستمر. ويظل الكون يبرد شيئا فشيئا إلى أن يصل إلى حالة التجمد الكبير. حينئذ، يطبق الموت والصمت والظلام على كل شئ. ولا يبقى إلا العمل الصالح.
لماذا أقول هذا الكلام وموضوعنا الشمس؟ لأن الشمس نجم متوسط الحجم مثل النجوم التى نراها فى سمائنا كل ليلة. يقع فى جانب من مجرتنا، مجرة طريق التبانة على بعد الثلث من الحافة والثلثين من المركز.
الفرق بين النجوم والشمس، هو أن الشمس قريبة منا، لكن النجوم بعيدة عنا جدا. كل النجوم التى نراها بالعين المجردة هى نجوم مجرة طريق التبانة. نراها متفرقة هكذا لأننا ننظر إلى المجرة من داخلها.
لكى نعرف من أين أتت الشمس وباقى النجوم والكواكب والأقمار، علينا أن نعرف ما يقوله العلم الحديث عن بداية الخلق. لكننى سوف أجعل الموضوع مختصر ومفيد بقدر الإمكان. حتى تتبقى لنا مساحة للحديث عن الشمس.
أولا يلزمنا معرفة بعض المعلومات عن القوى التى تتحكم فى هذا الكون، وطبيعة الذرة ومكوناتها. وهى معلومات غزيرة سأحاول تلخيصها فى الآتى:
القوى الطبيعية التى تتحكم فى هذا الكون أربعة. لماذا أربعة وليست ثلاثة أو خمسة أو أى رقم آخر؟ هى كده. وهذا ما وجدناه. القوة الأولى هى قوة الجاذبية التى تربطنا بالأرض وتجعل الأرض تدور حول الشمس، وتجعل القمر يدور حول الأرض. هى قوة ضعيفة، فالمغناطيس الصغير يستطيع أن يرفع مسمارا صغيرا من الأرض، ويتغلب على جاذبية الأرض له. لكن قوة الجاذبية تعمل فى كل المسافات القريبة والبعيدة، حتى لوكانت الأجسام فى آخر الدنيا.
القوة الثانية هى القوة الكهرومغناطيسية. وهى تتولد من إمتزاج مجالى الكهرباء والمغناطيسية. وتسبب الضوء والميكروويف والأشعة السينية وموجات الراديو والرادار وباقى الأشعة التى تسافر بسرعة الضوء. وهى أيضا التى تربط الإلكترون بالنواة لكى تتكون الذرة.
القوة الثالثة هى "القوة القوية" التى تجعل محتويات الذرة من بروتونات ونيوترونات متماسكة. وتعمل فى مسافات قصيرة جدا تكاد تقترب من الصفر.
أما القوة الرابعة والأخيرة، فهى "القوة الضعيفة". تسبب الإشعاع فى العناصر المشعة، مثل اليورانيوم والراديوم والبولوتونيوم، وإنطلاق أشعة ألفا وبيتا وجاما. وهى المسؤولة عن إنفجار بعض النجوم. لذلك تسمى فى بعض الأحيان، "محطم النجوم".
الذرة تتكون من نواة فى المركز تدور حولها إلكترونات صغيرة جدا فى الكتلة لكن مشحونة بشحنة سالبة. النواة بها جسيمات تسمى بروتونات أكبر بكثير فى الكتلة من الإلكترون، لكن مشحونة بشحنة موجبة تعادل شحنة الإلكترون. ويوجد أيضا فى النواة جسيمات أخرى تسمى نيترونات لها كتلة كبيرة أيضا، لكن غير مشحونة بالكهرباء.
هل إنتهى الأمر عند هذا الحد؟ لا، وإلا أصبحت دراسة علوم الذرة سهلة وميسرة للجميع. فقد تبين أن النواة، توجد بداخلها حديقة حيوانات كبيرة، يبلغ عدد حيواناتها على الأقل 300 حيوان.
مع توالى إكتشافات جسيمات نواة الذرة، تم تصنيفها إلى مجموعات: أثقلها تسمى مجموعة ال"هادرون"، وأخفها تسمى مجموعة ال"ليبتون". الليبتون ليس له علاقة بمشروب الشاى المعروف. مجموعة الهادرون تنقسم بدورها إلى "باريون" و"ميزون". مجرد تصنيفات وعناوين.
بسبب كثرة أنواع جسيمات الذرة الأولية، إعتقد العلماء أنها قد تكون مكونة من جسيمات أبسط. فى عام 1960م، جاء كلا من جيلمان وزويج، كل على حده، بنظرية تقول أن كل أنواع جسيمات الهيدرون الثقيلة تتكون من أجسام أبسط تسمى "كوارك".
هناك ستة أنواع من الكوارك. للتمييز بينها، نطلق عليها: (up) و(down) و(top) و(bottom) و(charm) و(strange). كل نوع منها له مضاد، وله كتلة وشحنة كهربية مختلفة ويدور حول نفسه مثل المغزل بطريقة مختلفة.
البروتون مثلا وهو مصنف على أنه من فصيلة الهادرون، يتكون من 2 كوارك (up) وواحد كوارك (down). بينما النيترون، فمكون من كوارك واحد (up) و 2 كوارك (down).
عندما تقوم ببناء منزل، يلزمك شيئان. مواد بناء مثل الطوب والخشب والبلاط. وتحتاج أيضا إلى مواد مثل الأسمنت والجبس والصمغ، لكى تجعل المواد المختلفة تتماسك مع بعضها.
الكون أيضا يتكون من نوعين من مواد البناء. جسيمات من المادة تسمى فيرميون. وشئ يربط الجسيمات ببعضها يسمى بوزون. الفيرميون ينقسم إلى كوارك بأنواعها الستة المشار إليها. وإلى ليبتون الذى ينقسم هو أيضا إلى أنواع سته منها الإلكترون الذى نعرفه والميون.
البوزون الذى هو بمثابة الصمغ الذى يربط الجسيمات ببعضها ينقسم إلى: فوتون, وجرافيتون، وجليون، وأشياء أخرى. هذه الأسماء لا تهم إلا المتخصصين، ولكن ذكرتها حتى أعطيك فكرة عما يدور فى الكواليس. ويمكن المرور عليها مرور الكرام دون أن ينقص هذا من قيمة الموضوع.
عند بداية الإنفجار العظيم، حجم الكون كان فى البداية صفرا. وهذا يعنى أن درجة حرارته أو طاقته كانت لانهائية. وكانت القوى الأربعة التى تتحكم فى الكون مندمجة فى قوة واحدة. وليست هناك مادة أو زمن أو فراغ.
مع تمدد الكون بالإنفجار المروع، الحرارة بدأت فى الإنخفاض. وبعد جزء صغير من الثانية يقدر بواحد مقسوما على واحد أمامه 34 صفر، إنفصلت قوة الجاذبية عن باقى القوى الأربعة. وبدأت تتكون من الحرارة أو الطاقة جسيمات الكوارك ومضادات الكوارك.
بعد جزء من الثانية يقدر بواحد مقسوما على واحد أمامه عشرة أصفار. بدأت تنفصل القوة الضعيفة لتعمل بمفردها. وبدأت تتكون البروتونات والنيترونات والميزونات. وبقيت الكوارك وإختفت مضادات الكوارك.
بعد ثانية واحدة من الإنفجار العظيم، إنخفضت درجة الحرارة إلى ما يعادل ألف ضعف درجة الحرارة فى مركز الشمس. وبدأت البروتونات والنيترونات تتحد مع بعضها لتكون أنوية ذرات الهيدروجين والهيليوم وبعض أنوية الليثيوم والهيدروجين الثقيل. وذلك بفعل "القوة القوية" التى أصبحت فعالة.
أنوية الهيروجين الثقيل تتحد مع المزيد من البرتونات والنيترونات لكى تكون أنوية غاز الهيليوم التى تتكون من 2 بروتون و 2 نيترون. ما يتبقى من النيترونات، يتحلل إلى بروتونات، هى أنوية غاز الهيدروجين، وإلكترونات ونيوترينو. الذرات لم تتكون بعد، ولكن مجرد أنوية.
بعد الإنفجار العظيم بعدة ساعات، يتوقف إنتاج أنوية غاز الهيليوم. ويواصل الكون تمدده وإنخفاض درجة حرارته. ويستمر على ذلك ملايين السنين. إلى أن تصل الحرارة إلى ألف درجة فقط، تفقد الإلكترونات والأنوية طاقتها بالإنتشار فلا تستطيع مقاومة القوة الكهرومغناطيسية. فتقوم هذه القوة بربط الإلكترونات بالنواة.
عندما ترتبط الإلكترونات بالأنوية، تتكون الذرات، ويصبح الكون مرئى. ويواصل الكون تمدده وإنخفاض درجة حرارته. غازات الهيدروجين والهيليوم تكون قد تكونت وبدأت تنتشر فى الفضاء. وتنطلق فى نفس الوقت أشعة تسمى بالأشعة الخلفية للكون.
بعد بليون سنة، بدأت غازات الهيدروجين والهيليوم تكون سحب فى الفضاء. هذه السحب بفعل الجاذبية الأرضية تتجمع وتنجذب إلى بعضها وتكون كتل متفرقة. نظرا لحجم بعضها الكبير وشدة التزاحم والضغط داخلها فى إتجاه المركز بفعل الجاذبية، ترتفع درجة الحرارة إلى درجات عالية جدا.
بسبب الضغط الشديد، تتحول السحابة إلى قنبلة هيدروجينية. تلتحم فيها أنوية الهيدروجين لتكون أنوية الهيليوم. وتنطلق الطاقة الرهيبة على صورة ضوء وحرارة. وتتحول السحابة إلى نجم من نجوم السماء. وما شمسنا إلا أحد هذه النجوم. ومن النجوم تتكون المجرات، والكون الذى نعرفه.
كل هذا حتى لا يسألنى أحد السادة القراء من أين أتت الشمس. فأقول من سحابة هيدروجين. ومن أين أتى الهيدروجين؟ من إتحاد الإلكترونات مع البروتونات. ومن أين أتت البروتونات؟ وهكذا. فنجد أننا نكرر قصة السلاحف إلى أسفل على طول، التى جاءت بها السيدة العجوز.
منذ 5 بليون سنة، أى بعد 8.7 بليون سنة من بداية الخلق، ولدت شمسنا كنجم متوسط الحجم كما تولد باقى النجوم، من إنفجار نووى. تتحد فيه ذرات الهيدروجين لتولد ذرات الهيليوم. وتطلق تبعا لذلك الحرارة والضياء.
عندما ينضب معين الشمس من غاز الهيدروجين, وتبدأ فى صهر ما بداخلها من غاز الهيليوم وتحويله إلى ذرات كربون، تتحول إلى عملاق أحمر، وتنتفخ ويزداد حجمها زيادة كبيرة، وتبتلع الكواكب المجاورة، كوكب عطارد والزهرة وربما الأرض.
عندما ينضب الكربون، وبفعل الضغط وقوى الجاذبية داخل قلب الشمس، يتحول الكربون إلى نيتروجين وأكسوجين، ثم يتوقف إنتاج العناصر عند الحديد. ثم تموت الشمس وتنتهى حياتها بإنفجار مهول يسمى "سوبرنوفا".
تلقى الشمس بعناصرها وأحشائها فى الفضاء الخارجى، كتراب وغازات وكتل من المادة تسمى سيديم. تصلح لبناء وعمل كواكب وأقمار فى المستقبل. لأى نجم يقترب من المنطقة، وينجح فى جذب هذه الكواكب والأتربة ليجعلها تدور فى فلكه. وما بقى من قلب الشمس يصبح قزم أبيض شديد الكثافة فى حجم الكرة الأرضية.
إذا كانت الشمس سوف تتوقف عند إنتاج الحديد, فمن أين أتت المعادن الثقيلة مثل الذهب واليورانيوم؟ أتت من نجوم أكبر حجما من الشمس. كل الذرات التى فى جسمى وجسمك وكل تراب ومعادن الكرة الأرضية وكذلك باقى الكواكب، قد أتت وصنعت داخل نجم آخر غير شمسنا هذه. هذا النجم قد توفى إلى رحمة الله منذ مدة طويلة ولا نعرف عنه شيئا. الشمس تمدنا بالحرارة والضياء نعم، لكن ليست هى أمنا التى جئنا من ترابها.
كل شعوب العالم القديم تقريبا، عبدت الشمس فى يوم من الأيام. وهم فى ذلك، لم يكونوا أغبياء أو سذج. فقد وجدوا أنهم لا يستطيعون أن يعيشوا بدون الشمس. فهى التى تمدهم بالدفئ والضياء. النباتات تحتاج إلى ضوئها لكى تعطي الأكسوجين والغذاء. إننا نستطيع أن نعيش بدون القمر وباقى الكواكب والنجوم. لكن لا نستطيع أن نعيش بدون الشمس.
بعض الشعوب تخيلت الشمس إله يعبر السماء فى مركب أو فى مركبة تجرها الخيول، أو داخل كوب كبير. إله الشمس عند الإغريق والرومان، كان يعبر السماء فى عربة حربية تجرها أربع خيول هى: بيريوس وأيوس وأثون وفليجون.
المصريون لهم عدة أسماء لإله الشمس: هى "خبرى" عند الشروق، وآتوم عند الغروب، ورع عندما تتوسط الشمس كبد السماء. ثم آتون إله قرص الشمس فى عهد الملك إخناتون زوج الملكة نفرتيتى.
إله الشمس عند اليابانيين أماتيراسو، وعند الإغريق هيليوس أو أبوللو، وعند الرومان أبوللو أو سول، وعند الهنود جارودا أو سوريا، وفى مصر القديمة خبرى ورع وآتوم وآتون، وعند البابليين شماس.
تروي أحد قصص أيسوب، أن الشمس والرياح تراهنتا على إجبار رجل على خلع معطفه. بدأت الرياح بالهبوب في محاولة كسب الرهان بالعواصف والهواء الشديد. والرجل يزداد تمسكاً بمعطفه وإصراراً على ثباته وبقائه حتى حل اليأس بالرياح فكفت عنه. اليأس أحد الراحتين كما يقول أسلافنا.
جاء دور الشمس، فأشرقت وظهرت للرجل بضوئها الذهبى وحرارتها الدافئة. فما كان من الرجل، إلا أن خلع معطفه طائعا مختاراً. الكلمة الطيبة لها مفعول السحر.
بسبب دوران الأرض حول محورها، نرى النجوم كلها تدور حول نجم ثابت فى السماء، هو النجم القطبى الذى يشير إلى الشمال دائما. ونرى نجوما، وخصوصا البعيدة عن النجم القطبى، تشرق وتغرب مثل الشمس تماما. وإذا قمنا بقياس الزمن الذى يستغرقه نجم ما بين شروق وشروق، سوف نجد أن هذا الزمن ليس 24 ساعة بالضبط كما نتوقع. إنما يقل أربع دقائق تقريبا عن زمن اليوم الكامل.
لماذا؟ لأن الأرض وهى تدور حول محورها، تدور أيضا حول الشمس. لكن الأرض لا تدور حول النجوم. لذلك اليوم الشمسى 24 ساعة، بينما اليوم النجمى يقل 4 دقائق. هذا الفرق يجعل الأبراج الإثني عشر التى تقع فى دائرة البروج، يشرق كل منها مبكرا 4 دقائق كل يوم. البرج هو مجموعة من النجوم لها شكل مميز.
بذلك يشرق كل برج منها مع الشمس فى شهر معين. ويسير مع الشمس مرافقا لها ولكننا لا نراه أثناء النهار. فقط أثناء الشروق والغروب. ثم يسبق الشمس فى الشروق فى الشهر التالى ليحل محله برجا آخر. عندها نقول أن الشمس فى هذا البرج. وقد يكون برج الحمل أو العقرب أو الأسد أو غيرها.
دائرة البروج تتكون من 12 برجا. وكانت معروفة لقدماء المصريين. كل أبراج السماء المعروفة بما فيها دائرة البروج، تبلغ 88 برجا. الفرق بين أبراج دائرة البروج وباقى الأبراج، هو أن أبراج دائرة البروج تتبع خط سير الشمس من الشروق إلى الغروب، وتسير فى نفس مسارها. بينما باقى الأبراج تكون بعيدة عن خط سير الشمس. أسماء أبراج دائرة البروج نجدها فى أبيات الشعر الآتية: "حمل الثور جوزة السرطان – ورعى الليث سنبل الميزان" "ورمى عقرب بقوس لجدى – نزح الدلو بركة الحيتان"
من روائع ألحان سيد درويش، تغنى الفلاحات ببراءة وعفوية، إحتفالا باستقبال الفجر الجديد: طلعت يا محلا نورها – شمس الشموسة ياله بنا نملا ونحلب – لبن الجاموسة
ومن شعر أبى نواس يصف قدوم الربيع وإعتدال الجو عندما تدخل الشمس فى برج الحمل: أما ترى الشمس حلت الحملا – وقام وزن الزمان واعتدلا وغنت الطير بعد عجمتها – واستوفت الخمر حولها كملا واكتست الأرض من زخارفها – وشى نبات تخاله حللا
الشمس لها 9 كواكب تدور حولها. هى حسب بعدها عن الشمس: عطارد والزهرة والأرض والمريخ والمشترى وزحل وأورانس ونبتون وبلوتو. بلوتو يصنف حديثا على أنه شبه كوكب. مجموع كتلة الكواكب التسعة، لا تمثل سوى واحد فى الألف من كتلة الشمس.
الشمس بكتلتها الكبيرة نسبيا تجذب الكواكب وتجعلها تدور حولها فى مدارات بيضاوية. لكن الشمس نفسها تقع أسيرة جاذبية مجرة طريق التبانة أو الطريق اللبنى. الشمس هى وكواكبها التسعة، تدور حول مركز المجرة، مرة كل 230 مليون سنة.
الشمس هى مصدر الضياء الوحيد فى المجموعة الشمسية. القمر وباقى الكواكب تستمد ضياءها من الشمس. ضوء القمر الفضى الذى نراه أثناء الليل ماهو إلا ضوء الشمس بعد إنعكاسه على سطح القمر.
ضوء الشمس يصلنا فى زمن قدره 8.3 دقيقة. الضوء يسير بسرعة 300 ألف كيلومتر فى الثانية الواحدة. لكن فى قلب الشمس، الضوء يسير بسرعة بضع أميال فى السنة. السبب يجيب عليه أينشتين.
الضوء له طاقة، والطاقة لها كتلة وفقا لمعادلة أينشتين الشهيرة (E=mc2). والكتلة تتأثر بجاذبية الشمس. هذا يعنى أن الأشعة التى تصلنا من الشمس، ظلت ملايين السنين تناضل للتخلص من جاذبية الشمس للوصول إلينا.
على سطح الشمس تظهر فقاقيع وبقع سوداء أو رمادية اللون، بسبب فعل المغناطيسية. تزداد وتنقص هذه البقع، وتأتى وتروح، وتنتقل من مكان لمكان بسبب دوران الشمس حول محورها.
الشمس تدور حول محورها مرة كل شهر. ولأنها كرة مهولة الحجم من الغاز، فهى عندما تدور، يدور جسمها كأجزاء وطبقات مختلفة السرعة. المركز يدور ككتلة واحدة مثل الأجسام الصلبة. الطبقة التى تليه تدور بسرعة أكبر. والطبقة التى تلى ذلك أسرع، وهكذا. وعند خط الإستواء للشمس، تكون السرعة أكبر من السرعة عند القطبين.
عندما تحدث إضطرابات على سطح الشمس، تلقى الشمس بأعاصيرها فى الفضاء لتصل إلى كل كواكبها. ولولا حماية المجال المغناطيسى للأرض، لما بقيت حياة على ظهر الكرة الأرضية.
من حين لآخر، تصاحب أعاصير الشمس جسيمات من المادة لها طاقة عالية جدا. تتسبب فى قطع الإتصالات اللاسلكية والتخاطب مع الأقمار الصناعية. ونلاحظ هذا الإضطراب فى المواصلات اللاسلكية عندما نستمع إلى الموجات القصيرة للراديو. فتارة نجد الإرسال واضح جدا، وتارة أخرى لا نستطيع إلتقاط أى محطة إرسال على الموجة القصيرة.
السبب هو أن موجات الراديو القصيرة تتأثر بالعواصف الشمسية. وذلك لأن موجات الراديو مثل الضوء، تسير فى خطوط مستقيمة. لكن الكرة الأرضية مستديرة. فكيف تصل موجات الراديو القصيرة من كندا، إلى العراق مثلا.
الغلاف الجوى للكرة الأرضية به طبقة متأينة (أيونوسفير) عند إرتفاع 50 كيلومتر حتى 400 كيلومتر. وتتكون من أنوية ذرات أكسوجين ونيتروجين وعناصر أخرى فقدت إلكتروناتها، لذلك تسمى أيونات.
هذه المنطقة تعمل مثل المرآة بالنسبة لموجات الراديو القصيرة. فتعكسها ثانية إلى الكرة الأرضية. وبذلك تستطيع أن تصل إلى أى مكان على سطح الأرض.
لكن عندما ترسل الشمس أعاصيرها وجسيماتها المشحونة بالكهرباء، وتصطدم بالحزام الأيونى الذى يغلف الأرض، تحث به تموجات وخلخلة تؤثر فى إنعكاسه لموجات الراديو القصيرة.
جسيمات المادة المشحونة التى ترسلها الشمس مع أعاصيرها، عندما تصطدم بالغلاف الجوى بالقرب من القطب الشمالى أو الجنوبى، ترسل شحنات كهربائية فى الخلاف الجوى، تظهر فى صورة أضواء ملونة، أحمر وأخضرعبر السماء غاية فى الروعة. تسمى أضواء الشمال أو الجنوب، أو هالة برياليس وهالة أستراليس.
حجم قرص الشمس فى السماء، يعادل حجم القمر بالنسبة للناظر من سطح الأرض. تساوى الحجمين يجعل الناظر من سطح الآرض يرى الكسوف الكلى للشمسي عندما يقع القمر البدر بين الآرض والشمس. كل سنتين تقريبا يحدث كسوف كلى للشمس، لا يراه سوى سكان أماكن صغيرة مختلفة من سطح الأرض. قد تكون صحارى أو محيطات غير مأهولة بالسكان.
عندما يحدث الكسوف الكلى، تظلم الدنيا حقيقة وتنخفض درجة حرارة الجو بمقدار 15 درجة. وتهرب الحيوانات إلى أوكارها والطيور إلى أعشاشها. فقد أتى الظلام فجأة، فى وضح النهار. ولا تدرى السبب.
الكسوف الكلى لا يستمر أكثر من 10 دقائق. وهى ظاهرة عجيبة تجعل الكثيرين من الناس تسافر آلاف الأميال لمشاهدتها فى أماكن حدوثها. ولا تحتاج إلى تليسكوب لمشاهدتها. مجرد العين المجردة، مع كل الحذر من النظر إلى قرص الشمس مباشرة مدة طويلة.
الكون ملئ بالغرائب والعجائب. ولقد بعدنا كثيرا عن مراقبة الطبيعة والتمتع بجمالها وبراءتها. وعزلنا أنفسنا عن الكون وجلاله. ولم نعد نرى الأفلاك أو السحب. جدودنا كانوا يحفظون أسماء النجوم والأبراج عن ظهر قلب. لذلك نجد أسماء معظمها أسماء عربية. والآن خريج الجامعة لا يعرف إسم نجم واحد.
غاب عنا جمال الزهور ورقة الفراشات وروعة قطرات الندى وهى تنزلق مثل حبات اللؤلؤ على غصون الأشجار والبراعم الصغيرة. كم مرة سمعنا فيها تغريد الطيور، وخرير المياه فى الجداول، وحفيف أوراق الشجر يداعبها النسيم العليل؟
لذلك قست قلوبنا، وماتت ضمائرنا، وأصبحنا أعداء للحياة. نقتل الأشجار ونلوث الأنهار والبحار. نغرق الحقول بالمبيدات المسرطنه، والشوارع بالزبالة والنفايات. ونملأ قلوبنا بالظلم وعدم التسامح. فأى مستقبل ننتظره لأولادنا؟ 06/11/2014
مصرنا ©
| | ..................................................................................... | |
| | | | |
|
|