مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 نظرية التطور لدارون (4)
...............................................................

بقلم: محمد زكريا توفيق
...........................


مع نهاية القرن التاسع عشر، بعد وفاة شارلز دارون, كان هناك علماء مهمين يؤمنون بأن تنوع الكائنات, يعد بمثابة المادة الخام اللازمة للتطور. هؤلاء العلماء لا يزالون على العهد والولاء لمبدأ الإختيار الطبيعى. أحدهم هو ألفريد رسل والاس, الذى توصل مثل دارون لمبدأ الإختيار الطبيعى بمفرده, عندما كان يعمل فى جزر الأرخبيل الأندونيسية. وأيضا العالم الألمانى ألفريد وايزمان.

قام وايزمان بدراسة كل البيانات التى أمكنه الحصول عليها من تجاربه وتجارب الآخرين, فلم يجد دليلا واحدا يثبت أن الخبرة التى يكتسبها الفرد فى حياته, يمكن أن تورث للأولاد. عنتر ذو الوجه المجروح, رياض القصبجى فى فيلم ياسمين, ينجب أطفالا وجوهها سليمة. أصابع الإسكافى, أو عضلات بطل كمال الأجسام, لن تورث للأبناء. الكهل عندما ينجب, لا تأتى ذريته بشعر شايب وظهر منحن ونظر ضعيف. ما نكتسبه فى حياتنا لا يورث لأولادنا. إنما الذى يورث, هى جيناتنا الموروثة عن الأب والأم.

يقول وايزمان, كما جاء فى بحث نشره عام 1883م, أن ذلك يحدث لأن خلايا الجسد العادية, التى تتعرض إلى طعنة سكين مثلا, أو التى تتأثر بالرياضة البدنية, أو بطبيعة العمل, أو بالشيخوخة, تفنى مع البدن عند الوفاة, ولا تشترك فى الإنجاب. الخلايا التى تنجو من الموت والفناء مع باقى الجسد هى الخلايا الجنسية, التى تنجح فى الإخصاب.

الخلايا الجنسية, الحيوان المنوى والبويضة, خلايا مختلفة عن باقى الخلايا. جيناتها لا تتأثر بممارسة الألعاب الرياضية أو بما يحدث لباقى خلايا الجسد. الأجيال التى تموت, تورث الأجيال التى تولد, جينات لا تتغير من جيل إلى جيل.

مع إكتشاف الحمض النووى (DNA), أصبحت نظرية وايزمان هى مركز علم الجينات الحديث. هنا أود توضيح بعض المصطلحات العلمية الحديثة. الفرق بين الجين والكروموزوم والحمض النووى.

هل يمكن تزاوج الأرانب مع الدجاج, لكى ننتج دجاج له آذان طويلة وفرو, أو أرانب تبيض ولها ريش؟ الإجابة بلا. لماذ؟ لأنهما نوعان مختلفان من الكائنات. التزاوج لا يحدث إلا بين النوع الواحد من الكائنات. الأنواع المختلفة بصفة عامة لها طباع مختلفة, وصفات وراثية مختلفة, نسميها جينات. كلمة جين هنا تعنى الصفة الوراثية. مثل لون العينين وطول القامة.

عدد كبير من رجال الأديرة المسيحية, كانوا يشتغلون بالعلوم الغير دينية والفلسفة، إلى جانب دراستهم للغة واللاهوت والأديان المقارنة. وياليت رجال الدين فى بلادنا, يهتمون هم أيضا بالعلوم والأبحاث وما يجرى فى هذا العالم, بدلا من الإنغلاق والحجر على الفكر ومطاردة العلماء والكتاب والمفكرين, وحرق كتبهم وتشريدهم خارج أوطانهم, أو مناهضة النساء لطمس معالمهن وإخفاء هويتهن.

من هؤلاء الرهبان الذين إهتموا بالعلوم جريجور مندل. الراهب التشيكسلوفاكى فى منتصف القرن التاسع عشر. فتن مندل بدراسة الصفات الوراثية للكائنات, التى نسميها اليوم "الجينات", ومتابعة إنتقالها من جيل إلى جيل. وكان يستخدم فى دراسته سبع فصائل مختلفة من نبات البازلاء.

لماذا إختار مندل نبات البازلاء؟ لاشك أن إختيار نبات البازلاء إختيار ذكى. فالصفات الوراثية للبازلاء واضحة وبسيطة. الحبة إما أن تكون ملساء أو متعرجة (مكرمشة). ولون الحبة إما أصفر أو أخضر، وكذلك باقى الصفات. كما أن نبات البازلاء له خاصية أخرى مفيدة. هى أن أعضاء الذكورة والأنوثة توجد فى الزهرة الواحدة. بعكس الكثير من النباتات، حيث توجد أعضاء الذكورة والأنوثة فى زهرات أو شجرات مختلفة.

ميزة أن الزهرة الواحدة بها عضوى الذكورة والأنوثة, هى إمكان إجبار الزهرة على تلقيح نفسها بمجرد عزلها عن باقى الزهرات. بذلك تصبح جينات الأولاد مشابهة تماما لجينات الآباء (الصفات الوراثية الأصلية لم تختلط بصفات غريبة).

بدأ مندل تجاربه بإستخدام سلالتين مختلفتين من البازلاء. كلاهما ناتج من التلقيح الذاتى حتى يضمن عدم تداخل الجينات فى كل منهما. السلالة الأولى تنتج حبات ملساء فقط, والثانية حبات متعرجة فقط.

عندما قام مندل بتلقيح زهور النبات الأول بحبوب لقاح النبات الثانى, كان الناتج حبوبا ملساء فقط. لم تظهر الحبات المتعرجة فى الجيل الأول على الإطلاق. عندما عزل الجيل الأول كله, وتركه يلقح بعضه كما يحدث فى الطبيعة, وجد بعض الحبات المتعرجة مختلطة بالحبات الملساء فى نفس القرن. ووجد أيضا أن عدد الحبات المتعرجة يمثل ربع مجموع كل الحبات.

بالطبع لم يكتف مندل بخاصية وراثية واحدة, أى جين واحد, لكنه كرر تجاربه مع خواص وراثية أخرى, مثل لون الحبات, وشكل القرون, ولون القرون, وشكل الزهرة, وطول الساق.

كل التجارب كانت تفضى إلى نتيجة واحدة. هى أن أحد الجينات يظهر ويسيطر, أما الجين الأخر فيختفى ويكمن فى الجيل الأول. الجين الكامن فى الجيل الأول, يظهر فى الجيل الثانى، لكن بنسبة الربع فقط من الإجمالى الكلى. لماذا الربع وليس الثلث أو النصف أو أية نسبة أخرى؟ السبب تجيب عليه نظرية الإحتمالات.

الجين إما أن يكون مسيطرا (الحبات الملساء), أو كامنا (الحبات المتعرجة). لدينا أربع إحتمالات لتزاوج الزهرة أ مع الزهرة ب:

- جين مسيطر من أ يتحد مع جين مسيطر من ب. الناتج حبة ملساء.
- جين مسيطر من أ يتحد مع جين كامن من ب. الناتج حبة ملساء.
- جين كامن من أ يتحد مع جين مسيطر من ب. الناتج حبة ملساء.
- جين كامن من أ يتحد مع جين كامن من ب. الناتج حبة متعرجة.

ماهى نسبة الحبوب المتعرجة فى الأربع حالات؟ الربع.

كما أن العناصر تتكون من ذرات, الكائنات الحية هى أيضا تتكون من خلايا. هناك كائنات تتكون من خلية واحدة مثل الأميبا, وكائنات تتكون من بلايين البلايين من الخلايا مثل الإنسان. أهم شئ فى تركيب الخلية بالنسبة لنا هنا هى نواتها. هناك خلايا بها نواة يمكن رؤيتها بالميكرسكوب, وخصوصا قبل الإنقسام مباشرة. وهناك خلايا ليس بها نواة. الخلايا الأولى التى بها أنوية تسمى يوكاريوت (eukaryote), والثانية التى ليس بها أنوية تسمى بروكاريوت (prokaryote).

الخلايا التى بها أنوية, يوجد داخل أنويتها ألياف أو خيوط. على شكل الحرف (X). يسمى هذا الشكل كروموزوم. من السهل رؤيتها إذا لونت بصبغة معينة قبل إنقسام الخلية. فى الواقع, كلمة كروموزوم تأتى من كلمة "كروم" اليونانية بمعنى ألوان.

الخلايا التى ليس بها أنوية, يوجد داخلها كروموزوم واحد فردى من الصعب رؤيته بالميكروسكوبات الضوئية الحديثة.

الإنسان له 23 زوجا من هذه الكروزومات, تحمل الصفات الوراثية, أى الجينات. كل زوج منها يتكون من نسختين غير متطابقتين فى التركيب, لكن لهما نفس الطول. أحدهما يأتى من الأب والآخر من الأم.

الزوج الثالث والعشرين, قد يتكون من كروموزوم X من الأم وكروموزوم X من الأب. أو كروموزوم X من الأم وكروموزوم Y من الأب. الكروموزوم X أطول من الكروموزوم Y.

قد يوجد رجل له كروموزوم Y وكروموزوم Y فى الزوج الثالث والعشرين, لكن هذا يحدث فى النادر. يكون الرجل فى هذه الحالة, طويل القامة, عبوس الوجه, محدود الذكاء, محترف الإجرام.

الحيوان المنوى يحمل فى رأسه نصف هذه الكروموزومات. أى 23 كروموزوم فرد. كذلك بويضة الأنثى, 23 كروموزوم فرد. عند الإخصاب, تتحد الكروموزومات الفردية ال 23 من الحيوان المنوى, مع الكروموزومات الفردية ال23 فى البويضة. ويكون الناتج مجموعة كاملة من أزواج الكروموزومات ال 23, مثل أى خلية عادية. حينئذن، تبدأ الخلية الجديدة فى الإنقسام المتوالى لتكوين المولود الجديد.

الكروموزوم الفرد الثالث والعشرين, الآتى مع الحيوان المنوى, عندما يتحد مع الكروموزوم الفرد الثالث والعشرين داخل البويضة, إذا كان الناتج (XX) فيكون الطفل أنثى. أما إذا كان (XY), فالطفل فى هذه الحالة ذكر. المسؤول عن كون الطفل ذكر أم أنثى هو الأب وليست الأم, على عكس ما يعتقده العامة.

حتى الآن, قمنا بتعريف الجين, وهو الصفة الوراثية التى تنتقل من الآباء إلى الأولاد. أما الكروموزوم, فهو المركبة التى تحمل جينات وراثية داخلها. فى الواقع, الكروموزوم عبارة عن حمض نووى (DNA), ملتف حول بروتين, لحفظ الحمض النووى.

الإسم العلمى للحمض النووى هو "الحمض النووى منقوص الأكسوجين". وهو بمثابة الرسم الهندسى والتعليمات اللازمة للكائن الحى لكى يمارس الحياة. ويعتبر وسيلة تخزين للمعلومات الوراثية (دار كتب أو دار معارف). يحتوى على المعلومات اللازمة لبناء البروتينات. به تعليمات لازمة لتصنيع الحمض الريبى النووى (RNA), الذى يقوم بترجمة لغة الجينات, ويعمل كقالب، (إستمبة)، لتصنيع البروتينات. الجينات موجودة كأجزاء متصلة من الحمض النووى.


هل تعلم أنه فى يوم من الأيام كان كل منا, مجرد خليتين صغيرتين لا يمكن رؤيتهما بالعين المجردة. اتحدتا فى خلية واحدة، ثم إنقسمتا إلى خليتين، والخليتان إلى أربعة, والأربعة إلى ثمانية وهكذا. بعد ذلك بدأت الخلايا ترتب نفسها فى مجموعات, لكى تكون العينين والقلب والرئة والمخ والشرايين وخلافه, حتى يصبح كل منا شخصا فريدا لا يشبهه شخص آخر فى هذا الكون. كيف حدث ذلك؟ الإجابة تأتى من الحمض النووى (DNA).

لكن ما هو شكل الحمض النووى هذا وكيف يحفظ بداخله المعلومات؟ الحمض النووى عبارة عن جزيئ كيميائى. على شكل جدارين متوازيين من السكر والفسفات, بينهما درجات سلم ملتفة لولبيا (Double Helix). أى فى شكل السلالم الداخلية الحلزونية فى الفيلات الحديثة, عددها 3 بليون درجة. وكل درجة مكونة من نصفين.

الحمض النووى الموروث من الأبوين، موجود فى كل خلية من خلايا الجسد، فيما عدا خلايا الدم الحمراء. طول الحمض النووى داخل الخلية الواحدة, إذا مد فى خط مستقيم, 2 متر. الحمض النووى من الصعب وضعه داخل الخلية الصغيرة التى لا ترى بالعين المجردة, لكن أجسامنا تضغطه وتلويه وتضعه فى شكل حلزونى حتى تُصغر من حجمه وتجعله مناسبا لحجم الخلية.

لكن كيف يقوم الحمض النووى بتخزين المعلومات؟ الكمبيوتر الذى نستخدمه والذى يصنع المعجزات, يستخدم حرفين فقط، أو رقمين إثنين لا ثالث لهما. هما الواحد والصفر. عندما نكتب على شاشة الكمبيوتر كلمة أو رقم أو صورة أو نحمل أغنية, تتحول داخل الكمبيوتر إلى وحايد وأصفار. الكمبيوتر لا يستطيع التعامل مع أى شئ آخر.

اللغة الإنجليزية 26 حرف أساسى بالإضافة للحروف الخاصة. واللغة الألمانية 30 حرف, والعربية 28 حرف. لكن الحمض النووى مكتوب بأربع حروف من البروتينات فقط. هى أدينين ورمزه (A), جوانين (G), ثايمين (T), سايتوسين (C). أسماء لا تصلح لبناتنا. وهى التى تكون الدرجات العرضية للحمض النووى.

فى الواقع أننا لو نظرنا إلى الحمض النووى مليا تحت المجهر الإلكترونى, لوجدناه عبارة عن نصفين ملحومين من الوسط بالطول. كل درجة مقسومة حرفين. (A) مع (T), و(C) مع (G). بذلك يكون كل نصف مكمل للآخر.

ترتيب حروف الدرجات, وأيهما قبل أو بعد الآخر هو الذى يترجم إلى معلومات. هى لغة الخلق. هذه المعلومات, فضلا عن قيمتها الوراثية, تقول للخلية كيف تصنع البروتينات اللازمة للجسم وأشياء أخرى. بذلك تكون جيناتنا المكتوبة بلغة الحمض النووى, مسؤولة عن ملايين الأنشطة التى تحدث فى جسمى وجسمك الآن.

الحمض النووى يختلف من شخص لآخر. لكن الإختلاف لا يتعدى الواحد فى الألف. هذا الإختلاف هو الذى يجعل لون الشعر ولون البشرة والطول والوزن ولون العينين مختلفة من شخص لآخر. باقى الجينات متشابهة تماما. السبب، لأننا ننتمى جميعا لنفس النوع. الجنس البشرى الحالى، "الهوموسيبيان".

المعلومات الموجودة فى الحمض النووى, تساعد الخلية فى تصنيع البروتينات المختلفة. هذه البروتينات تساعد على الهضم, أو فى حمل الأكسوجين إلى باقى خلايا الجسد. وهى أيضا, تهاجم الباكتيريا والفيروسات عندما تدخل الجسم, ولها وظائف أخرى هامة.

لأن الحمض النووى هو الذى يحدد نوع البروتين المطلوب, فهو بذلك يكون المسيطر على معظم أنشطة الجسم. لون العيون مثلا, صفة وراثية مكتوبة على هيئة ترتيب معين داخل جزء من الحمض النووى. كذلك كل صفة وراثية أخرى. أى تغيير فى هذا الترتيب يعتبر خطأً, يسمى تغّيار أحيائى (Mutation).

عند تكوين الجنين, تحدث إنقسامات فى الخلايا تصل إلى 50 ترليون إنقسام. كل مرة تنقسم فيها الخلية, ينقسم الحمض النووى من المنتصف إلى نصفين. وينفصل الحرف (A) عن (T), والحرف (C) عن (G). وقبل أن تتكون الخلية الجديدة, يستكمل كل نصف, ويصبح حامض نووى، (DNA)، كامل.

الآن يحدث فى جسمى وجسمك عمليات النسخ الأحيائى. الحمض النووى يكرر نفسه ويصنع حمض جديد كل مرة تنقسم فيها الخلية. التغيار الأحيائى أو الأخطاء, تحدث أثناء النسخ فى بعض الأحيان. وخصوصا إذا كان الحمض النووى به خلل بسبب تعرضه للإشعاع أو التلوث الكيميائى.

بعض الأخطاء تكون مفيدة وتساعدنا على التغلب على مصاعب الحياة فى البيئات الجديدة. وهى عامل هام فى إستمرار تطور الكائنات. فمثلا يمكن لهذه الأخطاء أن تجعل مقاومتنا أفضل لمرض الملاريا. لكنها قد تسبب مرض فقر الدم فى نفس الوقت. الخلايا تستطيع فى بعض الأحيان علاج هذه الأخطاء الناجمة عن النسخ, لكن فى أحيان أخرى كثيرة لا تستطيع.

الخطأ قد يكون بسبب إلتحام الحرف (A) مثلا, بالحرف الخطأ (C) لتكوين درجة فى الحمض النووى الجديد, بدلا من (T). فى بعض الأحيان, خطأ واحد لا يسبب أى ضرر للخلية. لكن فى حالات أخرى, قد يؤثر هذا الخطأ فى تصنيع البروتين ويجعله غير كامل. لأن وصفة الطبيخ تكون غير كاملة فى هذه الحالة. فيه سطور غير واضحة فى كتاب الطبخ.

ممكن أيضا أن يكون الخطأ بسبب فقدان جزء من تركيبة الحمض النووى, أو بإضافة جزء زائد له. فى هذه الحالة, يكون إنتاج البروتين المطلوب إما ناقصا بسبب نقص المعلومات (مثل عدم إضافة السكر إلى الفطائر), أو به خطوة زائدة (مثل إضافة خل إلى الفطيرة). أيضا من الأخطاء, إنعكاس ترتيب الحروف أو الدرجات فى الحمض النووى. مثل عكس حروف الكلمات. هذا قد ينتج عنه نزيف أو لخبطة فى تصنيع البروتينات.

يوجد أيضا حمض آخر يسمى الحمض الريبى النووى (RNA). له أنواع مختلفة لوظائف مختلفة. يشبه فى الشكل نصف ال (DNA) بعد الإنشطار. له جدار واحد, ودرجاته تتكون كل منها من حرف واحد. إلا أن حروف ال(RNA) الأربعة, تتفق ثلاثة منها مع حروف ال (DNA). أما الحرف الرابع الثايمين فى ال (DNA) فيستبدل باليوراسيل فى ال (RNA).

الحمض الريبى النووى (RNA), يأتى عن طريق إستخدام المعلومات المخزونة فى ال (DNA), بواسطة إنزيمات معينة. ثم يجرى علي ال (RNA) تعديلات أخرى بواسطة إنزيمات تجعل ال (RNA) يصلح كقالب أو (ستمبة) لصناعة البروتينات. كما أنه يعمل أيضا كناقل للأحماض الأمينية اللازمة لتصنيع البروتينات.

كيف بدأ الحياة على ظهر الأرض؟ يعتقد الكثير من العلماء أن الحياة قد بدأت على سطح الأرض كميكروبات ثم تطورت. أول خطوة لنشوء الحياة, هى توافر المواد الخام اللازمة لها.

إكتشف علماء الفلك أن المواد اللازمة للحياة موجودة فى الشهب والنيازك والسحب الترابية الموجودة بين النجوم. هذه المواد بعد سقوطها على الكرة الأرضية, تمثل المواد اللازمة لتكوين الخلية. مواد مثل الفوسفات, وهو العمود الفقرى للحمض النووى مستودع المعلومات، والأحماض الأمينية, اللازمة لصناعة البروتين.

فى البداية, وبعد فترة زمنية معينة, كان هناك الحمض النووى (DNA), والحمض الريبى النووى (RNA) والبروتينات. أيهما وجد أولا؟ الحمض النووى (DNA) يحمل المعلومات (دار معارف). لكنه عديم الفائدة بدون الحمض الريبى النووى (RNA).

ال (DNA) لا يستطيع أن يصل جزيئات البروتينات ببعضها أو فصلها. والبروتين، بالرغم من أنه يقوم بالعمل اللازم لبقاء الخلية حية, إلا أنه لا يستطيع أن يحفظ المعلومات من جيل إلى آخر. لكن الحمض الريبى (RNA), هو الوحيد الذى يستطيع القيام بالوظيفتين فى نفس الوقت. فهو يستطيع أن يحمل الجينات الوراثية, ويستطيع أن يعمل أيضا مثل الإنزيمات والبروتين. لذلك يعتقد العلماء أن الحياة بدأت أولا بال (RNA).

عندما اكتشف العلماء ال (RNA) داخل الخلية عام 1960م, بدأوا فى الإعتقاد أن ال (RNA) هو الخميرة التى تولدت منها الحياة. فى عام 1982م, إكتشف توماس سيتش, من جامعة كولورادو, أن ال (RNA) عبارة عن جزيئ هجين.

من ناحية, هو يحمل الجينات الوراثية داخله, ومن ناحية أخرى يعمل عمل الإنزيمات. أى أنه يستطيع أن يغير من تركيبة الجزيئات الأخرى. مثل الإنزيمات التى تقوم بهضم الطعام. والإنزيمات التى تقوم أيضا بتصحيح أخطاء الترتيب فى الجينات. ووجد سيتش أن بعض أنواع من ال (RNA), تقوم بتصحيح أخطاء التركيب لنفسها بدون مساعدة من الإنزيمات.

بعد ذلك فى الثمانينات, أمكن علماء البيولوجيا جعل ال (RNA) تتطور أمامهم فى المعامل. مجموعة باحثين برئاسة جيرالد جويس بكاليفورنيا, بدأت ب ال (RNA). ثم قامت بنسخه 10 ترليون مرة. فى كل مرة بها تغير بسيط فى التركيب. ثم قاموا بوضع (DNA) فى أنبوبة إختبار, وخلطها ب (RNA) المعدلة.

لأن ال (RNA) المعدل يعمل كإنزيم يقطع أو يعدل فقط جزيئات ال (RNA), لم تكن هناك دهشة كبيرة عندما وجد العلماء أن ال (RNA) المعدل لم تقم بقطع أجزاء من الحمض النووى (DNA). فقط بنسبة واحد فى المليون, كان يقوم الحمض الريبى (RNA) المعدل بقطع جزء من ال الحمض النووى (DNA). وحتى هذه النسبة الصغيرة جدا, كانت تقوم بعملها بطريقة رديئة تستغرق ساعة زمنية كاملة.

قام جويس ومجموعته بفصل هذه النسبة الصغير من ال (RNA) القادرة على القطع, ونسخ كل منها مليون مرة. وأيضا فى كل مرة يتم فيها النسخ, يحدث تغيير بسيط فى تركيبتها. فوجد أن بعض النسخ الجديدة, تستطيع قطع الحمض النووى بطريقة أسرع من الأجيال السابقة لها. تطور.

كرر جويس هذه العملية 27 مرة, كل مرة ينتج فيها جيل جديد أسرع من السابق له. عملية إستغرقت سنتين تجارب. فى النهاية توصل إلى (RNA) يستطيع قطع ال (DNA) فى خمس دقائق. قدرته على قطع ال (DNA) تعادل قدرته على قطع ال (RNA) كما يحدث فى الطبيعة.

جويس وعلماء آخرون يستطيعون الآن أن يجعلوا ال (RNA) يتطور بسرعة فى المعمل أكثر من ذى قبل. وأمكنهم إنتاج 27 جيل جديد فى مجرد ثلاث ساعات بدلا من سنتين. ووجد العلماء أنه فى الظروف المناسبة, يمكن للتطور أن يجعل ال (RNA) يقوم بوظائف لم يقم بها من قبل.

ال (RNA) المتطور يستطيع قطع أجزاء أو التأثير فى أى جزيئ بصفة عامة الآن, من الذرة إلى الخلية الكاملة. كما أنه يستطيع وصل جزيئين ببعضهما لتكوين جزيئ جديد. أمل جديد فى علاج السرطان. (إستيقظوا يا علماءنا. وأفيقوا يا شيوخنا من الغيبوبة التى أنتم فيها. وبطلوا يا شبابنا الكورة شوية والقات والجرعات الدينية الزائدة. انتبهوا للعلم وما يجرى فى العالم حولنا).

ال (RNA) المتطور يستطيع وصل الأحماض الأمينية التى أمكن تحضيرها فى المعامل, وهى خطوة هامة فى تحضير البروتين. تخيل إمكانية تحضير اللحمة فى المعامل. ويستطيع أيضا وصل ألياف إلى جدار الحمض النووى. أى أن ال (RNA) يستطيع القيام بكل وظائف الخلية, بدون الحاجة إلى الحمض النووى (DNA) أو البروتين.

قابلية ال (RNA) للتطور الكبيرة, جعلت شركات الكيمياء البيولوجية والأدوية, تقوم بتجارب لتحويله إلى عقار جديد ضد تجلط الدم وعقاقير أخرى. الذين لا يؤمنون بنظرية التطور, أرجوا من الله ألا يحتاجوا فى المستقبل لمثل هذه الأدوية المصنعة على أساسيات نظرية التطور.

أبحاث جويس وفريقه, تثبت أن الحمض الريبى النووى (RNA), كان يلعب دور ال (DNA) والبروتين معا عندما بدأت الحياة على سطح الأرض. العديد من العلماء ينظرون إلى تلك الحقبة على أنها عالم ال (RNA).

فى مايو 2009م, العام الحالى, قام جون سزرلاند, ومجموعة باحثين من جامعة مانشستر بالمملكة المتحدة, بتحضير الجزيئ الكيميائي (ribonucleotide) فى المعمل. هذا هو وحدة البناء الأساسية لل (RNA). ويعنى هذا أن العالم كان فى البداية عالم ال (RNA) كما أثبتت أبحاث جويس من قبل. ودليل قوى على أن الحياة يمكن أن تكون قد بدأت تلقائيا على سطح الكرة الأرضية. وهذا لا يتعارض مع نظرية الخلق، لأننا لا نعلم كيف خلق الله هذا العالم. فربما يكون قد خلقه عن طريق التطور. ولما لا.

بعد أن تطور الحمض الريبى النووى (RNA) فى بداية الخلق, تكون البروتين. وكان هناك نوع متطور من ال (RNA)، قادرا على تجميع الأحماض الأمينية وتكوين البروتين. البروتين الناتج, ربما كان يساعد ال (RNA) على النسخ بسرعة أكبر. بعد ذلك, ال (RNA) المكون من جدار واحد و درجات عرضية, أمكنه تصنيع الحمض النووى المكون من جدارين ودرجات عرضية.

الحمض النووى (DNA), أقل عرضة للتغيار الأحيائى والأخطاء من ال (RNA), وأكثر إستقرارا, وأصلح لخزن المعلومات ونقلها من جيل إلى جيل لمدد طويلة.

مع وجود ال (DNA) والبروتينات, أصبح العبئ خفيفا على ال (RNA). لكنه لا يزال يحتفظ ببعض خواصه السابقة, مثل القدرة على علاج نفسه وتصحيح جسمه. ولا يزال يلعب دورا هاما فى تصنيع البروتينات وفصل وتوصيل أجزاء الحمض النووى ببعضها.

هذه قصة التطور كما ترويها لنا الكتب العلمية. كتب الكفار والشياطين. أردت مناقشتها بأسلوب مبسط, لعلى أنجح فى فتح شهية القارئ العزير لهذا الموضوع الهام. فقد لاحظت خلو مناهجنا الدراسية وكتبنا وصحافتنا ووسائل إعلامنا من هذه النظرية الخطيرة. وهى فى نظرى أهم نظرية ظهرت فى أى عصر من العصور.

أهميتها ترجع لعلاقتها المباشرة بحياتنا وحياة أولادنا وغذائنا وأمراضنا. حتى لغتنا الجميلة تتطور. وكذلك عاداتنا وتقاليدنا وأدياننا ونظمنا السياسية. النظم الإقتصادية تتطور, وكذلك العلوم والفلسفة. وأيضا التاريخ, فهو يسير فى حركة تطور مستمرة. وأيضا النظم الدكتاتورية تتطور. حتى أصبحت الأسوأ والأشرس والأقذر.

قد يكون التطور إلى الأمام أو إلى الخلف. ومن يقول أن التطور يحدث فقط إلى الأمام. الحالة المصرية خير دليل على ذلك. فهل يمكن أن نقارن أنفسنا اليوم بحالتنا أيام قدماء المصريين. أيام الدولة القديمة مثلا, عندما بنيت الأهرامات, أو أيام تحتمس الثالث. أنظر إلى حالة المرأة كما تصورها لنا أوراق البردى وجدران المعابد.

كيف تلبس وكيف تتعطر وكيف تتحلى بالحلى والزهور والورود. أنظر كيف تعزف الموسيقى بأناملها الرقيقة, وتأمل أنواع الآلات التى تستخدمها. شاهدها وهى تميل مع النسيم مثل غصن البان. سعيدة تمرح وتغنى وترقص وتتريض بين الحقول والنخيل وعلى شاطئي النيل.

وانظر إلى حالها البائس اليوم. كتل صماء سوداء من العرق والقلق والتربص والخوف والكره والكبت وعدم الثقة. فى عداء كامل للحياة ولكل ما هو جميل.

أنظر إلى مستنقع حالتنا السياسية والإجتماعية والدينية والنفسية اليوم. قارنها بحالة مصر قبل الثورة. هل نحن نتطور إلى الأمام أم إلى الخلف؟ الحيوانات أيضا قد تتطور إلى الخلف فى بعض الأحيان. لكن الثمن باهظ. الثمن هو الإنقراض والفناء. عدد الأنواع التى إنقرضت ولم يكتب لها النجاح تبلغ 95% من كل الكائنات. ولا نحتاج لدراسة الحمض النووى والجينات, لكى نصل إلى هذه النتيجة المحزنة.


zakariael@att.net

06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية