مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 خطأ أينشتين وطبيعة الكون الذى نعيش فيه
...............................................................

بقلم: محمد زكريا توفيق
...........................


عندما نشر أينشتين أطروحته الهامة, نظرية النسبية العامة عام 1916م, قدم فى العام التالى للأكاديمية البروسية, بحثا عن طبيعة الكون الذى نعيش فيه. فى هذا البحث, قال أينشتين أن الكون نهائى, لكن ليست له حدود. قبل بحث تصور أينشتين للكون الذى نعيش فيه, لا بد من توضيح بعض المفاهين الفلكية.

الشمس, التى تمدنا بالدفئ والحياة, والتى كان المصريون القدماء يرون أن قرصها يمثل الإله رع, ما هى إلا نجم متواضع من نجوم السماء التى نراها فى الليالى الصافية, عندما يغيب فيها القمر.السبب أننا نراها كبيرة شديدة الحرارة والضياء, بينما نرى باقى النجوم صغيرة خافتة, هو قربنا النسبى من الشمس.

نحن, سكان الكرة الأرضية, ندور معها حول الشمس. مرة كل عام بسرعة تصل إلى 30 ميل فى الثانية الواحدة. ويصل ضياء الشمس إلينا فى ثمان دقائق زمنية, بينما أقرب النجوم إلينا يصل ضياؤه فى زمن قدره أربع سنوات تقريبا. سرعة الضوء تبلغ 300 ألف كيلومتر فى الثانية.

عندما ننظر إلى السماء أثناء الليل, فنحن نشاهد تاريخ أو شريط سينمائى يعرض الأفلام القديمة والقديمة جدا. نجم نراه على حالته منذ أربع سنوات, وآخر منذ 20 عاما وثالث منذ 50 ألف سنة ورابع منذ ملايين السنيين. نجوم توفاها الله ولا يزال ضوؤها يصل إلينا تباعا. ونجوم ولدت ولا يزال ضوؤها فى الطريق, لم يصل لنا بعد. أما شكل السماء الحقيقى الآن, أو فى لحظة النظر إليها, فلا يعلمها إلا الله.

كل ما يدور حول الشمس, يسمى "كوكب". عدد الكواكب التى تدور حول الشمس ومنها الأرض, 9 كواكب. هى حسب قربها للشمس, عطارد والزهرة والأرض والمريخ والمشترى وزحل وأورانوس ونبتون وبلوتو.

كل ما يدور حول الأرض, وكل ما يدور حول أى كوكب من الكواكب, يسمى "قمر". هذا سبب تسمية الأقمار الصناعية, لأنها تدور حول الأرض. الشهب والنيازك هى الأخرى أجسام صغيرة نسبيا, تدور حول الشمس, وتسقط أحيانا على الأرض. يحترق معظمها بسبب الإحتكاك بالغلاف الجوى (النجمة أم ذيل). الحجر الأسود بقايا أحد هذه الشهب. كان لونه أبيض, ثم إسود بفعل الأكسدة.

الشمس وكواكبها التسعة, تقع فى مجرة درب التبانة (الطريق اللبنى). سميت مجرتنا كذلك لأن الناظر إلى وسط السماء أثناء الليل, يرى خطا أبيضا باهتا يمثل أطراف المجرة ونجومها البعيدة. مثل النظر من نافذة القطار, للأشجار البعيدة فى الأفق, نراها صغيرة متلاصقة. هذا الخط يشبه الطريق الذى تسير عليه الدواب حاملة التبن, أو حاملة اللبن. ومن هنا جاء إسم درب التبانة أو الطريق اللبنى.

المجرة هى عبارة عن جزيرة من النجوم محاطة ببحر من الفراغ فى هذا الكون الذى نعيش فيه. يمكن تشبيه نجوم المجرة بمصابيح أعمدة الإنارة بالمدن الكبيرة. مدينة القاهرة أو مدينة الإسكندرية.

نحن سكان المدينة, نرى أضواء مدينتنا أثناء الليل. لكن إذا نظرنا بالمنظار المكبر (التليسكوب), من مكان مرتفع, فقد نرى أضواء مدينة أخرى بعيدة. فى هذه الحالة, سوف نرى أضواءها, ليس بالوضوح الذى نرى به أضواء مدينتنا. لكن مجرد بقعة ضوئية خافتة. تظهر من بين أضواء مدينتنا القوية.

كل النجوم اللامعة التى نراها فى سمائنا أثناء الليل, هى نجوم مجرتنا, مجرة "درب التبانة" أو "الطريق اللبنى". عددها, كما تقول القياسات الحديثة, قد يصل من 750 إلى 1000 بليون نجم (بالصلاة على النبى). شكل مجرتنا حلزونى له أذرع يشبه أرجل العنكبوت.

شمسنا تعتبر نجم صغير متواضع جدا. يقع تقريبا فى أحد الأذرع, ذراع الجبار (Orion), على بعد الثلث من الحافة. لكن بين النجوم اللأمعة هذه, يمكن بالتليسكوب رؤية بقع خافتة. هى مجرات أخرى بعيدة جدا. عددها بالبلايين. وكل منها يتكون من مئات البلايين من النجوم.

مجرتنا, درب التبانة, تقع ضمن مجموعة مجرات محلية عددها 30 مجرة. ومجموعة المجرات المحلية هذه, تقع ضمن مجموعة مجرات فيرجو العظمى التى قد يصل عددها إلى 2000 مجرة. وتسير المجرات المحلية داخل المجرة العظمى بسرعة تقدر من 100 إلى 400 كيلومتر فى الثانية.

نحن أيضا نسير مع الكرة الأرضية فى دورانها حول نفسها, ونسير معها فى دورانها حول الشمس, ومع الشمس فى سيرها داخل مجرة الطريق اللبنى, ومع المجرة فى دورانها حول نفسها, وفى سيرها مع المجموعة المحلية, ومع المجموعة المحلية فى سيرها فى إتجاه مجموعة مجرات فيرجو العظمى. وهكذا.

من يقول لك أنه جالس فى البلكونة يحتسى الشاى أو القهوة فى هدوء وسكينه, فهو يكذب عليك. ومن يقول أنه قد سافر من القاهرة إلى الإسكندرية, فهو لا يعرف معنى السفر. السفر الحقيقى هو حركتنا مع كل هذه الأجرام السماوية. فليس هناك سكينة فى هذا الكون, وإنما حركة مستمرة وعنف دائم. وهذا يعطينا فكرة بسيطة عن حجم وطبيعة هذا الكون الذى نعيش فيه.

لكن كيف يقيس علماء الفلك أبعاد النجوم؟ بالطبع الطرق التقليدية لا تصلح. أحد الطرق المتبعة هو رصد موقع النجم عندما تكون الشمس فى فصل الصيف مثلا, ثم رصد النجم مرة أخرى فى فصل الشتاء. موقع الكرة الأرضية بالنسبة للشمس فى فصل الصيف, وموقعها بالنسبة للشمس فى فصل الشتاء يمثلان نقطتين فى قاعدة مثلث. رأس المثلث يمثل النجم المراد معرفة بعده. عن طريق معرفة طول قاعدة المثلث وزوايا الرصد, يمكن معرفة بعد النجم عنا بعملية حسابية بسيطة.

هذه الطريقة تصلح فقط للنجوم القريبة منا. لأن النجوم البعيدة جدا عنا, لا نجد أى فرق بين رصدها فى الصيف أو فى الشتاء. وعلينا أن نبحث عن طريقة أخرى.

فى عام 1912م, إكتشفت الفلكية هنريتا ليفيت طريقة لقياس أبعاد النجوم البعيدة. كانت هنريتا ترصد النجوم المتغيرة اللمعان فى مجموعة النجوم المعروفة بسحابة ماجلان والتى تظهر فى النصف الجنوبى للكرة الأرضية. هذه النجوم لها خاصية غريبة. تبدو لامعة لفترة زمنية معينة, ثم يخبو نورها لفترة أخرى. وذلك بسبب دوران نجم آخر حولها, أو لأن النجم نفسه يتمدد وينكمش لفترات زمنية محددة.

قامت ليفيت بقياس فترات الزمن التى تأخذها النجوم المتغيرة لكى تصل من أعلى درجة لمعان إلى أقل درجة. ووجدت أنها تتراوح بين يوم واحد وعدة شهور. إستمرت القياسات الفلكية أربع سنوات. إكتشفت ليفيت بعدها, أن هناك علاقة بين شدة لمعان النجم والزمن الذى يأخذه فى التحول من أعلى درجة لمعان إلى أقل درجة. فمثلا لو كان لمعان النجم 1000 ضعف لمعان الشمس, فإن دورته تستغرق ثلاثة أيام, ولو كانت شدة لمعانه تبلغ 10 آلاف شدة لمعان الشمس, فإن الدورة تستغرق 30 يوما.

إذا علمنا زمن الدورة التى يستغرقها النجم المتغير, لكى يتحول من أعلى درجة لمعان إلى أقل درجة, فإننا نستطيع معرفة شدة لمعانه الحقيقية. وهى تختلف عن شدة اللمعان كما نراها من الأرض. وبمعرفة شدة اللمعان الحقيقية, يمكن معرفة بعد النجم عنا, عن طريقة المقارنة بنجوم أخرى معروفة البعد واللمعان.

بالنسبة للمجرات البعيدة, ما علينا سوى البحث عن نجوم متغيرة اللمعان داخل المجرة وقياس دورتها من أعلى لمعان إلى أدنى لمعان. وعندما نعرف الدورة الزمنية, يمكن معرفة شدة الإستضاءة الحقيقية. ومنها, بالمقارنة, نستطيع أن نعرف البعد المطلوب. بعد المجرات عنا يقاس بالملايين سنة ضوئية. أى أن الضوء يحتاج إلى ملايين السنيين لكى يصل إلينا. الضوء يستطيع أن يدور حول الكرة الأرضية سبع مرات فى الثانية الواحدة. ولنا أن نتخيل طول المسافة التى يسير فيها الضوء ملايين السنيين.

تصور أينشتين للكون, وهذا يشمل المجموعة الشمسية والأجرام السماوية والنجوم التى نراها, والتى لا نراها, والمجرات والفراغ الذى بينها وكل شئ موجود هناك, يمكن تلخيصه فى الآتى:
- كل شئ فى هذا الكون مصنوع من نفس المادة. نفس العناصر ونفس الخواص. تنطبق عليه نفس القوانين.
- الكون , للناظر من أى مكان فيه, يبدو نفس الشئ. ليس هناك مكان آخر نرى فيه النجوم مستطيلة مثلا.
- الكون ليس له حدود. بمعنا أنه ليس له حافة يمكن أن نقع منها.
- الكون نهائى. كمية المادة داخله, لا تزيد عن حد معين.
- الكون موجود منذ الأزل, أى دائم الوجود. ليس له بداية أو نهاية. وهذا فرض ثبت خطؤه.

سرعان ما تنبه أينشتين لخطأ الفرض الأخير, الذى يقول بأن الكون ليس له بداية أو نهاية. لكن باقى الفروض, هى أقرب للصحة. وتتفق إلى حد ما من تصورنا للكون الآن وفقا للنظريات والإكتشافات الحديثة.

الفرض الأول: "الكون مصنوع من نفس المادة", أى من نفس القماش, يجعل دراسة الكون سهلة. لأنه لو فرضنا أن المادة تتغير من مكان لمكان, كأن تصبح خواص الحديد مثل خواص الذهب فى المجرات الأخرى مثلا, لأصبحت الأمور غاية فى التعقيد.

ماذا نعنى بأن الكون نهائى؟ وما معنى ليست له حدود؟ أليس هذا الكلام متناقض؟

إذا كان الكون لا نهائى, أى عكس ما يقوله أينشتين, فمعنى هذا أن النجوم التى نراها من فوق السطوح أثناء الليل, وراءها نجوم أخرى, ووراء النجوم الأخرى, نجوم ونجوم وهكذا إلى ما شاء الله, بدون نهاية. بذلك تكون كمية المادة الموجودة فى هذا الكون, هى الأخرى لا نهائية.

أما إذا كان الكون متناه, كما يقول أينشتين, فيعنى هذا أن كمية المادة الموجودة فيه, مهما كانت كبيرة, لها قيمة معينة لا تزيد عنها.

الكون الغير محدود, يعنى أنه إذا كان هناك صاروخ يتجه إلى نقطة معينة فى السماء, ويسير فى خط مستقيم باحثا عن حدود هذا الكون, فإن الصاروخ لن يجد هذه الحدود. وإنما سوف يجد نفسه قد عاد إلى نقطة الإنطلاق ثانية. فلو كنا نعيش على سطح بالونة مثلا, فسطح البالونة متناهى, بمعنى أن المادة التى تقع على السطح لا تزيد عن كمية معينة. لكن فى نفس الوقت, ليس هناك حافة يمكن أن نصل إليها, ونمد يدنا لكى نتخطاها. كلما سرنا على سطح البالونة كلما وجدنا المزيد من السطح حتى نصل إلى نقطة البداية. الفرق بين سطح البالونة والكون الذى نعيش فيه, هو أن سطح البالونه له بعدين, أما الكون فله ثلاثة أبعاد بالإضافة للبعد الرابع وهو الزمن.

عندما جاء أينشتين بنظرية النسبية العامة, لم تكن الإكتشافات الفلكية الحديثة معروفة. ولم تكن المجرات والأجرام البعيدة قد عرفت بعد. وكان رصد ودراسة مواقع النجوم وحدها بدون المجرات لا يبين أن الكون يتمدد أو ينكمش.

معادلات أينشتين الخاصة بالنسبية العامة, أثبتت أن الكون يمكن أن يكون فى حالة تمدد, أو فى حالة إنكماش. لكن أينشتين لا يريد للكون أن يتمدد أو ينكمش حتى تطابق معادلاته, المعروف والشائع فى ذلك الوقت. وهو أن الكون مستقر. لذلك أدخل على معادلاته ثابت آخر جديد أسماه بالثابت الكونى. وعن طريق هذا الثابت يمكن أن يصبح الكون, لا هو متمدد, ولا هو منكمش. بل مستقر.

هنا خطورة لىّ الحقائق العلمية حتى تناسب معتقداتنا وأفكارنا الشائعة. الواجب أن نثق فيما يقوله العلم حتى وإن خالف المألوف والمعروف. وحتى أينشتين يمكن أن يخطئ, لكى تبدو النتائج مطابقة لما كان شائعا.

هذه وثيقة هامة وحجة دامغة, تجعلنا ننادى مع الدكتور زويل بعدم تدخل رجال الدين فى الشؤون والأبحاث العلمية. حتى لا يلجأ علماؤنا إلى البحث عن ثوابت أخرى تجعل أبحاثهم ترضى مشايخنا الأفاضل. على حساب معرفة الحقيقة وكشف أسرار الكون.

كان على أينشتين أن يثق فى معادلاته الرياضية, بدلا من البحث عن ثابت يجعلها تتفق مع النظريات السائدة, والتى تقول بأن الكون ثابت ومستقر الحجم. إلا أنه هناك فرق. فأينشتين يحاول أن يجعل معادلاته تطابق النتائج العملية المتوافرة فى عصره. وهذا أمر مشروع, لا ينحدر إلى مستوى التلفيق والتزوير الذى يقوم به رجال التفسير العلمى للقرآن فى بلادنا.


بعد الثابت الكونى لأينشتين, جاء الفلكى إدوين هوبل عام 1929م, لكى يثبت أن الكون يتمدد. كيف أثبت هوبل ذلك؟ رصد النجوم اللامعة والتى نراها فى الليالى الصافية لن يفيد فى هذا الصدد. لكن دراسة المجرات البعيدة هو المفيد بالتأكيد. ولم تكن المجرات البعيدة قد أكتشفت بعد. وكان يظن أن بقع الضوء الباهتة فى السماء ما هى إلا سحابات من التراب والثلج تسمى سيديم تقع بين النجوم.

إدوين هوبل عالم فلك أمريكى يتكلم الإنجليزية بلهجة بريطانية, إكتسبها عندما كان يدرس فى إنجلترا. يدخن البايب ويستمتع بنفخ حلقات الدخان فى الهواء. لا يحتاج إلى تعريف أوشهرة بسبب إكتشافاته وأبحاثه الهامة والعظيمة فى الفلك. وهو مخترع تليسكوب هوبل الشهير.

قام هوبل بدراسة الفيزياء فى جامعة شيكاغو. ثم ذهب فى بعثة لدراسة القانون فى جامعة إكسفورد بإنجلترا. وبعد عودته للولايات المتحدة عام 1913م ومزاولته مهنة المحاماة لمدة سنة واحدة, قرر العودة إلى جامعة شيكاغو لدراسة الفلك. حصل على درجة الدكتوراة فى فلسفة العلوم فى الفلك عام 1917م. معظم الإكتشافات الفلكية الهامة الخاصة بدراسة الكون كانت بسبب هوبل.


عندما نقف على رصيف محطة القطار, سوف نلاحظ أن صوت القطار القادم إلى المحطة, يختلف عن صوت القطار المغادر لها. لماذا؟ لأن القطار القادم يضغط موجات الصوت فى إتجاهنا. بينما القطار المغادر, موجات صوته تصلنا مخلخلة. وبعد فترة وجيزة, نصبح خبراء فى معرفة هل القطار قادم أم مغادر بمجرد سماع صوته, بدون إستخدام حاسة الإبصار.

قام هوبل بدراسة موجات الضوء القادم إلينا من المجرات البعيدة. وبالرغم من أن ضوءها خافت, إلا أنه إستطاع أن يحلله بإستخدام التحليل الطيفى. أى بوضع منشور زجاجى فى مسار الضوء الخافت. فوجد من دراسة خطوط الطيف أن موجات الضوء, لكل المجرات, تتخلخل فى إتجاه الضوء الأحمر. وهذا يعنى أن المجرات كلها وبدون إستثناء تبتعد عنا وفى كل الإتجاهات.

سواء كنا فى نصف الكرة الشمالى نراقب السماء, أو فى نصف الكرة الجنوبى, أو فى القطب الشمالى أو الجنوبى, أو على خط الإستواء. كل المجرات التى نرصدها تبتعد عن بعضها كشظايا قنبلة تم تفجيرها.

لو كانت خطوط الطيف تنضغط فى إتجاه اللون الأزرق مثلا, لقلنا أن المجرة قادمة إلينا مثل القطار الذى يقترب من المحطة. لكن لم نجد حالة واحدة تدل على أن أى مجرة من المجرات تقترب. كل المجرات تبتعد وتتفرق عن بعضها. والمجرة الأبعد, تبتعد أسرع من المجرة الأقرب. ماذا يعنى هذا؟ الكون يتمدد وثابت أينشتين الكونى خطأ. الكون يتمدد والمجرات تبتعد عن بعضها. إنفجار عظيم حدث فى الماضى تولد عنه هذا الكون الذى نعيش فيه.

نشر هوبل بحثه بخصوص تمدد الكون عام 1929م. جاء فيه أن نظرية النسبية العامة لأينشتين تقول بأن الكون يتمدد. أينشتين قد أدخل الثابت الكونى لكى يمنع الكون من التمدد. ولو أنه وثق فى معادلاته, لكان قد سبق إلى إكتشاف تمدد الكون إلى الخارج.

أمام هذه الشواهد, تيقن أينشتين أن الكون يتمدد, وأنه أخطأ فى إستخدامه لهذا الثابت الغير ضرورى. وقال أينشتين فيما بعد لعالم الكونيات جورج كامو أن الثابت الكونى الذى إستخدمه كان أكبر خطأ فى حياته. لكن هل أخطأ أينشتين حقا فى إدخاله هذا الثابت الكونى؟

توفى أينشتين عام 1955م. بعد وفاته بنصف قرن تقريبا, بدأ علماء الفلك والكونيات تعود إلى الثابت الكونى الذى أدخله أينشتين على معادلاته, لتبعث الحياة فيه من جديد. ذلك بسبب السلوك العجيب والغريب الذى يسلكة الكون بما فيه من مجرات.

حسب قوانين نيوتن, الكواكب والنجوم والمجرات والتفاحة وكرة القدم كلها أجسام تشعر بالجاذبية. شدة الجاذبية بين جسمين تعتمد على كتلتيهما وبعد المسافة بينهما. لكن جاذبية أينشتين تقول بأنها لا تعتمد فقط على الكتل والمسافات بينهما, لكن أيضا على الطاقة والضغوط المتولدة بينها.

حسب نظرية النسبية الخاصة لأينشتين, الطاقة هى كتلة, والكتلة هى طاقة. علاقة تحكمها المعادلة (E=mc2). الطائر أثناء طيرانه, كتلته أكبر من كتلة الطائر الواقف على الشجر. والطائر الواقف على حافة السور يستحم فى ضوء الشمس, كتلته أكبر من الطائر الذى يستظل بظل الشجر. لأن ضياء الشمس وحرارتها طاقة. والطاقة لها كتلة حسب معادلة أينشتين.

بذلك تجذب الكرة الأرضية الطائر الذى يطير بجاذبية أكبر من جاذبية الطائر الساكن. بالطبع هذه الفروق صغيرة جدا بالنسبة للطائر لا يمكن قياسها, لكنها محسوسة بالنسبة للنجوم والمجرات.

حسب نظرية النسبية العامة, الضغط أيضا عبارة عن طاقة لها كتلة, والكتلة تولد جاذبية. الضغط دفع إلى الخارج. مثل الهواء فى إطار السيارات. فهل هناك ضغط إلى الداخل, أى ضغط بالسالب. فى نظرية النسبية العامة, الضغط السالب ينتج عنه جاذبية دافعة, بعكس الجاذبية التى تجذب.

فى عام 1917م, عندما بدأ يطبق أينشتين نظرية النسبية العامة على الجاذبية, لم يكن أحد يعرف شيئا عن الضغط السالب. لكن معادلات أينشتين تقول أن الضغط السالب محتمل وجوده. بدون وجود الضغط السالب, الكون كما نعرفه, سوف يجذب نفسه ويصبح كتلة واحدة فى حجم ثقب صغير بسبب تأثير الجاذبية. هذا أيضا ما يحدث للكون تحت تأثير قوانين نيوتن.

دراسة أينشتين للكون جاءت قبل أن يكتشف هوبل تمدد الكون ب12 سنة. الكون كما كان يشاهد فى عصر أينشتين لم يكن يتمدد أو ينكمش. ورأى أينشتين أن معادلاته تسمح بالجاذبية الدافعة. إذا كان الكون به الكمية الكافية من الجاذبية الدافعة, فإنها سوف تتعادل مع قوى الجاذبية الأخرى وتمنع الكون من السقوط والتكتل فى كتلة واحدة. هذا هو الثابت الكونى الذى أضافه أينشتين لكى يمنع الكون من السقوط.

بدون الثابت الكونى أو الجاذبية الدافعة التى أضافها أينشتين لمعادلاته, سوف يتمدد الكون ويكون أينشتين قد سبق هوبل فى إكتشاف أن الكون يتمدد. ولكن السؤال الهام هنا: هل سوف يتمدد الكون إلى الأبد أم سوف يقف التمدد عند حد معين؟ ثم يعكس الحركة ويبدأ فى التجاذب ويعود إلى السقوط والتكتل فى كتلة واحدة أو نقطة واحدة؟ الإجابة على هذا السؤال تتوقف على كثافة المادة والطاقة فى هذا الكون. كم من المادة هناك؟

بعد إكتشاف هوبل لتمدد الكون بعامين, كان الفلكى فريتز زويكى يراقب تجمع من آلاف المجرات تبعد عنا مسافة 370 مليون سنة ضوئية. وجد فريتز أن المجرات التى على أطراف التجمع تسير بسرعة شديدة بخلاف ما توقع. حسب حسابات فريتز, السرعة التى تسير بها هذه المجرات كافية لكى تجعلها تهرب من تجمع المجرات, ولكن هذا لا يحدث. هذه المجرات التى تقع على الأطراف تحتاج جاذبية إضافية غير موجودة تقدر بجاذبية 100 مجرة. النتيجة كما يقول فريتز هو لا بد من وجود مادة معتمة لا تبعث ضوءا. هى المسؤولة عن هذه الخاصية.

بعد عقود ثلاثة, يعتقد علماء الفلك والكونيات أن الكون ملئ بالمادة المعتمة هذه. هذه المادة لا ترى بالعين أو بالأجهزة, ويشعر بها فقط عن طريق ما تحدثه من جذب للنجوم والمجرات.

ما هى المادة المعتمة؟ لا أحد يدرى. كل ما يعرفه العلماء أنها ليست مثل المادة التى نراها حولنا. المادة المعتمة ليست عناصر مكونة من بروتونات ونيترونات وإلكترونات أو أى شئ آخر نعرفه. وبالرغم من أن العلماء لا يعرفون طبيعة هذه المادة المعتمة, إلا أنهم إستطاعوا تقدير كميتها بدقة متناهية. كمية المادة المعتمة تبلغ خمسة أضعاف المادة المعروفة لنا. ماذا نراه أمامنا بعيوننا وبالتليسكوبات الضوئية والإلكترونية وغيرها, لا يمثل كل شئ هناك.

عام 1998م يعتبر عام عظيم بالنسبة لعلماء الفلك. مجموعتان مستقلتان من علماء الكونيات, إكتشفت كل منهما على حدة أن الكون يتمدد وبسرعة متزايدة. كانت كل مجموعة على حدة تدرس حالات النجوم فى نهاية عمرها حيث تنفجر إنفجارا مروعا وتتحول إلى مستسعر أعظم(Super Nova) وتلقى بأحشائها فى الفضاء الخارجى.

هذا سوف يحدث لشمسنا ولكل النجوم التى فى حجم شمسنا أو أكبر. شمسنا فى آخر أيامها وعندما ينفذ الوقود داخلها, سوف تتحول إلى عملاق أحمر, يبتلع كوكب عطارد وكوكب الزهرة والأرض. ثم ينفجر إلى مستسعر أعظم ملقيا أشلائه ونحن منها فى الفضاء الخارجى. نهاية غير سعيدة لسكان أمنا الأرض.

النجوم بعد إنفجارها وتحولها إلى مستسعر أعظم, تصنف حسب التحليل الطيفى لضوئها. نوع من المستسعرات يحدث لنجوم ثنائية أحدها فى حجم الشمس. النجم الثنائى عبارة عن نجمين يدوران حول بعضهما فيما يشبه رقصة الباليه. عندما ينضب الوقود داخل أحد النجوم الثنائية, يبدأ فى سرقة الوقود من النجم المرافق له. يظل اللص ينتفخ ويكبر ويصبح مثل القطط السمان ويصل حجمه مرة ونصف حجم الشمس. هذا الحجم يسمى حد شاندراسيخار (عالم هندى). عندها تصل الحرارة داخل النجم اللص إلى درجة كبيرة كافية لإشعال إنفجار ذرى مروع. (يستاهل علشان يبطل يسرق)

ولأن الإنفجار يحدث عندما يصل النجم إلى حد شاندراسيخار, فإن هذه المستسعرات تتوهج بشدة, ولكن بنفس الدرجة. ممكن أن نراها من الأرض بالتليسكوبات العادية على مسافات معينة, وبإستخدام تليسكوب هوبل, يمكن رؤية مستسعرات على مسافات أكبر.

ما هى أهمية هذه المعلومات؟ أهميتها هى أنها تهدى العلماء طريقة أخرى لقياس بعد المجرات عنا أكثر دقة. إذا عرفنا أن كشاف السيارة قوته 100 واط, فيمكن بقياس شدة الضوء التى تصلنا من السيارة, معرفة بعدها عنا.

بإستخدام طريقة القياس هذه الرائعة, إكتشف الفريقان أن تمدد الكون بدأ يسرع فى الخمسة بليون سنة الآخيرة.

فى عام 2002م, زودت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا تليسكوب هوبل بكاميرا متقدمة وحولت التليسكوب لأداة للبحث عن المستسعرات العظمى فى الفضاء الخارجى. بإستخدام التليسكوب الجديد, أكد آدم ريس من وكالة ناسا أن الكون فى بدايتة كان يتمدد ببطء. ولكن منذ خمسة بليون سنة, توقف التمدد ببطء لبرهة ثم واصل التمدد بالسرعة الحالية.

كيف هذا؟ وماذا حدث؟ الكون المبنى على نظرية النسبية العامة يقول بأن المادة والطاقة والضغط فى هذا الكون تشكل جاذبية تبطئ من تمدد الكون. ولكن كيف نفسر إزدياد سرعة التمدد؟ وكيف نفسر تغير التمدد من معدل معقول إلى معدل سريع؟

هناك شئ يدفع المجرات ويبعدها عن بعضها. شئ من الطاقة يغذى هذا التمدد. هل يمكن للبالونة أن تتمدد بدون ما ننفخ فيها؟ فما هو هذا الشئ؟

تبين أن الإجابة الوحيدة التى تتوفر لنا الآن لهذا السؤال, تأتى من الثابت الكونى لأينشتين. سبحان الله, تانى الثابت الكونى. الثابت الكونى لأينشتين يملأ الكون بالجاذبية الدافعة, أو الجاذبية السالبة إن شئت. وهذا ما يجعل الكون يتمدد بسرعة.

الجاذبية الدافعة, تدفع لا تجذب. وهى ثابتة خلال الكون ولا تتأثر بالمسافات, مثل الجاذبية العادية. ولا تحتاج لوجود المادة أو الطاقة لكى يسرى مفعولها. الثابت الكونى يفعل مفعوله فى الفراغ الخالى.

درجة تمدد الكون تعتمد على معركة حامية الوطيس بين إثنين من العمالقة. قوى الجاذبية وقوى الجاذبية الدافعة أو المضادة. أحدهما تجذب والأخرى تفرق. واحدة تجمع وتلم, والثانية تبعثر وتفرق. وعندما يتمدد الكون وتبتعد المجرات عن بعضها, القوة الجاذبة تضعف (الجاذبية تقل مع المسافة). لكن القوة المضادة الدافعة ثابتة خلال الكون كله ومنذ بدايته. أيتهما سوف تنتصر على الأخرى؟ هذا يعتمد على قرب النجوم والمجرات من بعضها.

عندما بدأ الكون فى التكوين منذ 14 بليون سنة, كانت المجرات قريبة من بعضها عن ما هى عليه الآن. لهذا كانت قوى الجاذبية أكثر قوة وحدة من القوة الدافعة. لذلك إستطاعت قوة الجاذبية التغلب على القوة الدافعة وإبطاء التمدد.

لكن منذ خمسة بليون سنة تقريبا, أى قبل تكوين المجموعة الشمسية بقليل, كانت المجرات مبتعدة عن بعضها بعدا كافيا لكى يضعف من قوة الجاذبية ويجعلها تعادل القوة الدافعة. هنا ألغت كل قوة الأخرى وتوقف التمدد الذى لاحظه العلماء لفترة ما.

لكن حسب قوانين الحركة, سوف تظل المجرات تبتعد عن بعضها بسبب تأثير قوة السرعة (العزم) فقط لا غير, بمعزل عن قوى الجاذبية والجاذبية الدافعة. وبعد فترة, وبسبب تزايد بعد المجرات عن بعضها, تتغلب القوة الطاردة على قوة الجاذبية, وتطلق للمجرات العنان لكى تسبح فى هذا الملكوت فيما يشبه الإنفجار الكبير, مبتعدة كل منها عن الأخرى بالسرعة التى نراها الآن, وهى فى تزايد مستمر.

فى عام 1998م, أعلن الفريقان الفلكيان أن قراءاتهم تثبت أن أينشتين كان على حق, ولم يكن مخطئا عند إستخدامه الثابت الكونى فى معادلاته الخاصة بالنسبية العامة. الكون له ثابت كونى وقام ميشيل تيرنر رئيس أحد الفريقين بإقتراح تغيير إسم الثابت الكونى إلى "الطاقة المعتمة".

ماذا يعنى هذا حتى الآن؟ هذا يعنى أن المادة المرئية من الكون تبلغ 5% فقط من الموجود هناك. المادة المعتمة تمثل 25%. والباقى طاقة معتمة أو الثابت الكونى لأينشتين, تمثل 70% من الموجود فى هذا الكون. وأن الكون سوف يواصل تمدده إلى الأبد بسرعة تزايدية, كما أعلنت وكالة ناسا الأمريكية مؤخرا.

أخبار سيئة لعشاق الحياة. الكل سائر إلى البرودة والظلام والفناء لا محالة. سوف يختفى كل شئ. القمر والأرض والشمس والنجوم والمجرات. ولن يبقى لنا إلا العمل الطيب. وإلا كيف تموت ضحكة الطفل, وجمال الوردة وتغريد البلبل وأريج العطر وخرير الغدير؟ أليس كل ذلك يحتاج إلى تبرير؟

zakariael@att.net
 

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية