مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 رفاعة رافع الطهطاوى رائد من رواد عصر النهضة والفكرالليبرالى
...............................................................

بقلم: محمد زكريا توفيق
...........................


كان الإتصال بالغرب, فى العالم الإسلامى فى نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن العشرين, سريع ومتواصل. ففى عام 1833م, بعث إبراهيم باشا رسالة إلى السلطان محمود الثانى فى تركيا قال فيها: "إن محاولة النهضة لا تبدأ بتزويد الشعب بالملابس الضيقة والبنطلونات. وكان الأولى بالباب العالى أن يهتم بتنوير الأذهان أولا"

وفى عام 1860م, جاءت مجموعة من الأتراك تنادى بتطوير قوانين الإمبراطورية العثمانية. حتى تكون على النمط الأوروبى. وفى مصر, صعد إلى الحكم إسماعيل باشا, ابن إبراهيم باشا, ذو الثقافة الفرنسية. وفى نفس الوقت فى تونس, ظهرت مجموعة من المصلحين على رأسها خير الدين. وفى سوريا ولبنان, لعب المسيحيون الشوام دورا هاما فى نقل الثقافة الأوروبية إلى الشرق الأوسط عن طريق الترجمة والصحافة. فهم أول من أقام الصحافة الحديثة فى العالم العربى.

وبدأت تظهر دعوات للإصلاح تناقش موضوعات وتطرح أسئلة هامة مثل: هل دعاوى الإصلاح يجب أن تكون مقصورة على مبادئ الشريعة الإسلامية؟ أم من الضرورى الإستفادة من التجربة والثقافة الأوروبية؟ وهل هناك تعارض بين تعاليم الدين الحنيف وبين حضارة الغرب؟

هذه القضايا, حاول كتاب النهضة فى العالم الإسلامى الإجابة عليها. فمثلا, ظهر فى الدولة العثمانية فى ذلك الوقت كتاب مثل صادق رفعت باشا, وضياء باشا ونامق كمال. تنادرى بالإنفتاح على الغرب. مع الإحتفاظ بالقيم والتعاليم الإسلامية. وفى شئون الحكم, كانوا يطالبون بالديموقراطية, التى تأخذ بالنظام البرلمانى الحديث, كأسلوب متطور لنظام الشورى فى الإسلام.

وفى مصر, ظهرت مجموعة أخرى من الكتاب الليبراليين. أمثال رفاعة الطهطاوى(1801-1873م). تنادى بالإصلاح السياسى والتطوير, مع الإحتفاظ بالقيم والمبادئ الإسلامية. ولكن من هو رفاعة الطهطاوى هذا؟ وماهى أفكاره؟

ولد رفاعة رافع الطهطاوى فى نفس السنة التى غادر فيها الفرنسيون مصر سنة 1801م. من أسرة فقيرة. إلتحق بالأزهر عام 1817م, وكان تأثير الشيخ حسن العطار شيخ الأزهر عليه كبيرا. فقد كان الشيخ حسن العطار على إتصال بالعلماء الفرنسيين الذين حضروا مع نابليون أثناء الحملة الفرنسية.

وعندما طلب محمد على من الشيخ حسن العطار ترشيح إماما لكى يرافق البعثة التعليمية المصرية مدة إقامتها فى فرنسا, كان رفاعة الطهطاوى هو الإمام الذى إختاره الشيخ العطار. وبالرغم من أن الطهطاوى قد رافق البعثة كإمام وليس كطالب, إلا أن السنوات الخمسة التى قضاها فى باريس من عام 1826-1831م, كانت أهم خمس سنوات فى حياته. فقد إستطاع رغم خلفيته الأزهرية التقليدية أن يستوعب الفكر التنويرى الأوروبى عند إصطدامه به. وأن يتفاعل معه تفاعلا خلاقا يتماشى مع النهضة التنموية التحديثية التى كان يقودها محمد على.

قام بدراسة اللغة الفرنسية وأتقنها إتقانا تاما فى ثلاث سنوات. وكان يستعين بمدرس خصوصى على نفقته الخاصة. وقام بقراءة كتب التاريخ القديم والفلسفة اليونانية, وكتب فى الميثولوجيا والرياضيات والمنطق. وتراجم عن حياة نابليون وكتب متنوعة عن الشعر الفرنسى لشعراء مثل راستين, ورسائل اللورد شيسترفيلد, ومؤلفات فولتير وروسو وكوندياك ومنتسكيو. وكتب أخرى عن الهندسة وعلوم الحرب والمعادن والقانون.

ولقد تركت أفكار الثورة الفرنسية رواسب عميقة داخل نفسه بالرغم من تعليمه الأزهرى السابق. فقد كان يعتقد أن المجتمع الصالح, هو المجتمع المبنى على أسس العدالة. وأن الهدف من الحكومات, هو رعاية مصالح المحكومين. وأن الشعب لا بد له من المشاركة فى الحكم. لذلك يجب إعداد أفراد الشعب لهذا الغرض.

وكان يرى أن القانون يجب أن يكون ديناميكى. يتغير تبعا للظروف. وأن الحكام الصالحين فى وقت ما, ليسوا بالضرورة صالحين فى كل وقت. وأن حب الوطن هو أساس كل الأخلاق السياسية. وأثناء إقامته فى باريس, قام الطهطاوى بالإتصال بعلماء الحملة الفرنسية المستشرقين. وكانت حضارة مصر القديمة قد ملكت عليه كل وجدانه. وكان هذا يدل على فهم الطهطاوى الصحيح والمبكر لقضية الأصالة والمعاصرة. ووعيه العميق لمعنى الكلمات التى خاطب بها أحد علماء الحملة الفرنسية (جومار), طلاب البعثة المصرية فى حفل أقيم عام 1828م لتوزيع الجوائز على الناجحين حيث يقول:
"إنكم منتدبون لتجديد وطنكم الذى سوف يكون سببا فى تمدين الشرق بأسره...أمامكم مناهل العرفان فاغترفوا منها بكلتا يديكم..."

وعندما عاد الطهطاوى إلى مصر, نشر ملاحظاته عن المجتمع الفرنسى فى كتاب تخليص الإبريز فى تلخيص باريز. الذى ترجم إلى اللغة التركية وعدة لغات أخرى. وبه ملاحظات الطهطاوى عن الشعب الفرنسى. فهم محبون للنظافة وتعليم الأولاد. ومحبون للعمل, ولا يميلون إلى الكسل. وبهم شغف للمعرفة والإستطلاع. وفى علاقاتهم العامة, يثقون فى بعضهم البعض. ونادرا ما يخدع أحدهم الآخر.

يحتل كتابه تخليص الإبريز أهمية خاصة بين تلك المؤلفات. فهو بحق أول نافذة أطل منها العقل العربى على الحضارة الغربية الحديثة. ويعتبر أشهر كتب الرحلات العربية فى العصر الحديث. والبيان الفكرى الأول للبرجوازية المصرية الناشئة. وأول كتاب عربى يعرف الفكر الليبرالى من ناحيته النظرية والتطبيقية. إلى جانب عرضه لنظم الحكم الدستورية الأوروبية. أهم ما فى الكتاب, الفصول التى تتعرض لوثيقة إعلان حقوق الإنسان التى جسدتها الثورة الفرنسية بتأثير من فلاسفة عصر التنوير. وترجمته للدستور الفرنسى, دستور عام 1814م.

ثم عمل الطهطاوى فى الترجمة فى المدارس الحديثة التى أنشأها محمد على. وفى عام 1836م, عمل فى مدرسة الألسن, ثم رئيسا لتحرير جريدة الوقائع المصرية. وقام فى هذه الفترة بترجمة ما يقرب من العشرين كتابا فى الجغرافيا والتاريخ والعلوم العسكرية. وأشرف على ترجمة المئات من الكتب الأخرى إلى اللغة العربية والتركية. منها كتب فى التاريخ القديم, وتاريخ العصور الوسطى. وتاريخ ملوك فرنسا, وحياة فولتير وبيتر الكبير, وحياة تشارلز الثانى عشر والإمبراطور شارل الخامس وبطرس الأكبر والإسكنر المقدونى وغيرها.

وقد كانت تراجمه لمشاهير وعظماء العالم بطلب من محمد على. نظرا لإهتمامات محمد على الشخصية بحياة العظماء. لأنه كان يحاول تقليدهم والإستفادة من سيرهم. لكن أعمال فولتير وجان جاك روسو ومونتسكيو (ابن خلدون الغرب), كانت من إختيار الطهطاوى نفسه.

عندما توفى محمد على وخلفه عباس الأول عام 1850م. إستهل حكمه بتصفية معظم المدارس والمؤسسات التحديثية التى أنشأها جده محمد على. ومن بينها مدرسة الألسن. وأغلق المصانع وشرد عمالها. وأوقف العمل فى بناء القناطر الخيرية. وهدم ما كان قد أنجز منها. وقلص الجيش إلى درجة كبيرة, وحوله إلى حرس شخصى له. ونهب الفلاحين. وأكد ولاءه وتبعيته للسلطان التركى, ومناصرته للأنظمة التركية القديمة. وجاهر بإحتقار الثقافة الغربية وأتباعها. وشرد دعاة التحديث وعلى رأسهم الطهطاوى الذى أبعد إلى السودان. لكى يعمل مديرا لمدرسة إبتدائية بسيطة عام 1850م, لمدة أربع سنوات. فحل الجهل والتخلف فى البلاد من جديد. وقويت شوكة الإقطاع والعناصر الغير مصرية.

لكن بمجئ سعيد باشا إلى الحكم عام 1854م, عاد الطهطاوى إلى القاهرة ليواصل عمله السابق كرئيس لمدرسة الألسن. والمشرف على أعمال الترجمة. وفى عهد إسماعيل باشا, إزداد نفوذ الطهطاوى, وإشترك فى وضع السياسة التعليمية للدولة المصرية. وشجع طبع الأعمال الأدبية العربية العريقة, مثل أعمال ابن خلدون فى المطبعة الأميرية ببولاق.

فى السنوات الأخيرة قبل وفاته, نشر عدة مقالات فى إصدارات وزارة المعارف. وألف كتابا عن تاريخ مصر وعن التعليم. مثل كتاب المرشد الأمين للبنات والبنين. وكتاب مناهج الألباب المصرية فى مباهج الآداب العصرية. وكتابه الأخير يوضح الإتجاه الليبرالى الذى رسمه الطهطاوى للمجتمع المصرى. وكيف كان المجتمع المصرى فى الماضى. وكيف فقد طريقه. وكيف يعود إليه. ويوضح نظرية الطهطاوى فى التعليم المصرى. التى أتبعت فى عهد إسماعيل باشا والحكام الذين أتو بعده.

لم تخرج نظرية الطهطاوى فى التعليم عن التعاليم الإسلامية. فقد كانت السنة وأحاديث الصحابة فى أمثلته وكتاباته. لكنه أعطى السنة وسير الصحابة بعدا ومفهوما جديدين. لأن الحكومات الإسلامية فى ذلك الوقت, كانت حكومات أوتوقراطية. من الصعب تغييرها إلى حكومات ديموقراطية ليبرالية على النمط الأوروبى دفعة واحدة.

لذلك كان ينادى بالإصلاح التدريجى فى نظام الحكم. فالحاكم يجب أن تكون سلطاته مقيدة بالقوانين. والحكومة يجب أن تكون مسؤولة أمام ممثلى الشعب. أما بالنسبة للشريعة, فهو أول من أشار إلى فتح باب الإجتهاد. وكان من رأيه أنه لا تعارض بين الشريعة والقوانين الوضعية. أى أن الشريعة يمكن أن تفسر فى ضوء الحاجات والمتغيرات الحديثة. مما يضمن للمجتمع ديناميكيته, لإيجاد الحلول لمشاكله أولا بأول.

إذا أراد رجال الدين تفسير الشريعة فى ضوء إحتياجات العصر, فعليهم أن يكونوا على دراية وفهم عميق بإحتياجات العصر. فالطبيب يجب أن يفهم الداء قبل أن يصف الدواء. فقد كان الطهطاوى يرى أن الفلسفة والعلوم الحديثة, كانت موجودة فى العالم الإسلامى إلى وقت قريب. لكنها ذبلت فى عصره. نظرا لإتباع رجال الأزهر سياسة عدم قبول العلوم الحديثة اللازمة للنهوض بالدول. مثل علوم الإجتماع ونظم الحكم والإقتصاد. فالأطباء والمهندسين والإقتصاديين, يجب أن يكون لهم الإحترام الذى يحظى به رجال الدين.

العامة يجب تدريبهم على فهم حقوقهم السياسية. والحكام يجب أن تخاف الرعية. وأن تكون العلاقة بين الحاكم والمحكوم, هى علاقة بين الحقوق والواجبات. الثروة القومية وصلاح الأمة يعتمدان على أخلاقها. وطالما كانت الأخلاق قوية, كانت الأمة عظيمة. والطريق إلى الأخلاق هو التعليم. فالتعليم يجب أن يكون متصلا بمشاكل الوطن. والتعليم الإبتدائى, يجب أن يكون إلزاميا للجميع.

التعليم الثانوى يجب أن يكون رفيع المستوى. المرأة يجب أن تتعلم مثل الرجل. وهو بذلك يكون أول من نادى بتعليم المرأة ومساواتها بالرجل قبل قاسم أمين بعدة عقود. تعليم المرأة ضرورى لثلاثة أسباب: الأول, هو التوافق فى الزواج وتربية الأولاد تربية جيدة. والثانى, لإعدادها للعمل فى الأعمال المناسبة لها إذا دعت الحاجة لذلك. والسبب الثالث, لحمايتها من الحياة الخاوية التى تحياها المرأة الجاهلة وسط باقى النساء الجاهلات.

ويواصل الطهطاوى آرائه فى التعليم فيقول أن التعليم يجب أن يهدف إلى تكوين الشخصية الصالحة عند الفرد. وليس مجرد تجميع معلومات. لذلك يجب أن تهتم المدارس بالرياضة البدنية. ويجب أن تراعى النواحى الصحية فى عدد التلاميذ فى الفصل الواحد. والإشراف الطبى والنظافة وخلافه. كما يجب أن تنمى المدرسة المثل والأخلاق الكريمة فى نفوس الطلبة وتشجع الصداقة المخلصة والشجاعة وحرية إبداء الرأى والعفو عند المقدرة وإحترام الوالدين وكبار السن وما شابه ذلك من قيم نبيلة. وأهم من كل ذلك, الإهتمام بغرس حب الوطن فى نفوس التلاميذ.

حب الوطن هو الدافع الرئيسى لبناء المجتمعات المتحضرة. ونلاحظ أن الطهطاوى فى كتبه, كرر ذكر حب الوطن مرارا وتكرارا. كأنه أراد أن ينبه جيله والأجيال القادمة بأهمية حب الوطن فى بناء المجتمعات الحديثة. وهذا ما رآه فى فرنسا أثناء إقامته فى البعثة التعليمية. فواجبات الفرد نحو وطنه عديدة. منها: الوحدة الوطنية, والإمتثال للقانون, والتضحية بكل ما هو رخيص وغال فى سبيله.

وطنية رفاعة كانت مصرية علمانية صحيحة. لا إسلامية أو عربية. تشمل قدماء المصريين, وأبناء مصر غير المسلمين. وكانت وطنيته تعتبر تقدما وتطورا وحضارة. ترتبط بنظام سياسى علمانى يحفظ الحياة ويصون العدالة والمساواة بين جميع المواطنين. وينمى الإقتصاد ويطور المؤسسات العلمية وفى مقدمتها الجامع الأزهر. لتساهم جميعا فى نشر ثقافة عقلانية تؤدى إلى إزدهار مصر وعظمتها التى كانت لها يوما فى قديم الزمان.

أما حقوق الفرد فهى الحرية. حرية الرأى, وحرية التعبير, وحرية إختيار الحاكم, وحرية إختيار من يمثلونه فى المجالس النيابية. فالحرية فقط هى التى تخلق الوطنية. ونلاحظ هنا أن ابن خلدون كان يرى أيضا أن الوطنية, وكان يسميها العصبية, هى أساس وحدة وقوة المجتمعات. إلا أن ابن خلدون كان يرى العصبية تعتمد على صلة الرحم والدم, بينما الوطنية التى ينادى بها الطهطاوى, تعتمد على صلة المكان والأرض. ففى كتاب المناهج يقول الطهطاوى: "إن كل ما يربط المؤمن بأخيه المؤمن فى العقيدة, يربط أيضا المصرى بأخيه المصرى فى الوطن. لأن رباط الوطن يأتى قبل رباط الدين. فهناك إلتزام خلقى لكل من يشارك فى نفس الوطن. لكى يعمل على رفعة ومجد هذا الوطن"

لكن ما هى هذه الوطنية التى ينادى بها الطهطاوى؟ ينادى الطهطاوى بالوطنية المصرية التى تشمل كل من يعيش على تراب مصر. مصر بالنسبة له شئ مختلف. يبدأ تاريخها المتصل منذ عصر الفراعنة إلى العصر الحديث. وقد كتب شعرا أثاء إقامته فى باريس يمدح فيه الفراعنة. ولم تكن مصر القديمة مجرد موضوع للفخر والتباهى. لكنها بالنسبة له, كانت جذور عميقة للحضارة والخلق والإزدهار الإجتماعى والإقتصادى. وإذا كان القدماء فى مقدورهم أن يقيموا هذه الحضارة العظيمة بالإعتماد على أنفسهم, فإن مصر الحديثة تستطيع ذلك. لأن الشعب المصرى لم تتغير خصائصه منذ زمن الفراعنة. وسبب تأخر مصر حديثا, يرجع إلى حكم المماليك والأتراك. وهو بذلك يؤيد ما قاله نابليون بونابرت للمصريين أثناء الحملة الفرنسية.

لم يكن الغرب بالنسبة للطهطاوى هو مجموعة من الدول الإستعمارية التى يجب مقاطعتها ومحاربتها وحماية أنفسنا من حضارتها, كما يحمى السليم نفسه من الأمراض المعدية. لكن الغرب كان بالنسبة له هو العلوم الحديثة والثقافة والفكر والأدب والسياسة والإقتصاد الحديث والأسلوب العلمى فى حل المشاكل. ومصر لا بد أن تأخذ بالعلوم الحديثة. لأن العلوم الحديثة التى تنتشر فى أوروبا اليوم, هى علوم كانت فى الأصل إسلامية. وإذا أخذ المسلمون بعلوم الغرب اليوم, فهم يستردون ما كان لهم فى يوم من الأيام. والطريق الوحيد للإستفادة بعلوم الغرب, هو طريق الإحتكاك المباشر. أى طريق البعثات والتجارة والصناعة. وهنا يقول:
"مخالطة الأغراب, لاسيما إذا كانوا من أولى الألباب. تجلب للأوطان من المنافع العمومية, العجب العجاب"


لكن الطهطاوى يحذرنا من التقليد الأعمى بدون وعى, وإغفالنا لقيمنا وتقاليدنا النبيلة المتوارثة. لأن الحضارة الغربية قد تضع الجانب الأخلاقى فى مرتبة أدنى من الجانب المادى. فمثلا الدستور الفرنسى ينص على مبادئ أساسية للعدالة, لكن هذه المبادئ لا ترقى إلى مبادئ الأخلاق السماوية التى تحض على الإحسان بالوالدين والعطف على الفقير ومساعدة الصغير وإحترام الكبير. وهذا يذكرنا بالقضية التى نشرتها جريدة الديلى نيوز التى تصدر فى نيويورك منذ عدة سنوات. حيث رفع الإبن الأمريكى دعوة لطرد والده ووالدته لعدم سدادهما إيجار الشقة التى يستأجرانها من الإبن. فأمر القاضى بطرد الوالدين من الشقة. وقال فى حيثيات الحكم أنه ينفذ نص القانون, والقانون لا يفهم معنى الرحمة.

لكن تحذير الطهطاوى من بعض جوانب الحضارة الغربية, لا يعنى من قريب أو بعيد الرفض الكامل لها. لأن الإنفتاح عل الغرب وتعلم لغاته وحضارته, لا يشكل الخطر الذى يتخوف منه رجال الدين وبعض مفكرى الشرق. وقد تبنى هذه الأفكار فيما بعد, رجال مثل جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده وأحمد لطفى السيد وطه حسين. إذ كانوا ينادون بالإنفتاح الحضارى على الغرب بفهم ووعى. دون خوف على تقاليدنا وديننا. لأن الخطر الحقيقى الذى يواجهه العالم الإسلامى اليوم, هو خطر عدم الإنفتاح على الغرب.


zakariael@att.net
 

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية