مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 الإنفتاح على الغرب وبداية سقوط الخلافة العثمانية
...............................................................

بقلم : محمد زكريا توفيق
............................


مع إتساع رقعة الدولة الإسلامية, تأثر الفكر الإسلامى بالفلسفة اليونانية. وبدأ منصب الحاكم يفسر فى ضوء جمهورية أفلاطون وكتاب الأخلاق لأرسطو. أفضل الدول هى من يحكمها أفضل الرجال. . وأفضل الرجال, هو أحسنهم خلقا وحكمة.

لكن الفارابى(870-950م), يذكرنا بأن المدينة الفاضلة الإسلامية, تختلف عن جمهورية أفلاطون. الدولة الإسلامية, تحكمها الشريعة. وهى مستمدة من القوانين الإلهية. لكن جمهورية أفلاطون, تحكمها القوانين الوضعية. فالرسول ملهم من الله, بينما الفيلسوف, علمه مكتسب.

يرث العثمانيون الخلافة والسلطنة. ويصبح السلطان هو الخليفة. تنصيبه وعزله ليس عن طريق حماة القانون, كما هو الحال فى جمهورية أفلاطون. أو عن طريق البيعة ومجلس الشورى كما يجب أن يكون عليه النظام الإسلامى. لكن, كان التنصيب والعزل يتم عن طريق المؤسسة العسكرية التى يحكمها التعصب العائلى والعرقى.

بسبب حروب الدولة العثمانية ضد أوروبا المسيحية, استطاعت أن توحد العالم الإسلامى خلفها إلى حين. لكن مع مرور الزمن, أعقب سلاطين الدولة العثمانية الأقوياء, سلاطين ضعفاء. وبسبب ضعف الإدارة واكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح, بالإضافة إلى اكتشاف أمريكا, وتحول التجارة بعيدا عن أقطار الدولة العثمانية. لذلك ساءت حالة الدولة العثمانية الإقتصادية. فلجأت إلى زيادة الضرائب على المسلمين. وانتشر الظلم والإرهاب. وبدأت طبقة العسكر (الجندرمة), تعيث فى الأرض فسادا, وتنشق عن الحكومة. وبدأ الموالى والبدو, يقطعون طرق التجارة والحج على قوافل المسلمين. كل ذلك, وحكام الدولة العثمانية تقف عاجزة لا تستطيع أن تفعل شيئا.

فى القرن الثامن عشر, ظهرت على أرض الجزيرة العربية حركة إصلاح بقيادة محمد عبد الوهاب(1703-1787م). تستمد أفكارها من الإمام ابن حنبل. الإسلام كما يقول ابن عبد الوهاب, ليس مجرد ترديد لكلمات جوفاء, وتخويف من النار وتحذير من يوم القيامة وترغيب فى الجنة. لكن الإسلام هو رفض لكل الآلهة إلا الله. الشرك هو كبرى الكبائر, سواء كان هذا المعبود ملك أو رئيس جمهورية أو نبى أو صحابى أو ولى أو شجرة أو قبر. عبادة الأشخاص مثل عبادة الأصنام. الإسلام الحقيقى, هو إسلام الصحابة والسلف الصالح. وقد كان ابن عبد الوهاب ضد الصوفية. وضد العادات التى كانت تمارس فى الجاهلية.

قام ابن عبد الوهاب بإنشاء دولة إسلامية, يستطيع فيها المسلمون ممارسة الشريعة كما يراها ابن عبد الوهاب. فهى دولة أسلامية قبل أن تكون عربية. يستطيع أى مسلم الإنتماء إليها. تنقى الإسلام من شوائبه, وتطبق الشريعة الحقة كما يراها. وتتغلب على العصبية والقبلية. وإذا بالواهابيين, تشتد شوكتهم, ويستفحل خطرهم. إلا أن نجدهم يسيطرون على نجد والحجاز وباقى شبه الجزيرة العربية, ومنطقة الخليج وكربلاء على حدود العراق. ثم قاموا بتهديد دمشق.

فى ذلك الوقت, كانت تدور فى أوروبا أحداث أشد خطرا على الإمبراطورية العثمانية من خطر ظهور الوهابيين. الثورة العلمية والتقدم الصناعى والإقتصادى والعسكرى. فبعد أن كان العثمانيون أسيادا لأوروبا فى القرن السادس عشر, لتفوقهم العسكرى ولقوتهم الإقتصادية. وبعد أن كانوا يحاربون الأوربيين الند بالند فى القرن السابع عشر, نجدهم فى القرن الثامن عشر, لم يستطيعوا المساهمة فى الإكتشافات الحديثة ولم يساهموا فى فنون العلوم العسكرية. ولم يقدروا على مجارات قوة الجيوش الأوروبية. فمثلا فى حرب (1768-1774م), قام الروس بإنزال قواتهم فى اليونان. وقام جيشهم بالزحف على البلقان والقوقاز. وفى نهاية الحرب, إضطر السلطان العثمانى للتنازل لروسيا عن إقليم "كريما" الآهل بالسكان المسلمين. وكان الأسطولان الفرنسى والإنجليزى يعبران بحرية خلال البحر المتوسط, الذى كان فى يوم من الأيام مياة عثمانية. وبدأت الدول الأوروبية تعلن حمايتها للأقليات والإرساليات المسيحية, داخل الدولة العثمانية المترهلة. مثل الأقلية المارونية فى لبنان وغيرها.

عند ذلك, بدأ الأتراك يشعرون بإنحدار الدولة العثمانية وضعفها. وأدركوا أنه لكى يستطيعوا درء الخطر الجديد, كان لازاما عليهم أن ينفتحوا على الغربيين. يأخذون منهم سر قوتهم. ففى عام 1770م, افتتحت مدرسة العلوم الرياضية لضباط البحرية العثمانية. وكانت كتبها مترجمة عن كتب أوروبية إلى اللغة التركية. وهى تعتبر أول نافذة فى العالم الإسلامى على العلوم الغربية الحديثة.

فى عام 1789م, جاء إلى البلاد السلطان سليم الثالث, وهو عاقد العزم والنية على الإصلاح. فاستعان بالقواد الفرنسيين لتدريب الجيش التركى. وأمر بترجمة كتب أوروبية عن الملاحة والجغرافيا والتاريخ, إلى اللغة التركية. وعندما طلب السلطان سليم الثالث من كبار رجال الدولة تقديم اقتراحاتهم له. أجمع الكل على أن الجيش التركى, يجب إعادة تسليحه وتدريبه على أيدى أوروبية. بشرط أن لا يمس ذلك الشريعة أو شعور رجال الدين.

ظل سليم الثالث لمدة 20 عاما, يحاول خلق جيش تركى حديث. بالإستعانة بالأوروبيين. لكن ثقته الزائدة بالأوروبيين, لم ترض رجال الدين . فقاموا بالتحالف مع عساكر الجندرمة بالعمل على خلعه. ثم أصدر مفتى الدولة العثمانية فتوى بخلع السلطان سليم الثالث, تتهمه فيها بأنه وحكومته, قد أدخلا على المسلمين أساليب الكفار. وتتهمه أيضا بأنه قد عقد العزم على التخلص من العساكر الجندرمة.

عندما انتصر أتباع السلطان المخلوع على الجندرمة, وعلموا بمقتل سليم الثالث, قام هؤلاء الأنصار, بقتل السلطان الجديد مصطفى الرابع قبل أن يمضى عليه فى السلطنة أكثر من بضع شهور. وهكذا وجد محمود الثانى نفسه سلطانا على الإمبراطورية العثمانية فجأة.

السلطان محمود الثانى كان يشارك السلطان السابق سليم الثالث فى أفكاره. لكنه تعلم الدرس. وأيقن أن التغيير لا بد أن يكون بالتدريج. فاستمر فى سياسة الإنفتاح التدريجى على أوروبا. وظهرت نتيجة لذلك فى الفترة من 1820-1840م, مجموعة من العلماء والمفكرين والأدباء والسياسيين الأتراك. الذين جمعوا بين الدين الإسلامى والثقافة الأوروبية. منهم أحمد وفيق باشا, الذى صار فيما بعد الوزير الأعظم (رئيس الوزراء). والذى كانت له علاقة حميمة بالسفير البريطانى سير هنرى لايار. والذى قال عنه السفير, أنه كان واسع المعرفة والثقافة. فقد كان يقرأ أفضل الأعمال الأدبية والفلسفية لكتاب مثل: جيبون وروبرتس وهيوم وآدم سمث وشكسبير وتشارلز ديكينز.

ثم ظهر أيضا مصطفى رشيد باشا, الدبلوماسى البارع ذو الثقافة الأوروبية. الذى ساهم فى تحويل تركيا إلى دولة حديثة تحكمها القوانين. ثم قامت الثورة اليونانية ضد الحكم التركى فى عام 1821م. تطالب بالإستقلال عن تركيا المسلمة. وإحياء الحضارة الهيلينية. وعندما عجزت تركيا عن إخماد الثورة, طلبت تركيا المساعدة من محمد على والى مصر. لكن أوروبا تدخلت وحطمت أسطول محمد على, مما اضطر تركيا للإعتراف بإستقلال اليونان. عند ذلك علم العثمانيون أن الإمبراطورية العثمانية فى سبيلها للإنهيار, إذا هم لم يبادروا بالإصلاح السريع.

قام السلطان محمود الثانى بالقضاء على العسكر الجندرمة, بمساعدة قوات من ألبانيا والبوسنة. ولم يقم بالدفاع عنهم أحد, ولا حتى رجال الدين الذين تحالفوا معهم من قبل. ربما كان ذلك بسبب سوء سمعتهم, وفشلهم فى إخماد الثورة اليونانية.

بعد ذلك قامت تركيا بتكوين جيش حديث بمساعدة الفرنسيين والبروسيين. وبمساعدة الجيش الحديث, تم القضاء على لوردات الوادى فى هضبة الأناضول, وأمراء كردستان, والمماليك فى بغداد. وفتحت مدارس حديثة لتخريج الضباط والأطباء والمهندسين. وأرسلت البعثات إلى أوروبا. وظهرت جريدة تركية رسمية لأول مرة. وصدرت أوامر بإصلاح الأوقاف وإعادة تنظيم الإدارات والدواوين الحكومية. وصدر الدستور التركى لأول مرة عام 1876م.

هذا يوضح كيف بدأ الأتراك فى إكتشاف وضعهم المزرى وتخلفهم الشديد بالنسبة لدول غرب أوروبا. وتيقنهم أن العلاج لا يكون إلا بفتح النوافذ, والإحتكاك المباشر بالغرب. هذا الإنفتاح , وتلك الأحداث التى مرت بها تركيا, ومصر تقريبا فى نفس الوقت, كان لها صداها الخطير فى العالم العربى والعالم الإسلامى فيما بعد.

zakariael@att.net
 

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية