جورج دبليو بوش كلمة واجبة قبل الرحيل
...............................................................
بقلم : محمد زكريا توفيق
.............................
بالطبع لا يمكننا أن ندع فترة الثمان سنوات الكئيبة من حكم بوش تمر دون أن نعرف من هو هذا الرجل, وما فعله بشعوبنا. فقد رمانا به القدر فى ليلة ظلماء غاب فيها القمر, وتخلت عنا خلالها رحمة المولى. وكان من حظنا العاثر أن جاء بوجهه الكئيب, المنقوش فوق شواهد الموتى وسكان القبور.
خرَّب ديارنا ودمر بلادنا, وقتل من شعوبنا بدم بارد مئات الأولوف من الأرواح البريئة الطاهرة دون ذنب أو جريرة. وهو جالس الآن بجوار المدفأة يداعب كلبه ويحتسى قهوته. راض تمام الرضا عما فعل. دون أى شعور بالندم أو إحساس بتأنيب ضمير. بعد أن ترك فى كل قلب غصة, وعلى كل خد دمعة. أرامل خسرت عائلها الوحيد. وأطفال حرمت حنان آبائها وأمهاتها إلى الأبد. وكهول فقدت أسرها بأكملها, وأمهات جف دمعها بكاء على أحبابها. وشباب مثل الورد حرموا حقهم فى الحياة, لا يعلمون بأى ذنب قتلوا. لكنها إرادت الله ولا راد لقضائه. فمن هو بوش هذا؟
هو رجل كاذب. وهذه هى بعض الشواهد التى تدل على ذلك :
فى جريدة النيويورك تايمز, كتب بول كروجمان:
"الذرائع الكاذبة لحرب العراق, مهدت الطريق لحرب غير ضرورية"
فى البرنامج التليفزيونى الأمريكى لدافيد لترمان, قال آل فرانكن:
"كذب بوش علينا لكى يأخذنا إلى الحرب"
أدان السناتور الأمريكى تيد كندى الحرب فى العراق وقال:
"تشويه بوش للحقائق, خدع الشعب الأمريكى والكنجرس وجعله يوافق على الحرب"
كتب محرر النيويورك تايمز فى 17 يونية 2004م, تعليقا جاء فيه ما يلى:
"إدارة بوش أقنعت غالبية الأمريكيين قبل الحرب, أن صدام حسين له علاقة بحادث البرجين. وحاول بوش تسويق علاقة العراق بالقاعدة إلى الأمريكيين"
فى 15 نوفمبر 2005م, كتب محرر النيويورك تايمز ما يلى:
"الرئيس بوش ومستشاروه لم يسمحوا للشعب الأمريكى ولا حتى أعضاء الكنجرس, بالحصول على معلومات ضرورية للحكم على الأمور بأنفسهم. ومن الواضح أن إدارة بوش قد خدعت الشعب الأمريكى بالنسبة لقضية أسلحة الرئيس صدام حسين وعلاقته بالإرهابيين"
فى بداية شهر ديسمبر 2005م, أظهر إستطلاع للرأى أجرته جريدة النيويورك تايمز بالإشتراك مع محطة (CBS) على مستوى كل الولايات المتحدة, تبين منه أن الشعب الأمريكى يعتقد أن:
"بوش قد ضلل الشعب الأمريكى لكى يروج للحرب فى العراق"
أنه رجل دموى صادى, وهذه بعض البراهين والدلائل:
عندما كان بوش محافظا لولاية تكساس, صارت ولايته من أعلى الولايات الأمريكية التى نفذت فيها عقوبة الإعدام فى التاريخ الحديث. فقد صدق على إرسال 152 متهما إلى غرف الإعدام. وكان فى إستطاعته تخفيق الحكم إلى السجن مدى الحياة, على كلهم أو بعضهم, لكنه لم يرحم أحدا منهم.
كان يسخر ويضحك من إمرأة محكوما عليها بالإعدام, حينما قدمت له إلتماسا تطلب فيه الرأفة بتخفيف الحكم إلى السجن المؤبد وإبقائها على قيد الحياة. وكان يقلدها بتهكم وسخرية فى حديث مع الصحفى توكر كارلسون قائلا وهو يتمايل برأسه:
"من فضلك ألا تقتلنى. من فضلك ألا تقتلنى..." ها ها!!
ظهرت على وجهه إبتسامة عريضة أثناء مناظرته للمرشح الديموقراطى الجور, عندما علم أن ولايته (تكساس) على وشك إعدام ثلاثة متهمين.
رفض أن يستبدل الحكم بالإعدام, بالسجن مدى الحياة لشاب صغير السن مريض عقليا!!!!
لكن من هو هذا الرجل الدموى, وما هى العوامل والظروف التى كونت شخصيته القميئة هذه؟
عندما إقترب جورج دبليو بوش من عامه الأربعين عام 1986م, لم يكن قد أنجز شيئا ذات قيمة فى حياته. فكان يعيش فى جلباب أبيه. (لن أعيش فى جلباب أبى. قصة كاتبنا العظيم إحسان عبد القدوس). ولم يحقق بوش فى حياته أى نجاح بدون مساعدة والده. لذلك كان يحس بالدونية والتفاهة إلى الدرجة التى جعلت حياته فاترة كئيبة لا تستحق أن تعاش. وهذه هى مشكلة معظم الرجال الناجحين. فأولادهم تعانى من الشعور بالتفاهة وعدم الثقة بالنفس. (باب النجار مخلع)
أخذ بوش الإبن صديقا له للطيران بطائرة صغيرة خاصة. وقد تبين أنه لم يسبق له قيادة طائرات مثلها من قبل. طبعا, شعر رأس الصديق إبيض من الخوف, وربما يكون فقد القدرة على الخلف, من هول مارآه. فالطائرة كانت ترتفع قليلا فى الهواء لكى ترتضم بالأرض. ثم ترتفع لترتضم ثانية. وبعد عدة مرات, كادت الطائرة تتهشم من قوة إصدامها بالأرض. وصاحبنا كله إصرار على الطيران الذى لا يعرف أصوله.
بعد هذا الحادث بمدة قصيرة, وبعد النظر فى المرآة لوجهه الكئيب المنقوش فوق شواهد الموتى وسكان القبور, سجد على ركبتيه, طالبا من الرب المساعدة. وعندما لم يستجب الرب, إتجه للإدمان. وظل مدمنا إلى أن إستدعى والده أحد رجال الكنيسة لكى يقوم بهداية إبنه المدمن.
أصبح بوش الإبن بعد الإدمان, أصولى مسيحى يؤمن بأن الإنجيل هو كلمات الرب, وكان يؤمن بالتفسير الحرفى للإنجيل.
إستخدم سيجمان فرويد ثلاثة عناصر فى التحليل النفسى هى "الأنا" و "الأنا الأعظم" و"الهى" (ID). عنصر "الهى" للتعبير عن الدوافع الشهوانية والرغبات الجامحة والخلجات المتمردة للشخصية الإنسانية. "الهى" عند جورج دبليو بوش فى صباه, كان مسيطرا ومدمرا لشخصيته. كما يقول أوليفر جيمس فى كتابه شخصية بوش. لكن فى منتصف عمره, بدا أن "الهى" عنده كان قد أسر وصفد بالأغلال ثم سجن. أحد سجناء "الهى" عنده كان والده جورج بوش الأب.
الوالد بوش الأب, كان له تأثيرا ونفوذا على إبنه طيلة حياته. وكان يرى صورة والده على جدران مدرسته الثانوية كأحد أبطال الرياضة بالمدرسة سابقا. وفى دراسته الجامعية, كان نفوذ والده كبيرا, وجده كان أحد أمناء الجامعة, وهذا يفسر تخرجه بدرجة "C" بالعافية, بالرغم من إمكاناته المتواضعة.
ولقد لخص أخوه الأصغر جيب بوش, المشكلة فى الآتى:
"أبناء الرجال الناجحين مثلنا, لديهم إحساس وشعور بأنهم فاشلين"
وجود آباء ناجحة فى مناصب كبيرة خطيرة مثل بوش الأب, غالبا ما تسبب للأبناء شعورا مختلطا. فنجد الإبن بوش يصبوا إلى تقليد والده, من ناحية. ومن ناحية أخرى, يشعر بإشمئزاز نحو الأب الذى سبب نجاحه الباهر, إحساسا بالفشل والدونية للإبن. لذلك نجد التمرد اللاإرادى كان يعاوده ويدفعه لعمل أى شئ بعيدا عن نفوذ الوالد ومخالفا له. وربما يفسر هذا سبب, عدم إتباعه سياسة والده عندما صار رئيسا للولايات المتحدة.
لكى يكون مختلفا عن والده, إستخدم التمرد كأسلوب وهدف فى الدراسة الجامعية. وكان يكن العداء والكره لكل الأذكياء والشخصيات المرموقة التى تشبه والده. وفى أحد حفلات الكوكتيل, إقترب بوش الإبن من سيدة جليلة كبيرة فى السن وسألها بسخرية: "كيف تكون ممارسة الجنس بعد الخمسين"
عندما كان عمره 25 عاما, ذهب بوش الإبن مخمورا إلى والده, بعد حادث تحطم سيارته قائلا بسخرية: "علمت أنك تبحث عنى. فهل تريد منازلة الآن"
بعد ذلك, بدأ يتحول غضبه من والده إلى عدم رضا وكره لنفسه. تمثل فى شعور بالكآبة وإدمان للخمور. لكن لم يكن والده هو كل المشكلة. بل كانت أمه بشعورها المتبلد وشخصيتها المسيطرة, هى أيضا لها دخل فى تشكيل نفسيته المعقدة.
وصفت باربرا بوش الأم, بأنها إمرأة ذات نظرات حادة مدمرة ولسان لاذع. قاسية إلى أبعد الحدود. فبعد أن قامت بدفن إبنتها الصغيرة التى ماتت بلوكيميا الدم عن عمر ثلاث سنوات, أخذت زوجها بوش الأب للعب الجولف وكأن شيئا لم يكن. وكانت هى الآمر الناهى فى المنزل. وقال الإبن جيب عن أمه:
"سلطتها مثل سلطة الأب. عندما كنا نكبر, كان والدى بعيدا عن المنزل. ووالدتى هى التى تعلمنا الإمتثال والسلوك. وكانت هى التى تنشر الخوف فى ربوع البيت". وقال بوش نفسه عن أمه:
"كل أم لها طريقتها. وأمى كانت مثل الجاويش فى الجيش". وقال أحد الأقارب أن الأم كانت تستخدم الصفع والضرب فى تربية أولادها.
دراسات علم النفس العديدة تقول: أبناء مثل هذه الأمهات, يصبحون مدمنين أو إنطوائيين كارهين للمجتمع.
بالإضافة إلى ضغوط الأب على الإبن لكى يحقق شيئا, كانت الأم تفرض على الإبن أيضا الإنخراط فى ألعاب تنافسية عنيفة. وكانت تطلب منه عدم إستخدام الكلمات الدارجة التى سبق إستخدامها. أى يجب أن يكون فريد عصره وأوانه فى إستخدام المفردات. وعندما طُلب منه أثناء الدراسة كتابة مقالا عن تجربة عاطفية مر بها فى حياته, كتب عن أخته الصغيرة المتوفية. وبلل المقال بدموعه, وإستخدم كلمات وتعبيرات غريبة مثل: "أربطة الأحذية تنهمر على خدودى". وبالطبع حصل على درجة راسب, مع تعليق الأستاذ: "مقال ردئ ومخزى".
ربما يفسر لنا هذا حرصه على إستخدام الكلمات الشاذه فى خطبه وأحاديثه. فمثلا يستخدم جمل مثل: "Is our children learing", ويستخدم كلمات مثل: "misunderestimated". إستخدام الأخطاء اللغوية هى طريقة اللاوعى فى تصفية حساباته مع أمه المسيطرة ووالده المشهور.
طفولة كهذه, ينتج عنها شخصية فاشستية. تلتزم بالمبادئ الصارمة, وتطبقها على نفسها وعلى الغير. فمثلا, يحرص على الصلاة فى البيت الأبيض قبل كل إجتماع. ويلتزم بالمواعيد بالدقيقة والثانية. ويجبر النساء فى البيت الأبيض على إرتداء الملابس التى تصل إلى تحت الركبة. يستيقاظ الساعة 5:45 صباحا. ويستغرق قضاء حاجتة فى الحمام 21 دقيقة بالضبط. قبل العشاء, يقوم بالجرى 3 أميال كل يوم.
الشخصية الفاشستية(Authoritarian) فى علم النفس تعنى, الطاعة العمياء للمبادئ, والإيمان العميق بالدين, والتعصب للمعتقدات, وإزدراء الضعفاء, وعدم التسامح, ومعاداة الآخرين, والإيمان بالخرافات. وإستخدام القوة. وهى كلها صفات تتحقق فى سلوك بوش الإبن.
كل من إتصل ببوش الإبن يؤكد عدم القدرة على فهمه. وقد وصفه كاتب خطبه السابق "فروم" بالآتى:
"ملتزم إلى حد القسوة. لا يثق فى أحد بسهولة. عندما يبتسم لك, تشعر أن عيناه تراقبانك. إيمانه العميق يصل إلى حد الخرافة"
هو أيضا أصولى مسيحى متطرف. الأصوليون المسيحيون يختلفون عن الإنجيليين والبريسبيتاريين المسيحين فى أن الأصوليين يفسرون الإنجيل حرفيا. ويعتبرون أن كلمات الإنجيل هى كلمات الرب. وأن نهاية العالم قريبة. سوف تأتى بعد معركة مهولة بين قوى الخير وقوى الشر. سوف تنتصر فيها قوى الخير وينقذ فيها الأخيار. وكما يقول "فروم", كان بوش يذكر محور الشر, وكان يختار أعدائه, ويصفهم حرفيا بالشياطين.
فهل كان بوش يرى معركته فى أفغانستان والعراق, جزءا من معركة أرماجدون الكبرى التى تسبق نهاية العالم؟ وهل تونى بلير كان يشاركه هذه الأفكار الدينية المدمرة؟
كره بوش الدفين لوالديه وحبه لهم فى نفس الوقت, يفسر لنا لماذا هو متهور ومتمرد. يكره والده لأنه وضعه فى الظل. ويكره والدته لأنها كانت قاسية عليه لكى يحقق لها رغباتها. هذا الكره يفسر لنا كيف تحولت شخصيته إلى شخصية فاشستية أصولية دموية. إيمانه العميق بالدين, جعله يسجن نفسه المتمردة. وكرهه لوالديه, جعله يخوض حربا صليبية ضد قوى الشر فى هذا العالم. ومساعدته المطلقة لإسرائيل تأتى, لا من مصلحة الولايات المتحدة, ولكن من منظور دينى بحت يؤمن به هو. فقيام دولة إسرائيل الكبرى وقيام معركة أرماجدون العظمى هما شرطان, حدوثهما لازم قبل المجئ الثانى للمسيح. وهذا يفسر لنا حرصه الشديد على دعم إسرائيل الكبرى والقضاء على قوى الشر فى هذا العالم.
وقبل رحيله الغير مأسوف عليه, ألقى فى وجهه شيئا من شعر فاروق جويدة, وهو قذف أقسى من الضرب بالحذاء:
الأمسُ ماتَ..
ولن تعيدَك للهدايةِ توبةٌ عرجاءْ
وإذا اغتسلتَ من الذنوبِ
فكيف تنجو من دماء الأبرياءْ
وإذا برئتَ من الدماءِ..
فلن تُبَرئَكَ السماءْ
لو سالَ دمعك ألفَ عامٍ
لن يطهرَكَ البكاءْ
كل الذى فى الأرضِ
يلعنُ وجهكَ المرسومَ
من فزعِ الصغارِ وصرخة الشهداءْ
أخطأتَ حين ظننتَ يوماً
أن فى التاريخ أمجاداً
لبعضِ الأغبياءْ..
ولشعوبنا العربية, أهدى من قصيدة "القادمون للهلاك" لمهدى بندق:
عن طاعتى لأولياء الأمر فى تعاقب الدهور
كوفئت بإرتداء هامة تطير فى الهواء
من قبل أن يحتزها مسرور
وجثة منزوعة الحياء
تفر من لقائها القبور
فحاذرى يا حدأة الأباطح
أن تلمسيها ربما يحل فيك الداء
لم تستمع لقولى الحمقاء
فأصبحت دجاجة تعد للعشاء
....................................
مصادر المقال:
The prosecution of George W. Bush for Murder
By Vincent Bugliose
Bushs Behaviour
By Oliver James
إرحل وعارك فى يديك
قصيدة لفاروق جويدة
القادمون للهلاك
قصيدة لمهدى بندق
..................................
zakariael@att.net