مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 الشيخ على عبد الرازق الإسلام وأصول الحكم
...............................................................

بقلم: محمد زكريا توفيق
...........................

فى عام 1925م, أصدر الشيخ على عبد الرازق(1888-1966م), أخو الشيخ مصطفى عبد الرازق شيخ الأزهر, كتابا عن الإسلام وأصول الحكم. حينما كان يعمل قاضيا بالمحاكم الشرعية.

أتم الشيخ على عبد الرازق دراسته فى الأزهر, ثم أكمل دراسته فى جامعة أكسفورد بإنجلترا. بالرغم من وجود عدة فقرات فى كتابه يشير فيها إلى مفكرين سياسيين إنجليز, مثل هوبز ولوك, إلا أن تأثير الفكر الإنجليزى عليه لم يكن واضحا. بل نجده أكثر تأثرا بفكر الإمام محمد عبده. وقام فى كتابه بدراسة قضية هامة. هى قضية الخلافة والحكم فى الإسلام.

فى عام 1922م, وبعد ثورة مصطفى كمال أتاتورك فى تركيا, ألغى المجلس الوطنى فى تركيا السلطنة. وفى عام 1924م, ألغى منصب الخليفة, وأصدر بيانا باللغتين التركية والعربية موقعا من رجال الدين الأتراك, جاء فيه أنه حقا يوجد منصب الخليفة فى الإسلام, لكن وجود هذا المنصب يعتمد على شروط معينة من الصعب توافرها. منها أن الخليفة يجب أن يتصف بصفات خاصة. وأنه يجب أن يتم إختياره من بين وعن طريق عامة المسلمين.

هذه الشروط كانت موجودة أيام الخلفاء الأربعة الأوائل فقط. ثم بعد ذلك, أصبح إختيار الخليفة عملية شكلية. وكانت كفاءة الخليفة فى معظم الأحيان موضع شك. فمن حق المجتمعات الإسلامية أن تختار نظم الحكم التى تناسبها. لكى تضمن أن تحكم بطريقة عادلة. نظام الحكم الذى يجب أن يختاره المسلمون, يعتمد على حاجة العصر الذى يعيشون فيه.

ثم جاء مصطفى كمال أتاتورك, ليشرح بعدها لماذا قام بإلغاء نظام السلطنة والخلافة فى تركيا, بحجة أنه نظام أصاب تركيا بالخراب. وأن تركيا الجديدة ليست لديها ما يجعلها تفكر فى أى شئ, سوى كيانها ومصلحتها الخاصة. فليس عندها شيئا يمكن أن تعطيه للآخرين.

هذه الأنباء أصابت العالم الإسلامى بالذعر. فى نفس الوقت, سال لعاب ملوك وحكام كثيرين لهذا المنصب الشاغر. منهم الشريف حسين فى الحجاز والملك فؤاد فى مصر.

فى عام 1926م, دعا الأزهر فى مصر مجموعة من رجال الدين إلى عقد مؤتمر فى القاهرة لبحث موضوع الخلافة. إنتهى بقرارات تفيد أن منصب الخلافة ضرورى للمسلمين, كرمز لوحدتهم. لكن, لكى يكون هذا المنصب فعالا, لابد أن يجمع الخليفة بين السلطة الدينية والسلطة المدنية. وهذا أمر لم يكن يتوافر لأى حاكم من حكام المسلمين فى ذلك الوقت.

جاء كتاب الشيخ على عبد الرازق مساهمة منه فى هذا الحوار. فهو يتساءل فى كتابه: هل منصب الخليفة ضرورى للمسلمين؟ لكن وراء هذا السؤال سؤال آخر أكثر صراحة. هل هناك شئ إسمه نظام الحكم فى الإسلام؟ وهل الخليفة يستمد سلطاته من الله سبحانه وتعالى, أم من الأمة؟

القرآن الكريم وصحيح الحديث لم يتعرضا لموضوع الخلافة. وليس هناك إجماع بخصوص وجوب منصب الخليفة. عدم معارضة المسلمين لمنصب الخليفة, لا يعنى الموافقة على وجود هذا المنصب. لأن منصب الخليفة كان فى الغالب مشوبا بالفساد ومدعما بقوة السلاح.

حرية الرأى لم تكن مكفولة للمسلمين بعد الخلفاء الأربعة الأوائل. كما أن كل الآراء الخاصة بشئون الحكم, كان من المستحيل إظهارها فى الماضى. لذلك لم تقم دراسات إسلامية جديدة جادة فى شئون الحكم مثل الدراسات التى قامت فى اليونان أيام أفلاطون وأرسطو.

هنا يستمر الشيخ على عبد الرازق فيقول: فى الواقع كان نظام الخلافة ضارا بالإسلام, ووباء بالنسبة للمسلمين, ومصدرا للشرور والفساد. لذلك منصب الخليفة غير ضرورى. ولا يعتبر جزءا من الدين الإسلامى.

إذا كان الأمر كذلك, فكيف ظهر هذا المنصب إلى الوجود؟ وكيف دخل فى روع المسلمين أنه شئ ضرورى؟ للأجابة على هذه الأسئلة, رجع الشيخ على عبد الرازق إلى عصر الرسول. فالرسول كان يحكم كرسول مرسل من الله سبحانه وتعالى. وكان يقوم بحل مشاكل مجتمعه عن طريق الوحى. إذا كان هناك نظام حكم أيام الرسول, فهو نظام حكم بدائى بسيط يصلح للمجتمع الإسلامى الأول. ولم تكن هناك مؤسسات سياسية معقدة كالتى نشاهدها اليوم.

يستمر الشيخ عبد الرازق فيقول: الرسول لم يكن ملكا أو حاكما أو رئيس دولة. إنما أرسل ليبلغ رسالته للعالمين. وهى رسالة روحية خالصة. وإذا وجدت سلطة بعد الرسول, فهى سلطة مدنية وسياسية. وليست سلطة روحية.

عندما إنتشر الإسلام, تولى أبو بكر الشئون السياسية للمجتمع الإسلامى الجديد. وكانت سلطاته تدعمها القوة. ونظرا لعلاقته الخاصة بالرسول وصلاحه وتقواه, إعتقد الناس أن منصب الخلافة, بمعنى خلافة رسول الله, هو منصب دينى وليس مدنى. وكل من إعترض على خلافة أبى بكر, أتهم بأنه خارج عن الإسلام.

منذ ذلك الوقت, أخذ المسلمون فكرة خاطئة عن منصب الخلافة. وشجع الحكام المستبدون فيما بعد على رواج هذه الفكرة. لأنها بالطبع تعمل فى صالحهم. ولأنها تجعل الثورة عليهم خروجا عن الإسلام. وهذه جريمة فى حق العالم الإسلامى. فى الواقع الإسلام برئ من منصب الخلافة هذا.

الدين الإسلامى ليس لديه نوع معين من الحكومات. وليس فى الدين الإسلامى ما يمنع من تدمير نظام قديم فاشل , وبناء نظام جديد أفضل. مدعم بخبرات وتصورات إنسانية جديدة علمية ومجربة.

أثار كتاب الشيخ على عبد الرازق ثورة عنيفة فى الأوساط الدينية والسياسية. فأوعز الملك فؤاد إلى هيئة من كبار علماء الأزهر لفحص كتاب الإسلام وأصول الحكم, ومحاكمة المؤلف بوصفه من علماء الأزهر. فحاكمته الهيئة وأصدرت حكمها بإخراجه من زمرة العلماء فى أغسطس عام 1925م. وطلب من وزير الحقانية عبد العزيز فهمى فصل الشيخ على عبد الرازق من وظيفته. فأحال الوزير الطلب إلى لجنة فى الوزارة لفحصه. فغضبت السراى, وإعتقدت أن الوزير يماطل ويضع العراقيل أمام إجراءات فصل المؤلف.

حينئذ,
صدر قرار بإقالة الوزير عبد العزيز فهمى من الوزارة. إلا أن إقالة الوزير أعتبرت إهانة لباقى الوزراء. فاستقال, إحتجاجا على هذا الفصل التعسفى, كل من محمد على علوبة باشا, وتوفيق دوس باشا, وإسماعيل صدقى باشا. وعندما تم شغل المناصب الوزارية الشاغرة, فصل الشيخ على عبد الرازق من وظيفته كما أراد الملك فؤاد.

فى نفس الوقت, قام مجموعة من الكتاب بالرد على الشيخ عبد الرازق. منهم الشيخ رشيد رضا, والشيخ بخيت. قال رشيد رضا, وهو أيضا من تلامذة الإمام محمد عبده, لكنه سلك سلوكا متحفظا فى المناداة بالإصلح, أن هذه هى آخر محاولة من أعداء الإسلام لإضعافه وتفتيته من الداخل.

وقال الشيخ بخيت, فى رده أن ما يقوله غير المسلمين عن الإسلام, لا يجب أن يقبل. وخصوصا ما قيل عن الخليفة. هذا المارد الذى إن رآه أشجع الشجعان فى أوروبا, حتى فى منامه, هب مذعورا خائفا من نومه. وإتهم الشيخ بخيت الشيخ عبد الرازق, بأنه إقتبس أفكاره عن الخلافة من السير توماس آرنولد. وقام بالتفنيد والتشكيك فى آراء ومصادر الكتاب بالتطويل. مستشهدا بآيات من القرآن وبالأحاديث النبوية وفتاوى الإجماع.

هذا يوضح لنا كيف بدأ المفكرون الإسلاميون فى عصر النهضة, عندما كانت مصر ليبرالية, فى مناقشة قضاياهم بجرأة وشجاعة. والبحث عن حلول علمية لمشاكلهم المزمنة. وأنا هنا أدافع عن حرية الرأى وحق كل فرد فى التعبير عن أفكاره دون خوف. لأن هذا هو الطريق الوحيد لكى نتعلم ونتقدم. فالحقيقة المطلقة لا يعلمها إلا الله. ولا يبقى لنا سوى الإجتهاد والبحث عن الحقيقة النسبية, التى تظهر وتتلألأ بإختلاف وتضاد الآراء. لأن الأفكار مهما كانت خاطئة, قد يكون بها شئ من الصحة والصواب. وإباحة الحرية لكل الآراء على السواء, تشجع الرأى الصواب على الظهور وتعمق فهمنا له.


zakariael@att.net
 

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية