مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 أحمد لطفى السيد أستاذ الجيل الذى رفض عرش مصر
...............................................................
 

أحمد لطفى السيد

بقلم: محمد زكريا توفيق
............................


هو صاحب المقولة الشهيرة: "الإختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية". أستاذ الجيل, بل كل الأجيال. مفكر وفيلسوف ومربى وكاتب وسياسى ومناضل من الطراز الأول. وأحد رواد التنوير وأبو الليبرالية المصرية. شارك فى مؤتمر السلام فى فرساى للمطالبة بإستقلال مصر عن بريطانيا العظمى. ومن أوائل المنادين بتعليم المرأة. تخرجت أول دفعة جامعية من الطالبات أثناء رئاسته للجامعة عام 1932م.

ولد المرحوم أحمد لطفى السيد(1872 – 1963م) فى قرية برقين مركز السنبلاوين فى محافظة الدقهلية بمصر. وكان جده عمدة, وأبوه عمدة وباشا. بدأ تعليمه بكتاب القرية, ثم بالمدرسة الإبتدائية. وبعد ذلك, إنتقل إلى القاهرة للدراسة فى المرحلة الثانوية.

فى عام 1889م, التحق بمدرسة الحقوق التى كانت فى ذلك الوقت مركزا للحركات والأفكار السياسية والوطنية. فكانت تجمع بين طلبتها شخصيات لعبت دورا خطيرا فى مستقبل مصر السياسى والوطنى. مثل مصطفى كامل وعبد الخالق ثروت, وإسماعيل صدقى. وأثناء دراسة أحمد لطفى السيد فى مدرسة الحقوق, تعرف على الإمام محمد عبده, وأصبح من تلامذته. وخلال زيارة قصيرة للقسطنطينية أثناء العطلة الصيفية, قابل جمال الدين الأفغانى, وأعجب بأفكاره. وأثناء هذه الفترة, قرأ كتاب أصل الأنواع لدارون. وقام بكتابة عدة مقالات سياسية فى جريدة المؤيد.

بدأ لطفى السيد نشاطه مع الزعيم الوطنى مصطفى كامل. وفى عام 1897م, عندما كان مصطفى كامل يخطط لتأسيس الحزب الوطنى بمساعدة الخديوى, عرض على لطفى السيد رئاسة تحرير جريدة الحزب. بعد أن يقضى عاما كاملا فى سويسرا ليحصل على الجنسية السويسرية. لأن ذلك كان يعطيه حصانة تمنع إعتقاله. وتقف ضد مصادرة كتاباته, والحجر على أفكاره. مثل الحصانة التى كان يتمتع بها الأجانب فى مصر فى ذلك الوقت.

عندما ذهب لطفى السيد إلى جنيف, قابل هناك الإمام محمد عبده. مما أغضب الخديوى, وجعل صداقة أحمد لطفى السيد بمصطفى كامل تفتر. وعند عودته, إلتحق بالعمل مديرا لدار الكتب عدة سنوات. أتاحت له الوقت للإطلاع على الفكر الأوروبى. فكان يقرأ لروسو وكومتيه وميللر وسبنسر. وقام بدراسة علم الأخلاق لأرسطو. وكان معجبا بكتابات تولستوى الأخيرة.

فى عام 1907م, إنضم أحمد لطفى السيد إلى مجموعة من المثقفين الوطنيين لتكوين حزب الأمة. للوقوف أمام التيار الذى يتزعمه الخديوى ومصطفى كامل الخاص بالتقرب إلى تركيا. وكان ينتمى إلى الحزب الجديد, مجموعة من كبار الملاك وأصحاب القلم والفكر والسياسة. منهم محمود سليمان وحسن عبد الرازق وحمد الباسل وسليمان أباظه وعلى شعراوى وفتحى زغلول وقاسم أمين وعبد العزيز فهمى وعبد الخالق ثروت وسعد زغلول. وكان لطفى السيد هو سكرتير عام الحزب, ورئيس تحرير جريدته "الجريدة".

خصص أحمد لطفى السيد فى الجريدة, مساحة كبيرة لمناقشة قضايا الوطن الإجتماعية والسياسية والثقافية. وجعلها مدرسة لتدريب الكتاب الصغار على الكتابة الحرة تحت إشرافه وتوجيهه. وهذا عمل نادر لا تراه فى صحافتنا اليوم. ومن هنا جاءت تسميته عن جدارة بأستاذ الجيل. وهو اللقب الذى ظل يلازمه طيلة حياته.

كان أحمد لطفى السيد وكتاب الجريدة وحزب الأمة, وراء حملة التبرعات التى قام بها الأهالى لإنشاء أول جامعة مصرية عام 1908م, والتى أصبحت جامعة حكومية عام 1924م, (جامعة فؤاد الأول - جامعة القاهرة حاليا).

عندما بدأت الجامعة فى التوسع فى برامجها الطموحة, كان أحمد لطفى السيد هو مديرها الأول. ومن خلال منصبه الجديد, إستمر فى تعليم وتثقيف الجيل. ولم يترك منصب مدير الجامعة إلا ثلاث مرات. الأولى فى عام 1928م, عندما أختير وزيرا للمعارف. والثانية عام 1932م, عندما إستقال إحتجاجا على فصل حكومة إسماعيل صدقى للدكتور طه حسين. بسبب كتابه, فى الشعر الجاهلى. والثالثة عندما إقتحمت الشرطة حرم الجامعة عام 1937م. وفى عام 1941م, ترك الجامعة لكى يصبح عضوا فى مجلس الشيوخ. وبعد حركة الجيش المباركة عام 1952م, عرض عليه الضباط الأحرار أن يكون رئيسا لمصر. لكنه رفض وإعتزل الحياة العامة. وإقتصر نشاطه على رئاسة مجمع اللغة العربية. وهو المنصب الذى ظل يشغله حتى وفاته رحمه الله عام 1963م.

كانت معظم كتابات أحمد لطفى السيد, مقالات فى جريدة "الجريدة". جمعت فى عدة كتب فيما بعد. وقام لطفى السيد بترجمة كتاب الأخلاق لأرسطو من اللغة الفرنسية عام 1922م. وترجم ثمانية كتب أخرى لأرسطو عام 1932م وعام 1935م وعام 1940م. وكانت كتاباته فى الجريدة تهدف إلى وضع إطار سياسى وإجتماعى للنضال المصرى مبنى على فلسفات أرسطو وروسو ولوك وبتهام وسبنسر. فالإنسان ولد لكى يكون حرا, وبإرادة حرة. حر فى إختياره أو رفضه.

لكن لطفى السيد يختلف مع رسو فى أن الإنسان ليس بمعزل عن المجتمع. فالمجتمع هو أيضا كائن حى. وحرية الإنسان لا تتعارض مع القوانين التى تنظم المجتمع. إذا بنى هذا المجتمع وصيغت تلك القوانين بحيث تسمح للإنسان الحر تلقائيا بأداء واجبه نحو مجتمعه دون ضغوط خارجية.

حرية الإنسان تصبح عديمة الفائدة, إذا لم تصاحبها حرية التعبير. لذلك يجب أن تكون حرية التعبير حقا من الحقوق المدنية للمواطن. ولكى نحمى الحقوق المدنية, لابد أن يكون الفرد ممثلا فى إدارة شئون مجتمعه.

الشعب يجب أن يكون الحاكم الحقيقى. أى العصمة يجب أن تكون فى يد ممثلى الشعب. لذلك لابد من وجود دستور يفصل بين السلطات. الشعب يجب أن يحذر كل الحذر من إعطاء السلطة التنفيذية حقوقا أكثر من الحقوق اللازمة لحفظ النظام. حتى لا تتحول الحكومة إلى سلطة طاغية يصعب التخلص منها. لأن السلطة مفسدة, والسلطة المطلقة فساد مطلق.

السبب فى تخلفنا هو أننا وثقنا فى الطغاة. وإمتثلنا للتعاليم الجامدة المشوهة التى تتعارض مع روح الإسلام وقوانين التطور. الطغيان وحكم الفرد هما المسئولان عن تدمير القيم النبيلة فى المجتمع. إنهما يعوقان نمو الأخلاق السليمة. ويؤديان إلى مجتمعات مشوهة أخلاقيا. لذلك فالحرية السياسية شرط ضرورى لقيام أى نوع من الحريات. لأن الحكم الإستبدادى يخلق علاقة خاطئة بين الحاكم والمحكوم. علاقة أمر وطاعة. علاقة سيد وعبد. وهذا يسبب فقدان الثقة بين المواطنين. ويفتت وحدة الأمة من الداخل. الوهم بأن بعض الأفراد وحدهم, لهم الحق فى الحكم والثروة. وللآخرين الذل والعبودية. هو تصور يخالف طبيعة الأشياء. ويتعارض مع العلم والمنطق.

الحكومة الصالحة هى التى تنبع من إتفاق أو عقد إجتماعى حر. يتواءم مع بديهيات العدالة والحق. هذا العقد الإجتماعى هو أساس القوانيين. والقوانين هى التى تلزم الحاكم قبل المحكوم. الحكومات المحددة السلطات والمقيدة بالقانون, هى وسيلة الحكم الطبيعى الذى يوافق النفس البشرية. وكل المجتمعات لها الحق فى أن تحكم بمثل هذه الحكومات. ومنطق الطغاة والجهلة فقط, هو الذى يقول بأنه هناك شعوب تصلح لها الحرية وشعوب أخرى لا تصلح لها. وهذا عكس ما يقوله ساستنا اليوم.

هنا يختلف أحمد لطفى السيد عن الإمام محمد عبده الذى يؤمن بحكم الفرد بشرط أن يكون عادلا. لكن لطفى السيد يقول بأن حكم الفرد يصلح فقط للمجتمعات البدائية جدا. أما مجتمعنا فقد تعدى هذه المرحلة منذ آلاف السنين. فحق الأمة فى أن تحكم نفسها بنفسها ليس له علاقة بدرجة حضارتها وتقدمها الإجتماعى والسياسى والثقافى. لأن أسلوب الحكم هو الذى يبنى الحضارة. والحرية هى التى تخلق روح الحرية. أما الحكم الشمولى فلن يعلم الناس كيف تحكم نفسها. ولن يقدمهم خطوة واحدة نحو الحرية والديموقراطية. وهذا يتضح من تجربتنا وتجربة الهند فى الحكم. فقد بدأنا ميسورى الحال فى بداية الخمسينيات ونظام حكم شمولى. وبدأت الهند فى نفس الوقت كدولة فقيرة مع نظام حكم ديموقراطى. نجحت الهند فى ديموقراطيتها. ولا زلنا نعانى من ويلات الحكم الشمولى. ووصلنا إلى حالة تصعب على الكافر.

رفض أحمد لطفى السيد الحركات السياسية المبنية على أساس دينى. ورفض أيضا ربط مصر بالعالم العربى أو تركيا أو العالم الإسلامى سياسيا. فهو يقول بأن الوطن ورباط الأرض فقط يجب أن يكونا أساس كل الجهود السياسية والفكرية. فآلاف السنين من عبق التاريخ المصرى القديم, مزجت مع أحداث التاريخ المصرى الحديث. لتكون شخصية مصر الفريدة. لذلك ليس هناك أى خطر أو خوف على شخصية مصر من الإنفتاح على الغرب. فمصر لها ماضيها الفرعونى العريق. ودراسة تاريخها يفيد المصريين فى إكتشاف القوانين التى تحكم التطور والتقدم بالنسبة للأمم. كل من يعيش على تراب مصر بمن فيهم الأجانب هم مصريون. صهروا فى بودقة المكان الذى حافظ على شخصية مصر عبر آلاف السنين. وأصبحوا مصريين بكل معنى الكلمة. وتربطهم جميعا بتراب مصر روابط أشد وأقوى من رابطة الدين.

وقد كان يعنى بذلك الأوربيين والشوام الذين تركوا أوطانهم وعاشوا فى مصر وتجنسوا بجنسيتها وساهموا فى إستقلالها وبعث حضارتها. وكتب يقول: الإدعاء بأن أرض الإسلام هى وطن لكل من هو مسلم. هى فكرة تركية تصلح للدول الإستعمارية التى تبغى فرض سلطانها على باقى الدول الإسلامية بإسم الدين. ولم يكن يؤمن أيضا بالوحدات السياسية بين الدول الضعيفة والفقيرة. فهى بالنسبة له وحدات مصطنعة. خلقها الإستعمار البريطانى لتعبئة الشعوب الأوروبية ضد الحركات الوطنية داخل مصر وباقى الدول العربية والإسلامية.

لأن الحركات الوطنية هى الخطر الحقيقى على مصالح الدول الإستعمارية فى المنطقة. وقد أثبت التاريخ صدق حس أحمد لطفى السيد. فقد قامت جامعة الدول العربية تحت رعاية وإشراف بريطانيا. وفى ظلها ضاعت فلسطين وبددت ثروات الشعوب العربية ودمر العراق ولبنان والسودان والصومال. وحكمت الدول العربية بدون إستثناء بالسوط. وقيدت شعوبها مثل البعير. وتحت شعار المد الإسلامى والوحدة الإسلامية والخوف من إنتشار الإسلام, نرى ما قد حدث فى البوسنة والشيشان وأفغانستان.

لا يعنى هذا أن الدول العربية والإسلامية, لا يجب أن تتعاون وتتكاتف مع بعضها لمصلحة شعوبها. لكن يعنى أن الشعوب لا يجب أن تنخدع بالوحدات السياسية المصطنعة السابقة لأوانها. حتى لا تغفل كفاحها للتحر من قبضة الإستعمار ومن نير الحكم الشمولى. ومحاربة الفقر والتخلف وبناء دعائم الديموقراطية الصحيحة فى بلادها.

الإستقلال السياسى والحرية السياسية لا تكفى بدون إقتصاد قوى مستقل. لذلك يحذر لطفى السيد من مغبة الدين الأجنبى. فبسببه أحتلت مصر وفقدت إستقلالها. فعلى مصر أن تبنى تجارتها وصناعتها الوطنية المستقلة. لذلك نجد فى الفترة بين عامى 1920م و 1930م, تأسس بنك مصر والشركات التابعة له. فطلعت حرب وحافظ عفيفى وغيرهم من الإقتصاديين الوطنيين, كانت لهم علاقات وطيدة بأحمد لطفى السيد وبأفكاره وآرائه. فبنك مصر لم ينشأ لأسباب إقتصادية فقط, ولكن لكى يكون دعامة أساسية لإستقلال مصر السياسى.

أما آراء أحمد لطفى السيد فى التعليم, فهو ضد تقسيم التعليم إلى تعليم دينى وآخر مدنى. وضد إنشاء المدارس الدينية سواء كانت إسلامية أو إرساليات مسيحية. وضد إنشاء المدارس الأجنبية. لأن هذا التنوع فى التعليم, لن يثرى التجربة الثقافية فى مصر, بقدر ما يقوم به من تمزيق وإضعاف لوحدة الوطن ثقافيا وفكريا وإجتماعيا. الهدف من التعليم هو خلق أجيالا من الأمة متجانسة فكريا وخلقيا. متحدة حول مبادئ الأخلاق السامية والعلوم الحديثة.

مثل هذا النوع من التعليم, لا يجب أن يكون تحت الإشراف المطلق للحكومة بدون رقابة شعبية. لأن الحكومات تستخدم التعليم والمدارس لخدمة أغراضها ومصالحها السياسية. المدارس والجامعات يجب أن تكون حرة. حرة لخدمة العلوم والفكر والثقافة والمجتمع. ولا يجب أن تكون أداة لتأليه الحاكم أو أسلوبا لتوطيد وترسيغ مفهوم العبودية للمحكوم.

هذا هو أستاذ الجيل, وكل الأجيال. ونختم مقالنا برأى عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين فى أستاذ الجيل فيقول: "أريد أن أعلم إلى أى كاتب أو إلى أى مفكر فى مصر أو فى الشرق العربى كله, نستطيع أن نقرن الأستاذ أحمد لطفى السيد. أما أنا فلست أعرف له نظيرا فى الكتابة, ولا فى التفكير ولا فى الترجمة. وأزعم أن ليس بين المصريين وغير المصريين من يستطيع أن يجد له نظيرا فى هذه الوجوه الثلاث. وليشهدن التاريخ بأن مصر مدينة بالشئ الكثير جدا للأستاذ لطفى السيد فى نهضتها العقلية والسياسية والإجتماعية. وحين أسمع الإستقلال التام والحرية الدستورية وسلطة الأمة وأشياء كثيرة, أبتسم إبتساما فيه حزن وأمل. لأن هذه الألفاظ وهذه المعانى, هى ألفاظ ومعانى لطفى السيد. ليس فى ذلك نزاع ولا جدال."


ولنقارن بين نوعية هؤلاء الرجال, ونوعية أكياس الدهن التى تحكمنا وتحكم العالم العربى الآن. ونطلب من الله اللطف ومن شعوبنا الصبر والسلوان.

zakariael@att.net
 

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية