مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 عمرو خالد ومحنة الشباب
...............................................................

بقلم: محمد زكريا توفيق
...........................


دفعنى إلى كتابة هذا المقال إستفحال أمر الدعاة الجدد, وظهورهم كالطفح. وإنتشارهم فى القنوات الفضائية إنتشار النار فى الهشيم. لا تكاد تخلو قناة من داعية جديد, حليق الذقن مهذب الشارب. فى حلة فاخرة أوروبية. مسترخى, واثق الخطو, شديد الكبرياء. لا يمكن أن تميزه فى ملبسه ومظهره عن رفاقه الدعاة الإنجيليين, بات روبرتسون وجيرى فالويل. أو أقرانهم شهود يهوه وأمثالهم. وحيث أن عصر الأنبياء والرسل قد ولى وفات, فعصرنا هذا هو عصر الدعاة السوبر والفضائيات. عصر الدولارات وبراميل النفط والمنتجعات, مع البطالة وقدر الفول والعشوائيات. عصر الضياع واللاوعى وغياب العقل والضمير.

قبل ثورة يوليو المصرية عام 1952م, كان هناك برنامج وخطة لتربية النشء علميا ووطنيا ودينيا. يشرف على هذه الخطة عمالقة الأدب والفكر والتربية فى ذلك الوقت. أحمد لطفى السيد وطه حسين وعبد العزيز البشرى وأحمد أمين وزكى نجيب محمود وشوقى ضيف وعلى الجارم وأحمد تيمور ومحمود تيمور وغيرهم. وكان الهدف من الخطة هو تربية النشء على الرجولة والفضيلة والقيم الأصيلة وحب الوطن وإحترام آدميتهم, وإحترام عقولهم. وتعريفهم بدينهم دين الوسطية بطريقة صحيحة, بعيدا عن التعصب والمبالغة.

وهذا ما يهمنا هنا. إحترام العقل والتعريف بالدين الصحيح. فكانت الكتب المقررة على المدارس هى من تأليف هذه العقول العظيمة. خير ما أنتجته التربة المصرية منذ الإحتلال الرومانى حتى اليوم. وكانت أسماؤهم لا يخلو منها كتاب مدرسى. فهو إما من إنتاجهم أو من إختيارهم. كتب تمزج التراث التليد بالتقدم الحديث, حتى لا نتخلف عن ركب الحضارة. دون طمس للهوية المصرية وثقافتها العربية. وكانت كتب مثل الأخلاق لأحمد أمين وتاريخ الفلسفة لزكى نجيب محفوظ وأحمد أمين, وعلى هامش السيرة والوعد الحق لطه حسين, وأدب الدنيا والدين للماوردى, وكليلة ودمنة لإبن المقفع, تدرس بالمدارس الإبتدائية والثانوية الحكومية.

أما الآن فلا ندرى ما هى الخطة التعليمية فى بلادنا. ومن هم المكلفون بوضع المناهج الدراسية. وما الهدف أصلا من التعليم؟ الحصول على الشهادة أم التربية أم كلاهما؟ وعلى أى مذهب أو نظرية أو فكرة؟ هل نريد من أولادنا أن يكونوا أبطالا رياضيين أم أصوليين أم علمانيين, أم شئ وسط بين هذا وذاك؟ أم العملية التعليمية سمك لبن تمر هندى, وانت وبختك وزى ما تطلع؟ إذا أردت عمل طاجن بطاطس فى الفرن, فلا أقل من أن تكون لديك الوصفة, مكتوبة أو فى رأسك. حتى لا يكون الناتج شيئا آخر. ولكى لا تفاجأ بنتيجة لا تسرك.

أمر التعليم للأسف موكول لأناس لا نعرف عنهم شيئا. ولا نعرف قدر علمهم وميولهم وهويتهم الدينية والثقافية. لأنه يتم إختيارهم فى الغرف المظلمة أو بالأقدمية أو لأنهم من أهل الثقة. وقد يكونوا ممن أمضوا فترة إعارة فى بلاد عربية, تشبعوا خلالها بالفكر الأصولى المتشدد. وقد يكونوا غير ذلك والله أعلم. كما أن الإعتماد على أسلوب الحفظ والأسئلة المباشرة فى الإمتحانات, وكذلك قتل ملكة البحث والتفكير فى مدارسنا وجامعاتنا, بالإضافة إلى الهوس بكرة القدم ومسلسلات القنوات الفضائية وبرامجها المتخلفة. كل ذلك ساعد على خلق أجيالا ضحلة الثقافة والفكر. لا يعرف الشاب منها من هو أو لماذا يعيش أو إلى أين يذهب أو ماذا يريد. ولا يستطيع أن يقرأ كتابا جادا أو يسمع أغنية جيدة أو يشاهد مسرحية محترمة. كارثة بكل المقاييس والمعايير. لذلك يلجأ شبابنا إلى المخدرات أو التطرف أو إلى الدعاة الجدد. وبذلك يقعون تحت رحمة من لا يرحم. فتاوى مثل فتاوى الشيخ البدرى. وجلسات غسيل مخ مثل غسيل الكلة فى إنتظامها والحرص عليها. يقدمها بإقتدار كل من عمرو خالد, وخالد النبوى, وعمر عبد الكافى, ومن على شاكلتهم.

لقد شاهدت عدة حلقات, على مضض ينتابنى شعور بالإشمئزاز, للداعية عمرو خالد من باب حب الإستطلاع. لكن ما قد شاهدته يملأ القلب حسرة وأسى. الشباب المتلقى وجوه شاحبة وأبصار شاخصة تبحلق فى السقف أو فى المجهول. إستسلام وخنوع مريب, وسكون مطبق يضخمه صراخ الداعية وعويله وشد شعره وبكاؤه بتأثر ونهنهة هستيرية. تمثيل وتهريج ونصب. ثقافة ضحلة وغباء وإستعباط ومعلومات خاطئة. وفتاوى خطيرة وأفكار كارثية لا تدمر الشباب وتستبيح عقولهم فقط, وإنما تبيد أمما بأسرها. وأحاديث نبوية غير صحيحة أو بإسناد ضعيف, وتاريخ مزور غير أمين. أجزاء من التاريخ تظهر, وأحداث ووقائع تختفى, حسب المزاج, وحسب المراد إظهاره وتبيانه. وكتب صفراء وإسرائيليات وأساطير مجهولة المصدر. كل هذا مغلف بورق سلوفان وورق مفضض ومذهب, مصقول ولامع. إسمه الدين والوعظ والإرشاد. فمن منا يجرؤ على مهاجمة الداعية أو غيره وهو ملتف بالكتب المقدسة, ومحاط بالملائكة والنور. وهو يدعو الشباب إلى التمسك بشعائر الدين, ويحض على عمل الخير والبعد عن الشر والتطرف. كل نقد موجه له ولأسلوبه, يمكن أن يفهم على أنه نقد للدين, ويفسر فى غير مصلحة الناقد. لذلك نجد معظم الكتاب يؤثرون السلامة, بالإبتعاد عن مواضيع الدين الشائكة. ولكن إلى متى؟

السؤال هو: هل نريد أن يتعلم أولادنا الدين الحنيف ويتربوا على مبادئ الإسلام القويم من هؤلاء؟ وماذا يتبقى لأولادنا بعد غسيل المخ, وفعل الدجل والتشويه النفسى والسيكولوجى. الذى يسببه الإستماع بعقول فارغة أصلا إلى الدعاة الجدد. وهل نعلم شيئا عن سيكولوجية الدين والتدين حتى نثق فى هؤلاء ونسلمهم أولادنا وبناتنا يفعلون بعقولهم ما يشاءون بعيدا عن مراقبة الدولة والمؤسسات الدينية التى نثق فيها. هل تعرفون لماذا يجب أن نتنبه؟ وهل تريدون أمثلة؟ إليكم بعضها:

جماعة دينية أصلا من كاليفورنيا ذهبت لتعيش فى بلدة جونستاون فى أمريكا الجنوبية بعيدا عن أعين البوليس الأمريكى. رئيس الجماعة هو القس الأمريكى جيم جونس. سيطر جيم جونس على الجماعة سيطرة كاملة بعد أن عمل لهم غسيل مخ وأخذ أموالهم ومتاعهم. وتحول أتباعه إلى مجرد عبيد وجوارى بدون عقل أو روح. مثل الإنسان الآلى أو إنسان فرانكشتين الممسوخ. لا يعصون أمرا, ويفعلون ما يؤمرون. وكان رئيسهم يطئ الزوجات أمام أزواجهن والبنات أمام آبائهن وأمهاتهن. وعندما فاحت الرائحة الكريهة. أرسل الكنجرس الأمريكى أحد الأعضاء لتبين حقيقة ما يجرى داخل هذه الجماعة الدينية. فقوبل بالرصاص, وقتل هو وأربعة من رفاقه. وعندما تيقن رئيس الجماعة جيم جونس أن لا فائدة من المقاومة, أمر أتباعه بالإنتحار الجماعى. فأطاعه الجميع وهذا هو الغريب فى الأمر. وكانت الأمهات تسقى أطفالهن السم الزعاف وينتظرن حتى يتأكدن من موتهم. وهذا مخالف للغريزة وطبيعة البشر. ولا نجده فى طبيعة الحيوان. فقد نرى الدب يقتل أولاده, ولكن الأم لم نرها قط قتلت أولادها. سواء فى عالم الحيوان أو الحشرات. ثم تقوم الأمهات بشب السم ليلحقن بأطفالهن. 909 روح بريئة ذهبت بهذه الطريقة يوم 18 نوفمبر عام 1978م. هذا ما يفعله غسيل المخ, والهوس الدينى بالناس. قصص إخرى؟

235 نفس ماتت حرقا فى أوغندا بما فيهم أطفال صغار, عندما أمرهم القس كيبوتيرى المنشق عن الكنيسة الكاثوليكية بالإنتحار الجماعى. لأنه تنبأ بنهاية العالم مع نهاية عام 2000م. وقد سبق فى أوغندا أيضا فى نهاية الثمانينات أن قامت جماعة دينية مسيحية بإنتحار جماعى مات فيه مئات من الناس.

فى قرية سويسرية عام 1994م, مات 49 شخصا يتبعون جماعة دينية إسمها معبد الشمس بالإنتحار الجماعى, لأنهم كانوا يعتقدون أن العالم يتجه نحو كارثة.

فى عام 1997م, قام رئيس المجموعة الدينية المسماة بوابة السماء بالولايات المتحدة بأمر أتباعه بالإنتحار الجماعى. مما تسبب فى وفاة 39 شخصا وذلك لكى تتمكن أرواحهم من اللحاق بالمذنب هالى أثناء إقترابه من الأرض.

فى عام 1993م, مات 80 شخصا بالحريق فى مدينة واكو بالولايات المتحدة عندما حاصر البوليس الفدرالى الجماعة الدينية. عندئذن, أمر رئيس الجماعة بالمقاومة حتى الموت.

لماذا أسوق أمثلة الإنتحار الجماعى هذه؟ لأننى أريد أن أحذر من مدى تأثير غسيل المخ على عقول الشباب. فالشاب يسلم قلبه وعقله للداعية بدون مناقشة أو تحقيق. ليست هذه حالة خاصة. ولكن هذه هى سيكولوجية الجماعة الدينية (Cult). ولا ذنب للشاب فيها. فهو لا يكلف نفسه سؤال الداعية من أين يأتى بهذه المعلومات. ويقبلها بدون مراجعة وبدون قياس أو منطق.

يعجب الشاب أو الشابة بما يقوله الداعية, لأنه يغيبه عن الواقع ويبعده عن مشاكله اليومية وضغوط الحياة. ويوهمه أنه وحده القادر على حل كل مشاكله النفسية والمالية إذا أطاعه وآمن بما يقوله. ويجعله يعيش فى عالم مثالى من الفضيله والخيال. عالم غير حقيقى ولا يوجد إلا فى عقل الداعية. فيدمن الشاب الإستماع, لأنه يريد أن يعيش فى عالم الخيال هذا طول الوقت. ويصل به الأمر إلى أن يقبل كل ما يقوله الداعيه. حتى لوكان خرفا. وفى النهاية, يصل الأمر إلى النتيجة البائسة. حينما يطلب الداعية من مريديه أى شئ وكل شئ. فهم يطيعونه بدون أى مقاومة.

بالطبع المستفيد من هذا كله هم الحكام والدول الإستعمارية. لأن سيطرة الدعاه على عقول الشباب, تبعدهم عن السياسة والتطرف الدينى. فلا حديث عن قضية فلسطين ولا يحزنون. ولا ذكر للإحتلال الأمريكى أو خلافه. ولا سيرة للحكم الدكتاتورى أو تزوير الإنتخابات والفساد. هل رأيت داعية يتحدث عن تبديد ثروات البترول وعدم إستثمارها فى البلاد العربية؟ وهل رأيت داعية يتكلم عن تداول السلطة؟ فقط إبداعات عمرو خالد فى الحديث عن يوم القيامة أو موضوعات مشابهة. وهذا يفسر لنا لماذا يذهب عمر خالد للدينمارك والسفارة الأمريكية.

هؤلاء الدعاة لا يقومون بما يفعلون لوجه الله وخير الإنسانية. ولكن يقومون بذلك طلبا للأجر, أى يقومون ببيع الدعوة. وهذا خطر آخر. لأن الأجر يغير من أسلوب الكلام وطبيعة الدعوة. ويجعلها غالبا توظف فى الإتجاه الذى يضخ أعلى أجر. لذلك كان الأنبياء والرسل والفلاسفة من أفقر الناس. لأنهم لا يملكون سوى الصدق. يقولونه ورزقهم على الله. أما الحديث المثاب والمأجور. فهو يصب فى الإتجاه الذى يبغيه ويفضله المشاهد والقناة الفضائية التى تبثه. أو فى الإتجاه الذى يريده أولى الأمر. أو حسب الموضة السائدة. وقد نشرت مجلة فوربس الأمريكية البيانات الآتية عن الدخل السنوى الصافى للدعاة بعد المصاريف:

عمرو خالد – 2.5 مليون دولار

طارق السويدان – مليون دولار واحد

عائض القرنى – 533 ألف دولار

عمر عبد الكافى – 373 ألف دولار

سلمان العودة – 267 دولار

يتبعهم على إستحياء يوسف القرضاوى وحمزة يوسف وأحمد الكبيسى والحبيب الجفرى وعبلة الكحلاوى.

القضية الثانية هى عدم دقة وأمانة الدعاة فى سرد بضاعتهم. ولنأخذ أمثلة على ذلك من الداعية عمرو خالد:

1_ ذكر عمرو خالد قصة عمر بن الخطاب والصلاة فى كنيسة القيامة. وذكر أن عمر قال: "لا أصلى هنا أبدا. أخشى أن يأتى يوم يقول الناس هنا صلى عمر فتهدم الكنيسة ويقام مكانها مسجد...الخ"

هذا قول عظيم لو كان عمر قاله بالفعل. ولكن الثابت أن عمر قال شيئا مخالفا حسب رواية البخارى وهو: "إنا لا ندخل كنائسكم من أجل التماثيل التى فيها والصور".

2- "كان عمر ماشيا فى الطريق فوجد رجلا يهوديا يتسول وهو شيخ عجوز ..." وقال "من اليوم إكتبوا إلى الخزانة وبيت مال المسلمين من كان ضعيفا أو عجوزا من اليهود والنصارى فينفق عليه من بيت المسلمين"

وهذا أيضا شئ حسن لو كان حصل. ولكن للأسف هذه القصة غير موجودة فى مصادر التاريخ الإسلامى.

3- قال عمر بن عبد العزيز: "جهزوا الجيوش من الذكاة وسددوا منها ديون اليهود والنصارى...إشتروا حبوبا وقمح وأنثروه على رؤوس الجبال كى تأكل الطير من خير المسلمين"

أيضا, كلام جميل ولكنه لم يثبت عن عمر بن عبد العزيز. وهو مخالف لرأى الفقاء الأربعة فى طرق إنفاق الذكاة.

4- قصة ضرب إبن عمرو بن العاص للقبطى, وأخذ القصاص بضرب إبن عمرو بن العاص وعمرو بن العاص نفسه. ومقولة عمر بن الخطاب الشهيرة "متى إستعبدتم الناس ولقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"

قصة نود أن تكون قد حدثت بالفعل, ولكن الحقيقة غير ذلك. فهذه القصة غير ثابته وغير معقولة بالرغم من وجودها فى أكثر من كتاب.

5- "بلغنى أن الله يباهى بكم الآن الملائكة"

كلام لا أصل له ولا سند.

6- "لا تقتلوا شيخا ولا تقتلوا إمراة ولا تقلعوا شجرا. ستجدون رهبانا تفرغوا للعبادة فى الكنائس فلا تحرقوا زرعا ولا تروعوهم"

حديث غير صحيح وليس له سند.

7- "الناس والبشرية تنادى أين ربنا ليحاسبنا"

كلام لا أصل له ولا دليل عليه. ربما يكون من الإسرائيليات.

8- "الله يسهر الليل ينتظر عبده حتى يتوب" , "الله قاعد ينتظرك حتى تتوب"

كلام لا يتفق مع صفات الله عز وجل.

9- "إن الله يتلذذ بتوبة العبد"

كلام قبيح أن ينسب إلى الله الشعور باللذة.

هذه بعض الأمثلة على عدم الأمانة والدقة فى العرض, حتى وإن كانت النوايا حسنة. نحن هنا أمام شباب منوم تنويما مغناطيسيا, ويقبل ما يقوله الداعية بدون شك أو مناقشة. فعلى الأقل يجب أن يكون أمينا فى عرض الأحاديث والقصص بعد التوثيق والتأكد من صحتها. كما أنه يستخدم أسلوب الإختيار والإنتقاء فى عرض التاريخ الإسلامى وتاريخ الصحابة. يأخذ ما يطيب له ويترك مالا يرتاح إليه. ويظهر جميع الصحابة مثل الملائكة فى النقاء والطهر. وهذا غير صحيح. فالصحابة بشر قبل كل شئ. وقاموا بالإنقسام على أنفسهم بعد موت الرسول. وكانوا يحاربون بعضهم البعض أيام الفتنة الكبرى وحروب على ومعاوية. وموقعة الجمل شاهد على ذلك. وحتى أبو هريرة, لم يكن بعض الصحابة تثق فى روايته عن الرسول.

وعبد الله بن عباس المنسوبه إليه روايات كثيرة من الأحاديث والتفسيرات, قام أثناء ولايته للبصرة – كما يقول المسعودى - بنقل بيت المال فى الغرائر. ودعا أخواله من بنى هلال ليمكنوه من الإفلات بما حمل. وكان فيما زعموا ستة آلاف ألف (6 مليون) درهم. وكادت تحدث معركة بين أهل البصرة وبين بنى هلال تسفك فيها الدماء من جراء ذلك. ويروى لما نزل مكة, اشترى من عطاء بن جبير ثلاث مولدات حجازيات يقال لهن شادن وحوراء وفتون بثلاثة آلاف دينار.

الصحابة ليسوا آلهة, بل بشرا. كان لهم شرف معاصرة الرسول الكريم ومناصرته وحماية الإسلام فى بدايته. وكان الرسول نفسه بشرا. بدليل آيات القرآن الكريم التى تثبت ذلك. ولكن لا يجب أن نزور التاريخ الإسلامى ونعطى الصحابة أكثر من حقهم. وهذا للأمانة العلمية, وحتى لا نشرك مع الله آلهة آخرين.

عمرو خالد لا يقتصر وعظه وإرشاده على المبادئ الأساسية للدين, ولكن يتدخل فى تفاصيل التفاصيل. كيف تلبس وكيف تأكل وكيف تشرب وكيف تعمل وكيف تحب وكيف تختار شريك أو شريكة حياتك. وحتى التفكير, يعلمك عمرو خالد كيف تفكر. لا بأسلوب أرسطو أو ديكارت أو هيوم, ولكن بأسلوبه هو الفريد فى نوعه. فهو يقول ما معناه مثلا: إذا تزحلقت فى قشرة موز, لا تلوم من رماها فقد يكون هذا خير وبركة. إذ قد يمنع هذا الحادث الصغير حادثا أكبر. وعليك فى هذه الحالة مكافأة من رمى قشرة الموز على الأرض. وإذا كبس فوق نفسك حاكم ظالم, فلا تثور. إذ قد يكون هذا تخطيط إلهى لحمايتك وحماية بلدك من خطب جلل. وهو مثلا, مجيئ حاكم آخر يكون أشد وبالا وظلما. ضرر صغير يحميك من ضرر أكبر وأشد. وهذا على وزن "حسنة قليلة تمنع بلاوى كتير". فلسفة قمة فى الإنحطاط الفكرى والبلادة الحسية. وفى هذا السياق, يقول الأستاذ مسعد غنيم فى مقال ممتاز له عن أسلوب الداعية فى تبرير الصبر والخنوع:

"إنه من حيث المنهج فإنى أرى أن مقال الداعية النجم متهافت في البناء ومتعسف في الاستنتاج، إن لم يكن غير أمين، وهو أمر كفيل بالقضاء على مستقبل جيل الشباب المتلقي من هذا الداعية إن اتخذوه قدوة واتبعوا منهجه غير العلمي في مواجهة عالم يتنافس أساسا بالعلم ومنهجه الدقيق"

فمن أعطى هؤلاء الإذن والسلطة لكى يقوموا بتشكيل عقول أولادنا وبناتنا. وعلى أية ملة أو فرقة أو مذهب يعظ هؤلاء. على ملة الخوارج النجدات أم الأباضية أم الصفرية أم الأزارقة أم القرامطة. أم هم شيعة زيدية أم إمامية أم إثناعشرية أم إسماعيلية. وهل هم مرجئة أم قدرية أم معتزلة أم سنة أم دروز أم أحمدية أم بابية. وإذا كانوا سنة فهل هم حنابلة أم مالكيون أم حنفيون أم شافعيون أم وهابيون أم إخوان مسلمين. وهل هم وسطيون أم متطرفون. وما رأيهم فى التصاوير والمعازف؟ فقد أباح أهل الحرمين الغناء وحرموا النبيذ, وأباح أهل العراق النبيذ وحرموا الغناء. والقصد أن الإمام أبو حنيفة فسر الخمر بعصير العنب مستندا إلى المعنى اللغوى لكلمة خمر. وأداه إجتهاده إلى تحليل بعض أنواع من الأنبذة, كنبيذ التمر والزبيب إن طبخ أدنى طبخ وشرب منه قدر لا يسكر. ولكن مالك والشافعى وإبن حنبل تحرم كل ما هو مسكر.

وما رأيهم فى الأحاديث وإسنادها والمتداول منها والمشهور والآحاد والحسن والضعيف والموضوع. وما رأيهم فى تفسير عبد الله بن عباس بوجوب لبس المرأة النقاب والنظر بعين واحدة. يفضل العين اليسرى والنظر الخفيف نص نص. وايهما الشرعى, الحجاب, أم النقاب, أم لاهذا ولا ذاك؟

كل هذا يعنى أن العملية أكبر من أن تترك للهواة والباحثين عن الثراء السريع. فالوعظ والإرشاد هو وظيفة المختصين الذين أمضوا حياتهم فى الدراسة والإستعداد لها, بشرط أن تكون تحت إشراف مؤسسات موثوق بها, تحسن تدريبهم وإختيارهم. حتى لا يتوه الناس بين رأى هذا وفتوى ذاك. وعلى الأزهر ورجاله أن يعايشوا العصر الذى يعشون فيه. حتى لا يهرب الشباب إلى الدعاة الجدد ويقعوا فى مصايد غسيل المخ المنصوبة لهم.

ونصيحتى للآباء والأمهات قبل أن يسلب الدعاة من أولادكم مستقبلهم, أن تطلعوهم على كتب الإمام محمد عبده وطه حسين وأحمد أمين, والعقاد. ولن تندموا إن فعلتم. فقد كتب هؤلاء وغيرهم روائع الكتب والدراسات عن الإسلام وتاريخه بأمانة ودقة العلماء. وإخلاص الغيورين على شعوبهم وأوطانهم. وصدقونى كان هؤلاء أكثر إيمانا وعلما من كل ماترونه على الفضائيات . بدلا من الإستسلام ببلاهة لما يقوله هؤلاء الدعاة المرتزقة. دعاة الثروة والشهرة ونوادى الروتارى والطبقة الراقية والبيزينس والسفارة الأمريكية. وكما قال على بن أبى طالب:

"إنج بنفسك بالعلم قبل أن يفاجئك الموت, ولا تكن كالهمج الرعاع الذين يتبعون كل ناعق يهرف بما لا يعرف"

zakariael@att.net
06/11/2014

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية