الإنفجار العظيم وتطور النجوم
...............................................................
بقلم: محمد زكريا توفيق
...........................
كنت أعيش فى صباى فى قرية زراعية ليس بها كهرباء. وكانت السماء صافية خالية من التلوث. وكان النظر سليم ستة على ستة. ومشاهدة السماء فى الليالى التى يغيب فيها القمر, متعة لا تعادلها متعة أخرى. فالنجوم فصوص من الماس وقلائد من الدر, أى والله. تتلألأ وتدور وتسير فى كبد السماء. والشهب والنيازك (النجمة أم ذيل) تتساقط فى الغلاف الجوى أثناء الصيف فيما يشبه الألعاب النارية فى المهرجانات. تعلمت أثناء إلتحاقى بفريق الكشافة فى المدرسة, وعندما كانت المدارس تربى وتعلم, كيف أحدد موقع النجم القطبى فى مكانه الثابت فى السماء. وتعلمت أيضا التعرف على نجوم برج الدب الأكبر و برج ذات الكرسى (الملكة كاثيوبيا). ومعرفة الوقت أثناء الليل بمجرد النظر إلى النجم القطبى وبعض النجوم القريبة منه. وعرفت أن كل النجوم تدور حول النجم القطبى فى دوائر مثل عقارب الساعة, وذلك بالطبع بسبب دوران الأرض حول محورها.
منذ ذلك الوقت لم يفارقنى حب النظر إلى السماء أثناء الليل, ولم تفتر رغبتى فى معرفة المزيد عنها. وللأسف المدرس المشرف على فريق الكشافة بالمدرسة, إنتقل إلى بلدة أخرى ولم يحل محله من إستطاع أن يشبع فضولى بالنسبة لعالم السحر والجمال هذا. وكلما نظرت من سطح منزلى إلى تجمعات النجوم التى تعرف بالأبراج لم أستطع التعرف عليها بإستثناء برج أو إثنين. وعندما ذهبت إلى المدينة, كان أول شئ فعلته هو البحث فى المكتبة العامة عن كتب أو مطبوعات خاصة بالنجوم. فأحضر لى أمين المكتبة ثلاثة كتب عندما تصفحتها أصبت بخيبة أمل كبيرة. فقد وجدتها كتب عن نجوم الفن. بمبة كشر ومنيرة المهدية وعلى الكسار. ولكن ما هى حكاية النجوم الحقيقية التى نشاهدها فى السماء هذه؟ وما هو الموضوع بالضبط؟
تطور علم الفلك فى السنوات الأخيرة بطريقة مذهلة. وأصبحنا نعرف الكثير عن أنفسنا وعن الكون الذى ننتمى إليه. فلم يشاهد علم الفلك فى آلاف السنين التى مضت تغيرا كبيرا حتى العشرينات. وخلال فترة العشرينات فقط تحققت ثلاثة معلومات هامة لم تكن معروفة من قبل. وهى:
أولا – الشمس والكواكب التسعة التى تدور حولها ومنها الأرض, هى نجم صغير, أحد نجوم مجرة الطريق اللبنى والتى يبلغ عددها ما بين 200 و400 بليون نجم.(البليون = الف مليون)
ثانيا – بقع الضوء الخافتة والتى نراها بالتليسكوبات فى المناطق السوداء من بين مواقع النجوم, هى فى الواقع مجرات تحتوى على مئات البلايين من النجوم ولكنها تقع بعيدة جدا خارج مجرتنا.
ثالثا – المجرات أو البقع الخافتة هذه عددها 130 بليون مجرة. بمعنى أنه لو صوبنا تليسكوب نحو أية بقعة سوداء فى السماء, سواء فى نصف الكرة الشمالى أو الجنوبى, مساحتها لا تزيد عن البوصة المربعة, فإننا سوف نجد فى هذه البقعة مجرة أو أكثر بكل ما فيها من مئات البلايين من النجوم. وإذا أرنا أن نعرف عدد النجوم فى هذا الكون, فيجب أن نضرب 400 بليون, وهى عدد النجوم فى المجرة الواحدة, فى 130 بليون وهو عدد المجرات. أى تساوى بالتقريب خمسون الف بليون بليون نجم.
فى عام 1916م ظهرت نظرية النسبية العامة لأينشتين. فى ذلك الوقت, لم يكن معروفا أن الكون يتسع ويتمدد. وعندما حاول أينشتين تطبيق نظريته الجديدة فى الفلك, أصيب بخيبة أمل كبيرة. فلم تستقيم معادلاته, ولم يصل إلى نتيجة. وفى عام 1922م وعام 1927م, وجد إثنان من العلماء, كل على حدة, أن نظرية النسبية العامة لأينشتين يمكن تطبيقها فى الفلك بدون مشاكل إذا إفترضنا أن الكون يتمدد ويتسع إلى الخارج. العالمان هما فريدمان الروسى الأصل ولامتر قس بلجيكى. والقس البلجيكى هو الذى إقترح بأن الكون كله قد يكون أتى من إنفجار عظيم من نقطة صغيرة فى حجم ثقب الإبرة. فى عام 1929م أثبت إدون هبل بالدليل العلمى أن الكون يتسع ويتمدد. وأصبح الكون كله بما فيه من مجرات ونجوم, فى نظر نظرية النسبية العامة لأينشتين, هو كون يتمدد ويتسع فى فراغ منحنى (مقعر أو محدب). ماذا يعنى إنحناء الفراغ.
من السهل تخيل إنحناء الخط أو الشكل المسطح (الورقة مثلا). ولكن من الصعب تخيل إنحناء الفراغ المكون من أبعاد ثلاثة. ولكننى سوف أحاول توضيح ذلك بمثال. نفترض أن شعاعين من أشعة الليزر أرسلا متوازيين إلى الفضاء الخارجى. حسب المفهوم التقليدى للفراغ, الشعاعان سوف يظلان متوازيين مهما إمتدا. هكذا تعلمنا فى المدارس الإعدادية من هندسة إقليدس أن الخطوط المتوازية لا تتقابل. ولكن نظرية النسبية العامة تقول أن الشعاعين إما أن يتلاقيا أو يبتعدا عن بعضهما. والسبب هو أن الفراغ نفسه يتشكل بسبب الكتل الموجوده داخله. مثلما يتغير شكل مفرش مشدود من القماش إذا وضع عليه كرة من الحديد مثلا.
إذا إقتربا الشعاعان وتلاقيا, فيعنى هذا أن الفراغ مقعر إلى الداخل وبالتالى يكون الكون مغلق. ويعنى أيضا أن تمدد الكون الذى نعيش فيه سوف يصل إلى نهاية, بعدها يبدأ فى الإنكماش بسبب قوى الجاذبية حتى يعود الكون كله إلى نقطة صغيرة فى حجم ثقب الإبرة كما كان. وقد يحدث إنفجار عظيم مرة أخرى يعود الكون بعدها فى التمدد والإتساع. أما إذا إبتعدا الشعاعان عن بعضهما وإنفرجا, فيعنى هذا أن الكون مفتوح. وأن المجرات ستظل تبتعد عن بعضها, وبمرور الزمن, يبرد الكون ويعم الظلام ويموت كل شئ.
من المعروف أن صوت القطار القادم إلينا يختلف عن صوت القطار المبتعد عنا. وكلا الصوتين يختلفان عن صوت القطار الواقف فى المحطة. لماذا؟ لأن سرعة القطار القادم تضغط موجات الصوت مع بعضها, وسرعة القطار المبتعد عنا تخلخل أو تبعد موجات الصوت عن بعضها. لذلك نسمع صوت القطار مختلف فى كل حالة. كذلك موجات الضوء القادم إلينا من المجرات البعيدة. فإذا كانت المجرة قادمة إلينا بسرعة, فنتوقع أن تكون موجات ضوئها مضغوطة. وهذا يعنى أن التحليل الطيفى لضوئها يكون مضغوطا نحو اللون الأزرق. أما إذا كانت المجرة تبتعد عنا فنتوقع أن التحليل الطيفى لضوئها يكون منحازا نحو اللون الأحمر.
وجد عالم الفلك هبل بعد دراسة خواص ألون الطيف الآتية من المجرات, أنها كلها بدون إستثناء تبتعد عنا. ولمعرفة عمر الكون. لا بد من معرفة بعد الأجرام الموجودة به عن بعضها. ولمعرفة بعد نجم عن الأرض مثلا, يرصد النجم من على سطح الأرض فى وقت الصيف وفى وقت الشتاء. أى من مكانين متقابين بالنسبة للشمس. وبالتالى يكون لدينا مثلث متساوى الضلعين. يقع فى رأسه النجم المراد قياس بعده. وقاعدة المثلث هى المسافة بين موضعى الكرة الأرضية بالنسبة للشمس فى الصيف والشتاء. وبعملية حسابية بسيطة, يمكن قياس بعد النجم عنا. وفى عام 1948م وبإستخدام التلسكوب الضخم 200_بوصة أمكن معرفة بعد المجرات عنا. ومن ثم, تم تحديد عمر الكون بين 10 و 15 بليون سنة. (عمر الأرض والشمس وباقى الكواكب 4.5 بليون سنة).
لكن من أين أتت كل هذه النجوم والمجرات. يقول العلماء أن الكون كله, كما ذكرنا سابقا, قد أتى من نقطة واحدة فى حجم ثقب الإبرة أو أصغر. ثم حدث إنفجار عظيم إنطلقت منه طاقة وحرارة هائلة لا يتخيلها عقل, بدأت فى الإنتشار بسرعة رهيبة. وبدأت الحرارة تبرد بالإنتشار ثم بدأت الطاقة تتحول إلى عناصر غازية. غاز الهيدروجين بنسبة 73% وغاز الهيليوم بنسبة 27%. أثناء تدافع الغازات وبفعل الجاذبية, بدأت تتكون كتل وتجمعات غازية فى الفراغ. مع مرور الوقت, هذه الكتل الغازية بدأت ذراتها فى التجاذب مع بعضها بفعل قوى الجاذبية. وبدأت حرارتها تزداد مع إزدياد ضغط كتلتها. وبمرور الوقت, تتحول الكتلة الغازية إلى قنبلة نووية تنفجر وتظل مشتعلة حتى ينفذ وقودها من الهيدروجين. هذه القنابل النووية هى شمسنا ومعظم النجوم المضيئة التى نشاهدها فى السماء أثناء الليل.
لكن ما هو شكل المجرة؟ إذا كانت النجوم والغازات والأتربة داخل المجرة مجمعة بفعل الجاذبية, فإن المجموعة سوف تبدأ فى الدوران حول محور. هذا الدوران يجعلها تتشكل على هيئة كرة تأخذ فى التفلطح عند القطبين, والإنبعاج من الوسط. وتستمر فى التفلطح والإنبعاج والدوران إلى أن تصل مع مرور الزمن إلى شكل قرص له أذرع حلزونية ضمت إليه. مثل المتزلج على الجليد عندما يدور حول نفسه ثم يضم يديه إلى جسده حتى تزيد سرعته. هذا القرص يتكون من نجوم وأتربة ودخان. وهو شكل معظم المجرات فى هذا الكون الذى نعرفه. قطر هذا القرص الحلزونى قد يبلغ مسافة يقطعها الضوء فى 100000 سنة ضوئية. والسنة الضوئية هى المسافة التى يقطعها الضوء فى سنة كاملة. والضوء يسير بسرعة 300000 كيلومتر فى الثانية الواحدة. وهى سرعة تسمح بالدوران حول الكرة الأرضية 7 مرات فى الثانية.
المجرة التى نعيش فيها على شكل قرص حلزونى الأطراف. والشمس ليست فى مركزه, وإنما تقع على بعد الثلث من الحافة والثلثين من المركز. وإذا نظرنا إلى نجوم السماء أثناء الليالى الصافية التى يغيب فيها القمر, فإننا نرى حافة القرص على شكل خط أبيض يمر بالسماء. هذا الخط يعرف بالطريق اللبنى أو طريق التبانة. لأنه يشبه اللبن المسكوب على الأرض, أو الطريق الذى تسلكه الدواب وهى تحمل التبن. هذه قصة المجرات. ولكن ما حكاية النجوم؟ وكيف ولدت؟ وكيف تعيش وتموت؟ ومن أين أتت الغازات والأتربة الموجودة داخل المجرات والمنتشرة فى الفراغ بين النجوم؟
فى الواقع هذه الأتربة والغازات قد صنعت داخل نجوم قد توفاها الله ودخلت فى رحمته منذ زمن سابق. وتناثرت أشلاؤها فى الفضاء الخارجى. إذا كانت هذه المعلومة غريبة, فالأغرب منها أن كل ذرة فى أجسامنا وكذلك كل عناصر الكرة الأرضية قد صنعت وطبخت داخل نجم سابق, غير الشمس بالطبع, توفاه الله من زمن مضى ولا نعرف نحن أبنائه عنه شيئا.
كل شئ يولد يموت. هذه سنة الحياة. والنجوم لا تشذ عن هذه القاعدة. فهى أيضا كما تولد تموت. البعض يموت فى سلام, كما ماتت أم ملكة إنجلترا أثناء نومها عن عمر يناهز المائة بدون مرض أو الم. والبعض الأخر يمثل موته ملحمة ودراما كبيرة فى قصة الخلق هذه. وهذا يتوقف على كتلة النجم. هل هو نحيف أم ضخم الجسم.
بعض النجوم تبلغ كتلتها 0.1 من كتلة الشمس. والبعض الآخر تبلغ كتلته 100 ضعف كتلة الشمس. النجوم صغيرة الكتلة نسبيا ومنها الشمس, تشتعل ويحترق وقودها ببطء شديد, ويستغرق ذلك بلايين السنين (بالباء). لكن النجوم ضخمة الكتلة, تشتعل ويحترق وقودها بسرعة كبيرة وتموت خلال 10 مليون سنة (بالميم). وإذا عرفنا أن البليون يساوى 1000 مليون, فيمكن القول أن النجوم الصغيرة (وهذه ميزة كبيرة) تعيش ألف ضعف عمر النجوم كبيرة الكتلة.
عندما يبدأ النجم فى الإشتعال, تنصهر عناصر غاز الهيدروجين داخله وتتحول إلى عناصر غاز آخر هو الهيليوم. وتنطلق تبعا لذلك طاقة وحرارة شديدة. ماذا يحدث عندما ينضب معين النجم من غاز الهيدروجين؟ ينتفخ حجم النجم ويتورم, ويتحول إلى مارد أحمر. وسبب الإحمرار هو إنخفاض درجة حرارة سطحه. (نجم منكب الجوزاء ببرج الجبار هو عملاق أحمر. درجة حرارتة تبلغ نصف حرارة الشمس, وحجمه 460 ضعف حجم الشمس ويبعد عنا 430 سنة ضوئية). ثم ينكمش مركز العملاق الأحمر ويصبح أكثر حرارة وكثافة. وبسبب الحرارة الشديدة والكثافة الهائلة فى المركز, تبدأ عناصر الهيليوم فى الإنصهار النووى وتتحد مع بعضها لتوليد عناصر جديدة من الكربون والأكسوجين.
إذا كانت كتلة النجم صغيرة نسبيا, أقل من 1.4 كتلة الشمس مثلا, فإن الإنصهار النووى داخل النجم يتوقف عند صناعة الكربون والأكسوجين, لآن قوى الجاذبية لا تستطيع بسبب صغر كتلته من صهر الكربون والأكسوجين لتوليد عناصر أثقل. ثم يتمدد غلافه الخارجى فى الفضاء وينكمش مركزه ويكون ما يعرف بالقزم الأبيض. لأنه يشع ضوء أبيض خافت. حجمه صغير جدا بالنسبة لكثافته. (فى مثل حجم الكرة الأرضية)
أما إذا كانت كتلة النجم تبلغ من 1.4 - 6 كتلة الشمس, فعندما تنضب عناصر الهيليوم كلها, تنصهر عناصر الكربون والأكسوجين لتكون عناصر جديدة أثقل. ثم عناصر أخرى أثقل فأثقل. إلى أن نصل إلى الحديد. ويكون الحديد هو آخر العناصر التى تصنع بهذه الطريقة. الحديد رغم إحترامنا له, لا يصلح لكي يستخدم كوقود نووى لتصنيع عناصر أخرى ثقيلة مثل الفضة والذهب واليورانيوم. إذا كان الأمر كذلك, فمن أين أتت معادن مثل الفضة والذهب واليورانيوم.
عندما يستهلك النجم مخزونه من الوقود النووى وهو فى هذه الحالة العناصر القابلة للإنصهار, ولا يتبقى سوى الحديد. يقف النشاط فى مركز النجم, فتنجذب كل ذرات النجم إلى المركز بفعل الجاذبية فى ثوان بسرعة شديدة ثم تنعكس وتنفجر متناثرة فى الفضاء الخارجى. فى هذه الحالة يسمى النجم المستسعر الأعظم (سوبر نوفا). وبسبب هذا الإنفجار المهول, تتولد طاقة مهولة وحرارة تصل إلى 10 مليون درجة مئوية, كافية لتصنيع العناصر الثقيلة مثل الفضة والذهب واليورانيوم. هذا الإنفجار يعتبر حدثا عظيما لأنه: أولا_ يحدث بمعدل مرة كل 100 سنة. وثانيا_ لأنه عندما يحدث, يستمر لمدة أسابيع أو شهور. وينتج عنه ضياء يفوق ضياء النجوم مجتمعة ويمكن رؤيته أثناء النهار. وعندما يخمد الإنفجار, يترك خلفه سحابة من الغاز والتراب تظل مضيئة لعشرات الآلاف من السنين. وينكمش مركزه إلى كتلة مكثفة على شكل كرة قطرها 15 ميل تتكون من جزيئات الذرة المسماه نيترونات. ويتحول النجم إلى ما يعرف بالنجم النيترونى. الملعقة منه تزن بليون طن.
النجم النيترونى بسبب إنكماشه وكتلته الكبيرة وصغر حجمه, يدور حول نفسه بسرعة كبيرة قد تصل إلى مئات اللفات فى الثانية الواحدة. وله أيضا مجال مغناطيسى. كل شئ يدور له مجال مغناطيسى. الشمس تدور حول نفسها مرة كل 25 يوم ولها مجال مغناطيسى يعادل فى شدته المجال المغناطيسى للأرض. والأرض تدور حول نفسها مرة كل 24 ساعة ولها مجال مغناطيسى يجعل البوصلة تتجه نحو الشمال. بعض النجوم لها مجال مغناطيسى يبلغ 30000 ضعف شدة المجال المغناطيسى للشمس. وعندما تنكمش هذه النجوم وتتحول إلى نجم نيترونى, فإن مجالها المغناطيسى يزيد إلى مليون ضعف المجال المغناطيسى للشمس.
مثل هذا النجم النيترونى ذو المجال المغناطيسى القوى, يطلق بسبب ذلك موجات راديو. وموجات الراديو مثل موجات الضوء ولكن لا تشاهدها العين أو تسمعها الأذن. فقط أجهزة تليسكوبات الراديو يمكن أن تلتقطها وتحولها إلى صوت. موجات الراديو هذه لا يرسلها النجم النيترونى فى جميع الإتجاهات كما هو الحال بالنسبة لأشعة الضوء. ولكن يرسلها على هيئة شعاع فى إتجاه واحد مثل شعاع الكشافات. وعندما يلتقطها تليسكوب الراديو على الأرض, تبدو على هيئة نبضات تتزامن مع دوران النجم الإلكترونى حول نفسه. تشبه بعد ترجمتها إلى صوت, نبضات القلب أو طلقات المدفع الرشاش. ويسمى النجم النيترونى فى هذه الحالة النجم النابض أو "بولسار".
أما إذا كانت كتلة النجم المحتضر تزيد على 6 أمثال كتلة الشمس, وينفجر مكونا المستسعر الأعظم أو السوبر نوفا, فإنه يستمر فى الإنكماش بفعل قوى الجاذبية المهولة والتى تستمر وتسحق كل شئ داخل النجم, ويتحول إلى ثقب فى الفضاء يجذب كل شئ إليه, ولا يستطيع أن يهرب منه شئ, حتى الضوء لا يستطيع الإفلات من جذبه ولذلك يسمى الثقب الأسود لأنه لا يصدر منه أى ضوء.
شئ أخير وحتى يكتمل الموضوع. وهو الجرم السماوى المسمى "كويزار". ما حكاية أخينا الكويزار هذا؟ الكويزار هو جرم سماوى صغير جدا بالنسبة لحجم وكتلة المجرة. لكنه يشع موجات راديو وطاقة تزيد على مجموع الطاقة الناتجة من المجرة بكل نجومها والتى قد يبلغ عددها 200 بليون نجم أو يزيد. والأغرب من ذلك أن بعض الكويزار يبعد عنا بسرعة تقترب من 90% من سرعة الضوء. أى أنها تبتعد عنا مسافة 10 بليون سنة ضوئية. وهذا يعنى أننا نرى الكويزار على حالته منذ 10 بليون سنة مضت. أما الآن فلا ندرى هل هو موجود أم لا. أقرب كويزار إلينا على بعد 3 بليون سنة ضوئية. ويعتقد العلماء أن الكويزار عبارة عن قلب مجرات بعيدة جدا عنا. وسبب شدة لمعان الكويزار وإرساله موجات الراديو, هو قربه من ثقب أسود فى مركز المجرة. يقوم الثقب الأسود بجذب عناصر الكويزار إليه وشفطها وأثناء عملية الشفط هذه تنطلق موجات الراديو والضوء فى الفضاء لكى تصل إلينا.
وأخير عزيزى القارئ أرجو أن تكون قد خرجت بشئ مفيد من مقالى هذا. معلومات كثيرة صحيح, ولكن من الممكن إستيعابها بسهولة مع كوبا من الشاى وأغنية لفيروز. وإلى اللقاء فى مقال آخر عن هذا الكون المذهل الذى نعيش فيه.
06/11/2014
zakariael@att.net