قصة الموسيقى الغربية – روسيني
| |
توفيق | |
بقلم: محمد زكريا توفيق
...........................
"الأوتار والترددات هي أصل كل شئ"، الفيزياء الحديثة "كيروبيني"، كان ملحن الثورة الفرنسية. "سبونتيني"، كان ملحن عصر نابليون بونابرت. ولأن الناس ملت موسيقى وألحان الثورات والقلاقل، ظهر "روسيني". عندما تصنت إلى عذب موسيقاه، تنسى همومك ومتاعبك. وتنسى عهد الرعب والإمبريالية والحروب. لذلك يمكن وصفه بأنه طبيب الأرواح ومصلح النفوس. ولد "جواكينو روسيني"، يوم 29 فبراير عام 1792م. ولأن السنة كبيسة، كان يقول، عندما بلغ الستين، أن عمره 15 سنة فقط. والده كان عازف بوق في المدينة، وكان في نفس الوقت صاحب محل جزارة (سلخانة) في مدينة "بيزارو". والدته، صاحبة الصوت الجميل، كانت ابنة خباز. جواكينو نفسه، الوسيم المرح، كان في صباه كسولا متسكعا. حاول والده تدريبه العزف على آلة البوق، لم يكن يحب دراسة الموسيقى. لكنه في يوم من الأيام، قرر أن يصبح مؤلفا موسيقيا. هنا استشاط الأب غضبا، وقال: "يمكنك أن تكون أعظم عازف بوق في البلاد. لكنك بالتأكيد، سوف تصبح أسوأ مؤلف موسيقي". بعد ذلك، وأثناء القلاقل السياسية التي مرت بإيطاليا، تم القبض على الأب، وأودع السجن. ماذا تفعل الأم ذات الصوت الرخيم؟ أخذت ابنها الصبي، والتحقت بدار أوبرا متنقلة للغناء. الصغير روسيني، كان له صوت جميل أيضا. وكان يشترك في الغناء إلى جوار والدته، نظير أجر متواضع، يضاف إلى أجر الأم.
عندما أطلق سراح الأب، التحق بالعمل كعازف بوق بأحد الفرق المتجولة. وترك الصبي روسيني في راعاية جزار صديقه في مدينة بولونيا، لكي يدرس العزف على القيثارة (الهارب) تحت إشراف أحد الموسيقيين.
مدرس الموسيقى لم يكن يستطيع العزف على القيثارة إلا باستخدام اصبعين فقط. وكان الصبي يقلده ويسخر منه. عندما علم الأب بذلك، قرر أن يغير طبيعة عمل الصبي.
أرسل الأب ابنه إلى ورشة حدادة، يقوم هناك بنفخ الكور طول اليوم. بالرغم من مشقة هذا العمل، إلا أن روسيني كان يقول بأنه تعلم من مهنة نفخ الكور، كيف يتعامل مع الزمن والوحدة الزمنية.
كان روسيني محبا للموسيقى. وكان موهوبا بالفطرة. لو أنه قام بدراسة الموسيقى، لأضحى معجزة موسيقية. لكنه كان متقلبا كسولا. هدفه الأساسي هو المرح والتسلية. إلا أنه كان يجل الصداقة وحب الناس.
مع مرور الوقت، بدأ مدرسو الموسيقى يعرضون عليه تدريبه. هذا على آلة البيانو، وذاك يقدم له تدريبات صوتية، وآخر يبين له طريقة إلقاء الشعر. وكان الصبي روسيني، يختار من كل ما يحلو له.
في سن الخامسة عشر، التحق بالكونسرفاتوار في بولونيا. لم يكن يهتم بالموسيقى الدينية والكنسية كثيرا. لذلك ترك الكونسرفاتوار حينما كان قادرا على تلحين أوبرا بمفرده. بعد ذلك، أصبح مؤلف موسيقى متجول، يجوب أنحاء إيطاليا.
في بعض الأحيان، تجذبه المدن الكبيرة. في أحيان أخرى، تجذبه المدن الصغيرة. لكنه كان يجد نفسه في المدن الصغيرة، حيث تكون دور عرض الأوبرات المحلية، لها أهمية كبيرة عند المواطنين.
بما أننا نستعرض حياة روسيني، فيجب أن نعرف حكاية كيف تولد الأوبرا الجديدة. نبدأ أولا بالمتعهد، الذي يؤسس شركة. ثم يقوم باختيار المغنيين والممثلين. يشتري القصة، غالبا تكون من شاعر مغمور بمبلغ زهيد جدا. بعد ذلك، يبحث عن ملحن يقوم بتلحين الأوبرا، واختيار المغنيين وتدريبهم.
لعدة سنوات، قام روسيني بتلحين الأوبرات الصغيرة. إذا طلب منه أن ينجز العمل في أربع أسابيع، يقضي أسبوعين منهم في اللهو والاستمتاع بالحياة. ثم يقوم بالعمل الجاد، تحت ضغط الوقت، في الأسبوعين الأخيرين. يساعده في ذلك، أنه يؤلف بسهولة وبسرعة شديدة. الشيخ سيد درويش، الملحن العظيم، عندنا في مصر، كان يفعل نفس الشئ.
كان روسيني يؤلف في الصباح، ويقوم بالتدريب وعمل البروفات في المساء. وكان يهتم بجعل الموسيقى تناسب الأصوات. كان ناجحا في تدريب الأصوات على الغناء، حتى بالنسبة لمن لا يستطيع أن يميز بين نغمة وأخرى.
أول أوبراته التي قام بتلحينها، كانت كلها قصيرة وبسيطة التكوين، يشبه بعضها البعض. كان يقول، لو شاهدت واحدة، كأنك شاهدت الكل. بسبب سهولة الألحان، تجرأ أحد المغنيين وخرج عن اللحن، وبدأ يلحن من نفسه. لذلك قرر روسيني، منذ ذلك الوقت، أن يضع بصمته على الألحان ويوشيها بالأنغام، حتى لا يتكرر ذلك.
كان يحب الحياة البوهيمية. بمعنى أنه كان يعيش "يوما بيوم". يأخذ بمبدأ: "اصرف ما في الجيب، يأتيك ما في الغيب". يفضل قضاء الوقت السعيد مع أصدقائه، على أي شئ آخر. أينما يحل، يجد حفاوة من جمهوره. كان يرتجل أغاني الغزل، مما جعل العذارى من كل الطبقات، تهمن به.
عندما بلغ الواحدة والعشرين من العمر، ظهرت له أوبرا بعنوان "تانكريدي"، وهي أفضل أعماله في فترة الشباب. مغنية الأوبرا "باستا"، في ملابس فرسان الصليب الأحمر، بالخوذة والدرع، أعطت الأوبرا بعدا جديدا.
المسرح كان، كل ليلة، ممتلئا بالجمهور. ألحان الأوبرا تتردد في الشوارع والطرقات. الأوبرا لاقت نجاحا كبيرا، لا في إيطاليا وحدها، ولكن في كل أنحاء أوروبا.
مقدمة تانكريدي لروسيني.
http://www.youtube.com/watch?v=Hsv1y-ANRg0
مغنية الأوبرا الأولى، ال"بريما دونا"، لنزوة طارئة، رفضت أن تغني الجزء الخاص بها. حدث هذا قبل أن يُرفع الستار بساعتين. أرسلت إلى روسيني ما يفيد بأنها تريد لحنا آخر، وإلا. هذا المشهد، يذكرنا بمشهد "زينات صدقي" في فيلم عنبر، عندما رفضت الغناء بملابس قديمة، ولم يبق إلا دقائق على رفع الستار.
كان روسيني يجلس في مطعم، ينتظر طبقا من الأرز. جاءته الرسالة، فماذا يفعل؟ أثناء انتظار طبقه المفضل، كتب على قصاصة ورق لحنا آخر في خمسة دقائق، وأرسله إلى المغنية العنيدة. وأصبح اللحن يعرف بلحن الأرز.
لحن الأرز من أوبرا تانكريدي، ل"روسيني".
http://www.youtube.com/watch?v=HQ_jUp_wFa4
من أعمال روسيني الأولى أيضا، أوبرا بعنوان "إيطالية في الجزائر" عام 1813م، لروسيني. هي ضمن ثلاث أوبرات أخرى، لحنها في نفس العام، منها تانكريدي. تُبين كيف نقل روسيني الموسيقى الأوبرالية الايطالية من الكلاسيكية الخالصة الى الرومانسية، دون أن يؤثر ذلك في ذوق الجمهور.
الأوبرا كوميدية، في مناخ شرقي بحت. تصور ما يجري في قصور الحكام، من مؤامرات ومغامرات غرامية. يقال أن القصة منقولة عن قصة حقيقية حدثت لروزيلانا محظية السلطان سليمان القانوني العثماني.
تدور أحداث الأوبرا على أرض الجزائر في بداية القرن التاسع عشر، أيام حكم الوالي التركي مصطفي، باي الجزائر. الوالي يأخذ مكان السلطان في الأوبرا.
يمل مصطفى، باي الجزائر، زوجته. فيطلب من القرصان "علي"، أن يأتيه بامرأة إيطالية، تكون جميلة وصغيرة السن. في نفس الوقت، تصادف وصول سفينة إلى الشاطئ، بفعل عاصفة عاتية، على متنها الحسناء الإيطالية إيزابيلا.
إيزابيلا كانت تبحث عن خطيبها "ليندور"، الذي خطفه القراصنة من قبل. ولمحاسن الصدف، نجد أن الحبيب "ليندور" موجودا بنفسه في قصر الباي مصطفي كعبد من عبيده.
بعد أن تنظم إيزابيلا حفلا صاخبا، يسرف فيه الباي في الأكل والشرب. يهرب "ليندور" و"إيزابيلا" من القصر، ويبحرا بالسفية إلى بلادهم. بذلك يجبر الباي مصطفي على العودة إلى زوجته الطيبة "الفيرا"، وهو يحاول اقناع نفسه بأن النساء الإيطاليات، لا يصلحن للحب والزواج.
الأوبرا لاقت نجاحا كبيرا، وذاع سيطها في كل أنحاء أوروبا. وأصبحت أنغامها على كل لسان. خصوصا اللحن الثلاثي الرائع في الفصل الثاني، "بابا تاتشي".
http://www.youtube.com/watch?v=IdrUCOYr4QE
مقدمة أوبرا "إيطالية في الجزائر" لروسيني.
http://www.youtube.com/watch?v=ECoJcfsGibE
أوبرا "إيطالية في الجزائر" كاملة، صوت فقط، لروسيني.
http://www.youtube.com/watch?v=lb-EPcZD7SI
بعد ذلك بثلاث سنوات، أُنتجت أوبرا "حلاق إشبيلية". هي أوبرا مليئة بالتنوعات والألحان الساحرة. يمكن أن تستمتع بألحانها، حتى وإن كنت لا تعرف اللغة اإيطالية.
حلاق إشبيلية كاملة في جزئين، مع ترجمة إنجليزية:
http://www.youtube.com/watch?v=bkzC8Y9m4Iw
http://www.youtube.com/watch?v=iSa75Wb4gpA
الأوبرا كوميدية من فصلين، المقدمة الموسيقية هادئة تتكون من لحنين. تحكي قصة حب بين الكونت الشاب "المافيفا" والغادة "روزينا". يرغبان في الزواج، إلا أن "بارتولو" الوصي على روزينا، يطمع في أموالها ويريد الزواج منها.
هنا يظهر الحلاق "فيجارو"، الذكي متعدد المواهب وصاحب الحيل، لكي يعمل على إفشال مخطط "بورتولو". تنتهي الأوبرا نهاية سعيدة بزواج المحبين وانتصار الحب.
القصة كتبها "ستوبيني"، بينما كان روسيني يقوم بتلحينها، في 13 يوما. لم يكن أيا منهما يغادر المنزل أثناء كتابتها. تلا ذلك، التدريب عليها لمدة شهر، ثم عرضها في مدينة روما. في أول عرض، حدثت أشياء عجيبة:
قُطع وتر من آلة الجيتار ، بينما كان "جارسيا"، التينور، يغني. مغن آخر يصطدم بعتبة الباب فيسقط. قطة شاردة تجري هنا وهناك على المسرح. ضج الجمهور بالضحك والهمس. مما جعل روسيني، يترك المسرح غاضبا، ويعود إلى منزله مكسور الخاطر.
في الليلة التالية، تغيب عن المسرح متعللا بالمرض، وذهب إلى الفراش لينام مبكرا. لكن بعد عرض الأوبرا، تجمهرت الناس أمام منزله، وقاموا بتحيته بالتصفيق والهتاف.
بعد ذلك، أصبحت أوبرا حلاق إشبيلية، تعرض على كل مسارح أوروبا. ولم تفقد منذ ذلك الوقت حتى الآن، شيئا من بريقها وعذوبة ألحانها. مقدار المتعة والسرور اللذان أضفتهما هذه الأوبرا على كل عشاق الأوبرا في العالم، لا تقدر بثمن. بالرغم من ذلك، لم يحصل روسيني إلا على ألفين فرانك، ثمنا لها.
الأوبرا الدينية (أوراتوريو)، بعنوان "موسى في مصر"، لحنها روسيني عام 1818م. عند عرضها لأول مرة، بدا المشهد الخاص بعبور النبي موسى واليهود البحر الأحمر مضحكا للغاية. مما تسبب في فشل العرض كله.
المشاهدون أخذوا في الضحك والهمس، وكان تأثير ذلك على روسيني كبيرا. فترك المسرح غاضبا إلى بيته. هنا ظهر مؤلف قصة الأوبرا، ذهب إلى روسيني في بيته، يقترح عليه تلحين صلاة يمكن غناؤها أثناء عبور البحر.
تقبل روسيني الفكرة، وهو في حالة اليأس هذه. نهض من فراشه، وقام بكتابة لحن صلاة (دعاء) بسرعة فائقة. في الليلة التالية، عرضت الأوبرا باللحن الجديد.
عند مشهد عبور البحر، وسماع لحن الصلاة، سجد المشاهدون على ركبهم وأخذوا يرددون اللحن مع الكورس. ثم عاصفة مدوية من التصفيق، أنست روسيني فشل الليلة السابقة. وأصبح لحن الصلاة، نموذجا يحتذي به كل مؤلفي الأوبرات اللاحقة.
لحن الصلاة لروسيني في أوبرا "موسى في مصر".
http://www.youtube.com/watch?v=IlXTwU1yxP8
في عام 1821م، تزوج روسيني في مدينة بولونيا من مغنية الأوبرا الأولى "كولبران". وقع في غرامها عندما كان يؤلف لحنا يناسب صوتها.
كانت كولبران إمرأة ذات سحر نادر. مغنيته الأولى لمدة سنتين أو ثلاثة. آخر مرة ظهرت فيها على المسرح، كان دور الملكة البابلية في أوبرا "سميراميس".
مقدمة أوبرا سميراميس لروسيني:
http://www.youtube.com/watch?v=bTauHYkul3c
أنتجت هذه الأوبرا بمناسبة احتفال في مدينة البندقية. ثم ثبت فيما بعد أنها تحفة موسيقية رائعة. لكن في بداية عرضها، قوبلت بفتور شديد، جعل روسيني يقرر عدم تأليف أوبرات لإيطاليا مستقبلا.
ذهب بعد ذلك إلى فيينا. في عام 1824م، قوبل بحفاوة في لندن. هنا قام بالغناء دويتو، مع الملك جورج الرابع. كان يحتسي الشاي في في الأماكن المألوفة. ويعزف على آلة البيانو في الحفلات العامة بسرعة البرق. عندما غادر المدينة، كان يحمل معه ثروة تقدر بسبعة آلاف جنيه استرليني.
أخيرا، استقر به المقام في مدينة باريس. التحق بجمعية الموسيقيين. كان يكن للموسيقار كيروبيني تقديرا خاصا. ذهب يوما لكي يزور كيروبيني في منزله، فلم يجده.
أثناء انتظاره، أخذ يعزف لحنا قديما لكيروبيني على البيانو. في هذه الأثناء، دخل كيروبيني وسأله كيف عرفت هذا اللحن. فأجاب روسيني بأنه سمع الناس تغنيه في الشوارع. سر كيروبيني من صديقة الذي يعرف كيف يجامل أصدقاءه.
في الواقع، كان روسيني مفضلا بين المؤلفين الموسيقيين. عين مديرا لدار الأوبرا الإيطالية. ظل يشغل هذا المنصب إلى أن طُرد شارلز العاشر ملك فرنسا، من الحكم عام 1830م.
كانت من عادته، ادخال ألحان من باكورة أعماله في مؤلفاته الأخيرة. معتقدا أن اللحن الجيد، لا يجب أن ينسى. عندما يحتاج إلى النقود، كان يعمل بسرعة تحت ضغط الحاجة. لحن الكثير من الأغاني الساحرة تحت ظروف مشابهة.
رجاه المعجبون بموسيقاه كي يأتي بشئ جديد. لذلك، ظهرت أوبرا "وليام تل" عام 1828م. هي من أروع أعماله، التي أبهرت العالم. لأنها كانت تختلف عن كل الأوبرات التي سبقتها.
مقدمة "وليام تل" لروسيني:
http://www.youtube.com/watch?v=qOofwWT3Edc
أخذ روسيني شعر "شيللر"، وجلس مع اثنين من أصدقائه لكتابة قصة الأوبرا. القصة تصف ثورة السويسريين عام 1207م، التي أدت إلى استقلال البلاد.
تبين شجاعة الوطنيين بقيادة "وليام تل"، ونضالهم ضد الحاكم النمساوي "جيسلر". كما تظهر أيضا، الصراع بين الحب والوطنية, وكيف أجبر "جيسلر" وليام تل، على أن يرمي بسهمه التفاحة التي على رأس ولده. لكنه عندما أصاب التفاحة، طعن بسيفه قلب الحاكم الظالم.
مقدمة الأوبرا الموسيقية رائعة. هي الدراما الوحيدة التي لحنها روسيني. لا توجد مقدمة موسيقية تعبر عن أحداث الأوبرا مثلها. البداية بطيئة هادئة تصور مكان مسالم أعلى جبال الألب. بعد ذلك، تهب عاصفة شديدة من الغضب. مشبعة بالبرق والرعد والمطر.
ثم تسمع قطرات المطر وهي تتضاءل حتى تختفي وسط نداء الرعاة في المراعي وصليل الأجراس. يأتي بعد ذلك، نداء الحرب وصوت البوق، ينادي بالنضال ضد جند العدو. وتنتهي المقدمة بلحن انتصار رائع.
الأوبرا مطعمة بأغاني ميلودي. أغاني الصيادين، وأغاني الصيد، والدعوة لحمل السلاح، ونغمات الحب، والكورس والعاصفة. اللحن في المشهد الختامي، هو أغنية الحرية السويسرية.
موسيقى "الهورن" والهون الفرنسي، من الصعب تأليفها. لكن روسيني كان محبا للهورن. يجب أن لا ننسى أن والده كان عازف بوق. وقد بدأ روسيني العزف على البوق وهو طفل.
عمر روسيني الآن 37 سنة، عندما لحن "وليام تل". لماذا يتوقف عن التلحين وأمامه 40 سنة أخرى يعيشها. كان يقول، نجاح آخر لن يضيف إلى شيئا جديدا. لكن فشكل واحد، قد يدمر كل شئ.
أنا لا أريد نجاح آخر، ولا أريد أن أعرض نفسي لفشل محتمل. لدي ما يكفيني من المال، ويجب أن أستريح. لقد لحنت ما فيه الكفاية باللغة الإيطالية، ولا أرغب أن ألحن بالفرنسية، ولا أستطيع التلحين بالألمانية. ويقول النقاد، أنه ربما تكون قد انتابته حالة من الكآبة والإكتئاب بسبب موت والدته وزوجته الأولى.
النصف الثاني من حياة روسيني، ليس به إلا القليل الذي يستحق الذكر. العمل الموسيقي الديني الآخر، بجانب "موسى في مصر"، هو "ستابات ماتر"، وتعني حرفيا السيدة العذراء واقفة.
كتب روسيني "ستابات ماتر" بعد أوبرا "وليام تل" بثمان سنوات. تعتبر من أفضل ثلاث أعمال بهذا الاسم في العالم. مؤلفا العملين الآخرين هما، "باليسترينا" و "بيرجوليزي".
اللحن عادة ما يكون رقيق حزين، يكتب لصوتين. لكن روسيني "ستابات ماتر"، به دراما أكثر من مجرد موسيقى للعبادة. اللحن لاقى إعجابا عظيما. يقال أن العمل يشبه باقة من الزهور ، تتقرب بها إلى الله.
لحن من "ستابات ماتر" لروسيني:
http://www.youtube.com/watch?v=h0yrV30HxHk
مر روسيني بفترة، تعب فيها من الموسيقى. لم يكن يسمح لأحد بترديد أي لحن أمامه أو ذكر كلمة موسيقى. ثم ترك باريس، وأخذ يسلي نفسه بأشياء أخرى. مثل صيد السمك وتربية الخنازير في بولونيا. لكنه عاد إلى باريس. هناك، بنى لنفسه منزلا، وفرشه بأفخر الأثاث.
كان روسيني مستعدا دائما لإسداء النصح لمن يطلبه من الموسيقيين الشبان. وكان يبدي امتعاضه للأصوات الشاذة التي تشبه الصراخ، أو ممن لا يجيدون العزف، كأنهم يطلبون الثأر من آلاتهم الموسيقية.
كان معجبا بالموسيقار "هايدن"، وعاشقا لموسيقى موزار. يعتبره أعظم موسيقي في العالم. يدين بالكثير للشاعر الإيطالي "دانتي"، مؤلف الكوميديا الإلهية. في حياته، قام بتلحين 36 أوبرا.
أثناء مرضه الأخير، زاره أشهر خمس أطباء في أوروبا. عند وفاته، نصف سكان باريس اشترك في جنازته. عزفت موسيقاه الدينية، "ستابات ماتر"، بأداء المغنيتان المشهورتان، "باتي" و"ألباني". ودفن في مقبرة "بيري لا تشيز" بباريس.
خصص روسيني مليون فرانك لإقامة دار للمسنين الموسيقيين الإيطاليين والفرنسيين. تعرف الآن باسم مؤسسة روسيني، افتتحت عام 1889م.
ولقصة الموسيقى الغربية بقية، فإلى اللقاء إن شاء الله.
zakariael@att.net