مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 الفن الهولندي – رامبرانت

  
 

توفيق

 

بقلم : محمد زكريا توفيق
............................

في منتصف القرن السادس عشر الميلادي، كان الاحساس العام بين محبي الفنون التشكيلية، أن فن الرسم بلغ أوجه. بسبب ظهور مايكل أنجلو ورفائيل وتيتان وليوناردو دافنشي. لقد مزج هؤلاء الفنانون، الجمال بالهارموني بالصدق، وتفوقوا على أعمال من سبقوهم من الإغريق والرومان القدماء. لم يعد ما يمكن عمله بالنسبة للفن، لكي يتقدم أكثر من ذلك. ولم يعد يبق للفنانين الشبان الجدد سوى التقليد. لكن التقليد مهما كانت جودته، لا ينقل روح العمل الأصلي بأمانة. لذلك سوف نجد بعض الفنانين في هذه الفترة، يرفضون أن يعيشوا في ظل العباقرة، "لن أعيش في جلباب أبي". وبدلا من التفوق على فن من سبقوهم الذي بلغ الذروة، كان عليهم أن يسلكوا منحا مختلفا. من هؤلاء، رسام يوناني كان يعيش في جزيرة كريت. له اسم طويل، ولكن شهرته "الجريكو"، 1541 – 1614م. أتي إلى مدينة فنيسيا من جزء معزول عن العالم. لم يكن مدربا على النظر إلى الصور والأشكال بأبعادها المناسبة. تأثر الجريكو بفنان آخر، تينتوريتو. أخذ عنه الكثير، التكوين الفني، والمبالغة، وإطالة الأشكال في اللوحة. بعد جيل واحد، بدأ النقاد ينظرون إلى لوحات الجريكو كنكت سخيفة أصابت الفن. لكن، بعد الحرب العالمية الأولى، عندما علمنا من الفن الحديث، ألا نطبق نفس القواعد والأسليب على كل أنواع الفنون، بدأنا نكتشف ونفهم فن الجريكو من جديد.

مثال آخر للتفكير خارج الصندوق ومبدأ لن أعيش في جلباب أبي، هو الرسام العظيم الفلمنكي "بيتر بروجل"، 1525 – 1569م. نعرف القليل عن حياته، فيما عدا أنه كان موجودا في إيطاليا. عاش ورسم كل لوحاته في أنتويرب وبروسيلز بروسيا.

نوع اللوحات التي كان يحب بروجل رسمها، هي مشاهد من حياة الفلاحين والبسطاء الفلمنك. أعظم لوحات بروجل الكوميدية، هي لوحة "فرح ريفي".

بالطبع، كل اللوحات، تفقد الكثير عندما نشاهد نسخة طباعة منها بدلا من الأصل. نفقد التفاصيل الدقيقة وصدق الألوان وتأثير الحجم الحقيقي للوحة. لكن هذا لا يمنعنا من التمتع بما يمكن الحصول عليه.

الفرح الريفي أقيم في جرن أو مخزن من مخازن الفلاحين. بالات القش تظهر من الباب في خلفية الصورة. العروس تجلس أمام ستارة زرقاء، معلق في أعلاها طاسة مربوطة بحبل كنوع من الزينة.

العروس جالسة في هدوء وسكينة على رأسها تاج. تضم يديها، وتدل ملامحها الغبية على الرضا والسعادة. السيدة والرجل العجوز بجوارها ربما هما أبواها. بينما الشاب الذي يجلس بعيدا، يمسك بيد طبقا وبالأخرى ملعقة يزدرد بها الطعام، هو العريس.

كل المدعوين على مائدة الطعام، مشغولين بالأكل أو الشرب أو طلب المزيد. على شمال اللوحة، نجد رجلا يملأ وعاء فخاريا بيرة من جرة كبيرة، وعلى الأرض بجواره، أوعية كثيرة فارغة.

بينما يحمل أطباق الثريد أو المهلبية رجلان، على لوح خشبي، ويلبسان مرايل بيضاء. أحد الضيوف، يساعد نفسه ويأخذ بيده أحد الأطباق، ويقوم بالمناولة. في الخلف، زحمة بالباب تريد الدخول.

أحد أفراد الفرقة الموسيقية، ينظر إلى الطعام الذي يمر أمامه، بنظرة أنسته العزف، كلها يأس وحرمان، تمزق القلب وتثير الشفقة. اثنان على اليمين يتبادلان أطراف الحديث. وطفل على اليسار يلبس قبعة أكبر من رأسه بها ريشة طويلة، لا بد أنها قبعة والده، يمسك بطبق ويلعق أصابعه.

اللوحة بها ثراء نادر، مليئة بالحكايات والملاحظات. لكن بروجل، نظم كل هذه الشخصيات في اللوحة، بحيث لا تبدو مزدحمة أو مربكة للمشاهد. بروجل لم يكن يبحث هنا عن الجمال أو القصص الدينية أو الأساطير الإغريقية.

بروجل في هذه اللوحة، التي تبين حركة مجموعات تحكي لنا قصة، يكون قد اكتشف أسلوبا وعالما جديدا من عوالم الفن، تبعه الكثير من الفنانين إلى نهايته، وخصوصا فناني الأراضي المنخفضة (هولندا).

عندما حصل الأمير ويليامز على استقلال هولندا من إسبانيا، ظهر هناك نوعا جديدا من الفن. مع الحرية السياسية، جاءت أيضا حرية في الفنون، أدت إلى ظهور مدارس عديدة رائعة.

الفن الإيطالي، كما أسلفنا سابقا، مليئ بصور الأساطير والقديسين والملائكة. أما الفن الهولندي، فهو لا يهتم بقصص الأساطير. إنما جل اهتمامه، تخليد صور الرجال الشجعان الذين ساهموا في نيل الحرية والاستقلال والازدهار لبلادهم.

الفنان الإيطالي يحب اظهار سماء بلاده الزرقاء الصافية ومناظر التلال والجبال، بينما الهولندي، يحب اظهار السماء الملبدة بالغيوم ومناظر الوديان والأنهار وطواحين الهواء. كلما كانت الدنيا غيام في الخارج، كلما ازداد توهج النار في المدفأة وسطع الضوء في الداخل.

خير من يمثل العصر الذهبي للفن الهولندي في هذه الحقبة هو الرسام "رامبرانت". ولد رامبرانت في مدينة ليدن عام 1606م. مدينة ليدن، معروفة ببساتينها المثمرة وحدائقها الغناء. مشهورة تاريخيا بسبب حصارها في الحرب، بالإضافة إلى سمعة جامعتها العظيمة.

والد رامبرانت كان طحانا، رامبرانت كان أذكى أعضاء الأسرة. لذلك قرر الوالد أن يعده لكي يكون إما كاهنا أو محاميا. من ثم، أرسله إلى مدرسة لاتينية. بعد ذلك، إلى جامعة ليدن. لكن رامبرانت لم يكن مهتما بالكتب والدراسة الأكاديمية.

كان اهتمام رامبرانت، بدراسة الأشكال في الطبيعة والوجوه والصور المرسومة على جدران القصور. أنذره والده بأنه إذا استمر على هذا المنوال، فلن يرى الغنى في حياته. رد رامبرانت بسؤاله: "هل سمعت عن ثروت الفنان روبينز أو الفنانين الفلمنك؟" ثم أضاف: "لماذا لا أكون غنيا بنفس الطريقة؟"

عندما قوبلت نصائح الأب بإصرار الابن، أرسل رامبرانت إلى أحد الرسامين لكي يختبر مواهبه ومقدرته على الرسم. بعد ثلاث سنوات قضاها رامبرانت مع رسام في ليدن وآخر في أمستردام، شعر رامبرانت الشاب أنه قد تعلم ما فيه الكفاية، ثم عاد إلى منزلة لدراسة الطبيعة.

أقام رامبرانت استوديو لنفسه. وبدأ يفتح النوافذ ويغلقها، لكي يدرس تأثير الضوء والظل على الأشكال. كان يتريض بالمشي مسافات طويلة، يستمتع بالمناظر الخلابة، ويراقب التعبيرات على وجوه من يقابلهم في الطريق. نجح في بيع لوحة له في البداية بمبلغ كبير، مما أسعده وأسعد معارفه.

بدأ يرسم أفراد أسرته، مرارا وتكرارا. لوحات قليلة أوضح فيها ملامح أمه القوية التي كان يحبها حبا جما.

كانت أمستردام، في ذلك الوقت، مدينة كبيرة مزدهرة. بها الجداول الكثيرة والجسور. وكانت تسمى "فنيسيا الشمال". شوارعها مزدحمة بالتجار، وموانيها زاخرة بالمراكب الشراعية المحملة بالبضائع من كل أنحاء العالم.

كانت أمستردام وطن الكثير من الفنانين والأدباء. في عام 1630م، قرر رامبرانت الانتقال إلى أمستردام لكي يعيش هناك. أبحر عبر القنال، وعند وصوله، أقام أول استوديو له في العاصمة.

في عام 1632م، رسم لوحة "درس في التشريح". وهي لوحة تهم فقط المشتغلين بالطب والجراحة. إلا أنها شهرت فناننا الشاب. لأن وجه المدرس في اللوحة الدكتور "تولب" ووجوه تلاميذه، جاءت شبيهة بالأصل إلى حد كبير.

بعد رسم هذه اللوحة، تهافتت التلاميذ على استوديو رامبرانت. خصص لهم أماكن منفصل لكل منهم، لأنه كان يعتقد أن التلميذ يتعلم أسرع عندما يعمل بمفرده.

ثم أصبح رامبرانت بسرعة، رسام أمستردام المفضل. التجار الأثرياء ونساء العائلات كن يتهافتن على مرسمه لرسم بورتريهات لهن. وكانت أسعاره مرتفعة بالمقارنة بالرسامين الآخرين في وقته.

كان لدى رامبرانت صديق يدعى ""هندريك فان يلينبورش"، له متجر يبيع فيه الأنتيكات والتماثيل الصغيرة. هذا هو المكان المفضل لدي رامبرات، وكان يحب أن يقضي فيه أطول وقت ممكن.

كان يقابل رامبرانت في هذا المكان، ساسكيا يلينبورش، الفتاة اليهودية ابنة عم صاحب المتجر. ساسكيا أيضا، كانت من المعجبات بفن الرسم وتحب الفرجة على اللوحات.

لم تكن ساسكيا جميلة بالمقاييس المتعارف عليها، ولكنها كانت رقيقة، بكر، بوجه صبوح وشعر مموج كستنائي. طلبت من رامبرانت أن يرسم بورتريه لها.

كلما نظر رامبرانت إلى عينيها، كلما وجد شيئا فيهما يناديه نحو الاعمق، كما يقول شاعرنا الرائع نزار قباني. وبما أن رسامنا الشاب ليس عنده تجربة ولا زورق، وقع في غرام ساسكيا.

ساسكيا كانت ثرية، أرستقراطية، لم تتعد الواحدة والعشرين ربيعا. وكان عمر رامبرانت في ذلك الوقت 28 سنة، في بداية شهرته. في عام 1634م، تزوج رامبرانت وساسكيا.

قام رامبرانت بعد ذلك، بشراء منزلا جميلا، وجعله متحفا. ملأه بتحف الأثاث والأسلحة والتماثيل المنحوته والنصفية، والمجوهرات واللوحات والطيور المحنطة والأسلحة البدائية للهنود الحمر، وغيرها من الأنتيكات. لم يكن أي سعر لهذه الأشياء يوقفه عن شرائها وضمها إلى مجموعته.

كان يحب رامبرانت أن يظهر صورة ساسكيا في لوحاته، بفساتينها المختلفة وحليها الثمينة. ولكي نعرف رامبرانت جيدا، يجب أن نتعرف على زوجته، من خلال الصور الكثيرة التي رسمها لها زوجها. فهي تارة إلهة الزهور "فلورا"، وتارة أخرى العروس اليهودية أو الأميرة.

هي تلبس الملابس الفاخرة، ويظهر رامبرانت كفارس، بمعطف قطيفة وقبعة محلاه بريش النعام. يبدو مرحا في غاية السعادة. يرفع بيده كأسا طويلا مليئا إلى منتصفه بالبيرة. وهي تبدو على ملامح وجهها علامات الرضا والاطمئنان.

هذه اللوحة تبين لنا اللون البني الداكن الذي يحب أن يظهره رامبرانت في لوحاته. اللوحة مليئة بالثراء الذي يظهر في الملابس الفاخرة والجواهر الثمينة التي تتحلى بها ساسكيا. لكنها كانت تستحق أكثر من ذلك، لأنها نفسها، كانت أغلى جوهرة في حياة رامبرانت.

إلى جانب صور ساسكيا الكثيرة، ترك لنا رامبرانت صورا كثيرة لنفسه أكثر من أي فنان آخر. ظهر لنا، وكذلك ساسيا، في كل أنواع الثياب المعروفة في ذلك الوقت، محلاة بالسلاسل الذهبية والجواهر والقبعات ذات الريش الملون.

كان رامبرانت موديل نفسه. كان يقف أمام المرآة، يدون الملاحظات ويرسم كل أنواع تعبيرات الوجه. كل تجاعيد الوجه أثناء الضحك أو البكاء، كانت تدرس بعناية. وكان يلاحظ مساقط الضوء والظلال على الوجه والجسد.

رسم أيضا بورتريهات لكل الناس بكل أشكالها ومراكزها الاجتماعية. لأنه كان يريد تسجيل كل أنواع التعبيرات الإنسانية التي تظهر على وجوه البشر. وكان يهتم بصفة خاصة بالفقراء والمغبونين. وما يبدونه من حزن مكتوبا على الجبين.

صور الشحاذين التي رسمها رامبرانت وحدها، تملأ معرضا كاملا. وكذلك صور اليهود والصعاليك الذين يتوافدون على باب منزله. وجوه كبار السن التي رسمها رامبرانت نجدها مصبوغة بالملامح الواضحة التي لا تنسى.

تلاميذه لا يعرفون كيف يقلدون رامبرانت في هذا الأسلوب، مهما راقبوه عن كثب وهو يعمل. وقف أحد التلاميذ يراقبه وهو يرسم، فصرخ فيه رامبرانت لكي يبعد قائلا: "الألوان مضرة بالصحة ولم تعمل لكي نقف نستنشق رائحتها".

السنوات السعيدة تمر بسرعة. في عالم الفن، لا يمكنك ارضاء كل الأذواق. وبينما كان رامبرانت يواصل رسم البورتريهات للزبائن، بدأ النجاح والشهرة والثقة بالنفس تلعب برأسه.

صار عصبيا غريب الأطوار. كان يضحي بالجمال في لوحاته طلبا للتعبير القوي ذي الدلالة. لا يأخذ في الاعتبار رغبة الزبون الذي يريد أن يظهر في أجمل صورة ممكنة.

هو يبحث عن موضوع فني يصلح للمتاحف، والزبون يريد أن يعود بصورة جميلة له يعلقها في الصالون ليبهر بها أصدقائه. لذلك مل رامبرات رسم الزبائن بأجر، وعاد لرسم موضوعات فنية مختلفة.

في عام 1642م، رسم رامبرانت لوحة ضخمة بعنوان "حراس الليل".

في هولندا، كل مدينة أو قرية لها حرس مكون من شخصيات بارزة في المجتمع. يحملون على أكتافهم تنظيم وإدارة وأمن المدينة. فرانز باننج كوك، كان في ذلك الوقت كابتن الحرس المدني في مدينة أمستردام. طلب من رامبرانت رسم صورة له ورجاله.

هذه اللوحة مليئة بالحركة والحياة. ألوانها رائعة، تبين أسلوب رامبرانت المميز في توظيف الضوء والظلال لخدمة العمل الفني. عندما نزور متحف ريكس في أمستردام، حيث توجد اللوحة، نتحقق لماذا تعتبر هذه اللوحة بالذات، من روائع اللوحات العالمية التي رسمت حتى الآن.

اسم اللوحة "حراس الليل"، لكن في عام 1889م، عندما نظفت من التراب والدخان العالق بها، ثبت أنها رسمت لكي تمثل مشهدا أثناء النهار. ولكن هذا لا يغير شيئا، فسواء كان مصدر الضوء الشمس أو القمر، لا يسعنا إلا القول بأن المصدر الحقيقي للضوء، هو عبقرية رامبرانت التي لا تتكر كثيرا.

هذه اللوحة لم تضف شيئا جديدا إلى شهرة رامبرانت التي بلغت الآفاق. الحراس كل منهم وعد بأن يسدد نصيبه في تكاليف اللوحة. لأن صورته كانت تظهر مطابقة للأصل.

كان يلبسهم رامبرانت ملابس من عنده ويأخذهم في الاستوديو لرسمهم واحدا تلو الآخر. لكن لم يقم بسداد نصيبه من تكلفة اللوحة إلا عدد قليل، بحجة أن معظم الحراس ظهروا في الظل، لذلك لم يقوموا بسداد ما وعدوا به.

الرسام "فان دير هيست"، أصبح الآن مشهورا كرسام بورتريه، بعد أن زهد رامبرانت في عمل البورتريهات. لكن هذا لم يؤثر كثيرا في نفسية رامبرانت. لأن أيام السعادة قد ولت. وساسكيا، زوجته وحبيبته وأجمل شئ في حياته، كانت تحتضر بعد زواج لم يدم سوى ثمان سنوات فقط.

أصبح رامبرانت وحيدا، ولم يجد غير عمله يدفن فيه حزنه وآلامه. تكالبت عليه الأحزان بمرور الوقت، وأصبح عصبيا للغاية. وكان يكتفي بأكل العيش والملح، أو العيش مع قطعة من الجبن وهو يرسم لوحاته.

كان رامبرانت يحب أن يقرأ الانجيل. لوحاته الدينية رسمها في هذا الوقت الحزين. كان يعتقد أن قصص الانجيل يجب أن يمثلها ناس بسطاء. وكان يأخذ موديلات للوحاته الدينية من الجالية اليهودية بأمستردام.

العشاء هنا حدث يوم الأحد، بعد قيامة المسيح. الغرفة بيت من بيوت الناس الفقراء. اثنان من تلاميذ المسيح يجلسون على طاولة بدائية. يشبهون إلى حد كبير الفلاحين الهولنديين.

صور رامبرانت لحظة اكتشاف أن الزائر هو السيد المسيح، بعد قيامته من القبر. الدهشة مرسومة على وجهيهما. وجه المسيح المعبر، الذي لا نجد له مثيلا في تاريخ الفن، يحكي قصة ماحدث بدون كلام.

لا نرى مصدر النور الذي يغمر وجه المسيح ثم ينعكس على مفرش الطاولة بالضياء الساطع. باقي الغرفة تغرق في الظلام الدامس.

لا نعرف الكثير عن حياة رامبرانت الأخيرة. غير أنه قد تزوج مرة أو مرتين بعد ساسكيا. لم يكن رامبرانت يجيد فن الاقتصاد المنزلي. وكان ينفق بإسراف، أدي في النهاية إلى أن أصبح فقيرا معدما.

كان عليه أن يبيع منزله وكل مجوهرات ساسكيا التي كانت تتحلى بها في صورها. باع أيضا كل ما يملك من تحف ولوحات، جمعها أو رسمها من قبل. إلا أنه كان لا يزال يرسم. في الواقع، رسم في هذه الفترة أجمل أعماله على الإطلاق، وهي لوحة: "أعضاء نقابة صانعي الملابس".

كان في هولندا الكثير من النقابات الثرية. يمتلكون صالات فاخرة للاجتماعات. جدران هذه الصالات كانت تزين باللوحات الفنية والبورتريهات الخاصة بالأعضاء.

صور رامبرانت أعضاء النقابة، والضوء مسلط عليهم. صالة الاجتماع فاخرة مجلد نصف حيطانها السفلي بخشب الأرو. الأعضاء يلبسون معاطف قاتمة وياقات كبيرة بيضاء، وقبعات عريضة سوداء.

خادم، لا يلبس قبعة، يقف في خلفية الصورة. الطاولة التي يجلسون عليها، مفروشة بغطاء فاخر قرمزي. عليها دفتر حسابات النقابة. الاجتماع كان لمراجعة الحساب الختامي للنقابه. يبدو، في هذه اللحظة، أن أحدا قد دخل عليهم بغتة، لأنهم ينظرون جميعا في اتجاه القادم.

أعضاء النقابة يشبهون النبلاء. تعبيرات وجوههم تختلف من شخص لآخر. كل منهم، يجب أن تكون صورته مطابقة للأصل.

بعد مرض قصير، توفي رامبرانت عام 1669م، عن عمر 63 سنة. توفى أمير الرسم، وشيكسبير الرسم، وملك الظلال، ورسام الرسامين. هذه بعض الألقاب التي كانت تطلق عليه.

رغم ما قدمه لعالم الفن، إلا أنه مات فقيرا معدما. تكاليف جنازته لم تتعد العشرة جنيهات. لوحة "رجل يضع على خاصرته"، التي رسمها رامبرانت، بيعت في مزاد كرستي العلني بمبلغ 33.2 مليون دولار.

وإلى اللقاء في مقال قادم إن شاء الله، لكي نواصل ما انقطع من حديث الفن والفنانين.

zakariael@att.net
 


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية