مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 قضاة في شكاير

 

مرسي

 

بقلم: محمد زكريا توفيق
...........................


سيدخل الرئيس مرسي ورجاله المخلصين موسوعة جينيس، بأنهم أول من أرادوا تعبئة قضاة محكمتهم الدستورية في أجولة وشكاير، كما يعبأ الظلط والأسمنت والجير ، والبصل والنفاش والبطاطس والعجور. وأنهم أول من قاد شعوبهم بمحض اختيارهم إلى مستنقع التخلف والعطن والطين، وكله باسم الشريعة والدين.

أتخيل الشكاير، لا قدر الله وأطال في أعمار قضاتنا المحترمين، وهي ملقاة بشكل عشوائي على ظهر عربة نصف نقل قديمة. الشكاير المخضبة تقطر بالدماء، أحدها ربط على عجالة بشكل غير جيد، ففك رباطها وتدلى منها ذراع أحد القضاة الأفاضل، الذي ظهرت منه إسورة قميصه الأبيض وزرار معصمه الفضي.

الأشاوس المغاوير ، الشماليل البهاليل، أكلة لحم الجان، والمتبولون في العراء، بلحاهم الكثة الطويلة، وكروشهم الممتده الكبيرة، وجلابيبهم البيضاء القصيرة، وعيونهم الجاحظة، وعقولهم الخفيفة وأمخاخهم التخينة، التي يتصاعد منها بخار الغباوة، يقفون بين الشكاير فرحين سعداء بإنجازهم الجهادي العظيم، رافعين أيديهم المخضبة بالدماء، إلى السماء في الهواء، ملوحين بعلامات النصر والفتح المبين. مرددين: "أعطانا مرسي الإشارة، جبناهم له في شكارة."

هل سمعتم أو قرأتم، في كتب التاريخ القديم أو الحديث، أو قصص الرعب والخيال العلمي، ما هو أدنى وأحط من هذا السلوك الحيواني؟ والله الحيوانات لا تفعل هذا.

أعرف أن التاريخ ملئ بقصص الرعب التي يشيب لها الولدان، مليئة بالقتل والصلب والسحل والسمل والتعذيب، كلها كانت ضد أعداء وخصوم.

لكن، لم نسمع قط عن شعب أراد أن يعبئ في شكاير، قضاته وحماته والمدافعون عنه وعن حقوقه. رموز الحق، و أنصار العدل والصدق. أفضل ما يمكن أن ينتجه مجتمع. صفوة الصفوة، وخلاصة الخلاصة في أية دولة. كل هذا لماذا؟ لإرضاء كبيرهم الإمبراطور، القيصر الجديد القابع في قصر الإتحادية؟

أجدادنا القدماء كانوا يقدسون الحق والعدل لدرجة التأليه، معات. لكن، جيلنا البائس يريد أن يعبئ قضاتنا الأجلاء في شكاير خيش أو بلاستيكية. لذلك، بلغ جدودنا عنان السماء من حضارة ورقي، وبلغنا نحن أسفل الدرك، قاع القاع من انحطاط وتخلف.

كان المصرى القديم يعتقد أنه يموت ويأخذ معه حسناته وسيئاته. يقف أمام الآلهة لتوزن حسناته ضد سيئاته. انقاذ روحه من الفناء يتوقف على صدق عملية إقرار الحق والعدل، "معات".

لا يكفي أن يأتي بحسنات كثيرة وخطايا قليلة، إذا لم يكن هناك عدل في المحاكمة. عملية وزن الحسنات مقابل السيئات بالحق والعدل، أهم من أن تأتي بحسنات تفوق السيئات.

هنا تظهر أهمية قيمة العدل عند المصريين القدماء. إذا كان العدل ضروري لإنقاذ روحه في الآخرة، فالعدل أيضا ضروري ولازم فى الحياة الدنيا. لهذا أطلق بريستيد على الحضارة المصرية "فجر الضمير".

الحق والعدل شئ واحد وجزء لا يتجزأ. شئ مطلق فى المكان والزمان. لذلك نجد الأب الملك ينصح ابنه "مرى-كا-رع" ويحثه على إقامة الحق والعدل على سطح الأرض.

يقول منتيسكو: "الفناء قدر محتوم يصيب الأفراد والديانات والدول". كما كان اسحق نيوتن يبحث عن القوانين التي تحكم الطبيعة، كان مونتيسكو يبحث عن القوانين التي تحكم حركة المجتمع والتاريخ، والتي تسبب نهوض وفناء الدول.

أحداث التاريخ لا يسيرها الحظ أو القدر وحده، لكن هناك أسبابا مادية ومعنوية هي التي تسير التاريخ وتحدد خطاه. الفرد ما هو إلا أداة لحركة التاريخ أو "روح العصر"، كما أسماها هيجل.

القدر ليس قوة ميتافيزيقية غيبية، إنما هو محصلة عدة عوامل فيزيائية واجتماعية، يمكن إدراكها. على المؤرخين والعلماء والفلاسفة، الكشف عن هذه العوامل وفحصها ودراستها للاستفادة منها.

ما هو سبب سقوط الامبراطورية الرومانية، هذا ما يجب أن نعيه جميعا إذا أردنا مقاومة الفناء والخروج من هذه الكبوة؟ السبب الرئيس هو أنها تحولت من جمهورية إلى دكتاتورية.

الجمهورية، تتوزع داخلها السلطات وتتوازن. لكن الدكتاتورية، لا تصلح إلا لاستعباد الأفراد ومشاكسة الجيران والاعتداء على الدول المسالمة ونهب ثرواتها. الدكتاتورية هي وسيلة حكم الإخوان، لإسكات الخصوم وقيام دولتهم الإسلامية التي ينشدونها والحفاظ عليها، هم وأبناء عمومتهم السلفيون.

الدكتاتورية تدمر الحرية وتشل نشاط المواطنين. هذا يؤدي بمرور الزمن إلى انتشار الخنوع والخمول والذل بين الناس. مما يجعل الفقراء عالة على الدولة، ويضعف الأخلاق بسبب سوء توزيع الثروة وانتشار الفسق والفجور. هذا ما كنا نشاهده ونعيش فيه أيام حكم المخلوع. وهذا ما سوف يحدث عندما يحكم الإخوان ويتملكون من مفاصل الدولة.

الدكتاتورية وحكم الفرد تسبب أيضا فساد رجال الإدارة، وتؤدي إلى زيادة الضرائب، والبطالة وهجر المزارع والحقول. هي أيضا تستنزف الحيوية العسكرية للدولة، وتجعل الجيش ينشغل بتكوين مراكز قوة، تعمل على السيطرة على الحكومة المدنية.

عندما يعمل الجيش بالسياسة، يصبح اهتمامه الحفاظ على مكاسبه المادية، وتنصيب الحكام وخلعهم، بدلا من التدريب وإتقان التكنولوجيا الحديثة لحماية أمن البلاد.

يقول منتيسكو، أن الجمهورية يجب أن تقوم على الفضيلة، لا الشريعة أو الفتاوي والقوانين الدينية. لأن الفضيلة عند مونتيسكو، هي حب الوطن، والمساواة بين مواطنيه. المساواة بين المواطنين وبين المرأة والرجل، لا توجد في تفاسير الشريعة، ولا في الدستور البائس الجديد، المفروض بالعافية على الشعب المصري رغم إرادته.

الديموقراطية الحقة، يجب أن تحقق المساواة السياسية والإقتصادية بين المواطنين. الضرائب يجب أن تكون تصاعدية حتى تحقق العدالة الإجتماعية. فلسنا أفضل أو أذكى من الدول الاسكندنافية التي تطبق الإشتراكية والعدالة الإجتماعية. الدستور البائس الجديد لا يكفل العدالة الإجتماعية للفقراء والمساكين.

الحكم المطلق، يقطع الشجرة من جذورها، لكي يجمع ثمارها. الحاكم المستبد، يجرف الأرض من الخبرات النادرة، ويستأصل أعظم الناس كفاءة ومقدرة لكي يحمي قوته وسلطاته.

لاحظ كيف يستفيد مرسي بخبرات مصر النادرة، زويل (نوبل)، والبرادعي (نوبل)، والباز وغنيم ويعقوب ودرويش والجبالي، إلخ. إنك لن تجد على الساحة سوى أهل الثقة، المرشد والشاطر والكتاتني والعريان والبرنس وصالح، وأبو بركة إلخ. إذا لم تكن هذه جريمة في حق أي شعب مع سبق الإصرار والترصد، فما هو تعريفنا للجرائم التي تقع في حق الشعوب؟

كره مونتيسكو للحكم المطلق، جعله يأتي بأشهر وأعظم نظرياته، نظرية الفصل بين السلطات، التشريعية والتنفيذية والقضائية.

السلطة التشريعية تضم مجلسين: أحدهما يمثل الطبقات العليا والصفوة العلمية والاجتماعية. المجلس الآخر يمثل عامة الشعب. يوجد في كل مجتمع، أناس تتميز ثقافيا وعلميا واجتماعيا، مثل النبلاء والمثقفون والفلاسفة والعلماء. ليس من العدل أن يهملوا ويتساوا بعامة الشعب، ويكون لهم صوت واحد مثل الباقين.

إذا حرموا المشاركة في الحكم، يفقدون اهتمامهم وتفتر همتهم وملكاتهم وخبراتهم، التي يمكن أن توظف في مساندة الحكم والنهوض بالبلاد. أيضا بدون مشاركتهم، تكون معظم القرارات الشعبية في غير صالحهم وبالتالي في غير صالح البلاد. وجودهم في السلطة، يمنع إساءة استعمال عامة الشعب للديموقراطية والسلطة.

ما نراه الآن، هو عملية نصب وخداع أصحاب الإسلام السياسي للطبقات الفقيرة الأمية باسم الدين. مما جعلها تختار الحكم الديني والدولة الدينية في الانتخابات والاستفتاءات الأخيرة، ظنا منها أنها تفعل الصواب لنيل الثواب ومرضاة الله. وهي لا تدري إلى أي منعطف على الطريق يقادون إلى حتفهم.

إنهم لا يرون الهاوية السحيقة التي يقادون إليها، هاوية أفغنة الدولة ، بواسطة زبانية عتاة، وقادة ظلمة منافقين، ليست في قلوبهم ذرة من الوطنية وأصحاب طظ في مصر. أتقنوا كل فنون الميكافيللية والديماجوجية (خداع الشعب) البغيضة، وكل الأساليب والحيل القذرة في الحكم، لتزوير الإنتخابات وتضليل السذج والبسطاء من الناس.

خير دليل على هذا هو الدستور البائس الجديد، فهل هذا الدستور يعمل حقا لصالح المصريين والكادحين والمهمشين من عمال وفلاحين ونساء وأقباط وأطفال؟ أرجوا إعادة قراءة بنود هذا الدستور الكارثي، المفروض علينا بالعافية وبالغدر وبالظلم.

المجلس النيابي الذي يمثل العامة، يحمي حقوق الطبقات الدنيا من أي اعتداء يأتـي من الطبقات العليا. بذلك، تكون السلطة التشريعية في أيدي النبلاء، وفي أيدي الذين ينتخبهم الشعب، وتصبح السلطة متوازنة.

عندما تفصل السلطات الثلاثة، ويراقب كل منها السلطتين الأخريين، تتحقق حرية المواطن، وتلتئم مع عدالة الحكومة. من هنا تأتي أهمية السلطة القضائية في توازن السلطات الثلاثة في النظام الديموقراطي. قوانين الميكانيكا تقول أن توازن ثلاث قوى أسهل من توازن قوتين فقط.

إخواننا بتوع الإسلام السياسي وتجار الدين من إخوان وسلفيين، لا يفهمون هذا المبدأ، ولن يفهموه، طالما فكرة تطبيق الشريعة، التي لا يعرفون معناها، هي المسيطرة على عقولهم.

دولة الخلافة لا تقوم على مبدأ الديموقراطية وفصل السلطات. لذلك نجد تاريخ الخلافة، يتسم بالجور والظلم والعسف وإراقة الدماء. خلال تاريخها الطويل، الذي استمر أكثر من 1300 سنة، لم نر خلالها فلاح أو صلاح أو رشاد. إنما دكتاتورية وملك عضوض وظلم وقتل وتعذيب وقهر شعوب ونهب ثرواتهم باسم الدين.

أفكار مونتيسكو هذه، نجد جذورها عند هارنجتون والجرنو وسيدني وجون لوك. لقد وجد مونتيسكو ضالته في نظام الحكم الإنجليزي. فالملكية يكبح جماحها مجلس العموم. ومجلس العموم يكبح جماحه مجلس اللوردات.

كان مونتيسكو معجبا بمذهب الرواقيين، وهو مذهب يجب أن ندرسه ونفهمه جيدا، إذا أردنا التحرر من سيطرة الفكر الظلامي المتخلف، فكر سيد قطب وابن عبد الوهاب.

يعتبر مونتيسكو القضاء علي مذهب الرواقيين، محنة ابتلي بها الجنس البشري. لأن هذا المذهب وحده، هو الذي صنع الموطنين الصالحين وعظماء الرجال. الحرية عند مونتيسكو حق لكل إنسان، طالما كانت في ظل القانون. وكان يستنكر الرق وما ملكت أيمانكم لأسباب أخلاقية.

كان يعترف مونتيسكو بالله كعقل، تعبر عنه قوانين الطبيعة وروح القوانين. لا يمانع من وجود شرائع دينية تكمل القوانين المدنية، بشرط ألا تلغيها. وجود القوانين المدنية تحد من استبداد الشرائع الدينية. الشريعة وحدها تؤدي إلى الاستبداد الديني.

أفزعت مونتيسكو محاكم التفتيش في أسبانيا والبرتغال، حيث كانت تحرق الناس بدون رحمة مثل القش باسم الدين. وكان يسخر من الاضطهاد العنصري ويقول على لسان أوزبك، بطل كتابه الرسائل الفارسية:

"أنت تعلم ياميرزا كيف أُجبر الأرمن على مغادرة المملكة أو الدخول في الإسلام. اعتقادا منهم أن هؤلاء الكفار يلوثون المملكة. اضطهاد هؤلاء الكفار عبدة النار، جعلهم يفرون إلى الهند الشرقية، مما حرم البلاد من شعب جاد نشيط وعقول عظيمة مفكرة. هذا التعصب الأعمى سوف يتسبب في تدمير الصناعة والديانة التي نريد حمايتها في بلادنا."

أما جان جاك روسو، فيقول في كتابه العقد الالجتماعي: "السلطة العليا في أية دولة، هي سلطة المجتمع، أو روح الجماعة. هي التي تجعل المجتمع الديموقراطي أمرا ممكنا. سلطة المجتمع وليست سلطة الجماعة أو المرشد أو الخليفة.

طاعة القانون، وليست طاعة الطاغي أو الشيخ أو مرسي أو الشاطر، هي التي تحرر الإنسان من العبودية. الدولة تصبح ديموقاطية متى حكمتها القوانين التي يضعها الناس.

أما إذا كان الحاكم وحده هو الذي يضع القوانين، وهو الذي ينفذها، كما يحاول فعله الرئيس مرسي وجماعته، فليست هناك ديموقراطية أو دولة. بل طاغية وعبيد. انسوا حكاية الديموقراطية دي.

يقول جان جاك روسو أيضا: "الدين لهداية البشر. لا حاجة بنا إلى أن نعلق أهمية كبرى على الفروق بين المذاهب والشيع التي تمزق الأوطان. كل المذاهب والأديان خير، إذا أصلحت النفوس وحسّنت السلوك وغذت الرجاء.

من السخف أن نفترض أن الإخوان هم وحدهم الأبرار، كما يعتقد فقيههم صبحي صالح، وأن أصحاب العقائد والأديان الأخرى، هم الكفار، مصيرهم الهلاك.

لو حكم رجال أحد الأديان على الباقي بالكفر والعقاب الأبدي، لكان إله هذا الدين أظلم الطغاة وأقساهم. من يدعي أن دينه فقط هو الصواب، أو يقول بأنه لا يوجد خلاص خارج الكنيسة أو المسجد، يجب طرده من الدولة.

ننتقل الآن إلى فولتير، وهو عملاق آخر من عمالقة التنوير. كتب عن التسامح الديني: "كفى حرق الكتب، والإطاحة برؤوس الفلاسفة والعلماء، وإعدام الأبرياء، بحجة أنهم يدينون بديانات مختلفة.

هذا عار يجب أن يمحى. الإنسان يحب أن يتحرر من خرافات العصور الوسطى، ومن الاستبداد وسلطة الحكومة الدينية. الإنسان يجب أن يحكم بالحجة والعقل، لا بالموروث والمنقول والمقدس من العقيدة.

كتب أيضا، وهو يبتهل إلى الله بالدعاء التالي: "إلهي، ألتجئ إليك يا خالق كل شئ، أن لا تجعل الكره والبغضاء بين البشر يستشري، بسبب الفروق التافهة بين طقوسنا وملابسنا وقوانيننا، أو لغاتنا المختلفة وعاداتنا المضحكة وآرائنا الغبية ومراكزنا الاجتماعية. هذه فروق تبدو عظيمة لنا بسبب جهلنا وغبائنا، لكنها متساوية، بل ليست فروقا على الإطلاق بالنسبه لك. فاجعلهم يتذكرون دائما أننا لا زلنا إخوة وأخوات.

zakariael@att.net

 


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية