| | | | دولة دينية أم حرب أهلية
| | مرسي | |
بقلم: محمد زكريا توفيق ..........................
سيدي الرئيس ماذا تفعل بنا؟ إذا كنت لا تدري، فسوف أخبرك. أنت تقودنا إلى حرب أهلية. هل تعرف معنى الحرب الأهلية؟ لا أظن أنك تعرف. ربما تراها حرب دينية مقدسة ضد الكفار، واجبة لنصرة الإسلام، ورفع راياته عاليا، وقيام دولة الخلافة التي عاصمتها القدس. أو تراها ضرورة حتمية لتطهير المجتمع من عبدة الشيطان وقوى الشر وأعوان إبليس اللعين.
سيدي الرئيس، اسمح لي أن أزف إليك خبرا لن يسرك وسوف يخيب أمل جماعتك. الدولة الدينية لن تحدث. السبب ببساطة لأنها مستحيلة في مصر. لماذا؟ لأن طبيعة الشعب المصري وتركيبته وثقافته وحضارته وجيناته الموروثة لا تسمح بذلك. ربنا خلقه كده. المليونية الأخيرة تشهد بذلك.
لماذ الدولة الدينية مستحيلة ؟ لوجود المسيحيين والصوفيين والناصريين والعلمانيين والليبراليين وعشاق الفن والفكر والموسيقى والحضارة. لوجود عشاق الحياة في مصر.
لوجود شعب اعتاد حياة مدنية هادئة منذ آلاف السنين. منذ أيام الفراعنة والبطالمة والرومان والمماليك البحرية والبرية، ومن بداية حكم محمد علي إلى الآن. ولن يتخلى هذا الشعب العريق عن أسلوب حياته، ولا يستطيع ذلك، وليس في مقدوره إن أراد. صدقني في دي يا سيادة الرئيس.
الشعب المصري لن يتخلى عن سماع أم كلثوم وعبد الوهاب وفريد وحليم وعدوية وغادة رجب وشعبان عبد الرحيم . لن يتوقف المصريون عن الاحتفال بيوم شم النسيم وتلوين البيض وأكل الرنجة والفسيخ والملانة والبصل والكرات.
والإحتفال بمولد القديس مار جرجس ومولد النبي وسيدنا الحسين والسيدة زينب وشيخ العرب يا سيد، وشراء الحمص والحلاوة السمسمية والحمصية والحصان والعروسة الحلاوة، رغم أنف الشيخ حسان أو الشيخ الشحات أو مولانا الشيخ غنيم أو الأخ بكار لا فض فوه.
لن يتوقف الشعب المصري عن الذهاب إلى دار الأوبرا، وعن مشاهدة الأفلام والمسرحيات والمسلسلات في التليفزيون. ولن يكف عن قراءة أدب أدبائه وشعر شعرائه. ولن يكف عن سماع شعراء الربابة ومواويل الأرغول والتواشيح والتراتيل والأناشيد والطقاطيق والمنولوجات.
لن يقلع عن سماع القرآن المجود بصوت الشيخ رفعت والشيخ عبد الباسط عبد الصمد والشيخ مصطفى اسماعيل، وقصائد مدح الرسول والابتهالات الصوفية بصوت أحمد التوني، ولن يقاطع الفرجة على أفلام شكوكو واسماعيل يس وزينات صدقي وأنور وجدي وليلى مراد وحسين رياض وبشارة واكيم.
هل سيسمح الأقباط المسيحيون بأن يكونوا خرج متاع، ومواطنين من الدرجة الثانية، وأهل ذمة تفرض عليهم الجزية؟ هل ستقبل النساء أن تمنع من التعليم والعمل، ويفرض عليهن النقاب والمِحرِم وعدم قيادة السيارات، ويجبرن على أن يوقرن في بيوتهن بالعافية، وبفرق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يخرجن منها إلا إلى بيت الزوجية أو إلى القبر؟
هل سيقبل الصوفييون هدم أضرحة مشايخهم الكرام، ومنعهم من الاحتفال بأقطابهم، بالتواشيح وحلقات الذكر وقراءة القرآن، وإقامة الموالد والحضرة والضرب بصنج الصوفية والشخاليل والأعلام، لإحياء ذكراهم؟
اليست هذه الموالد، إلى جانب كونها مناسبات اجتماعية روحانية، هي أيضا مهرجانات اقتصادية ضرورية لتنشيط السياحة وانعاش الاقتصاد موجوده في كل البلاد الدنيا، تخفف من قسوة الحياة بما تقدمه من تسالي وترفيه وألعاب، تسر الكبار وتسعد الصغار؟
هل يقبل المصريون أن تنسف أهراماتهم وتمثال أبو الهول وتمثال خفرع وزوجته وتمثال رمسيس ومعبد أبوسمبل وطريق الكباش بالكرنك ومعبد حتشبسوت، رائعة الفن المعماري في كل الأزمان وكل العصور، الذي ليس له مثيل في الوجود؟
هل سيقبل المصريون أن تكون علومهم ومعارفهم، عبارة عن تكرار لما سبق وتأكيد لما اتفق عليه وأقره السلف الصالح في الكتب الصفراء منذ أكثر من ألف سنة. ويحرمون بالعافية وبالنبوت من العلوم التي تفتح المخ وتشحذ الذهن وتوقد الفكر وتشبع النفس وتسمو بالروح؟
هل تعرف لماذا سمي أرسطو المعلم الأول؟ لأنه ألف في جميع فروع المعرفة، وأنشأ علما اسمه المنطق. في كل كتاباته التي تزيد على ال 3000 صفحة، لم يقل قد جاءتني هذه المعرفة عن طريق الإلهام. أو أعطانيها الرب فوق الجبل، أو أنزلها على الوحي وأنا في الغار، عندما كنت وحيدا.
أرسطو مفكر عظيم، نادر الوجود في أي عصر. عقلاني حتى النخاع. يحترم عقلك، ويخاطبك بالعقل والمنطق، ويلتزم بالصدق، ولا يعدك إلا به. يتوخى الأمانه والدقة وعدم تعارض الأقوال في أعماله. وهذه شيمة من شيم كبار المفكرين والفلاسفة.
معظم أفكاره نضرة طاذجة على الدوام، تصلح لكل عصر ولكل مكان. كانت السبب في حضارة البطالمة في مصر التي استمرت 300 سنة، والرومان في القسطنطينية، والعرب في بغداد وصقلية والأندلس.
وكانت السبب في الحضارة الأوروبية الحديثة، عندما أعاد الأوروبيون اكتشاف أعماله وشروحها، التي قام بها وأضاف إليها، كل من ابن رشد وابن سينا وموسى بن ميمون وغيرهم من علماء العرب. وكانت أفكاره وراء منظومة التعليم التي قادها رفاعة الطهطاوي وعلى باشا مبارك وأحمد لطفي السيد وطه حسين، قبل ثورة 1952م.
له كتاب عن الأخلاق، لا يعدك فيه بالجنة والحور العين إن اتبعته، ولا يرهبك خلاله بالنار والعذاب المقيم إن خالفته. يقدم لك الحقائق كما يراها مجردة كما هي بدون زيادة أو نقصان، لك أن تقبلها أو ترفضها.
ليست لديه فرق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تجري وراء الناس بالهراوات في الشوارع لكي تجعلهم يؤمنون بأفكاره بالعافية. يقول أن هؤلاء الناس الذين لا يعقلون، ولا يصلحون إلا لطاعة الأوامر، هم عبيد بالفطرة.
يقول أرسطو أيضا عن الدستور، أنه هو الذي يخلق الدولة والمواطن. بدون دستور يحفظ حقوق الإنسان، تصبح الدولة عبارة عن حاكم طاغ ورعية بائسة، أو راع وقطيع.
الدستور ليس كتاب ديني، ولا يجب أن تذكر فيه كلمة واحد عن الدين. هل نريد فرض الدين والعقيدة بالدستور؟ اي بالعافية؟ شئ غريب! القرآن الكريم لا يقول ذلك. الإيمان بالعافية يناقض مفهوم الإيمان. ولا يصلح إلا لقيادة القطعان.
هل سمعت عن قصة السندباد وشيخ الجزيرة الذي تمسكن حتى تمكن؟ إذا لم تكن قد سمعت عنها، فسوف أذكرها لك:
"يقول السندباد أنه وجد نفسه في جزيرة ليس بها أحد، غير شيخ جالس عند الساقية مؤتزر بإزار من ورق الشجر. سلمت عليه فرد السلام بالإشارة. وأشار لي بيده يعني احملني على رقبتك وانقلني من هذا المكان. تقدمت إليه وحملته على أكتافي لأنقله لمكان آخر.
لكنه أبى ولف رجليه على رقبتي، ورأيت رجليه مثل جلد الجاموس في السواد والخشونة. فزعت منه وأردت أن أرميه من فوق أكتافي فقرط على رقبتي برجليه وخنقني حتى اسودت الدنيا في وجهي وغبت عن وجودي ووقعت على الأرض. ظللت أمشي به من مكان إلى مكان، وإذا توانيت، يضربني برجليه ضربا شديدا، وأنا معه شبه أسير، وأخذ يبول ويغوط على أكتافي."
لقد أردنا ديموقراطية ودولة عصرية محترمة مثل الدول الأوروبية، فقمنا بثورة عظيمة وتخلصنا من حاكم فاسد غبي. وإذا بنا نقع في أيدي من لا يرحم. جماعة الإخوان والسلفيين.
حملناهم على الأعناق وظننا أنهم ثوار رفاق. وإذا بهم لا يختلفون كثيرا عن شيخ الجزيرة. الذي كبس على أنفاسنا وقرط على رقبتنا وأبى أن ينزل أو يتركنا لحالنا، وأخذ يبول ويغوط على أكتافنا.
zakariael@att.net
06/11/2014
مصرنا ©
| | | |
| | | | |
|
|