مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 مخططات الجسد لكسر ثقافة المقاومة قراءة تمهيدية لرواية غلطة مطبعية " لـ مختار عيسى
...............................................................


المفكر والباحث أحمد عزت سليم

ليس هناك تعبير دقيق يمكن أن يصف الرواية الأولى للشاعر الكبير مختار عيسى " غلطة مطبعية " ، والصادرة عن كتاب " مرايا " سوى أنها وثيقة لأزمة الذات المثقفة عبر تاريخها الاجتماعي العميق والممتد داخل وطن انزلق بقوة في التغيرات العالمية دون أن يكون قادرا على الإمساك بها ومواجهة تحدياتها ، ويؤسس الكاتب في هذه الرواية لعلاقات استغرقتها الطاقة الانفعالية التي أثيرت داخل ذوات تصارعت وتقاربت واشتبكت وتباعدت حول موقف معين أو فعل معين أو شخص أو حادثة والإيحاء بالفوائد التي يمكن أن تعود على هذه الذوات إذا قبلت العلاقات غير المشروعة ، ليكشف هذا الصراع ويعرى السلوك البشرى في لحظات السقوط والخيانة . يكشف الكاتب في براعة عن رؤية عميقة لحياة هؤلاء الشخوص الروائية منذ الطفولة المبكرة حتى الواقع الراهن واستخدام طريقة تحليل " تواريخ الحياة " لفهم السلوك وإلقاء الضوء على الدوافع الكامنة للسقوط والخيانة ، وفى براعة مماثلة ينجح الكاتب في الإمساك بعلاقات التقارب والتشابك والتباعد بين الشخصيات الرئيسة والفرعية داخل الرواية: نهال السكري ومراد ومرام والشيخ ،وغريب وفادى وأم شادي ، والإمساك بالخبرات الدفينة المشتركة بينهم والحفاظ عليها عبر الزمن الروائي دون أن يفصل بينهما فاصل ، ويشكل من هذه العلاقات والخبرات داخل أمكنة روائية مختلفة تخطى بها الكاتب الحواجز الجغرافية في حركتي الذهاب والعودة والتي تشكلان حقائق حالة الاغتراب وعدم الاستقرار وما تؤدى إليه من توتر وأمراض نفسية واجتماعية هدامة ومتعددة ومتنوعة ، حيث يتداخل زمن الواقع الاجتماعي الراهن مع زمن الرواية ويزيد من فاعليته ، فيقدم الكاتب تركيبة معقدة ، عقلية وعاطفية لشخصية نهال السكري ومراد ـ وهما محور أحداث الرواية ـ في آن واحد وفى لحظة من الزمن لا تتوقف بل تتدفق في صيرورة من الحركة والفعل والصورة الروائية ، وكذلك الحلم والذكريات والأسطورة وغير المألوف ( كالعلاقة بين مراد والشيخ ) وهى تلعب دورها كوظيفة داخل النص الروائي وتقوم بمهام روائية هي ذاتها المهم التعويضية المحررة للشعور الإنساني الذي ينتاب مراد بالنقص والضعف أمام نهال السكري التي استطاعت أن تحكم حوله طوق الاستلاب فانقطع عن الانتماء لنفسه ولأسرته وانقطع عن وطنه وافتقد الشعور بأنه المتصرف في نفسه وأصبح خاضعا للإغواء والوعود الكاذبة والإثارة المتعمدة للعاطفة الجنسية فلم يعد أمامه إلا الزواج منها ، فتزوجها وهى التي استلبتها القوى الصهيونية إلى حد العمالة وإلى حد القتل ، وإلى إغراء المثقفين من أمثاله ، لتمثل حالة سقوط مركبة لبطل وأيديولوجيته أمام الإغواء ، وللضرورة الاجتماعية التي تحتم المقاومة ، فالحدث الجوهري داخل النص الروائي هو سقوط مراد المثقف في إغواء العميلة نهال السكري التي تمارس القتل ، والقتل الاجتماعي لأسرته ، والمتعاملة مع ‘إحدى عميلات الموساد ، ومع كل العواقب التي تنجم عن هذا السقوط ، فهو أمر لا يمكن أن يحدث وأن يكون ممكنا إلا في شروط اجتماعية تاريخية محددة ، نجح الكاتب في براعة بالإمساك بها ليكشف للقارئ ولنا عن نموج للإبداع الروائي متمثل في التلذذ بالضياع وجر الآخرين إلى براثن السقوط الذي يتحول بدوره من الفرد إلى الجماعة وإلى دوائر أكثر اتساعا وشبكات يجمع فيه الوسطاء شخصيات اجتماعية وشرائح عليا مع دوائر دولية تسعى لفتح قنوات متعددة للتطبيع مع الكيان الصهيوني وإلى درجة يصبح فيها المثقف أسير القتل والأسر والانتحار ، وهذا ما يفسر نهاية العمالة بنهاية نهال السكري بعد افتضاح أمرها ، بالانتحار .

وتضاد العلاقة بين الأسطورة والحلم داخل النص الروائي وبين الواقع واستمرار الجدل بينهما يخلق الفعل الروائي ويتجه به نحو الفضح والمقاومة رغم كل هذا الاستلاب ، ونحو الحياة ضد الموت والمقاومة ضد الانتحار ليصير الفعل الروائي رغم لحظات التأزم بين المقاومة والاستلاب ، دائما نحو المستقبل أو مؤشرا أساسيا نحوه ، سواء كان هذا الفعل مضارعا أو ماضيا أو أمرا ولهذا لجأ الكاتب إلى دائرية الأحداث المتعددة والمتداخلة في الرواية فهو يبدأ بموقف المقاومة ونفى استمرارية الانهزامية بقرار التخلص من السقوط والطلاق من نهال السكري ، لتنتهي بذات الموقف ، وقد تحرر مراد وتجاوز السقوط نحو الإفاقة والعودة إلى الترابط الاجتماعي القوى ، ومن خلال لعبة فنية اعتمد فيها عل إيغال زمن الرواية في زمن الجسد وزمن الواقع الاجتماعي والعودة من الحاضر إلى الماضي ومنه إلى الحاضر، يقدم ويؤخر ، يوهم بالواقعية ، ويقارب الواقع الحقيقي بالمحتمل الوهمي وبين هذا وذاك ينسج الفعل الروائي فضاءه الخاص فتشتبك العلاقات وتشتبك العواطف في صراع بين الأنا والآخر حتى يغزو كلا منهما الآخر ويفترقا مع إيقاعات النشيج والنزيف الداخلي لهما ,يتجلى مهما الحضور والغياب والممكن والمستحيل في مخططات الجسد لكسر ثقافة المقاومة .
يلجأ الكاتب إلى حيل أسلوبية متعددة فيكثرمن صيغ السؤال بـ لماذا وكيف وماذا وما الذي ، ليس للحيرة أو الارتباك ولا للتعبير عن التوتر والدهشة بقدر ما هي محاكمة درامية داخلية للذات واتجاه نحو المعرفة والاستقصاء وكسرا لحدة الجمل المعتمدة على تعدد وتعاقب وتراتب الأفعال الماضية وسيادتها داخل الرواية ، وسيادة أسلوب العطف مع التوكيد والتخيير ، واستمرارا لهذه الحيل الأسلوبية يستخدم الكاتب صيغة النفي بـ لا ولم ، ومع انضمام أداة الاستفهام إلى أداة النفي ( أليس ـ ألم ) استهدافا لتفعيل معاني جديدة أخرى للجملة الروائية وهى التعجب والإنكار ، وذلك كله ليزيد من دينامية الفعل الروائى .

رواية " غلطة مطبعية " تحسب لمطبوعات " مرايا " التي تصدر من المحلة الكبرى وتربط بين المبدعين في العالم العربي للتجاوز محليتها للمشرق والمغرب ، رواية تستحق القراءة ، تحية للشاعر مختار عيسى الشاعر والناقد والصحافي ( صحيفة الوطن الكويتية ومجلة الكويت ) ،عضو اتحاد كتاب مصر الذي أبدع في الرواية كما أبدع في الشعر بأنواعه والمسرح .

Ahmadezatselim@hotmail.com

06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية