الأصولية بين الصهيونية والجماعات الإرهابية
بقلم : أحمد عزت سليم
......................
يعبر الفكر الأصولى أيا كان نوعه عن امتلاك الحقيقة
المطلقة فى التصرف والسلطة والفكر والخلاص والتفسير ورفض ما يخالفه من أفكار
ومبادىء سواء على المستوى الفردى الشخصى أو الجماعى أوالحياة المجتمعية
العامة وبما تشكل فى مجملها نصا وسلوكا مقدسا يجب اتباعه والاقتداء به
ومخالفته كفرا بينا ويتحدد موقف الأشخاص والأفراد ومكانتهم فى النسق
الاجتماعى على ضوء الإيمان به ، ولتصير السياسة دينا والاقتصاد دينا والعلم
دينا والرياضة دينا والمكونات الأساسية للأصولية كما حددها الفليسوف جارودى
هي ــ الجمودية ورفض التكيف والنمو ــ والعودة الى الماضي والانتساب إليه
وانتهاج الفكرالمحافظ ــ وعدم التسامح والانغلاق والتحجر المذهبي والتصلب
والعناد وفى إطار ذلك فإن الأصولية ترفض إعمال العقل والإبداع والفكر
والمشاركة وتعتمد على السمع والطاعة والانقياد والتبعية غير المشروطة
للقيادات الدينية والتى تصبح ذاتها مقدسة وفوق النقد كلية ورفض أية تفسير
تنويرى للنص الدينى وعلى هذه الأسس تمت إقامة الدولة الصهيونية بأرض الرب على
أساس الرؤية الدينية للمملكة اليهودية القديمة والمقدسة وجعل العنصر اليهودى
شعب الرب المختار الذى خصه الرب بالنقاء هو أساس الإيمان واستبعاد الآخر
المدنس ونفيه فالدولة مقدسة والفرد مقدس والجيش هو القداسة نفسها وكما وصف بن
جوريون الجيش بأنه هو خير مفسر للتوراة ومفسر التوراة هو وحده القادرعلى
تعريف حدود إسرائيل وعليه لابد من إخضاع البشر أجمعين لليهود باعتبارهم شعب
الله المختار وكما يبين العلامة الراحل عبد الوهاب المسيرى الأطروحات
الأساسية للأصولية اليهودية فى : أن إنشاء دولة إسرائيل هو تجسيد للحلم
التوراتى اليهودى القديم ـ وأنه لا يمكن الثقة فى الأغيار بأى شكل وأرض
إسرائيل الكبرى هى أرض يهودية. وفى الفكر الإخوانى من هذه المنطلقات كما يرى
سيد قطب صارت " الأرض التي لا يهيمن فيها الإسلام ولا تحكم فيها شريعته هي
دار الحرب بالقياس إلى المسلم وإلى الذمي كذلك يحاربها المسلم ولو كان فيها
مولده وفيها قرابته من النسب وصهره، وفيها أمواله ومنافعه ، كما أن الإسلام
لا يعرف إلا نوعين من المجتمعات مجتمع إسلامي ومجتمع جاهلي، ليس المجتمع
الإسلامي هو الذي يضم ناسا ممن يسمون أنفسهم مسلمين بينما شريعة الإسلام ليست
هي قانون هذا المجتمع وإن صلى وصام وحج البيت الحرام " ويوضح قطب ما يقصده
بالجاهلية بأنها التشريعات المدنية التى تقوم بها المؤسسات المجتمعية فيقول "
هذه الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض وعلى أخص خصائص
الألوهية وهي الحاكمية إنها تسند الحاكمية إلى البشر فتجعل بعضهم لبعض أربابا
لا في الصورة البدائية الساذجة التي عرفتها الجاهلية الأولى، ولكن في صورة
ادعاء حق وضع التصورات والقيم والشرائع والقوانين والأنظمة والأوضاع " وكما
يرى: إن هناك دارا واحدة هي دار الإسلام تلك التي تقوم فيها الدولة المسلمة
فتهيمن عليها شريعة الله وتقام فيها حدوده ويتولّى المسلمون فيها بعضهم بعضا
وما عداها فهو دار حرب، علاقة المسلم بها إما القتال وإما المهادنة على عهد
أمان. وفى إطار الهيمنة الأصولية يرى: إن المسلم لا يملك أن يتلقى في أمر
يختص بحقائق العقيدة أو التصور العام للوجود أو يختص بالعبادة أو يختص بالخلق
والسلوك والقيم والموازين أو يختص بالمبادئ والأصول في النظام السياسي أو
الاجتماعي أو الاقتصادي أو يختص بتفسير بواعث النشاط الإنساني وبحركة التاريخ
الإنساني، إلاّ من ذلك المصدر الرباني ولا يتلقى في هذا كله إلا عن مسلم يثق
في دينه وتقواه ومزاولته لعقيدته في واقع الحياة. ورغم أن الإسلام دعا بقوة
لطلب العلم والبصيرة والعقل والتفكير فالأمة الإسلامية هي أمة اقرأ أمة العلم
وقدم المسلمون الأوائل علوما جديدة لم تكن معروفة قبلهم وسموها بأسمائها
العربية كعلم الكيمياء وعلم الجبر وعلم المثلثات واتباعوا المنهج العلمى كما
فعل ابن الهيثم فى البصريات ولم يكفره أحدا فى العالمين ومن هذا الفكر
الأصولى ومن تساوى منطق القداسة لليهودى فى الدولة الصهيونية مع منطق الحق
الإلهى الذى أعطاه الله للأصوليين الإسلاميين وانتقل من الله إليهم ــ كما
يدَعون ــ فتمييزوا بالقداسة وامتلكوها، كان الانغلاق على الذات والجماعة ومن
ثم الاستعلاء على الآخر ونفيه وإباحة قتله والحق فى ممارسة السلطة الإلهية ــ
التى ادعوا اكتسابها وحدهم ــ والتصرف فى حياة الآخرين لعدم أهليتهم والذى
أصبح يمثل إبليسا لابد من التخلص منه، ورفض المواطنة والوطن من أجل مزاعم
الخلافة، ومن السياسات التبادلية النفعية بين الإصوليتين تم تسييد التكفير
والتفتت وإباحة الطائفية وتفكيك المجتمعات والتطهير الدينى وهى ذاتها الأدوات
التى يستخدمها ويوظفها المخطط الاستعمارى والصهيونى والتى تستهدف إعمال سلطة
السيف والقهر والحرب والتغييب لا سلطة العلم والتسامح والسلام والرحمة وقبول
الآخر فلا "لا إكراه في الدين " كما بين النص القرآنى الكريم .
09/16/2014