مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 اليهودى يفلت من قيود الزمن والمكان
...............................................................


ويضيف إلى قوة الإله ويضعفها فى الأعالى

أحمد عزت سليم
....................

يقول بن جوريون: حينما ذهب الشعب المقدس إلى سيناء فإنه كان يحمل روح الشريعة المقدسة التى تلقاها من الإله

" شمس الشعوب " الذى أنيطت به مهمة إنقاذ العالم وإرشاد الإنسان إلى الخير والسلام كما يرى هس (1) شاء الإله أن يزوده بالمعرفة منذ الأزل معرفة الخير والشر فاكتسبوا المعرفة الإلهية التى بمقتضاها يدرك ويفسر شمس الشعوب " الشعب المختار " المقدس ما حوله انطلاقاً من ذاته التى حل فيها الإله وأصبح هو مركز هذه المعرفة وما يصاحبها من عمليات التفكير والتذكير والتخيل والتعميم والحكم " وأصبح " شمس الشعوب " يشكل قومية متميزة ، كما يرى بيرتس سمولينسكين ، وبالرغم من أنهم بقوا أقلية فى كل مكان بدون وطن خاص بهم .. كانوا أمة روحية والتوراة أساس دولتهم ، وكما يقول أيضاً: توراتنا هى وطننا من الناحية الروحية ، نحن أمة روحية . هذه هى العقيدة الصحيحة التى يجب أن ننادى بها (2) ويصر ليو بنسكر على أن الأمة اليهودية موجودة بسبب " وحدة التكوين الروحى ، لليهود وماضيهم التاريخى الواحد " وأنها أمة ثابتة عبر التاريخ (3).

وكما يرى هس فقد حافظ على نقاوته عبر العصور رغم المتغيرات البيئية التى مرت عليه ، ومن هذا الحفاظ ظهرت أولى مزاعم بنى هذا اللاهوت : خصيصة النقاء التى تعنى أن ثمة شعب يهودى ذو تقاليد حضارية يهودية خالصة احتفظت باستقلالها ووحدتها ونقائها (4) ، وصف إغناتز زولتشان اليهود بأنهم " أمة من الدم الخالص لا تشوبه أمراض التطرف أو الانحلال الخلقى الناجمة عن عدم النقاء (5) ، وكيف لا يكون ذلك وإحدى العقائد الأساسية للقبالاة اللوريانية تتمثل " فى السمو المطلق للروح اليهودية والجسد اليهودى على الروح والجسد غير اليهوديين وتبعاً للقبالاة اللوريانية فإن العالم خلق فقط من أجل اليهود ووجود غير اليهودى أمر ثانوى "(6) ، و " بالنسبة لمعظم أتباع الليكود فإن الدم اليهودى هو السبب فى أن اليهود يحتلون منزلة سامية عن غير اليهود ... وبالنسبة لليهود المتدينين فإن الدم غير اليهودى ليس له قيمة جوهرية وبالنسبة لليكود فإن له قيمة محدودة " (7) ، أما " اليمين الإسرائيلى فإنهم متحدون فى استيائهم من فكرة المساواة ، ويؤمنون بأن اليهود مختلفون عن الأمم والشعوب الأخرى كما أن تبجيل الماضى اليهودى يعزز هذا التفرد ، ويؤمن اليهود المتدينون بأن الإله خلق اليهود متفردين أما اليمين العلمانى فى إسرائيل - فيؤمن بأن اليهود كتب عليهم هذا التفرد من خلال ماضيهم ، وليس لديهم أى خيار فى ذلك " (8) ، هكذا يفلت اليهودى من إطار العالم الموضوعى كما يفلت من قيود الزمان والمكان وليعلو عليهم جميعاً ، فقد جاء فى أحد كتب المدراش " حينما تنفذ يسرائيل إرادة الإله ، فإنها تضيف إلى إرادة الإله فى الأعالى وحينما تعصى يسرائيل إرادة الإله فكأنها تضعف القوة العظمى للإله فى الأعالى (9) ، هنا تظهر الخصيصة البنائية الثانية فى لاهوت النقاء وهى الاستعلاء ، فيستخدم الحمام الطقوسى لتطهير الأوعية التى صنعها غير اليهود ... ويتعين على المرأة اليهودية أن تتخذ حماماً طقوسياً بعد العادة الشهرية ، وعليها وهى فى طريقها إلى المنزل أن تحذر مقابلة فرد من الأغيار أو خنزير أو كلب أو حمار وإن قابلت أياً منها فعليها أن تغير طريقها لأنه سينجسها مرة أخرى (10) ، فنجاسة الأغيار خصيصة بنائية ثالثة فى " لاهوت النقاء " وكما يرى المذهب اللوريانى كما فى كتابات فيتال فإن غير اليهود لديهم أرواح شيطانية (11) .

ويبين التلمود أن هناك تمايزاً فى موقف الهالاخاه من أجساد غير اليهود (باعتبارها طرف نقيض لأجساد اليهود) ... أجسادهم " لا احترام لها " ، وذلك على عكس القداسة التى يكتسبها اليهودى الذى " يتوحد مع الإله ويصبح فى قداسته " (12) وأصبحت القداسة سمة عضوية متوارثة ناتجة عن الحلول الإلهى الدائم ، وإذا كانت القداسة هى الصفة الإلهية التى تفصل الإله (المطلق) عما هو غير مقدس (دنيوى ونسبى) فإن الشعب اليهودى قد سرت فيه هذه القداسة وأصبح يتسم بهذا الانفصال حينما عقد الإله العقد معه وبذلك انقسم العالم بأسره داخل إطار الحلولية الثنائية الصلبة إلى قسمين " اليهود المقدسين الذين يعيشون داخل دائرة القداسة والأغيار الذين يعيشون داخل التاريخ فقط " (13) وخارج دائرة القداسة ، فالقداسة خصيصة بنائية رابعة " فاليهودى لم يخلق كوسيلة لتحقيق غاية أخرى وإنما هو فى حد ذاته غاية بما أن مادة كل الفيض الإلهى قد خلقت فقط لخدمة اليهود " (14) ، وفى تراث القبالاة وصل الإيمان بقداسة الشعب إلى أشكال فى غاية التطرف " إذ ذهب بعض القباليين إلى أن اليهود قد خلقوا من طينة مقدسة مختلفة عن الطينة التى خلق منها الأغيار وبالتالى تكون أفعال اليهود كلها مقدسة لأنها تساهم فى عملية إصلاح الخلل الكونى (تيقون) التى يستعيد الإله من خلالها ذاته وكذلك الشرارة الإلهية المشتتة " (15) ، وهكذا " فإن اليهودى الذى يقتل غير اليهودى يعفى من حكم الإنسان عليه ويعتبر كأن لم ينتهك الحظر (الدينى) للقتل " وذلك بناء على الهالاخاه وعلى ميثاق الميمونين (أتباع بن ميمون) " (16) وكما قال الحاخام أرييل ، ويرى الحاخام آفنيرى أنه بينما يطلب الإله من الأمم العادية إطاعة قوانين العدالة والاستقامة البتة ، فإن هذه القوانين لا تنطبق على اليهود " (17) وهكذا دعاهم الإله للاتفصال عن الشعوب " اعترفوا الآن للرب إله آبائكم واعملوا على مرضاته وانفصلوا عن شعوب الأرض وعن النساء الغريبة فأجاب كل الجماعة وقالوا بصوت عظيم كما كلمتنا كذلك نعمل " (عزرا 1. : 1.- 11 ) ويقول الإله " وأنتم شهودى يقول الرب أكون أنا الإله " وحينما لا تكونون شهودى فأنا (كأننى) لست الإله ، فكأن إلوهية الإله ، بل وجوده لا يتجاوز الإرادة والوجود اليهوديين " (18) .

ويقول بن جوريون: حينما ذهب الشعب المقدس إلى سيناء فإنه كان يحمل روح الشريعة المقدسة التى تلقاها من الإله "(19) ، هكذا يصبح الجيش الإسرائيلى هو القداسة بعينها كما يرى الحاخام تسفى كوك (من زعماء جوش أيمونيم) ، ومن قبله قال بن جوريون: إن الجيش هو خير مفسر للتوراة وكما قال مارتن بوبر: إن روح الشعب والقداسة هما شئ واحد ، وتحت هذه يتم تبرير كل الجرائم الصهيونية والتصرفات الإجرامية ضد الإنسانية والتى ترتكب ضد كل ما يقع فريسة للجيش الإسرائيلى. وفى إحدى القصص الأكثر شيوعاً- فى إسرائيل- تتحدث عن بطة برية فاضلة تم اصطيادها وذبحها وتحويلها إلى طبق شهى لكى يتناوله حاخام مقدس ، فهذه البطة تعتبر قد تم تخليصها من خلال أكلها بواسطة رجل مقدس.

وعلى ذلك كما ترى جوش أمونيم " إن اليهود ليسوا شعباً عادياً ولا يمكنهم أن يكونوا كذلك فتفردهم الأبدى هو نتاج العهد الذى عاهدهم به الرب فى جبل سيناء" (20) .

ومن هذا التفرد تتكون الخصيصة البنائية الخامسة فالتفرد الناتج عن الالتصاق بالإله وحلول الإله والتوحد والتساوى فى مرتبة القداسة للدرجة التى يدعو فيها الشعب قائلاً: " ذكرنى نتحاكم معاً " ( أشعياء 43/26 ) فينشأ من هذا التفرد كل المزاعم الإسرائيلية العنصرية " أن ثمة جوهراً يهودياًً " كامناً يعبر عن نفسه من خلال " طبيعة يهودية " – مزعومة هى الأخرى- ويتجلى هذا الجوهر فى العقائد اليهودية ويحدد رؤية اليهود للواقع وسلوكهم " (21) ، وهو" الذى " يجعل من يهودية اليهودى النقطة المرجعية الأساسية لتفسير سلوكه ، فاليهودى الخالص الذى يسعى المشروع الصهيونى فى تحقيقه ، والذى أشار له بين جوريون: اليهودى الذى هو يهودى مائة فى المائة " يفترض وجود هوية يهودية خالصة لا تشوبها أية شوائب حضارية فهذه الهوية تتمتع بنقاء عرقى وحضارى وإثنى "(22)، هكذا تتبلور المزاعم العنصرية بوجود خصوصية يهودية تتشكل من سمات وخصائص ثابتة يفترض أنها مقصورة على أعضاء الجماعات اليهودية ومن ثم تمنحهم خصوصيتهم وكما عبر د/ لويس د . برانديز (قاضى المحكمة العليا الأمريكية والزعيم الدولى للحركة الصهيونية) بأنه بغض النظر عن اجتهادات الفقهاء أو قرارات المحافل فإن مؤهلاتنا الطبيعية وممارساتنا وكذلك مؤهلات وممارسات الآخرين ، هى التى تميزنا بوصفنا يهوداً "(23) ، كما أن " الرأى اليهودى الذى يلقى الإجماع هو أن اليهود شعب مميز ، يختلف عن بقية الأعراق بسمات خاصة للغاية ، جسمانياً وروحياً ، وله تاريخ قومى وأمان قومية "(24) ، ويرى موريس جوزيف (معبد غرب لندن يهود بريطانيا) أن إنكار القومية اليهودية فيه إنكار لوجود اليهود نفسه "(25) ، وأن اليهود كما يرى موسى هس أكثر من مجرد أتباع ديانة وأنهم تحديداً أبناء جنس واحد وأمة واحدة "(26) ، وبهذه المزاعم يصير التاريخ اليهودى وكأنه بنية تاريخية مستقلة يدور اليهود فى إطارها بمعزل عن الأغيار برغم انتشارهم فى كل أنحاء الأرض.

وبالتالى فإن نقاء اليهود العرقى ينتج من الزعم بأنهم قد حافظوا عبر التاريخ وفى كل زمان ومكان على نقائهم العرقى فلم يختلطوا بالأجناس والشعوب الأخرى وأن هذا النقاء تحقق بشكل تلقائى عبر التاريخ كما يرى آرثر روبين "(27) ، ومن هذا التاريخ المزعوم بالاستقلالية والاستمرارية والتاريخية والثقافية والعرقية تكونت فى عصورنا الجماعات اليهودية فى العالم وعليه يذهب الصهاينة " أن اليهود المحدثين هم ورثة العبرانيين القدامى وأن حكومة إسرائيل الحالية فى فلسطين المحتلة ما هى إلا الكومنولث اليهودى الثالث .

ويرى بعض الصهاينة أن الصهيونية هى تعبير عن هذه الاستمرارية (فأصولها تمتد بعيداً إلى أيام الأنبياء الأوائل) وأن الدعوة إلى العودة شئ متصل منذ بداية التاريخ اليهودى إلى الآن: من الأنبياء إلى هرتزل" (28) بل ويرى جوزيف جاكوبز الرئيس السابق للجمعية التاريخية اليهودية بإنجلترا " أنه من الوجهة الأنثروبولوجية ، فإن اليهود يمثلون عرقاً من نوع منسجم بصورة ملحوظة ويعود ذلك إما إلى وحدة العرق أو تشابه البيئة "(29) ومفهوم الاستمرارية هذه يعطى " لليهود حقوقاً مطلقة مستمرة لا تنقطع ، ويسقط الحقوق القائمة للآخرين ، فباسم هذا الاستمرار يدعى الصهاينة لأنفسهم شرعية احتلال فلسطين وطرد أهلها . فالدولة اليهودية ، حسب رؤيتهم هى وريثة الدويلات التى قامت منذ آلاف السنين " (30) ، و " أن الاستيطان تعبير عن نمط متكرر ومستمر ومتوقع كما أن دخول المستوطنين إلى فلسطين وقيامهم بذبح الفلسطينيين ليس إلا استمراراً وتكراراً لدخول العبرانيين إلى أرض كنعان وإبادتهم لأهلها .. وصرح أستاذ للتاريخ بالجامعة العبرية " من أن جنود إسرائيل رأوا البحر الأحمر لأول مرة فى يونيو 1967 بعد غياب دام بضعة آلاف من السنين ، أى بعد عبورهم إياه مع موسى حينما كان يطاردهم فرعون مصر.. ، ويقول بن جوريون مبرراً عسكرة المجتمع الإسرائيلى باللجوء إلى أسطورة الاستمرار فيقول " إن جنود موسى ويوشع وداود لم يكفوا عن القتال " ... وكذلك جنود صهيون (أى دولة إسرائيل) لن يتوقفوا عن القتال " (31) .

هكذا صار الاستمرار نوعاً من دعاوى البقاء لهذه الجماعة التى استطاعت أن تزعم " أنها احتفظتا بهويتها المستقلة رغم انتقالها من مكان لآخر " ورغم تواجدها فى أزمنة مختلفة " (32) تحول مع الدعاية الصهيونية إلى أسطورة مزعومة تجسدت على الأرض بالدولة الصهيونية ، ويرى ليون سالمون عند تعبيره عن أفكار آحاد هاعام بأن الفكر العبرى إذا كان يعرف مفهوم السوبرمان ، إلا أن أكثر ما يعرف به ويتميز هو أن هذا المفهوم لا ينطبق على الفرد بل على الأمة ، على إسرائيل كأمة عظمى أو الشعب المختار ، ويلخص موسى هس هذه الأسطورة فى صورة اليهودى عن نفسه " أنه يرى نفسه ينتمى إلى شعب تربطه صلة الدم الذى لا يمكن لأى تحول فى العقيدة أن يضعفها ، وريثاً لماضى هذا الشعب ، ووكيلاً لهذا الشعب لدى المستقبل السياسى ، إنه ينتمى لعرق ، ينتمى لأمة ويسعى لإقامة مملكة فوق هذه الأرض مملكة ستفوق كل الممالك ، ويصبح لمدينة أورشاليم السيادة على العالم " (33) هكذا تتضح المعالم الأسطورية المزعومة ، " شخصية فائقة ، قد تفوق الواقع وقد تفوق الشئ المعقول ، إنها شخصية خارقةـ كما تدعى_ ذات جلال رائع وقوة غير مألوفة قادرة على تحدى الزمن، كما أنها تتميز بتكوين فريد له كماله وعمق مدلوله " (34) هكذا يتحقق النقاء ويتحقق الاستعلاءالمزعومين.

عضو أتحاد كتاب مصر
وعضو آتيليه القاهرة للفنانين والكتاب

06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية