| | | | هؤلاء الأشرار عادوا مرة أخرى ...............................................................
أحمد عزت سليم عضو أتحاد الكتاب وآتيليه القاهرة .................................... مذبحة غزة "دراسة فى لاهوت العنصرية الصهيونية بين حقائق الواقع وضرورات المواجهة"
ينبغى أن نؤكد قبل الدخول فى معية هذه الدراسة على أن الصراع العربى- الصهيونى الإسرائيلى قد دخل القرن الحادى والعشرين والضغوط القاهرة قد اشتدت على الواقع العربى بأنظمته السياسية التى تم توظيفها وتدجينها فى إطار ما يسمى بالنظام العالمى الجديد لكى تحافظ أول ما تحافظ على رجعيتها وعلى الكيان العنصرى الصهيونى فى فلسطين المحتلة، وما للرجعية العربية والكيان العنصرى الصهيونى من ارتباط بالنظام العالمى الاستعمارى الغربى الذى يجمعهما معاً فى إطار المصالح الرأسمالية، وتحت مسميات اللحاق بهذا النظام والاندماج فى بنيته الكوكبية التى تتحكم فيها مصالح الغرب الرأسمالى واستثماراته، وتتداخل فيها مجموعات الرأسمال العربى مع الرأسمالية الصهيونية ، ومايحدث فى غزة ليس إلا نموذجا سافرا على هذا التوظيف والتدجين والتواطؤ .
وقد توهمت هذه الأنظمة العربية وهى تلقى بميراث شعوبها ـ الذى أثقله تهاونها فى عمليات الصراع العربى ـ الصهيونى ـ وراء ظهرها بأنها قد تحررت منه والتحقت بالعالمية الجديدة والكوكبية الحديثة الظافرة وحازت على رضا أقطابها، فإذا بهذه الأنظمة السياسية قد جرت نفسها إلى العمالة وشعوبها إلى براثن السيطرة الغربية الأمريكية والصهيونية، والتبعية المخزية لها، وبأهداف وطموحات متواضعة، تبرز فى أوهامها المتضخمة " السلام مع العدو الصهيونى الإسرائيلى " وكضرورة أولية لإعلان الاندماج والالتحاق بالعالمية الجديدة، والتى لم تقدم لها شيئاً سوى الخوف المرعب من اهتزاز كراسيها تحت تهديد سطوتها، فإذا بالعالم العربى يقع تحت وطأة الغزو والاحتلال وتصنيع التجزئة بين أبناء الوطن الواحد والتقسيم والتفتيت والتفكيك كمقدمة أولى لإعادة الاستعمار إلى أراضيه ومن ثم تحقيق الأهداف والأطماع الصهيونية فى إقامة إسرائيل الكبرى وتهجير الشعب الفلسطينى بأكمله من أراضيه ونهب الثروات وانتزاع مكتسبات التحرر الوطنى من أيدى الشعوب العربية، وبنفس الدعاوى التى استكانت لها هذه الأنظمة وروجتها وضخمتها فى أوطانها بجنى ثمار السلام والتعاون والشراكة ، وأصبحت هذه الدعاوى ذاتها ترهب هذه الأنظمة تحت مسميات النموذج الديمقراطى الغربى وواحة الديمقراطية فى إسرائيل/ النموذج تارة، ونموذج الديمقراطية الفذ الذى يحققه الأمريكان بجيوشهم- القريبة من عروشهم- فى العراق تارة أخرى أو تحت دعاوى حقوق الإنسان والأقليات ومحاربة الإرهاب مرات أخر، فتندفع حركة هذه الأنظمة إلى مزيد من الاستلام والتبعية والسقوط فى أحضان الحلف الغربى الأمريكى الصهيونى، ثم هى فى ذات الوقت تندفع بقوة استسلامها لتزيد من سطوتها على شعوبها وعلى أمانى هذه الشعوب فى التخلص والتحرر من سيطرة هذا الحلف وأعوانه فى حين أن الكيان العنصرى الإسرائيلى الصهيونى يستمد قوته من هذا الحلف الذى يقهر شعوب العالم العربى ويستحوذ على أنظمتها المستكينة، ويحصل على الدعم من النظام العالمى الذى تقوده القوى الاستعمارية وذلك بما يضمن تفوقه الإستراتيجى الدائم فى القوة العسكرية والنووية والتكنولوجية والعلمية والاقتصادية والدبلوماسية، ثم استغلال المسألة اليهودية بأبعادها الأخطبوطية المتعددة لتبرير الوجود والعدوان تارة كتعويض عن الاضطهاد المزعوم الذى عانى منه اليهود فى العالم بأسره من العالم بأجمعه! وتارة بأن العودة اليهودية إلى فلسطين تخلص أوربا من مشاكل اليهود، وأخرى العودة كتحقيق لوعد إلهى يؤمن به الأصوليون فى العالم المسيحى ، الغربى والأمريكى، وأخرى باستخدام اليهود كجماعة وظيفية قتالية لتركيع العالم العربى ووضعه تحت التهديد الدائم لإخضاع ثرواته وشعوبه لمصالح الغرب الاستعمارى، ثم العودة بإقامة دولة إسرائيل كهدف مرحلى وأولى يستهدف السيادة العالمية وإخضاع شعوب الإنسانية للأهداف الصهيونية، والعودة لشعب متفرد ومتميز لأرض مقدسة حل بهما الإله، ولتطهير هذه القداسة من الأغيار بقتلهم ليس كما تقضى تعاليم الشريعة الحقة فحسب ولكن بكون كل شئ محرم مسموح به فى سبيل البقاء ـ كما يحدث فى غزة ـ وكما قال أحد الزعماء الصهاينة فى حوار مع الأديب الصهيونى عاموس عوز، "حتى طرد العرب من الضفة الغربية".. وكما يقول " فليقولوا عنا إننا نازيون ... ماذا لو قتلنا من العرب مليوناً أو حتى ستة ملايين؟ ماذا سيحدث؟ سيكتب عنا صفحتين فقط مجللتين بالسواد، ولكن ثمن ذلك سيكون عظيماً... سيأتى إلينا يهود الشتات ونصبح أمة تعدادها 25مليون... أمة تدعو للاحترام، وبعد ذلك سينسى التاريخ.. ويأتى أدباؤنا ويكتبون روايات عظيمة عن المذابح التى ارتكبناها فى حق العرب ومشاعر الذنب التى تنتاب الجيل الجديد، ويحصلون على جوائز نوبل مثلما فعل أدباء النازية الذين كتبوا عن الشعور بالذنب .. ما العيب فى أن يكون لكل دولة سجل إجرامى " وعلى الحقيقة الجارية الآن، ومن خلال كل ذلك ينعم الكيان العنصرى الإسرائيلى بالشرعية والحماية والرعاية والدعم والمساندة الفورية والاستراتيجية، وينعم بتدفق المساعدات والتعويضات المالية الضخمة كما ينعم بالتعويض البشرى عن أية خسائر تلحق به، فينتعش بالتهجير والإحلال ويحيا بالهجرة إليه ويتجدد ثم هو ينعم بتنظيم يهودى عالمى يتكفل ليس فقط بتحقيق أهدافه وإنما بتسييدها فى ظل نظام عالمى استعمارى جديد يضع اليهود مهما يرتكبون من مجازر وجرائم دموية فوق البشر أجمعين ويتعرض كل من يتناول المسألة اليهودية.. إلى افتراس وتمزيق كلاب الحراسة اليهودية، فاليهود معصومون من النقد .. هذا هو قانون اليهود، فليس من الجائز توجيه النقد إلى اليهود .. إن هذا محظورً كما يرى ليونيل كرانا ولكن على حد تعبير موشيه سيملا نسكى: " إن الصهيونية تعتبر العمل الواحد حقاً وصواباً إذا قامت هى به، وخطأ غير مشروع إذا قام به غيرها " وهو القائل إن القومية اليهودية فى فلسطين مبنية على أنانية عسكرية من العنف، وبعيدة كل البعد عن الإنسانية، هذا هو المقصود بالصواب الصهيونى.
وينبغى أن نؤكد على أن الصراع العربى- الصهيونى هو صراع يتعارض فيه الوجود العربى بالوجود الصهيونى بعيداً عن الحلول التلفيقية التى تؤجل حسم الصراع والتى تأتى نتيجة اختلال ميزان القوى لصالح العدو الصهيونى والذى يعرف جيداً بأن ما بين النهر والبحر لا يمكن أن تسود إلا سيادة يهودية أو عربية ويتغلب فيها من يتحلى بالإرادة الأكثر عزماً والرؤية السياسية الأكثر وضوحاً، كما عبر عن ذلك الصهيونى مارتين شارون، وكما أن كل الحلول والتسويات التى تم غرسها فى المنطقة لم تأت بالسلام، وإنما أطلقت يد إسرائيل فى التسوية والغزو والعدوان، ورداً على سؤال حول البيئة الاستراتيجية التى تقوم عليها إسرائيل فى ظل اتفاقيات السلام، أجاب إيهود باراك: إسرائيل القوية.. القوية جداً ، لأعوام طويلة مقبلة حتى بعد أن نتوصل لاتفاقيات السلام .. أقوياء فى جميع النواحى.. وهذه القوة ستكون الضمان لاستمرارنا " لقد وصلت القوة الإسرائيلية هذه فى ظل الأنظمة السياسية المتعامية عن مصالح شعوبها والجاهلة بحقيقة الصراع إلى كل بيت من خلال الشراكة الاقتصادية وتسليم مشروعاتها إلى المستثمرين اليهود فى إطار التعاون الرأسمالى العالمى والذى سلمت به هذه الأنظمة قبل حل المشكلة وقبل السلام الدائم الذى ما فتأت تعلن سعيها إليه، وقبلت لعب دور الوسيط والوكيل الدائم للسيطرة الاحتكارية العالمية على مقدرات شعوبها فقبلت تسليم أراضيها لإقامة القواعد العسكرية وقبلت تعديل مناهجها التعليمية وحذف آيات القرآن الكريم فيها وكل ما يتعلق بإسرائيل العدو، منها، وكما قال نيتانياهو: إن مصير العرب واليهود سيتحدد فى المدارس والجامعات وقاعات تحرير الصحف والمساجد، وقال ساسون: لا بد من تلقين الجماهير فى مصر من خلال حملة تثقيفية مدروسة ومحسوبة ، هكذا كان الهدف من السلام هو الاستسلام ومحو ذاكرة الأمة. وينبغى أن نؤكد أن العدو الصهيونى الإسرائيلى لا يمكن مواجهته إلا فى إطار الروح النقدية الموضوعية والعقلانية التى تمكننا من مجابهته حضارياً فى إطار علاقته بالغرب الأمريكى الاستعمارى، وبالديمقراطية التى تجعل الشعوب أداة للتغيير وأداة للمقاومة وذلك فى إطار التراث العربى الإسلامى العظيم الذى يمجد العلم ويؤمن بتعدد الشرائع والمناهج ويمجد العقلانية ويمجد المقاومة، وهذه العوامل ذاتها هى التى يجرى تغييبها عن الواقع العربى من الأنظمة الحاكمة بأساليبها السلطوية القهرية، وبمساندة من قوى الغرب الاستعمارى، ودعمه لها حتى تبقى فى مواقع السلطة، وبالتالى بقاء حالة التغييب، تلك الأنظمة التى حولت الصراع بعد اتفاقيات كامب ديفيد وطورته بتخاذلها من مجرد صراع مع دولة مجاورة معتدية إلى مجرد صراع- يبدو دائماً وليس مؤقتاً- على بنود اتفاقيات سلام مزمع توقيعها بين دولة ودول أخرى مجاورة لها وكل منهما يتهدد الآخر!! كما تتوهم هذه الأنظمة- فتبدو هذه الدولة- إسرائيل- فى بحر العداء الذى يحيط بها من كل جانب وقد أضحت الضحية التى يجب أن يدافع عنها الجميع، هكذا صار الحال بعد هذه الاتفاقيات وبعد اتفاقية أسلو ووثائق كوبنهاجن وجنيف وخريطة الطريق ، ثم أن كلا الطرفين يسعيان سعيهما الحثيث من أجل توقيع اتفاقيات مرحلية أو دائمة لإقامة السلام والتعاون المسمى بالمثمر والبناء بين " الجميع " ويقع العرب والأنظمة العربية تحت وطأة " الجميع " الذى يدافع عن الدولة الضحية وبرعاية راعية السلام قائدة الحركة الاستعمارية الجديدة وهى الولايات المتحدة الأمريكية، ثم تحول ذلك الصراع تحت وطأة كل هذا على نحو ما نراه الآن إلى صراع بين ضحية تدافع عن نفسها وقلة إرهابية منبوذة- من هذا " الجميع " ومعه إجماع الدول العربية- وبين الدولة الضحية رمز الحضارة الغربية الأمريكية، النى تحارب الإرهاب الفلسطينى ضمن معركة الغرب العالمية ضد الإرهاب وهذا مايجرى فى ظل التواطؤ المشين فى مذابح غزة الجارية ، هكذا آل الحال بالقضية الفلسطينية برمتها نحو المحو والاقتلاع من الذاكرة العربية والدولية، تحت عملية غسيل مخ كامل لا يستثنى فيها طفل فى مدرسة أو واعظ فى مسجد أو مثقف أو صحفى كما قال أمريكى صهيونى، بل وأحياناً كثيرة ما تهم هذه الأنظمة لدفع العدو الإسرائيلى بالفتك بهذه القلة الإرهابية علها تريح رؤوسها المتعبة وعلى نحو مانراه الآن.
ونؤكد أيضا أن تحويل الصراع إلى صراع دينى يشكل من الخطورة الكبرى النى تهدد كيان المجتمع العربى وتفضى إلى تغييب حقيقة الكيان الصهيونى الإسرائيلى العنصرى ككيان استيطانى إحلالى ذو وظيفة قتالية، وكقاعدة استعمارية إستراتيجية للغرب، تستهدف اقتلاعنا واجتثاثنا من جذورنا الممتدة فى أوطاننا بعمق التاريخ ذاته، وتحويلنا إلى مادة استعمالية تستهلك ذاتها وتنتهى من التاريخ وتضيع بانتهاء الغرض منها وبانتفاء وجودها بالهزيمة والاستسلام، أو كشعوب متخوفة تستهلك ما يلقى إليها من فضلات العالم الغربى، وفى ظل أنظمة ترفع رايات القداسة فى الوقت الذى يطأ فيه الصهاينة عروشها وهى تضع تحت أقدامها مصالح شعوبها مستغلة هذه الرايات فى وضع غمامة كثيفة على العقل والنقد والعلم والروح.
لقد فتحت المقاومة اللبنانية وانتصارها أكثر من مرة على العدو الصهيونى على الرغم مما استخدمته الآلة الصهيونية العسكرية من أسلحة وعتاد وأجهزة معلومات لم يعرف التاريخ لها مثل، وبمعاونة الغرب الاستعمارى الأمريكى كله، أبواباً للمقاومة والثقة فى الانتصار وأكثر من ذلك أبرز انتصار المقاومة مرة أخرى " الفشل الحقيقى الذى يسيطر على الفكر الأمريكى- والصهيونى– لقد جمع معلومات ورصد أحداثاً وملأ خزائنه بما يسميه الأبحاث التجريبية ولكنه لم يستطع لا أن ينظر ولا أن يفسر، ولم يخرج عن كونه بوب معطيات ترتبط بمجتمعات معينة لها تاريخها وأوضاعها ولا تتعدى ذلك القدر من أنها نموذج للسلوك وللتعامل بين نماذج أخرى عديدة لا حصر لها ومن ثم فإن دلالتها تتقيد بذلك الإطار". وليس أدل على هذه الحقيقة من موقف أسلحة المعلومات هذه مما حدث فى إيران، جميع المعلومات التى جمعت وبإتقان- لم يعرف له التاريخ مثيلاً- لم يسمح للإدارة الأمريكية أن تعرف حقيقة وجوهر النفسية الإيرانية ، كما بين ووضح لنا العلامة الراحل الدكتور حامد ربيع وبالمثل لم تعرف الآلة الصهيونية " إسرائيل " ومن خلفها الغرب كله جوهر المقاومة اللبنانية الحربية لحزب الله. لقد أعاد هذا الانتصار وهذا الصمود فى غزة ، مرة أخرى إمكانية المقاومة ضد العنصرية الصهيونية بمستوياتها المتعددة. وفى الوقت نفسه وبالرجوع إلى التصرفات الإجرامية العنصرية والمجازر الدموية الوحشية الصهيونية والتى تمارسها إسرائيل بشكل يومى ومعتاد كصورة شرعية وكما انتهى الباحث الأمريكي بار يليخمان فى دراساته حول الانتقامات الإسرائيلية، " بأن الانتقام الإسرائيلى هو سلوك قومى إسرائيلى .. وأن إسرائيل تعتبر الانتقام صورة شرعية من صور السلوك القومى " ، والذى تمارسه الجماعات الصهيونية فى فلسطين المحتلة ضد الشعب الفلسطينى وضد ما تطوله الآله الصهيونية الوظيفية " دولة إسرائيل" وحيث تتعاظم هذه الشرعية الدموية مع تخاذل الأنظمة العربية، فإننا نجد أن العناصر الدينية اللاهوتية التى تجعل من اليهود البشر الوحيدين مركزاً للقداسة وتجعلهم الشعب البشرى الوحيد الأسمى والمختار وتجعل الدولة دولة أنبياء ومملكة كهنوت بالإضافة إلى كونها ذات طبيعة إحلالية مادية تعاقدية ونفعية، فإن هذه العناصر تمثل الغطاء وفى نفس الوقت الدوافع وراء هذه التصرفات الإجرامية اليومية، الفردية والجماعية والتى تصدر عن هذه الجماعات الصهيونية وتقف وراء تفسير سلوكياته البشعة ويراها الغرب غير ذلك منذ دعوات بابوات روما فى القرن الحادى عشر إلى إعادة أرض إسرائيل ووضع حداً لكل التعاليم المحمدية ، وبناءا على خلفية توحد الديانتين اليهودية والغربية الأمريكية فى كتاب واحد مقدس واعتبار أن الديانة الثانية منبنية على الديانة الأولي لأولئك المقدسين، وإعطاء أرض الرب– المزعومة– من النيل إلى الفرات لأبناء الرب كفكرة مركزية صهيونية يسعى إليها الصهيونى اليهودى أياً كانت الطائفة التى ينتمى إليها وهو ذاته سعى الأصوليون الغربيون الصهاينة ، وكما قال مناحم بيجن للسادات فى الكنيست: لا يا سيدى لم نأخذ أرضا عربية، بل عدنا إلى بلادنا والصلة بين شعبنا وهذه الأرض أبدية، ثم عودة التعبيرات الصليبية والمسيانية فى الخطاب الغربى الأمريكي وعلى لسان قادة النظام العالمى الجديد وهذا ما قاله جورج دابليو بوش عن أنه يشن حرباً باسم السماء وأن الرب قد اختار الشعب الأمريكي لأداء هذه الرسالة وما تقوله عصابته عن القرآن الكريم بأنه كتاب يدعو إلى الإرهاب وأن محتوياته هى السبب المباشر فى الإرهاب وأنه يحض على العنف وأن إله المسلمين وثن وعندما نحاربهم فنحن نحارب الشيطان، ثم تصير- وبناءاً عليه- التصرفات الإجرامية الوحشية الصهيونية من أجل سعادة الإنسانية والتخلص من الشرانية وقوى الشر والنفايات البشرية، ثم هى شكلاً من أشكال الدفاع المقدس عن الوجود اليهودى فى الأرض المقدسة، وصادرة عن ذات مقدسة حل فيها الإله وطبقاً للمخطط التوراتى بأكل ثروات الأمم التى تطأها بطون أقدامهم المقدسة، وتسييد العالم حتى تصير صهيون ملكاً لصهيون التى سيرون فيها الرب وينزل الماسيح اليهودى المخلص فيحكم البشر اليهود ويقهر الأغيار الحيوانات، هكذا انخلق الارتباط والتوحد بالماضى التاريخى وباللاهوتى مع التحالف الاستعمارى الغربى الذى يسعى لإحكام سيطرته على العالم، وجعل هذا الارتباط والتوحد مبرراً للحتمية الدموية التى تتفق والأهداف العنصرية الصهيونية العالمية والغربية. كما أن مواجهة هذا العداء الوحشى للعنصرية الصهيونية وهو ممثل ومتجلى فى الدولة الإسرائيلية لن تتم إلا بمواجهة ثقافية وحضارية وعملية لا تستند إلى فراغ أو عدم، ولكن تستند بالضرورة إلى مرتكزات القوة فى الذات العربية بتراثها النضالى العميق والتى تؤسس لحركة مقاومة دائمة، هذا التراث الذى يتهم بالتخلف وأنه السبب الرئيس الذى يكمن وراء المساوئ التى تعم العالم العربى- بل والعالم كله، هذا الاتهام الذى يمثل إحدى منطلقات الدعاية الصهيونية العالمية المضادة والموجهة ضدنا والتى أستأنسها الصهاينة العرب ووكلاء الغرب الأمريكى الصهيونى، ومنها ينطلق الغرب، بناءاً على ميراث تاريخى من الخوف والكراهية لكل ما هو عربى وإسلامى، للغزو والاعتداء منذ الحروب الصليبية الأولى والتى دامت قرنين من الاعتداءات الوحشية على المسلمين وذبح نحو سبعين ألفاً من المسلمين عند دخولهم القدس، ومروراً بحركة الاستعمار الحديث التى وضعت العالم العربى تحت سيطرته وانتهبت فيها ثروته ثم امتداداً للحملة الصليبية بقيادة جورج بوش حيث تم غزو أفغانستان وغزو العراق وتكررغزو لبنان وتهديد سوريا وتفتيت السودان وإشعال حروب الفتنة والغزو فى الصومال ومحاربة التقدم العلمى الإيرانى ومذبحة غزة الجارية، ومع أنه لم تقم أية دولة عربية وإسلامية بالاعتداء على العالم الغربى، لكنه الهدف الغربى الأزلى الذى عبر عنه إرنست رينان عام 1862، إن الشرط الأساسى لانتشار الحضارة الغربية هو تحطيم الإسلامية، وتلك الحرب الدائمة، حرب لن تضع أوزارها إلا بعد أن يموت بؤساً آخر حفيد لإسماعيل أو يرد على عقبيه إلى أعماق الصحراء، لأن الإسلام هو أكبر نفى لأوربا، ستفتح أوربا العالم وتنشر دينها المتمثل فى القانون، فى الحرية، فى احترام الإنسان ، ولا شك أن هذا هو الذى نراه يتحقق فى العراق وفلسطين والسودان والصومال وأفغانستان وغزة أمام أعيننا جميعاً الآن !! ورآه آباؤنا وأجدادنا مع حركة الاستعمار الحديث !! الانسلاخ عن التراث هو أحد أهم الأهداف الاستعمارية الغربية الأمريكية الصهيونية والتى تسعى إلى تحقيقها إما بالتهديد والحصار والعقوبات أو القوات الدولية أو المتعددة الجنسيات أو بقوات الأمم المتحدة التى أصبحت إحدى أدوات الغزو الاستعمارى فى النظام العالمى الجديد التى تم توظيفها لخدمة المخططات الاستعمارية، أو بالغزو المباشر أو بالغزو الثقافى تحت شروط المساعدات وبمعونة وكلاء الغرب من الأفراد والأنظمة داخل المنطقة والتى ساهمت مع العدو الصهيونى فى المحاولات الجارية لتصفية الثورة الفلسطينية وحولتها من ثورة حتى النصر إلى سلطة ذات وظيفة استخبارتية لا تملك أرضاً ولا سماءاً ولا بحراً ولا مصادر طاقة وكهرباء ومدنها محاصرة وطرقها يحكمها العدو وفصائلها متناحرة ومدخلاتها الاقتصادية تمر بقنواته المالية ومعابره المذلة، ولا يخرج أحد منها ولا يدخل إليها إلا بموافقته، ولا قيمة لها سوى أنها أداة قهر ضد مواطنيها وحارس بوابة أو سجن ضد الثائرين عليه، فيتم ضرب عناصر المقاومة واعتقالها وتصفيتها بالتوافق مع إخلاء الأرض من البيوت والسكان وتدميرهم بشكل منهجى من الآلة الصهيونية " دولة إسرائيل"، تحت سمع وبصر هذه السلطة ووكلاء العدو من الأفراد والأنظمة والذين ساعدوا وأمدوا الآلة العسكرية الصهيونية بالغازوبالأسمنت والطوب والحديد لبناء المستوطنات والجدار العازل، وأصبحت المناداة بوقف أعمال العنف بين الطرفين هى أسمى الأمانى التى يسعى إليها الوكلاء لتحقيقها، بينما العدو الصهيونى يمعن فى العنف والذبح حتى تتحقق مخططاته بالاستيلاء على الأرض كاملة خالية من ساكنيها الأصليين، وحتى يكون مطلب هؤلاء فى مرحلة لاحقة هو السلام مقابل أن تتوقف الآلة الصهيونية " دولة إسرائيل " عن غزو بلادها، ولينادى المنادى أنه كلما خطت إسرائيل خطوة إلى الأمام نحو السلام فإنه سوف يخطو خطوتين كما قال ولى عهد البحرين، ولتتحقق دعوة هرتزل- تحت تهديد الغزو ومسارعة الوكلاء- بإقامة كومنولث عربى يهودى بين الدولة الصهيونية والاقتصاديات العربية، ويتحقق فيه جنة عدن التى دعا إليها الملك الحسن الثانى باشتراك العبقرية اليهودية والمال العربى أو على حد تعبير السادات... هكذا نرى الجنة أيضاً تتحقق الأن فى العراق وفلسطين والسودان والصومال وأفغانستان وغزة تحت رايات التعاون المستمر والبناء والحكمة والاستثمار !! ومن ثم فإن إحياء نواحى القوة والمقاومة فى التراث العربى الإسلامى العميق ضرورة تحتمها طبيعة الصراع مع العدو الصهيونى بمستوياته المختلفة، الإسرائيلية والأمريكية والعالمية ومع العناصر الصهيونية الداخلية، وهذا الأحياء لا يمكن أن نستثنى منه القيم الروحية كمصدر من مصادر الطاقة الفاعلة والحركة الحيوية والإرادة القوية التى تشكلت منذ أزمنة سحيقة ماهيتها ضد العنصرية والانغلاق، ومع التفتح والتحضر وضد الجمود، ومع التسامح المرتبط بالشجاعة والإيمان ضد الخضوع والاستسلام ومع احترام الفرد والجماعة وضد التفتيت والتناحر، وذلك فى كل متماسك يدعو لمقاومة الظلم ومحاربة الخراب ومقاومة المعتدى وطرد الغاصب وإعمال العقل والنقد لا النقل والاتباع والوصول إلى أعلى مراحل العلم وتطبيق الديمقراطية والشورى التى يتجدد بها الوجود العربى وتزداد قدرته على المقاومة والبقاء فى مواجهة الفرد والمحو والفناء. فى هذا الإطار تأتى دراسة " لاهوت العنصرية الإسرائيلية " ليقدم المجال الحيوى الذى تدور فيه عقلية الآلة الصهيونية " دولة إسرائيل " أفراداً وجماعات وكياناً وتستمد منه إدراكها وتنطلق منه سلوكياتها وحركتها وتدفعها نحو الفاعلية والتحقق وتكتسب جماعاتها الاستيطانية تقاليدها وتتشرب منه أعرافها وتتحدد مستويات ومجالات التفكير ومنطلقات السلوك والتبنى والولاء لنظام قيمى ينبع من أيديولوجيا محددة ومتبلورة وتشكل نسق من الأفكار والآراء الدينية والأخلاقية لكونها جزءاً من الوعى الذى يتحدد بظروف المجتمع الاستيطانى الإحلالى والثقافة الموروثة من نظام الجيتو وفى تفاعلهما مع القيم الدينية التوراتية والتلمودية وما يشمل كل هذا النظام من علاقات تعاقدية نفعية مادية باردة وشعائر وقوانين دينية انعزالية ضد الآخر ومقدسة يحتفظ فيها الإله بالقبيلة الذهبية التى هى مملكة الأنبياء، حتى العودة .." هوذا شعب وحدة يسكن بين الشعوب لا يسكن ". يعيش كما يدعى هذا النظام تاريخ واحد ممتد هو تاريخ الأسلاف والأجداد والأبناء والأحفاد، وفى كل هذا فإن انفعالات هذه الآلة الصهيونية بمستوياتها المتعددة تتطابق مع المعرفة الإدراكية لها كنظام متطابق معها يقف خلف النشاط ويجمعهما فى كل واحد يفسر به العالم والمجتمع والفرد وقد توحد فيهم الإله وقد أحالها هذه النظام القيمى إلى حقائق على الأرض حية نشطة ودينامية ملموسة فى نظام كلى متكامل انخلقت منه هذه الدولة الصهيونية وانبثقت معه القيم والتقاليد والممارسات التى أصبحت محور ومرتكز حياة الصهيونية كحركة ودولة وكجماعات وكأفراد وكامتياز تدافع عنه هذه المستويات المتعددة، وليصير هذا النظام الكلى المتكامل تمثيلاً صريحاً لثقافة جماعية مترسبة فى الوعى عبر تاريخ مزعوم موسوم بالتوحد، وبكونه منبعاً لذلك كله يستهدف أول ما يستهدف أن تتحقق مقولاته العنصرية القائمة على التمييز بين البشر اليهود، والأغيار الخنازير، وجعل اليهود ذوى خصائص أنثروبولوجية وجسمانية وبيولوجية وثقافية وتراثية وقدرات عقلية وأخلاقية موروثة أرقى وأفضل وأكثر قدرة على البقاء وعلى الإبداع من الأغيار، وهذه الأفضلية استمدت ذاتها مما حباها الإله واختصها بها دون سائر الأغيار، فصار السلوك الإدراكى جمعياً وقولياً وفعلياً منخلقاً من روح الإله، فأضحى السلوك مقدساً قداسة التعاليم والأوامر الإلهية، واستمدت من ذلك كله النقاء والعنصرى وحتمية البقاء كديمومة الإله ذاته والتفوق والقوة كفضائل طبيعية اختص بها الإله اليهود وغير قابلة للتغيير أو الانتقال إلى جنس آخر، فالدم على حد تعبير مارتن بوبر هو الذى يحدد المستويات العميقة للوجود اليهودى ، هو عالم الجوهر ويصبغ هذا الوجود وإرادته بلونه، والعالم من حوله إن هو إلا آثار وانطباعات بينما الدم اليهودى هو عالم الجوهر، وكذلك عرف لويس برانديز اليهودية بأنها مسألة تتعلق بالدم، ووصف صهيونى آخر هو إغناتز زولتشان اليهود بأنهم: " أمة من الدم الخالص " لا تشوبها أمراض التطرف أو الانحلال الأخلاقى ورأى موسى هس مؤسس الفكرة الصهيونية أن اليهودية حافظت على نقاوتها عبر العصور ، " ومن هذا " التعصب العنصرى كحالة خاصة من تعصب المعتقدات " ومن هذا الزعم بالنقاء العنصرى والبقاء العنصرى والتفوق العنصرى تكون الصهيونية هى رسول الغرب الاستعمارى فى تبرير دعاوى الغزو لتطهير العالم من دناسة الشعوب الأخرى المتخلفة وكما يقول هرتزل " فإن اليهود عندما يعودون إلى وطنهم التاريخى سيفعلون ذلك بوصفهم ممثلين للحضارة الأوربية، وأن الإمبريالية بوصفها نشاطاً نبيلاً يهدف إلى جلب الحضارة إلى الأجناس الأخرى التى تعيش فى ظلام البدائية والجهل، كذلك عودة اليهود، ولذلك فالعودة الصهيونية العنصرية هى عودة استعمارية غربية لأمة نقية عرقياً وأخلاقياً وهذا يمنحها حقوقاً أكسبها لهم الإله أبدياً وحصرياً وتاريخياً ككل متجانس دون سائر الأغيار، وذو نمط واحد هو الجوهر اليهودى الذى يتحقق فى يسرائيل الشعب التى هى يسرائيل التوراة، وكلاهما فى عقل الإله من قبل الخلق، وأن إسرائيل وحدها هى التى سوف تحقق التوراة وهى شريكة الإله فى عملية إدارة الكون وإدارة حركة التاريخ وتوجيههما، والتى يتدخل فيهما الإله لصالح شعب يسرائيل بحيث يتجه التاريخ نحو نهايته المسيانية الحتمية المطلقة التى يتحكم فيها اليهود فى مصير البشر والعالم، وعندها يقهقه الإله على عرشه وهو يرى الماسيح قد وصل وقضى لتوه على الشعوب الأخرى، وهذا القضاء وهذه الإبادة المسيانية الجماعية لشعوب العالم هى المرحلة الحتمية التى يستهدفها البقاء اليهودى كمرحلة نهائية للعداوة والكراهية للأغيار، ويصير التزاوج بين الخالق والشعب فى القبالاة (طبقاً للتجلى العاشر ضمن التجليات التوراتية العشرة- سيفروت) توحداً كاملاً ويقوم هذا الشعب بتوزيع رحمة الإله على العالمين بالتخلص منهم !! ومن خلال حركة التاريخ واللاهوت التى يصير فيها التاريخ لاهوتا واللاهوت تاريخاً ، يصبح الصهاينة ورثة العبرانيين القدامى، وحكومة إسرائيل فى فلسطين المغتصبة ما هى إلا الكومنولث الثالث وأن أصول الصهيونية تمتد بعيدة منذ أن صار آدم واحد من الآلهة وأحفاده هم الأنبياء الأوائل أنبياء بنى إسرائيل، وتصير العودة شئ متصل منذ بداية التاريخ الكونى اليهودى إلى الآن، من الأنبياء إلى هرتزل ومنه إلى ما بعد بيجن وشارون وأولمرت وعمليات دخول الصهاينة إلى فلسطين وقيامهم بذبح الفلسطينيين فى غزة ليس إلا استمراراً وتكراراً لدخول العبرانيين القدامى إلى أرض كنعان وإبادتهم لأهلها، وما فرسان داود وسليمان إلا دبابات الجيش الإسرائيلى، وبالتالى فالاستيطان الصهيونى تعبيرعن نمط متكرر ومستمر إلهى ومقدس وعندها تصير التصرفات الصهيونية الإجرامية تحقيقا إلهياً، وتصبح حقوق اليهود المزعومة سارية المفعول وتقف وراء التصرفات الصهيونية الوحشية والتى تصير معبرة بقوة عن ارتباط قوى بين الاتجاهات والسلوك كجماعات متعصبة يكون سلوكها كما يشعرون ويتصرفون كما يفكرون، وكإدراك جماعى ونظام قيمى كلى، ومن أجل طرد الدناسة وطرد غير المقدسين لتصير الأرض المقدسة دولة لشعب مقدس ويتم إخلاؤها لأن امتلاكها فقط هو من حق هؤلاء المقدسين وليس من حق أى أغيار أن يتساءلوا فى معنى هذا الحق أو القرار الإلهي بالملكية، والذى يقول عنه وايزمان أنه حق نملكه منذ آلاف السنين ومصدره وعد الرب لإبراهيم وقد حملناه معنا فى أنحاء العالم كله طوال حياة حافلة بالتقلبات، وطبقا لهذا الحق فأن العالم بدون هذا الشعب شعب التوراة لا قيمة له ولا يمكن فهم تاريخ الكون بدون تاريخ اليهود تأسيسا على أن الإله اصطفاهم أولاً وأعطاهم الوعد وجعل لهم الأرض ملكاً خالصاً وتراثاً أبدياً ثانياً، وثالثاً لا يكون الإله إلهاً إلا بهم ففى إحدى تعليقات المدراش الحاخامية: حينما تكونون شهودى أكون أنا الإله، وحينما لا تكونون شهودى فكأننى لست الإله، وجاء فى التلمود: لماذا اختار الواحد القدوس تبارك اسمه جماعة يسرائيل، لأن أعضاء جماعة يسرائيل اختاروا الواحد القدوس تبارك اسمه وتوراته. والاختيار لا يسقط عن الشعب اليهودى حتى لو أتى هذا الشعب المعصية ولم ينفذ شريعة الرب فى قتل الأخيار، وحب الإله للشعب المختار يغلب على عدالته مهما تكن شرور هذا الشعب وكما يفسر واش وكما يرى أنه ليس لأى إنسان أن يتدخل فى هذا الاختيار، وحولت القبالاة الشعب اليهودى من مجرد شعب مختار إلى شعب يعد جزءاً عضوياً من الذات الإلهية فهو الشخيناه ( التجسيد الإنثوى للحضرة الإلهية) التى تجلس إلى جواره على العرش وتشاركه السلطة، بل قال أحد الحاخامات أنه حينما ينفذ اليهود إرادة الإله فإنهم يضيفون إلي الإله فى الأعالي، هكذا يتمركز اليهود حول التوراة والتلمود كأيديولوجيا تشكلها القيم اللاهوتية والتى أصبح بها اليهود خارج قوانين التاريخ التى تسرى على الجميع ولا تسرى هذه القوانين عليهم، وأصبحت إسرائيل على حد رأى بن جوريون دولة تضم الشعب الكنز منارة كل الأمم، والأمة السوبر كما يرى أحاد هعام، عاملها أزلى كما يرى المفكر الصهيونى الاشتراكي نحمان سيركين، وديمقراطيها أزلي كما يرى لويس يرانديز أو كما يسمون أنفسهم " عم عولام " الشعب الأزلي، " وعم نيتسح " الشعب الأبدى، و" عم قادوش " الشعب المقدس، وكما يرى بوبر فإن الحوار الحق يمكن فقط بين الإله واليهود بسبب التشابه بينهما وهو أمر ليس متاحا لكل الأمم، ولذا فهذا النظام القيمى المستمد من إله الحرب رب الجنود والجيوش الذى يأمر شعبه بقتل الذكور والأطفال والنساء لا يستبقى منهم نسمة ولا يرحم أحداً ويأمر بالسرقة والإبادة والمحو واغتصاب حقوق الآخرين ، وحينما يصير لا فرق بين الجوهر الإلهى والجوهر اليهودى ويتوحدا معاً ويحل كلاهما فى الآخر ويجلسان معا يحكمان العالم فلا عجب أن يسرق اليهودى ويغش ويقتل ويمارس المحو والإبادة كعملية تعصب عنصرى مقدس " ثلاثية الأبعاد.. العمليات المعرفية والمشاعر والتعليم الاجتماعى والإطار الثقافى بمختلف مكوناته" و " كقيم مطلقة وكركيزة إدراكية جماعية تفسر وتفضح السلوك الصهيونى بمستوياته المتعددة عالمية وإسرائيلية جماعية وفردية كانت أو قولية وفعلية وجمعية، وتتبدى فى أنصع صورها فى العدوان العدائى الذى يعتبر " أنقى صورة للعدوان الذى يمثل فيه ارتفاع الأذى بالهدف الغرض الأساسى له وينتج من ذلك عادة شعور المعتدى بكراهية الهدف ومقته، وكهدف نهائى حيث يصبح الوجود اليهودى والبقاء اليهودى كغاية مرتبطان بنفى الآخر ومحوه، ومتجليان فى نظام من القيم ومن الأيديولوجيا العنصرية التى تحتمهما وتجعلهما غاية لاهوتية فى حد ذاتهما كما أن هذه القيم وهذه الأيديولوجيا العنصرية هى غاية لهما لتحقيق الاستمرار اليهودى، وهذا ما نقصده بلاهوت العنصرية الإسرائيلية كطاقة مقدسة تؤثر بقوتها العلوية المزعومة وتفردها العنصرى على ما هو غير مقدس وتصير مبرراً للامساواة والاستغلال والحروب بتراكب المنظومة اللاهوتية فى بنيتها على قوالب جامدة تقف خلف السلوك فى مستوياته المختلفة وتحدد طبيعته ومحتواه وتشكل استعداداته الأولية حتى يأخذ الصهيوني هيكله النفسى منها كوحدة دينامية يتفاعل فيها الوعى واللاوعى ، تنطلق من الجيتو العقلى الصهيونى إلى العالم أى من الأنا إلى العالم ومن الوجود إلى غير الوجود أى من اليهودى إلى الآخر الزائل، ومن المطلق المتعالى الكامل اللامتناهى الذى لا يرتهن بآخر ولا يتبدل ولا يقارن ولا يعارض، مستقلا عما حوله بذاته ومعرفته بل هو الحقيقة المتبدية الأكيدة فى العالم العلوى والسفلى، التى يبدأ منها الوعى التاريخي أو يتجدد فى اللحظة المسيانية لحظة نهاية التاريخ لما هو أدنى، وتتبقى ماهية الإنسان( بالطبع الإنسان هو اليهودى) فيبقى الوجود التاريخى الذى هو الوجود اللاهوتى اليهودى ذاته ، هكذا يصير لاهوت العنصرية الإسرائيلية خروجاً عن حركة الزمن والتاريخ البشرى بما تدعيه من صفات نادرة تخرجه عن أنماط السلوك الإنسانى الطبيعى، والانحراف عن المألوف البشرى ليصير لحظة شذوذ عقلية وعضوية تؤدى ممارستها إلى لحظة اللذة المرتجاة التى ينتعش بها الوجود البيولوجى الحتمى لليهود ففى قصيدة للصهيونى شاؤول تشرنحوفسكى:
نرضع من أنهار الدم رشفة رشفة قطرة قطرة نسكر من الحزن ونسكر من الآهات حتى تراهم عيناى يرتجفون وفى أخرى يكمل الصورة وأجعل سيفى يشرب فخورا من دمهم وستستحم خطواتى فى دماء الصرعى وتدوس قدماى على شعر رءوسهم سأقطع من يمين وأحصد من شمال فقد اشتعل غضبى وصار جحيماً لقد ضايقنى كثيرون ولكننى لن يبقى أحد بعد المذبحة نعم سوف أفنيهم جميعا.
أو كما قال الأديب الصهيونى الإسرائيلي حانوخ يرخوف: " إن التغيير هو أننا نعرف كيف نقتل " ويقول بياليك فى قصيدته سفر النيران على لسان اليهودى الذى يحمل رسالة الحقد والكراهية، والذى تترد على لسانه أغنية الانتقام :
من مهاوى الهلاك ارفعوا إلى نشيد الخراب أسود كفحم قلوبهم المحروقة احملوه إلى الأمم وانتشروا بين من غضب الله عليهم وصبوا جمراته فوق رؤوسهم وازرعوا به الخراب والدمار فى حقولهم وليفعل كل منكم ذلك فى جهات الأرض الأربع فإذا مرت ظلالكم فوق زنابق جناتهم اسودت الزنابق وماتت وإذا وقعت أعينكم على رخامهم وتماثيل متاحفهم تكسر الرخام وتحطم المتاحف وتحطم الخوف وليأخذوا معكم ضحكة مرة كالعلقم ضحكة قاسية .. تنشرون بها الموت.
هكذا تتحقق لحظة اللذة فى الكراهية والعنف والاستيطان والإحلال والإبادة والمحو، كبرنامج إلهى يعاقب به الرب والشعب الشعوب الأخرى ويتأكد به اختياره ويتأكد به صفاء ونقاء وبقاء ووجود يسرائيل التوراة وثباتها وخلودها وأبديتها وسماويتها واستعلائها العنصرى والذى ينعكس فى العديد من التعبيرات التى تعكس الإيمان الحقيقى لدى اليهودى بحقارة أمم العالم مثل " جوى" الذى يشار بها إلى الشخص غير اليهودى وتعنى القذارة المادية والروحية والكفر، و "عاريل" ومعناها " الآقلف " أى غير المختتن الذى يبقى بدائياً فطرياً فيظل قذراً وكافراً فى آن واحد، وكانوا يطلقونها على المسيحيين لعدم شيوع الختان بينهم، و"ممزير" أى ابن الزنا وهى تدل فى أسفار العهد القديم على الشعب المختلط الأنساب وقد خصصها اليهود للمسلم، نسبة إلى ما يعتقدونه من أن إسماعيل أبو العرب ولد من هاجر التى تعتبر فى نظرهم جارية أو أجنبية ". وقد اختزل فى هذا الوجود التاريخى الربانى المزعوم التنوع العرقى الضخم للجماعات اليهودية والأفراد اليهود والذى ينتج عنه بالضرورة اختلافا على المستوى الثقافى الإثنى فيما بينهم كحقيقة قائمة وتفند كل مزاعم التوحد والتفرد والتميز، وتتبدى فى العلاقات بين الإشكناز والسفارديم وسائر الطبقات السلالية البيضاء والسوداء، والشمال والجنوب والشرق والغرب، قديماً وحديثاً، وتصبح فيه العقيدة اليهودية فى ذاتها وصفتها وطبيعتها " تركيب جيولوجى تراكمى يحوى بداخله طبقات عقيدية مختلفة ومتناقضة، وبعضها يقترب من الشرك الصريح وبعضها يصل إلى التوحد الكامل وهذه الطبقات جميعها جزء من اليهود " وهذا يكشف عمق عدم التجانس ويكشف التناقض الداخلى الحاد الذى تتسم به اليهودية كنسق دينى تم استيعابه فى الحركة الصهيونية أوحل على الأصح كل منهما فى الآخر، والعهد القديم ذاته " تكون من تراكم مصادر مختلفة لكل رؤيته ومصالحه ولكل أسلوبه ولغته وعقيدته ولكل مؤلفه ومصطلحه " وكذلك التلمود والقبالاة، وقد اكتسبت الحركة الصهيونية من هذا الاستيعاب والحلول وجودها لتصير أداة تنفيذية من أدوات الرب التى يستعملها شعبه لتركيع الشعوب الأخرى أو هى المنهج العملى لتنفيذ الحركة الاستعمارية الاستيطانية الإحلالية. ويصف فرويد " إدعاء اليهود بأنهم شعب الله المختار بأنه خرافة مطبقة ويقرر أن تلك الحالة لا نظير لها على الإطلاق فى تاريخ العقائد الدينية، ففى الحالات الأخرى يندمج الشعب ومعبوده اندماجاً تاماً منذ البداية، وفى حالات أخرى يتحول الشعب إلى عبادة معبود أخر، أى يختار الناس معبودهم، ولم يحدث قط أن اختار الرب عابديه وقد أخذ اليهود عن المصريين فى إطار هذا الاختيار الإلهى عادتين كانوا يتميزون بها، ونسبهما اليهود لأنفسهم كعهد بينهم وبين الرب، وهما عادة الختان وتحريم تناول لحم الخنزير "، أما فولتير فيقوله: " إنك لتجد فيهم مجرد شعب جاهل ومتوحش زاول لمدة طويلة أخس أنواع البخل وأبغض أنواع الخرافات، ويحمل كراهية لا تعادلها كراهية لكافة الشعوب التى تسامحت معه وكانت سببا فى ثرائه " .
أحمد عزت سليم ahmadezatselim@hotmail.com
| | ..................................................................................... | |
| | | | |
|
|