رأي العقاد في الأهلي والزمالك !
| |
العقاد | |
بقلم: معتز شكري
.....................
بعد متابعة الملايين في مصر لدوري أبطال أوروبا والدوري الإسباني والإيطالي ، إلخ ، وبعد حصول اللاعب الفذ "ميسي" مؤخرا على جائزة أفضل لاعب في العالم للسنة الثالثة على التوالي ، وفي ضوء تراجع مستويات كرة القدم في بلادنا بسبب "دلع" اللاعبين وضعف مستوى المدربين وصراع الإداريين ، نقدم هذا الرأي للكاتب العملاق عباس محمود العقاد والذي يبين أن كثيرا من الأمور في بلادنا تدور في حلقات مفرغة ، ولا تتقدم إلى الأمام ، لأن رأيه هذا قاله منذ نحو خمسين عاما !
ويجب أن نفطن إلى أن مجزرة بورسعيد الأخيرة والتي تسببت في وقف النشاط الكروي أدت إلى تعاطف الجماهير مع اللاعبين والأندية ، ولكنها يجب ألا تنسينا واقع الكرة قبلها وتردي مستويات اللاعبين والمدربين وأخطاء الأندية واتحاد اللعبة.
سئل العقاد – الذي ولد 1889 وتوفي 1964 - في إحدى ندواته الاسبوعية الشهيرة عن الأهلي والزمالك ، فقال : "لست من أنصار أحد الناديين وإن كنت أشاهد أحيانا على الشاشة بعض المباريات الهامة ، وإني أحبذ المنافسة الرياضية الشريفة البعيدة عن التعصب الممقوت".
وأضاف قائلا : "ألاحظ أن الدولة والشعب يعنون تماما بهذه اللعبة الشعبية ولكن لم يتحقق فيها المستوى المطلوب ولا تزال الفردية وعدم اللياقة البدنية وعدم متابعة خطة محكمة ، كل ذلك أصبح ظاهرا في الملاعب. إن اللعبة جماعية وتحتاج إلى تعاون وتفاهم تامين ، كما تحتاج إلى وضع خطة ينفذها اللاعبون بقوة ورجولة. وأعتقد أننا لم نعوض إلى الآن أفذاذ اللاعبين الذين برزوا في ملاعبنا في الماضي. هذا رغم ما يحوط لاعبي اليوم من رعاية شاملة وما ينعمون به من مزايا لم يحلم بها أسلافهم" !
انتهى ما قاله الأستاذ الكبير ، ونقله لنا أحد تلاميذه وهو الأستاذ محمود صالح عثمان في كتابه "العقاد في ندواته". والطريف أن العقاد يتحدث في الأعوام الأولى من الستينيات عن "الرعاية الشاملة" التي يحظى بها لاعبو كرة القدم في مصر ، و "ما ينعمون به من مزايا لم يحلم بها أسلافهم " ، فماذا كان سيقول العقاد إذا رأى اليوم ما أصبح اللاعبون المحترفون ينعمون به من ملايين الجنيهات وهدايا الأثرياء ورجال الأعمال ، وتهافت الشركات بعقود الإعلانات ، ومزايا الانتقالات ، إلخ ؟! اللهم لا حسد !
المهم أن كل ما قاله المفكر العملاق منذ خمسين عاما لا يزال مطلوبا اليوم وبشدة حتى ونحن في عام 2012 ، ويطالب به كل النقاد والمراقبين وخبراء المجال الرياضي : البعد عن التعصب الممقوت – ضرورة الارتفاع بمستوى اللعبة – الشكوى من أن كل رعاية الدولة والجماهير لم تنجح في تحقيق ذلك ، فنحن في البطولات المهمة واللقاءات والألقاب الدولية نمشي على سطر ونترك سطرا ، وأحيانا نخفق فيها جميعا ، والمستوى متذبذب – الفردية في اللعب – انخفاض مستوى اللياقة البدنية ، وارتفاع متوسط أعمار اللاعبين الذين يلهثون في الملعب ويتعرضون للإنهاك السريع – عدم الالتزام بالخطط المحكمة – افتقاد كثير من اللاعبين إلى القوة والرجولة والمثابرة والتفاهم والتعاون والروح الجماعية وعدم الأنانية !
ما الذي يمكن أن نضيفه اليوم بعد خمسين عاما تقريبا تطورت فيها اللعبة وتقدمت تقدما كبيرا جدا في كل دول العالم ، حتى الدول "التعبانة" التي كنا ننظر إليها "من فوق لتحت" ! صحيح حققنا في السنوات الفائتة عدة ألقاب مهمة متوالية مثل كأس الأمم الإفريقية ، ولكننا فشلنا في الاحتفاظ بها بعد ذلك وهبط مستوانا كثيرا مع المدرب نفسه الذي قيل عنه إنه غير مسبوق ! ومازلنا نخفق إخفاقا مزمنا منذ أكثر من عشرين عاما في مجرد التأهل للمشاركة في كأس العالم.
أي ذكاء ونفاذ بصيرة لدى أستاذنا العقاد ، وأي قدرة كانت له على تشخيص داء الكرة المصرية بالرغم من انشغاله بأمور أخرى بعيدة عنها تماما ، وبالرغم من أن الرجل كان مفكرا وأديبا ولم يكن خبيرا كرويا متخصصا مثل العشرات الذين يملأون اليوم فضاء البث المتلفز وفضاء الشبكة العنكبوتية ، وبعضهم يجعل الحق باطلا والباطل حقا لتصفية الحسابات مع الخصوم بعيدا عن مصلحة الرياضة ومصلحة الوطن !
لقد دخل التربح والتكسب والجري وراء "السبوبة" المالية في كل شيء في حياتنا حتى أفسده ، وأصبحنا نرى رياضيين مشهورين يتركون الفرق التي يدربونها ويتلقون مقابل التدريب الملايين سنويا ليلهثوا وراء الظهور في فضائيات لما يسمونه "التحليل الفني" على المباريات ، ليضيفوا إلى ملايينهم ملايين جديدة ، وترى الواحد منهم في تحليله لا يعجبه شيء ويهاجم المدرب الجاهل والإدارة الفاشلة واللاعبين المتقاعسين الكسالى مع أنه هو نفسه لا ينجح في تطبيق ما يقوله على نفسه وعلى الفريق الذي يدربه ويحقق هزائم تلو الهزائم ! والمفترض ألا يستضاف أصلا لأنه يدرب فريقا في نفس الدوري الذي يعلق على أحداثه ولقاءاته.
كما أنه يظهر لأن النجم الآخر مقدم البرنامج يجامله كصديق ويستضيفه ، حتى إذا جاء هو إلى برنامج يتولى تقديمه يرد الجميل ويستضيف النجم الرياضي الآخر ! ونسمع عن أرقام فلكية يتقاضاها هؤلاء المحللون ، لدرجة أن ناقدا رياضيا صحفيا "غلبانا" لا يستضيفه أحد ليحلل قال في برنامج إذاعي إنه نفسه قبل أن يموت في أن يظهر ولو مرة واحدة فقط يتولى فيها تحليلا لمباراة ، لماذا ؟ أتدرون ماذا قال ؟ قال حتى يتمكن من أن "يزوج ابنه" من المبلغ الذي سيتقاضاه مقابل ظهوره للتحليل مرة واحدة ، ويجيب شقة للواد ! وحتى لو كان يبالغ ، انظروا ماذا يعني هذا الكلام .. معناه أن ما يدفع في إعلانات تلك البرامج يدر دخولا خرافية.
وهكذا فسدت الرياضة كما فسد كل شيء في بلادنا ، ولن نتكلم هذه المرة عما يحدث في نفس هذا الاتجاه في البرامج الدعوية والقنوات الدينية التي يعترف بعض أصحابها بأنها "بيزنس" و"سبوبة" أكثر منها دعوة دينية ، لأن ذلك يستحق مقالا مستقلا والحديث فيه ذو شجون.
إن موضوعنا اليوم يصلح لمناسبة أنه خلال العام الميلادي الحالي (2012) تحل ذكرى مرور48 عاما على رحيل الكاتب العملاق عباس محمود العقاد في سنة 1964 ، أو 123 عاما على مولده في سنة 1889 ، كما يصلح أيضا للتعليق على أحوال الكرة المصرية التي تتقدم خطوة ثم تتراجع خطوتين !
قادر ربنا يفرجها علينا وعلى كرة القدم في مصر بعد أن نثأر لشهداء مذبحة بورسعيد، وبعد أن تستقر الأمور في مصرنا الحبيبة ، وقادر سبحانه أيضا "ينفخ في صورة" أدبنا المعاصر حتى يسير في خطى روادنا العمالقة الذين يشخصون الداء ويصفون الدواء في كل مشكلاتنا باقتدار ونفاذ بصيرة وعمق كبير ، مثل الأستاذ العقاد رحمه الله. وقادر يصلح الفساد الذي استشرى في حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية والإعلامية والدينية ، إلخ ، قولوا آمين !
مصر لا تكفيها ثورة واحدة لإصلاح كل شئونها ، لقد نجحت الثورة فقط في إزالة "رأس" النظام ، وبقي النظام بكل تخلفه وفساده. يبدو أنه لابد من ثورة وثورة وثورات لكي نصلح باقي شئون حياتنا وتفاصيلها ، بل ونحتاج إلى ثورة على "أنفسنا" أيضا بكل ما فيها من عيوب ونقائص.
ثوروا على أنفسكم .. واسلمي يا مصر !