مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 إليكم نشرة أخبار الوطن المنكوب

 

أخبار الوطن

 

بقلم : معتز شكري
....................


اعتدل المذيع في كرسيه بعد أن أجرى اللمسات الأخيرة على هيئته وهندامه ، وألقى نظرة سريعة على الأوراق الموضوعة أمامه دونما اكتراث كبير ، استعدادا لتلاوة نشرة التاسعة ، وتمنى أن يلحظ المشاهدون بالعرفان الواجب بزته الأنيقة التي تعمد أن يبرز من تحتها رباط العنق الأسود – حدادا على ما يجري بالوطن .. شوف إزاي ! – فوق قميص ناصع البياض يتحقق معه "الكونتراست" أو التضاد المحمود في عالم الأناقة. وتمنى المذيع في قرارة نفسه أن يظل منتبها وهو يقرأ النشرة ، بعد أن داهمته مؤخرا حالة غريبة أوشك معها على استشارة طبيب نفسي ، حيث تستولي عليه حالة من السرحان والتوهان ينطق فيها بأشياء من عقله الباطن رغما عنه. ولا يعلم إذا كان ذلك نوعا من "صحوة الضمير" بعد أن عانى "فصاما" بين ما يقوله وما بدأ يقتنع به أم أنه نوع من الهلاوس تنتابه لقلة ساعات نومه.. "ربنا يستر" ، هكذا تمتم.

انتهت المقدمة الموسيقية ، وجاءته الإشارة بأن يبدأ القراءة ، فانطلق صوته الواثق القوي بأدائه المتمكن الذي عرف عنه :

سيداتي سادتي تحية لكم ، وفيما يلي نقدم لحضراتكم نشرة أخبار الوطن المنكوب ، نستهلها بالعناوين :

- ارتفاع عدد شهداء الأحداث الأخيرة إلى خمسين قتيلا وخمسمائة مصاب ، والأهالي يتكدسون أمام المشرحة.

- المجلس الحاكم يؤكد على وجود طرف ثالث وقوى داخلية وأخرى خارجية ورابعة متوسطة وراء جميع الأحداث الدامية ، فيما صار يعرف محليا وشعبيا بتعبير "اللهو الخفي" أو "مستر إكس"

وهنا فوجيء المذيع بصوت صارخ مستنكر يزعق في سماعته من المخرج يوبخه قائلا : إيه اللي بتقوله ده .. الله يخرب بيتك هتودينا كلنا في داهية ؟! وايه حكاية نشرة أخبار الوطن المنكوب دي ؟ أنا فوتها وقلت يمكن ليها تبرير ، لكن انت كده زودتها قوي ! وقوى إيه المتوسطة إلهي يخرب بيتك وأشوف فيك يوم !

لم يستطع أن يرد أو يعتذر أو يبرر أي شيء لأن المخرج الغبي نبهه إلى خطأه وهو يثبت عليه الكاميرا ، وقال في نفسه إن الخطأ جاء أثناء العناوين ، والتفاصيل كفيلة بأن ينسى المشاهدون ما حدث ، لأن المبدأ الذي تعلمه من أساتذة الفن الإذاعي هو : يستحسن ألا تعتذر حتى لا تنبه المشاهد إلى أنك أخطأت ، فالمشاهد غالبا حمار ولا يفهم شيئا من النشرة أصلا.

ومضى "متحمس الموالي" – وهو اسم المذيع الشهير - في قراءة باقي العناوين ، راجيا أن تكون الجهة السيادية التي زكته في وظيفته هي الأخرى من نوعية المشاهد الذي لا يلحظ شيئا ولا يدرك خطأ ، وقال في نفسه "دول ناس طيبين قوي .. وبعدين هوه أنا شوية ، هيلاقوا حد تاني غيري موالي كده إزاي والبلد كلها مقلوبة عليهم.. ده أنا من يومي موالي .. حتى اسم العائلة موالي كمان ! ".

- مسيرة نسائية من ميدان التحرير إلى نقابة الصحفيين للاحتجاج على سحل فتاة من المتظاهرين وتعريتها ، ومتحدث من المجلس يرد على ذلك بقوله إن الخطأ خطأ المتظاهرة لأنها لم تكن ترتدي "بادي" أو ملابس أخرى كافية تحت الرداء الخارجي تحسبا لما نفعله بالمتظاهرين.. وهناك تفكير في إحالتها للمحاكمة العسكرية بهذه التهمة الشنعاء التي تندرج ضمن قوانين الطواريء.

يخرب بيتك .. خلاص رحنا كلنا في داهية ! اقطع الإرسال ! اقطع الإرسال فورا ! هكذا جاء صوت المخرج لمساعديه ومصوري النشرة وظهرت على الشاشة لوحة تشير إلى شعار القناة مصحوبة بأغنية وطنية كانت هي الجاهزة للبث من باب الاحتياط ، وهي نشيد :

أحسن جيوش في الأمم جيوشنا .. يا فاساكونيا
وقت المعااااارك تعال شوفنا .. يا فاساكونيا
ساعة ما نلمح مسيرة ف بلادي .. يا فاساكونيا
نهجم ولا أي شيء يحوشنا.. يا فاساكونيا

وتنفس المخرج الصعداء لأنه أنقذ ما أمكن إنقاذه ، ولابد أن المسئولين سيحفظون له هذا الجميل لأنه منع فضيحة وكارثة على الهواء ، ولابد أنهم سيلقنون "متحمس" درسا قاسيا ، وخطرت على باله فكرة شريرة هي أن يستغل الحكام ما حدث ويقولوا إن المذيع هو نفسه من الأطراف والقوى التي تقف وراء الأحداث الدامية.. "والله هتبقى حكاية مكن صحيح .. أما احنا هنضحك ضحك ! استلقى وعدك يا متحمس بقى ! آل اسمه متحمس آل ! أمال أنا ابقى إيه ؟"

- يا أستاااااااااااذ !

- إيه فيه إيه ؟

وقال له أحد المساعدين : ده حضرتك سرحت سرحة جامدة قوي يا أستاذ .. بنقول لحضرتك النشيد شغال من ساعتها وتمت إعادته ييجي عشر مرات ، لدرجة إن فيه مسئولين كبار اتصلوا وقالوا ايه اللي بيحصل ده ، وعندهم شك إن يكون طرف ثالث أو قوة داخلية أو خارجية احتلت الإذاعة والتليفزيون ، ومشاهدين كتير اتصلوا وقالوا لو فيه مشكلة فنية مش إشكال بس بلاش النشيد ده بالذات

- ليه بلاش النشيد ده بالذات ؟ ماله .. فيه إيه ؟
- ناس قالت : بأمارة إيه ؟ البوتاجازات والمراوح دي يبقى اسمها أحسن جيوش في الأمم ؟ ولا جنودنا اللي قتلهم الأعداء على أرض الوطن وما اتحركتوش للرد والانتقام ؟ ولا الناس اللي بتموتوها من الضرب بالشوم والضرب بالنار والتعذيب ؟ ولا الستات اللي بتعروهم في الشارع ؟ ولا البنات اللي بتعملولهم كشف عذرية ؟ ولا الجثث اللي بتجروها على الأرض وترموها في الزبالة ؟ ولا الجنود اللي بيتبولوا على المتظاهرين من أعلى الأسطح ويفعلوا لهم بأيديهم حركات بذيئة ؟ ولا المحاكمات العسكرية للمواطنين المدنيين ؟ وفيه ناس كتير يا فندم دخلوا لي قافية
- إيه ؟ دخلوا لك قافية ؟ إزاي يعني ؟
- أيوه .. صدقني .. الأول المتصل يقول لي : مين المسئول ؟ ولما أقول له : المجلس يقوم يقول لي : ما يحكمشي !
- المهم ، شوفوا لي متحمس راح فين دلوقتي ؟ ده هو الوحيد اللي كان موجود من مذيعي النشرة .. هاجيب مين غيره دلوقتي بس والنشرة لسه ما كملتش ؟ أتصرف إزاي ؟

وشعر المخرج بالارتياح الشديد عندما قال له المساعدون إنهم عثروا على المذيعة الشهيرة "سها وجدي" التي أكدت لهم أنها بالصدفة قريبة من المبنى وستهرع حالا لإنقاذ الموقف واستكمال باقي النشرة.

كانت سها قد تعرضت لانتقادات حادة بعد أن ارتكبت أخطاء مهنية جسيمة ، ولكن المسئولين أبقوا عليها لانها محنكة وذات خبرة ، كما أنها معروفة بولائها وانتمائها للنظام والمؤسسة ، ربما هم فقط لم يعرفوا أنها هي الأخرى تعرضت من فترة لنفس ما تعرض له "متحمس الموالي" ، وظهرت عليها أعراض صحوة الضمير والنطق بما يعمل به ضميرها ، ولكنها لم ترد أن تخبر أحدا حتى لا يمنعوها من الظهور.


جاءت سها ودارت الكاميرات وأعطى المخرج إشارة البدء :

سيداتي سادتي ، نعتذر عن هذا الخلل الفني غير المقصود ، ونستكمل مع حضراتكم قراءة نشرة أخبار الوطن المنكود.

"يادي النيلة ! هوه أنا أخلص من متحمس تطلع لي سها !" قال المخرج لمساعديه.
- معلهش يا أستاذ ، يمكن ده اجتهاد منها ، مش مشكلة يعني ، ليها ميت تفسير ، المهم ما تعكش بعد كده زي متحمس.
- عندك حق ، خلينا نشوف آخرتها إيه في اليوم الهباب ده

ومضت سها :

- قالت جهات سيادية إنه تقرر مراعاة للأحكام العسكرية والمعاملة القاسية والمهينة واللاإنسانية التي رآها شعب فاساكونيا بنفسه مؤخرا ومع ذلك لسه راكب راسه ومتمسك بكرامته وحريته ، وبالنظر إلى نمردة الشعب وعدم عرفانه بالجميل وقلة أدبه هوه واللي خلفوه ، وحتى يقر الشعب المتمرد النمرود بما يجب عليه الالتزام به من الطاعة العمياء لأسياده والانبطاح التام أمامهم ومبايعتهم حكاما وأسيادا مدى حياة الشعب بل مدى حياة الكون هم ومن يخلفهم من المؤسسة ، فقد تقرر تغيير شعار البلد من "النسر" إلى "الأرنب" ، وتغيير النشيد القومي الرسمي من "بلادي بلادي يا فاساكونيا لك حبي وفؤادي يا فاساكونيا" إلى "عشان ما نعلا .. ونعلا .. ونعلا.. لازم نطاطي نطاطي نطاااااطييي"

لم يستطع المخرج قطع الإرسال هذه المرة ، لأنه انتابته حالة غريبة عجيبة من الانبساط والروقان الشديد وكأنه عمل دماغ عالية قوي ، وظل يردد ويأمر من معه في الكونترول بأن يرددوا معه هذه الجملة العبقرية من النشيد الوطني العظيم .. نشيد المرحلة :

عشان ما نعلا .. ونعلا.. ونعلا.. لازم نطاطي نطاطي نطااااطيي !

عاشت فاساكونيا العظمى ! عاش الشعب الفاساكوني العظيم !


ملحوظة : هذه الأحداث جرت في دولة فاساكونيا العظمى في العصر الطباشيري ، وينحصر جهد الكاتب – المتخصص في الدراسات الفاساكونية الكلاسيكية - - فقط في ترجمة الوقائع إلى اللغة العربية من اللغة الفاساكونية القديمة :


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية