مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 المباديء "فوق" الدستورية : دستور ماركة "حبة فوق وحبة تحت" !

 

عنان

 

بقلم : معتز شكري
....................


مشكلة هذا البلد ليست في نقص الكوادر الوطنية والسياسية ، ولكن في نقص "الإخلاص" في معظم هذه الكوادر. فالإخلاص يقتضي الصدق مع النفس ومع الغير ، ويقتضي العمل بمعنى الآية الكريمة : "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى" ، ويقتضي أن نقول الحق ولو على أنفسنا ، وأن نكون موضوعيين دائما وألا نكيل بعدة مكاييل.

ما الصورة الآن في مصر على الساحة السياسية ؟

الصورة لا تسر كثيرا : روح الثورة والتوحد على هدف واحد تتوارى .. وتحل محلها روح الأنانية والاستبداد والرغبة في الاستحواذ وإقصاء الآخرين. لا أستثني تيارا من التيارات ولا قوة من القوى السياسية ، بما فيها الإسلاميون ، بمختلف أطيافهم ، والليبراليون ، واليساريون ، والفلول ، وحزب آخر غير رسمي وهو حزب "المنتفعين" في كل العهود ، والقافزون على جهود غيرهم ، والمتلقفون لثمار الآخرين ، والكائدون بليل لثورة الخامس والعشرين من يناير ، والمتنكرون لأرواح الشهداء.

من فترة بدأ في مصر جدل ساخن وشديد ، ولا يزال محتدما ، حول ما إذا كان الطريق الذي يجب أن نسلكه لبناء نظام جديد ، بعد الهدم "المفترض" للنظام السابق ، هو طريق "وضع الدستور أولا" أم طريق "إجراء الانتخابات أولا" ، ولما لم تسفر كل المناقشات والمحاورات والمناظرات والتراشقات والتجاذبات عن أي حسم منظور في الأفق لهذا النزاع العنيف ، بدأ ظهور طرح جديد يحاول حل هذه المعضلة التي فاقت معضلة "البيضة أم الدجاجة" ، وهو اقتراح وضع ما يسمى "بالمباديء فوق الدستورية" قبل الانتخابات.

والذين طرحوا الفكرة وزعموا أنها تشكل مخرجا من الأزمة لم يحسنوا تقدير الأمور ، لأنه تبين للجميع الآن أن ما طرحوه صار هو نفسه "أزمة" إضافية زادت الطين بلة ، والوضع اشتعالا ، وأصبح الحال كمن يستجير من الرمضاء بالنار !

المشكلة الحقيقية في رأيي هذه المرة أن المطروح انتقل من ساحة الاقتراحات الوطنية الحرة ، المفتوحة للنقاش بين الجميع على أرضية متساوية ، إلى خانة "الفرض والإملاء" من "فوق" ، عندما حسم الدكتور علي السلمي أحد نائبي رئيس الوزراء ، في الحكومة المفترض أنها "انتقالية" وليس لها صلاحية فرض أسس للمرحلة القادمة ، هذا الجدل بتصريحات أخيرة مفادها ومؤداها أنه تقرر نهائيا وضع هذه المباديء "فوق" الدستورية التي تكفل عدم انفراد فصيل واحد (في حالة اكتساحه الانتخابات البرلمانية) بالتحكم في وضع الدستور الجديد للبلاد على هواه أو على مقاسه.

ومما تردد إعلاميا لمحاولة فهم أو تبرير هذا الموقف من الحكومة أن باعثه هو تهدئة المخاوف من خطر انفراد الإسلاميين بوضع الدستور ، أو تحكمهم في هذه الآلية بصورة ما ، إذا صدقت التوقعات باكتساحهم مقاعد البرلمان الجديد. أما من هي الأطراف التي يسعون "لتهدئة مخاوفها" و"طمأنتها" على أن مصر لن تسير في طريق دولة "إسلامية التوجه" ، فلا يقول أحد كلاما محددا ، لكن اعتقادي الشخصي واجتهادي المتواضع أن الذين يسعون للتهدئة والطمأنة عيونهم على "الخارج" أكثر مما هي على "الداخل" !

طيب ، تعالوا نحاول فهم مسألة "المباديء فوق الدستورية" أو "المباديء الحاكمة" أو أي صيغة أخرى تؤدي المعنى نفسه. ولن نستدرج إلى فخ أو متاهة الجدل القانوني المتخصص ، فلا كاتب هذه السطور يزعم أنه فقيه دستوري أو خبير قانوني أو باحث سياسي ، ولا القاريء في نظرنا صار يتحمل مزيدا من رطانة المتخصصين التي صارت تغرق وسائل الإعلام والفضائيات وساحة الإنترنت ، ثم تترك المتلقي في النهاية أكثر حيرة وأشد بلبلة !

لذلك سنحاول أن نقول كلاما بسيطا بقدر الإمكان. هناك وجهتان للنظر رئيسيتان في مصر الآن :

الأولى أن نتيجة استفتاء 19 مارس لابد من احترامها لأنها تشكل إرادة الأغلبية ، وهي موافقة حوالي 77 في المائة على عقد الانتخابات أولا ثم يقوم المجلسان (الشعب والشورى) بتشكيل لجنة لوضع الدستور.

الثانية أن ذلك وإن كان صحيحا في ظاهره ، إلا أنه يغفل حقيقة أخرى ، أو ربما "يتغافل" عنها ، وهي أن الذين قالوا نعم في الاستفتاء لم يقل لهم أحد ممن بيدهم مقاليد الأمور أنه سيتم ضرب عرض الحائط بتصويتهم بصدور إعلان دستوري مفاجيء بعد التصويت بنحو عشرة أيام (وهو ما يشي بأن الأمر كان مدبرا) ، وهو إعلان كبير وطويل وأقرب إلى أن يكون "دستورا مؤقتا" ، وأنه في هذا الإعلان تم "فرض" حقائق سيادية جديدة وخطيرة وأهم مليون مرة مما جرى الاستفتاء عليه من تعديلات على الدستور القديم ، وبعضها مخالف لما تم التصويت عليه (مسألة اختصاص محكمة النقض بالفصل في صحة عضوية نواب مجلس الشعب بدلا من المحكمة الدستورية العليا ، علاوة على إضافة مجلس الشورى ،وهي "المادة 40" مجرد نموذج ، خلافا لتعديل "المادة 93" في التعديل المستفتى عليه) ، ومع كل ذلك لم يتم طرح مواد هذا الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس على الشعب للتعبير عن رأيه فيه حتى الآن وبعد مضي خمسة أشهر ! فهل الذين بيدهم مقاليد الأمور "فوق" يرون أن الاستفتاء "تحت" كان ضروريا في حالة تسعة تعديلات دستورية للتأكد من "رضا" الشعب، ثم تغير الوضع مع الإعلان الدستوري ، فصارت القاعدة المعمول بها هي أن "السكوت علامة الرضا" ؟!

وهذا يعيدنا إلى ما بدأنا به مقالنا : لماذا لا نتوخى الإخلاص ونبتعد عن ازدواجية المعايير ؟!

يعني ثماني أو تسع مواد هي مجرد تعديلات على دستور قديم (مما يوحي بإعادة إحياء الدستور القديم) : تستحق الرجوع للشعب واحترام رأيه والحصول على رضاه لاكتساب الشرعية ، أما ثلاث وستون مادة تشكل دستورا مؤقتا جديدا شبه كامل يؤسس حقائق جديدة على الأرض بالغة الخطورة ويشكل حياة المجتمع المصري لفترة قادمة : لا تستوجب الرجوع للشعب لأنه من وقتها وهو "ساكت" والسكوت في تراثنا هو علامة الرضا ، بلا شرعية شعبية بلا بطيخ !

والشعب ساكت لأنه تعب كثيرا وليس هناك شعب يطيق أن يبقى في حالة ثورة إلى الأبد ، ولأن المواجهة في هذه الحالة ستكون مع المجلس الأعلى ، ومع أنه صار هيئة سياسية عرضة للانتقاد والمراجعة بما خولته لنفسها من صلاحيات تنفيذية وتشريعية واسعة ومطلقة ، فقد قيل للناس احذروا : أي نقد للمجلس هو نقد للجيش ، وهو وقيعة بين الجيش والشعب ، وهو أجندة خارجية ، وهو مؤامرة كونية استعمارية فلولية ، وليس لها إلا القوانين الاستثنائية والمحاكم العسكرية ، فاهم ياخويا انت وهو وهي ؟! والناس مساكين صارت قضية حياتهم الآن هي مجرد البقاء على قيد الحياة بالحد الأدنى من الكفاف بعد وقف الحال والكساد الرهيب والغلاء المريب واستمرار الاحتكارات والعجز عن التعامل بحسم مع الإضرابات والاعتصامات الخارجة عن الحدود. فماذا يفعل الناس : هل يقاتلون من أجل الدستور أم من أجل لقمة الخبز ؟! كيف لمن لا يجد قوت يومه إلا بشق الأنفس أن يتوفر له ترف النضال من أجل الدستور ؟!

نعود للمباديء الحاكمة ، ونقول إن المشكلة كما يراها كثيرون هي أنه تم بنوع واضح من القصد والتعمد في بدايات التحول في مصر بعد 25 يناير إفساح المجال لقوى معينة ، مع كل الاحترام لها ولحقها كفصيل وطني مهم ، فيما يشي بنوع من التحالف السياسي المرحلي ، وكان ذلك كما يرى البعض لأهداف سياسية مرحلية كما اتضح لاحقا ، "فلما قضى زيد منها وطرا" ، وفعلت الذي عليها ، ظهر الوجه الحقيقي وهو ضرورة تهدئة وطمأنة الجهات ذات الحيثية ، فكان أن انقلبت هذه القوى التي تفهم متأخرا دائما للأسف وتقدم نفسها لمن يستغلها في كل مرة ، وهي الآن تهدد وتتوعد بشيء شبيه بما هدد به الأخ شمشون عندما هدم المعبد على الجميع ، أو كما يقول التعبير العامي المصري "فيها لا أخفيها" !

وكاتب هذه السطور لا يوافق على فكرة المباديء "فوق" الدستورية ، لأنها تقوم على أساس خاطيء وغير منطقي ، وهو "فرض" مباديء مسبقة على من سيضع الدستور الذي هو بطبيعته "فوق" أي قوانين أو مسائل سياسية أخرى ، فكيف يستقيم أن يكون هناك سقف نتفق جميعا على كيفية بنائه ليظلنا جميعا ويحمينا ، ثم ينبري طرف واحد أو عدة أطراف بدون إجماع الجميع ويقول إنني سأضع سقفا "آخر" من الآن ليكون "فوق" السقف الذي سنبنيه كلنا ؟!

هذا السقف السابق للدستور والذي سيعلوه ويكون فوقه سيكون هو نفسه "غير دستوري" !

وسيكون عندنا في هذه الحالة لأول مرة في التاريخ دستور من نوعية جديدة وغريبة : دستور ماركة "حبة فوق وحبة تحت" ! شوية "فوق" وضعتها فئة ما قبل وضع الدستور نفسه ، وشوية تانيين "تحت" تأتي لوضعها فئة أخرى لتكون هي الدستور ! يعني دستور "قص ولصق".. وماذا إذا جاءت جمعية وضع الدستور فرفضت – وسيكون معها الحق - الالتزام بالمباديء الحاكمة المفروضة مسبقا عليها والمقيدة لها في عملها ؟! أليست هذه مسخرة أيها السادة ؟!

والنماذج النادرة التي يقذفها في وجوهنا من يريدون الترويج لهذه المسخرة من أمثال ما تم مرة في تركيا وما تم مرة في إيطاليا نماذج لا يقاس عليها ولا تلزم إلا أصحابها ، وإلا لو أنكم متأكدون من موافقة الشعب عليها لماذا لا تطرحونها في استفتاء لكي تنال المشروعية ، أم أن موضوع الاستفتاء فيه "خيار وفقوس" ، والشعب نفسه كمصدر للشرعية يتم التعامل معه بأنه هو الآخر "حبة فوق وحبة تحت" ؟! وهل يا ترى الشعب الآن في الحبة اللي تحت ، بلا استفتاءات بلا بطيخ ؟!

يا سادة ، هذه المسائل لا تحتمل التجريب ولا الاستخفاف بإرادة الجماهير ، ولا فرط الثقة في النفس من جانب من يرون أنهم مهيمنون على المسائل كلها ، هذا لعب بالنار ، فارجعوا للشعب في الأمور المصيرية ولا تتركوا مصيره لصراع سياسي بين قوى اليمين وقوى اليسار ، أو بين توازنات الداخل وضغوط الخارج ، وكفوا عن عقد وفسخ التحالفات المرحلية بطريقة الكراسي الموسيقية : إديها شوية إسلامية .. وشوية ليبرالية . خلوا الشعب هو الذي يقول كلمته . مش كده ولا إيه ؟!

واسلمي يامصر
 


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية