مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 بعيدا عن نظرية الطباخ والحلة : مصر بلغت رشدها أيها السادة

بقلم : معتز شكري
......................


في تصريحات متلفزة ، رفض الناشط السياسي الشهير الدكتور ممدوح حمزة فكرة تشكيل مجلس رئاسي ، وهو ما طالبت به ولا تزال قوى سياسية كثيرة ، وتجمع عليه تقريبا كل التكوينات السياسية التي انخرط فيها شباب ثورة 25 يناير . وقال حمزة إنه مع تحفظه على بعض سياسات وقرارات المجلس العسكري ، فإنه لا يوافق على فكرة المجلس الرئاسي الذي يضم شخصيات مدنية وعسكرية تشارك في حكم مصر خلال هذه الفترة الانتقالية.
ولشرح وجهة نظره ، ضرب الاستشاري الكبير مثلا بأنه إذا وظف عنده طباخا في البيت فليس من المقبول أن يدخل معه المطبخ ويشترك معه في إعداد الطعام ، لأن ذلك من شأنه تمييع المسئولية ، فإذا تسبب الطباخ في حرق "الحلة" كان من حقه أن يحاسبه على ما فعل.

والمثال الذي ضربه حمزة – على طرافته – غير منطبق على حالنا في مصر الآن للأسف ولا يصح الاستشهاد به ، لأن صلاحيات الحاكم – التي أخذها الآن لنفسه المجلس الأعلى للقوات المسلحة – هي صلاحيات (رب البيت) نفسه وليس مجرد (موظف) أو (طباخ) داخل البيت تنتهي المشكلة بالاستغناء عن حلة الطبيخ التي احترقت وإنهاء عقده. فلا الشعب الآن يملك الاستغناء عن الجيش أو إنهاء عقده ، ولا تقتصر التداعيات السلبية – حال حدوثها – على تضحيات بسيطة شبيهة بحلة شاطت أو طبخة فسدت ، لأن المطبخ هو مصر كلها ، والطبخة هنا ببساطة هي مصير مصر كله !

واللافت للنظر أن الدكتور حمزة يريد الانتظار حتى تحترق الحلة ويصبح من حقه عندئذ محاسبة الطباخ (ولا أدري كيف سيحاسبه والحال هو الحال ؟!) ، بينما نحن وكل المطالبين بالمجلس الرئاسي المشترك يريدون أن يجنبوا مصر من الآن مثل هذا الحريق الذي لا يعلم أحد إلا الله كيف ستكون عواقبه لو حدث.

وقد لاحظت وأنا أتابع مظاهرة جمعة الغضب الثانية بميدان التحرير يوم 27 مايو أن بعض اللافتات تحدثت عن معضلة حقيقية بدأ الكثيرون يشعرون بها ، وهي مشكلة اعتبار المجلس العسكري "خطا أحمر" ، وتساءلت اللافتات عن كيفية التعامل معه في حالة الاختلاف معه في الرأي . والحقيقة أن هذا التساؤل في رأيي مشروع حتى مع صلاحيات المجلس التي منحها لنفسه في الإعلان الدستوري (الذي لم يخضع لاستفتاء حتى الآن) والصادر في 30 مارس 2011 ، لأن المجلس ، مع كل احترامنا له وأنا ممن يكبرون الجيش المصري ويعرفون له تاريخه الوطني والنضالي ، هو في النهاية مجموعة من البشر غير معصومين ، فالخلاف وارد والخطأ أيضا وارد ، والإعلان الدستوري المشار إليه حرص في مادته رقم (56) على أن يتولى المجلس إدارة شئون البلاد ومباشرة كل السلطات تقريبا – باستثناء السلطة القضائية – ولكنه للأسف لم يحرص في أي من مواده الثلاثة والستين على أن يرسم أي سبيل أو آلية لمراجعته في أي قرار يتخذه طوال الفترة الانتقالية ، مكتفيا بالتعهد بتسليم السلطة لبرلمان ورئيس منتخبين (مع أن البرلمان والرئيس المفترض أن يتسلما السلطة لاحقا سيكونان بالضرورة صدى لما وضعه المجلس منفردا من شروط ومحددات جديدة في الإعلان الذي لم يستفت عليه الشعب !). وهذا كله يعطي مؤشرا غير مريح ، لأن المجلس هنا في هذا السياق ليس هو (الجيش) بطبيعته التقليدية وتسلسله القيادي الصارم الذي لايقبل المناقشة في أوامره ، ولكنه – في وضعه الجديد وسواء شئنا أو أبينا أو شاء هو أو أبى – هيئة سياسية تقوم بجميع اختصاصات وصلاحيات رئاسة الجمهورية كما هي دون أي تقييد أو تعديل ، بالإصافة إلى جميع صلاحيات السلطة التشريعية ، ودون أن يفقد صلاحياته العسكرية ودون أن يتخلى أعضاؤه عن زيهم العسكري وصفتهم العسكرية.

فمن المنطقي إذن أن يتعرض المجلس للنقد واختلاف الرأي وألا يكون – بمثابته الجديدة تلك – "خطا أحمر" ، وإلا نكون قد تخلصنا من حاكم مدني مطلق الصلاحيات وجئنا في مكانه بمجلس حكام عسكريين مطلقي الصلاحيات المدنية والعسكرية حتى ولو لفترة محدودة. ثم لماذا أيها السادة هذه النغمة الغريبة التي تتردد في بعض وسائل الإعلام وعلى ألسنة بعض الشخصيات العامة أو الهيئات ، باعتبار أي نقد أو خلاف مع المجلس هو بالضرورة "وقيعة" بين الشعب والجيش ؟! أليست هذه مصادرة على حرية الرأي والتعبير التي كفلها الإعلان الدستوري نفسه ؟!

وقد شاهدت حلقة الدكتور عمرو خالد التي استضاف فيها اثنين من أعضاء المجلس الأفاضل ، ولهما كل الاحترام ، ولفت نظري أن أحدهما استشهد في سياق توضيحه لوجهة نظر المجلس المحترم ببيتين لشاعر النيل حافظ إبراهيم من قصيدته الرائعة ( مصر تتحدث عن نفسها ) ، وهما :

نحن نجتاز موقفا تعثر الآراء فيه وعثرة الرأي تردي
فقفوا وقفة الحزم وارموا جانبيه بعزمة المستعد

وهو استشهاد جميل لاشك ، فمصر بالفعل تجتاز موقفا حرجا ومرحلة حساسة جدا ،ولكننا نستأذن سيادته في أن نستشهد بدورنا ببيت آخر من القصيدة نفسها لعله يوصل رسالة الكثيرين إلى من بيدهم الأمر ، وهذه الرسالة هي أن مصر – بالصفة السياسية للمجلس وبدونها ومع كل الاحترام – ليست قاصرا حتى يتم تقريع شعبها كل يوم بأنه لا يعرف مصلحته جيدا ولا يعرف – بمدنييه بعيدا عن قادته العسكريين – كيف يسوس الأمور ويحدد الأولويات والتوقيتات.

وهذا البيت هو – على لسان مصر أيضا - :

أتراني وقد طويت حياتي في مراس لم أبلغ اليوم رشدي ؟!

مصر بلغت رشدها أيها السادة من زمن طويل. فلا أقل من أن تشركوها – بمعني أن تشركوا ممثلين مدنيين عن شعبها – في مجلسكم الحاكم. واتخذوا تونس الشقيقة الثائرة مثالا واحذوا حذوها فقد بدأت بداية صحيحة بالسير في خطى تشكيل لجنة تأسيسية لوضع الدستور.

مصر بلغت رشدها يا أسيادنا !

دستور يا أسيادنا !

واسلمي يا مصر.


 


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية