مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 بعد أن انزاحت الغمة : دروس الثورة المصرية

بعد أن انزاحت الغمة : دروس الثورة المصرية

بقلم : معتز شكري
....................

بعد أن قام الشعب المصري البطل من نومته الطويلة وانتفض ماردا عملاقا ، وثار على القمع والبطش والظلم والقهر والفساد والعمالة ، وعلى العفن الذي عشش طويلا في أركان بلاده الطاهرة ، فكنسه وألقى به في مزبلة التاريخ ، وبعد أن أثبت الشعب المصري للجميع أنه حي تنبض عروقه بروح العزة والكرامة ، وأنه لم يمت ولم يدفن ، وبعد أن تنفس المصريون الصعداء ولسان حالهم يقول : غمة وانزاحت يا مصر ! حان الآن وقت التأمل واستلهام دروس الثورة المصرية المجيدة ، ولاسيما في هذا الوقت الحرج من مسيرة الثورة والذي لا يقل خطورة وحساسية من الأيام الثماني عشرة الأولى من عمرها ، وها هي هذه الدروس حسبما أتصورها أنا وأعرضها على أبناء وطني وبالذات زهوره وزهراته الجميلة من شباب هذه الأمة الخالدة :

1 - ليس صحيحا - ولم يكن صحيحا في أي وقت من الأوقات – أن الحاكم "أب" للشعب ، أو أن الجماهير يجب أن تنظر له على أنه معبودها القادر على كل شيء ، والمخلص من كل المحن ، والناصر في جميع المواجهات ، والضامن لكل الحقوق ، فالصحيح أن الحاكم "خادم" لدى الشعب و"عامل" عند الجماهير و"موظف" مسئول أمام الناس ، ليس معصوما من الخطأ ، ولا هو مستمتع دوما بالحكمة والحنكة والبصيرة الخارقة والرؤية النادرة. والدستور – فكرة الدستور عموما – لم يكن قط ولا يجب أن يكون "بدلة" يفصلها ترزية القوانين للحاكم على مقاسه ، وأحيانا على مقاس "ابنه" ! الدستور هو خلاصة العقد الاجتماعي الذي يبرمه الشعب مع من يحكمه أو بالأحرى من يخدمه ليكون حاكما بتطبيق القانون العادل وليس بخرق كل القوانين ومحو كل الأعراف .

الخلاصة أنه آن الأوان لكي يفهم الشعب أن الحاكم "موظف" يعمل عنده لمدة معينة وبأجر محدد ومن حقه أن يحاسبه عن أدائه لوظيفته وعن كل مليم زاد عن مرتبه ومخصصاته عند نهاية فترة عمله. كفوا من فضلكم عن التصورات الجاهلية المتخلفة الخاصة بالنظر للحاكم على أنه "أبونا" أو "معلمنا" أو "الزعيم الملهم" أو "البطل المخلص" !

يقول أبو بكر رضي الله عنه – قبل 1400 سنة - في خطبة توليته بعد مبايعتين تلقاهما من الجماهير ، إحداهما خاصة في السقيفة والأخرى عامة في المسجد ، ما يمكن اعتباره دستورا مثاليا للعلاقة بين الحاكم والمحكوم في جميع النظم والحضارات :

- "لقد وليت عليكم ولست بخيركم" : فكرة أنه يحكم لأنه وقع عليه الاختيار لتحمل المسئولية وليس لأنه الأفضل
- "أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم" : فكرة المحاسبة والمساءلة في ضوء تنفيذ الحاكم للتعهدات وللقانون الحاكم المعمول به وليس بطريقة الطاعة المطلقة التي تخلق الفراعين والطغاة والجبابرة
- "إن أحسنتت فأعينوني وإن أسأت فقوموني" : فكرة تتجاوز المحاسبة والمساءلة إلى توقيع العقاب في حالة خروج الحاكم عن مقتضى مسئولياته ، فلا حصانة لأحد حتى لرأس الدولة

أين نحن أيضا من قولة عمر العظيمة الخالدة : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار ؟!

2 – الشفافية لم تعد مجرد كلمة أو شعار يردده كل رئيس وكل نظام دون أن يكون له عندهم أي معنى أو دلالة سوى الضحك على الجماهير. الشفافية مبدأ حاكم ولابد أن تكون له معايير وتوضع له آليات للتنفيذ ، ولا تشمل فقط حرية تدفق المعلومات وحرية الصحافة والإعلام وحرية التعبير وحرية الرأي ، ولكن أيضا تتعلق تعلقا وثيقا بمبدأ أن فكرة المسئولية Responsibility تقابلها فكرة الخضوع للمحاسبة والمساءلة Accountability. وهذا يقتضي بدوره أن تعرف الجماهير كل شيء عن المسئولين من رأس الدولة حتى أصغر موظف ، بما في ذلك المرتبات والسلوك المالي والممتلكات قبل المنصب وفي أثنائه وبعده ، ولكن بالتأكيد ليس على طريقة رئيس تحرير إحدى الصحف الحكومية السيد إكسلنت ناو ناو (والتعبير للناشطة والمدونة والكاتبة الشهيرة نوارة نجم !) الذي كان ينشر في مانشيت جريدته أن الرئيس "قدم أمس إقرار ذمته المالية التزاما بالقانون والشفافية" ! وطبعا أكيد الرئيس المخلوع كان يذكر – ياولداه – في الإقرار أنه اشترى ثلاجة جديدة ماركة إيديال أو بدلة من شركة المحلة ! ربما فقط نسي بحكم الألزايمر الذي أصاب تلافيف مخه بسبب السن أن يذكر شيئا عن حسابات بنك يو بي إس في سويسرا أو المنتجعات في بيفرلي هيلز ! وعلى كل حال دول مع أشياء أخرى يعني حسبة عشرين ثلاثين مليار دولار ، هو الراجل مخه دفتر ؟! هذه كانت السياسة التحريرية للسيد ناو ناو الذي كتب مرة أن الرئيس المسكين محروم من متع كثيرة بحكم منصبه منها أن لا يسمع أو يرى طشة الملوخية التي يستمتع بها أي مواطن عادي في بيته ! لا نريد في العهد الجديد أن نرى مثل هذه السياسة التحريرية العفنة من حثالة الكتبة الذين جاؤوا بهم رؤساء للمؤسسات الصحفية في ذلك العهد البائس. لا نريد "شفافية" مجرمة على طريقة "شهيد البانجو" ، تلك العبارة الأثيمة المقيتة الظالمة التي كان يكتبها في المانشيتات والأخبار رئيس تحرير آخر من نفس العينة عن الشهيد خالد سعيد الذي عذبوه حتى الموت وادعوا مع طبهم الشرعي الباطل المجرم أنه مات من لفافة بانجو.

هؤلاء مازالوا في الصحف يتحولون الآن 180 درجة ليكون لهم مكان في العهد الجديد لأنهم اعتادوا أن يكونوا أقزام جميع العصور، ولكن القاعدة العريضة من صحفيي مصر الشرفاء بدأت تلفظهم لفظ النواة حتى تنظف مهنة الصحافة في مصر من جديد.

3 – درس آخر مهم : الثورة نجحت لأن الناس كسروا حاجز الخوف وحاجز الصمت وحاجز السلبية ، نزل الجماهير بالملايين في طول البلاد وعرضها ولم يتركوا – كما جرت العادة من قبل – طليعة من مائة أو خمسمائة شخص يهتفون وحدهم ويضربون وحدهم ويعتقلون وحدهم.

الآن مصر دخلت عصر الجماهير الحقيقية ، وكل ما تحقق من نصر ونجاح كان بفضل هذا الاصطفاف وهذا الالتفاف من الجميع وحول الجميع ، فلا تتشرذموا من جديد. سيحاول أعداء الثورة وبقايا النظام العفن والمنتفعون منه أن يشقوا الصف ويفشلوا الحركة ويحبطوا الثورة أملا منهم في أن يعود النظام القديم حتى بوجوه جديده. احذروا تلك المؤامرات بكل ما أوتيتم من قوة.

4 - المتغطي بالغرب عريان ! والمتغطي بالأمن والقمع البوليسي عريان ! والمتغطي بالصهاينة عريان ! والمتغطي بفلوسه ملياراته في بنوك سويسرا عريان ولن يتسع له المقام أصلا لكي يتهنى بأي سنت منها لو انقلبت عليه الجماهير

5 – لابد أن نذكر جميعا الموت لأن هذا هو ما يعصم الإنسان من أن يفتري ويظلم ويشتط في جبروته ، ولابد أن نذكر بعضنا بهذه الحقيقة دائما

6 – علماء الدين وما أدراك ما علماء الدين ! ولاسيما الكبار منهم ! آه ياني منكم إلا قليلا منكم ! أليس منكم رجل رشيد ليعظ الحاكم وأنتم على مقربة منه وترونه كثيرا ؟ ألم يكن الواجب يقتضيكم أن تأمروه بالمعروف وتنهوه عن المنكر كما أمركم ربكم ؟ أين مصداقيتكم الآن أمام الجماهير التي تصلي خلفكم وتؤمن على كلامكم ودعواتكم ؟ هل الدين أمر بالمعروف فقط ؟ أين النهي عن المنكر ؟ وهل تأمرون الناس الغلابة فقط وتنسون الحاكم ؟ بلاش يا سيدي حتى في أمور الحكم ، على الأقل قولوا له لا يصح أن تنتشر الخمارات في طول البلاد وعرضها حتى كادت القاهرة على سبيل المثال أن تصبح مدينة الألف خمارة بدلا من مدينة الألف مئذنة ؟ لماذا تخرس ألسنتكم أمام الحكام ؟ "أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين". لن ينسى الشعب لكم ولبعض التيارات الدينية المتخلفة مبادئهم السقيمة المفتراة على الدين والدين منها براء من تحريم الخروج على الحاكم الظالم بزعم أن ذلك يثير الفتنة ! أنتم والله بأفكاركم هذه الذين تشجعون الفساد والانحلال والظلم وأنتم الذين تريدون الفتنة ! أين أنتم من الافغاني المجاهد – الذي تعتبرونه منحرفا في عقيدته ! – عندما قال قولته الصارخة الهادرة المدوية الخالدة : عجبت لك أيها الفلاح .. تشق الأرض بفأسك .. فلماذا لا تشق بهذه الفأس صدر ظالمك ؟! بل أين هم من الحديث الشريف : "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" ؟!

7 – والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل من يا رسول الله ؟ قال : من بات شبعان وجاره جائع "معنى حديث شريف" كيف ساغ للحكام الظلمة أن يتركوا أمر الفقراء فقط للمحسنين من الشعب ؟ الغالبية العظمى من الناس في مصرنا الحبيبة ينامون جوعى ، فلتذهب كل النظريات الاقتصادية الرأسمالية إلى الجحيم إذا كان معناها أن تجوع الغالبية العظمى من الجماهير وهم معظم أصحاب البلد لكي تتضخم ثروات العصابة من الرأسماليين وأصحاب الاستثمارات .

8 – الأمل في الشباب ، فاجعلوا الشباب دائما في مقدمة الصفوف ، فالشباب الطاهر المثقف المخلص هم الذين قادوا الثورة وهم الذين قدموا أرواحهم ودماءهم وقودا للثورة وفداء للوطن ، وآن الأوان لكي يتصدر الشباب المسيرة في كل المجالات بأفاكارهم المبتكرة وروحهم الوثابة

الدروس كثيرة أيها الثوار الشرفاء الأعزاء ، والأفكار تتزاحم حول رأسي ، وربما أعود من جديد إذا خطرت لي أفكار أخرى ، ولكن ليكن ما قلناه اليوم مقدمة وبداية لعهد جديد مشرق بالأمل ومفعم بالنور والخلاص من الظلم والطغيان والاستبداد.

عاشت ثورة مصر !

عاش 25 يناير !

واسلمي يا مصر إننا الفدا !
 


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية