هنيئا لك يا غزة .. فقد سمحوا بالكاتشب والمايونيز !
...............................................................
| |
هنيئا لك يا غزة .. فقد سمحوا بالكاتشب والمايونيز ! | |
بقلم : معتز شكري
.......................
يحلو للبعض منا أن يصف دول أوروبا وأمريكا بالغرب المنافق ، الذي يذرف دموع التماسيح على أطفال غزة ومنكوبي الحصار في غزة و"يطالب" برفع الحصار عن القطاع ، ثم لا يفعل شيئا بعد ذلك. بل ، وإذا طرح الموضوع على مجلس الأمن لمجرد إصدار إدانة شكلية ، ينبري هذا الغرب المنافق لاستعمال حق النقض (الفيتو) بدعوى أن إسرائيل من حقها أن تدافع عن نفسها.
وهذا البعض الذي يكيل للغرب تهم الاستعمار والظلم واستغلال الشعوب والقهر العسكري والاقتصادي والكذب والنفاق وحماية المعتدي والمجرم وعدم نصرة المظلوم والمجني عليه ينسى أن الغرب يفعل ذلك كله لتحقيق ما يرى أنها "مصالحه" ، بينما نحن في العالم العربي – على مستوى الحكومات وبعض الأفراد أيضا - ربطنا أنفسنا بمصالح الغرب هذه وصرنا نرى الأمور بمنظار غربي خالص ، فإسرائيل دولة بيننا وبينها معاهدة سلام ولابد من احترام التزاماتنا معها – وحماس حركة متطرفة تدعمها إيران وتهدد مصالح مصر وقامت بانقلاب غير قانوني على السلطة – ونحن لا نستطيع فتح معبر رفح بشكل مستمر لأن الاتفاقيات الدولية لا تسمح – ونحن نشيد الجدران العازلة الفولاذية لأنهم يصدرون لنا عبر الأنفاق المخدرات والإرهاب !
والجامعة العربية يذهب أمينها العام إلى غزة في تظاهرة سياسية ملفتة يحوطه البودي جاردات وترافقه آلات التصوير ووسائل الإعلام ، ويرى بنفسه ما كان يسمع عنه أو يقرأه أو يشاهده على التلفاز ، ويصحبه مسئولو القطاع إلى حيث المقعدون والفقراء والعجزة والمشردون والمصابون واليتامي والثكالى ، الذين يستحلفونه أن ينصرهم ويغيثهم ، ثم إذا به هو نفسه "يطالب" بضرورة وأهمية واستعجال وخطورة أن يتم رفع الحصار فورا ، وتنفيذ قرار عربي موجود بالفعل !
طيب ، ما فائدة "القرار" الذي هو موجود إذا كان أصحاب القرار أنفسهم "غير موجودين" لا مؤاخذة ؟! ثم سيادتك ، لا مؤاخذة مرة أخرى ، تطالب من بالضبط ؟! إذا كان العرب "يطالبون" وهيلاري كلنتون "تطالب" وبان كي مون "يطالب" وتوني بلير "يطالب" وأوباما "يطالب" ووزير خارجية فرنسا "يطالب" ،ووزير خارجية روسيا "يطالب" ، فمن يا ترى هو الذي تتوجه إليه "المطالبات" لتنفيذها ؟! هل إسرائيل مثلا ؟ يستحيل أن يكون الأمر راجعا لها وحدها ، لأن هناك حسب معلوماتنا جهة متنفذة اسمها "اللجنة الرباعية الدولية" ترك العرب لها كل شيء في قضية هي عربية أولا وآخرا ، ورضوا ألا يكون فيها ممثل واحد يوحد ربنا عن أمة العرب التي هي 22 دولة تسد عين الشمس ! فإذا كانت الرباعية الدولية هي التي أصرت من قبل وما زالت تصر – وتستند إليها إسرائيل وتستقوي بها كشرعية دولية مفترضة فيما تشارك فيه من حصار غزة – على ضرورة اعتراف حماس بإسرائيل وبالاتفاقيات السابقة الموقعة وبعملية السلام ، إلخ كشرط للتفاوض معها وكشرط لرفع الحصار ، وإذا كان جميع أطراف هذه الرباعية الدولية "يطالبون" الآن – بعد مأساة قافلة الحرية – برفع الحصار ، فنفسي أعرف : هم يطالبون "من" بالضبط ؟!
أليس ذلك كله هو قمة النفاق الغربي حتى تهدأ العواطف الثائرة من شعوب أوروبا والغرب نفسه ، وتعود ريما لعادتها القديمة ، أما الحصار نفسه فمتروك – لا يزال – بأيدي الطغمة الصهيونية الحاكمة في إسرائيل ، والتي تمخضت مؤخرا بعد اجتماعات مستمرة فولدت فأرا ، هو : سمحنا بالكاتشب والمايونيز !
وعنها ، وانتفض العالم الغربي – وجزء من العالم العربي (!) – يهلل لهذه الخطوة وما سمحت به إسرائيل من قبيل البطاطس الشيبس وكريم الحلاقة أيضا – ويبدي ارتياحه وسروره لأن المشكلة صارت في طريقها للحل ! حل وسطكم يا بعدا !
ألف مبروووك يا شعب غزة ! ربنا عوض صبركم خيرا ! أبشروا وهللوا ، فقد سمحوا لكم بالكاتشب والمايونيز ! ما هذه الرقة والعواطف النبيلة لدى الصهاينة ؟! مرحى مرحى ، أبشروا يا قوم ، فالنصر قريب ! ما لكم هكذا قساة القلب ، جاحدي الضمير ، ألا تشكرون المحتل الصهيوني وولي النعم الأمريكي ، راعي السلام وراعي المعيز ، على هذا الفتح المبين ؟!
ولكن من الذي ترك الأيتام (غزة وفلسطين عموما) على مائدة اللئام (إسرائيل وأمريكا والغرب المنافق) لكي يذلوهم هذا الذل البشع لدرجة حرمانهم من المواد التي لا يريدونها أن تدخل ولاعلاقة لها بتاتا بتصنيع الأسلحة ، إلا مجرد الإمعان في الإذلال ، أليس هم ال22 دولة عربية ؟!
صحيح ، الغرب فيه نقائص كثيرة ، وهو بالفعل معتاد الكذب والنفاق ، وهو يتفنن في الكيل بمكيالين وثلاثة وأربعة حسب هواه ومصالحه ، وهو أستاذ ومتخصص في ازدواجية المعايير ، ولكن هل الغرب وحده الذي يعاني من ذلك ؟!
إن ما ينفقه عرب كثيرون ، حكومات وأفرادا وأثرياء ، إلخ – على مدن الملاهي وملاعب الجولف والمدن تحت الماء والأبراج الأسطورية ، وما يضعونه في مصارف الغرب الأوروبي والأمريكي لتشحيم عجلة الاقتصاد الغربي الضخمة ولا يجرؤون - ليس على سحبه وإنما على مجرد التلويح باستخدامه كورقة أو على الأقل لاستثمار بعضه سياسيا – يكفي واحد على مليار منه لإطعام شعب غزة المحاصر كله وكسوتهم وتعليمهم وترفيههم أيضا !
لماذا نرى القذاة في أعين الغرب ، ولا نرى الخشبة التي في عيوننا ؟! أفلا نخرج أولا الخشبة الضخمة التي في عيوننا قبل أن نسخر من الغرب للقذاة التي في عينه ؟!
نحن العرب – ولا فخر – صار مكتوبا علينا ، بما كسبته أيدينا ، أن نصبح كرة تتقاذفها أقدام اللاعبين الكبار حتى يحرزوا بها الهدف تلو الهدف في المرمى ، ونحن أيضا المرمى ! فقد تحولت أرض العرب إلى مرمى كبير يتسع باتساع بلدانهم ، وهو مرمى بلا حارس وبلا شباك .. أما المتفرجون اللاهون المغتبطون بالفرجة لمجرد الفرجة ، فهم جماهير الشعوب العربية !
هناك في عالم اليوم أرقام كثيرة ، فالكيان الصهيوني رقم خطير ، وأمريكا رقم كبير ، والثمانية الكبار كبار بالفعل ، وتحاول تركيا أن تصبح رقما مهما ، أما العرب ، فواضح للأسف أن رقم (22) لا يكسب !
ولكن ، ما أهمية ذلك كله ؟ ألم يسمح لغزة الآن بالكاتشب والمايونيز ؟! أمجاد يا عرب أمجاد ! في بلادنا كرام أسياد ! أما الصهاينة فقد جبنا مناخيرهم في التراب بفعل الضغوط العالمية والدبلوماسية العربية والباذنجان والتقلية ، وأجبرناهم على السماح بالكاتشب والمايونيز. بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان !
(ولا نريد تقليب المواجع حول ما حصل وما يحصل منذ سبع سنوات عجاف في "بغدان" هذه هي الأخرى وقريباتها من مدن العراق الأخرى التي صار سكانها يتظاهرون لعدم وجود الكهرباء والمياه والصرف ، ناهيك عن الأمن والأمان ، في بلد يفترض أنه غني بالنفط !)
يقال إن مسئولي الجامعة العربية – بيت العرب - طلبوا بعد سماع القرار الإسرائيلي أن يتم تشغيل أغنية "زغروطة حلوة رنت في بيتنا " في جميع أروقة الجامعة ـ ابتهاجا بدخول الكاتشب والمايونيز لأول مرة إلى غزة بعد الحصار ، بينما يتلقى الأمين العام الآن التهاني على نجاح زيارته التاريخية للقطاع في رفع الحصار عن غزة ، وإتاحة الكاتشب.
ويقول محللون إنه لا عذر الآن لطرفي النزاع الفلسطيني-الفلسطيني ، فقد حانت الساعة لكي يتفقوا ، بعد أن زالت العقبة الكئود وتم السماح لأهلنا في غزة بتناول الكاتشب والمايونيز !
تقولون لي : لماذا تتجه إلى الهزل في كلامك ؟ وجوابي : هل ترون في عالم العرب سوى الهزل لا سمح الله ؟!
قديما ، سأل عالم لغة أحد الأعراب : هل تقول "أستخزيء" بالهمزة أم "أستخزي" بدون همزة ، حتى أثبت ذلك في معجمي اللغوي ؟ ، فأجاب الأعرابي : لا أقولهما ، أي لا أقول هذه الصيغة ولا تلك ، فاندهش العالم وسأل الأعرابي : لماذا ؟ ، فأجاب : لأن العرب لا تستخزي !
والآن أقول : لسه فاكر ، كان زمان ، الله يرحمك يا ست !