مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 سماحة الإسلام .. وقصة العشرة في البصرة !
...............................................................

 

المتسامح الأكبر

 

بقلم : معتز شكري
......................


لفت نظري وأنا أقرأ في "تاريخ الإسلام" للحافظ الذهبي (المتوفى 748 هجرية) رحمه الله تعالى - وهو كتاب بالغ الإمتاع عظيم الفائدة – ما رواه في ترجمة (حماد عجرد) ، ضمن تراجم أهل الطبقة السادسة عشرة ، بالمجلد الرابع (طبعة دار الغد العربي) ، قال : - كان يجتمع بالبصرة عشرة في مجلس لا يعرف مثلهم في تضاد أديانهم ونحلهم ، وهم :-

1 – الخليل بن أحمد (سني)
2 – السيد بن محمد الحميري (رافضي)
3 – صالح بن عبد القدوس (ثنوي)
4 – سفيان بن مجاشع (صفري)
5 – بشار بن برد (خليع ماجن)
6 – حماد عجرد (زنديق)
7 – ابن رأس الجالوت (يهودي)
8 – ابن نظيرا (متكلم النصارى)
9 – عمرو بن أخت المؤيد (المجوسي)
10 – روح بن سنان الحرابي (صابئي)

قال : فيتناشد الجماعة أشعارا ، إلخ.

( والثنوية مذهب قديم يقول بأصلين اثنين للوجود ، النور والظلمة أوالخير والشر ، وهكذا ، ومن نماذجه المانوية. أما الصفرية فهي إحدى فرق الخوارج )
وأنا أهدي هذا الخبر - وله نظائر كثيرة جدا في التاريخ الإسلامي - للذين يزعمون أن تاريخ الإسلام لم يعرف السماحة ولا "قبول الآخر" ، وأنه كان تاريخا حافلا بالتكفير وإراقة دماء المخالفين العقائديين بسبب الخلاف العقائدي وحده.

ونحن لا ننكر أن يكون في التاريخ الإسلامي نقاط مظلمة ، لأنه في النهاية تاريخ لمجموعة من البشر يخطئون ويصيبون ، حتى ولو كانوا يسعون لتمثيل نظام تشريع رباني محكم ، وليس تاريخا لملائكة أطهار مجبولين على الطاعة الربانية الدائمة ولايعرفون المعاصي ولا الشهوات ولا الضعف البشري.

ويكفي أن الذين يهاجمون الإسلام وتاريخه بسبب وبلا سبب يجهدون أنفسهم ويعصرون عقولهم ويعصرون معها كتب التاريخ ، فلا يجدون في كل مرة نماذج يستشهدون بها على فرية عدم السماحة أو عدم قبول الآخر ، أو إعدام المخالفين العقائديين ، إلا حالات تعد على أصابع اليد الواحدة أو اليدين ، من أمثال الحلاج والسهروردي المقتول وابن المقفع ، ثم الحلاج والسهروردي المقتول وابن المقفع ، ثم الحلاج والسهروردي المقتول وابن المقفع ، وهكذا دواليك !

مع أنه حتى تلك الحالات أفادت دراسات كثيرة ، متعمقة وجادة، أن السبب كان سياسيا وكان النظام – مثله في هذه الحالة مثل أي نظام حاكم في التاريخ كله شرقا وغربا ، قديما وحديثا – يسعى للدفاع عن نفسه ضد أي خروج أو عصيان أو تآمر أو انقلاب أو نشر فتنة خطيرة ، وأوضحت الداسات في كثير من هذه الحالات وجود (خيانة عظمى) ضد الدولة أو تآمر مع أعدائها ، كما – على سبيل المثال لا الحصر – في حالة الحلاج الذي ثبت يقينا تآمره ومراسلاته مع القرامطة ضد الدولة والنظام ، وليس مجرد كفره وزندقته واعتقاده الاتحاد والحلول وشطحاته العقائدية والعملية.

الغريب أن بعض هؤلاء المخاصمين للإسلام والمتسقطين لأي سلبيات في تاريخه الطويل يعلون فقط من شأن الفرق الخارجة على الدولة الإسلامية في عصورها المختلفة ، كأن قضية حياتهم الفكرية أن يضعوا أيديهم بأي ثمن في يد كل من يخرب الإسلام دينا ودولة ! فيتعاطفون مع الخوارج ، ويؤيدون الشيعة ، ويمدحون القرامطة ، وينبهرون بثورة الزنج ، وتنفرج أساريهم لتمرد البشموريين ، وفي الوقت نفسه هم مع ذلك لا يستطيعون ولا يجرؤون على مصادرة حق الدولة المطلق – من حيث المبدأ – في تجريم الخيانة العظمي ضد النظام ومشروعية الحكم على مرتكبيها بالإعدام ! شفاهم الله تعالى من هذا الحول الفكري وعمى الألوان ، وسل من قلوبهم حقدهم المبدئي الدفين على الإسلام ، والإسلام وحده ، ثم الإسلام وحده أيضا !

صحيح كما قلت ، تضمن تاريخ الإسلام أخطاء وخطايا ، ولابد من دراستها واستخلاص العبر منها لعدم تكرارها ، ولكن لماذا لا نكون منصفين وموضوعيين فنعطي التاريخ الإسلامي كذلك حقه في الإشادة بصفحاته الناصعة المجيدة في مجالات كثيرة من الحضارة الإنسانية الراقية ، منها بالتأكيد كقاعدة عامة متصلة تلك السماحة إلى أقصى حد يمكن تخيله مع المخالفين وقبول وجود عقائد مخالفة ، اللهم إلا في فترات بعينها تمثل استثناء من القاعدة.

ويكاد يكون من المستحيل أن يأتيني أحد ممن يهاجمون الإسلام ، والإسلام وحده ! ، ويزعمون خلو تاريخه من السماحة العقائدية بنموذج مقابل من تاريخ أي نظام عقائدي آخر في الشرق أو الغرب ، وبالذات في العصور القديمة والوسيطة ، بل وحتى مشارف العصر الحديث ، يوجد فيه مجلس واحد تسمع به الدولة بالضرورة ، بدليل أنه كان خبرا شائعا وملفتا تناقله الرواة واحتل مكانه في كتب التاريخ ، وتسمح فيه لعشرة من أصحاب العقائد المختلفة ، تسعة منهم يعتنقون أديانا وعقائد تتصادم جذريا مع اعتقاد غالبية سكان الدولة وحكامها ، وليس من بينهم من هو على عقيدة الدولة والنظام إلا واحد فقط ، دون أن ترصدهم عيون الأمن وجواسيس النظام ودون أن يتم استدعاؤهم للأجهزة الأمنية والمخابراتية لاستجوابهم ودون أن يتعقبهم المخبرون في الطرقات ، ( وفي العصر الحديث دون أن يتم زرع أدوات التنصت وتصويرهم صوتا وصورة ! ) تمهيدا لتوجيه التهم بالتجمع غير القانوني والتآمر والتخابر ، ثم الزج بهم في أتون المعتقلات والسجون للعقاب والتعذيب ، بعد محاكمات هزلية ووفقا لقوانين سيئة السمعة !

والمعنى نفسه تشعر به عزيزي القاريء وأنت تقرأ مثلا كتاب العلامة الراحل الدكتور عبد الرحمن بدوي "من تاريخ الإلحاد في الإسلام". وقد قرأته في سن مبكرة قبل نحو أربعين عاما ، في نسخة قديمة استعرتها من صديق من نفس الطبعة الأولى (عام 1945 تقريبا) حيث كان الكتاب مصادرا ، وهو لم يطبع مجددا إلا في العقدين الأخيرين فقط.

وقد هالني وقتها عنوان الكتاب ومما تضمنه من معلومات تاريخية صادمة وغير معروفة عن مشاهير من تراثنا العلمي والفكري ، ومنها مثلا أن العالم الشهير جابر بن حيان الذي نباهي به الدنيا كمؤسس مبكر ورائد لعلم الكيمياء ، ويدرس سيرته التلاميذ الصغار منذ نعومة أظفارهم ، كانت له آراء ونظريات "إلحادية" بامتياز ، منها قوله بإمكانية خلق إنسان بالصناعة ، يعني نفس المنطق الذي تحدث به ملاحدة العلم الغربي الحديث ، مثل إرنست هيكل ، الذي كان يقول ما معناه إذا توفرت لي العناصر المكونة للإنسان بالنسب الصحيحة لكان في إمكاني بسهولة صناعة إنسان ، أي باختصار كسر احتكار ذلك الخالق المزعوم لعملية الخلق ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. ولا أدري لماذا لم يبدأ هيكل وأمثاله بشيء صغير أولا لكي يجربوا فيه ،مثل أن يخلقوا "ذبابة" مثلا ، فإذا نجحوا انتقلوا لشيء أكبر ؟! صدق من قال سبحانه : "يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب . ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز" ( الحج – 73 و74 ).

كل هذا الذي قاله جابر مثلا وأكثر به سمح به إذن مناخ متفتح لحضارة الإسلام ، كان في مجمله مناخا فكريا وعلميا رحبا ، لا يتم الرد فيه على أي فكر إلا بفكر مقابل. فصاحب الفكر الإلحادي يرد عليه صاحب فكر إيماني ولا تقطع الدولة رقبته ، والذين قطعت رقابهم ، وهم قلة معدودة وسط ملايين ممن عاشوا تحت ظل حضارة الإسلام على مدى أكثر من ألف سنة في مشارق الأرض ومغاربها ، كانوا يدانون بجرائم أخرى ضد النظام وضد الدولة.

وبالمناسبة ، فجابر بن حيان لم يكن هروبه في الجزء الأخير من حياته من وجه مسئولي الخلافة العباسية في بغداد بسبب آرائه العلمية أو الفكرية ، على الإطلاق ، بل كان بسبب علاقته بالبرامكة ، فلما نكبهم الرشيد لأسباب ليس هذا محل شرحها ، خشي أن يصيبه رذاذ من صلته بهم وقربه منهم ففر بعيدا إلى مكان غير معروف ، ويعتقد بعض الباحثين أنه على الحدود الحالية بين العراق وإيران حيث عثر على مشهد أو ضريح منسوب إليه. فهذا إذن سبب سياسي ، أما آراؤه وأبحاثه العلمية والفلسفية فكان مطلق الحرية يقول ما يريد ويفعل ما يشاء دون أي قيد.

وبالمناسبة أيضا ، فإن السهروردي المقتول تضاربت الروايات الخاصة بمقتله أو وفاته وهي روايات غامضة ومختلفة ، وبعضها ذكر أنه "عثر عليه ميتا في محبسه ولم يقتل" ، مع الأخذ في الحسبان أن ثمة الكثير الذي يمكن أن يقال في مقام آخر أوسع حول ملابسات وفاته أو مقتله فيما بين مسئوليته هو ومسئولية صلاح الدين وعلماء ذلك العصر.

وقد حفلت عصور التاريخ الإسلامي بالمناظرات الفكرية بين العلماء ، وكان هناك "الدهريون" أي الملاحدة ، بالعشرات أو المئات ، ولم نسمع أنه أجريت لهم محاكم تفتيش أو ارتكبت في حقهم مذابح ، بل كانت تعقد معهم مناظرات فكرية حرة ومنظمة يشهدها جمهور عشوائي وتقرع فيها الحجة بالحجة والمنطق بالمنطق والفكرة بالفكرة.

أما تاريخ العقائد الأخرى وتعاملها مع من يخالفها في العقيدة ، بدءا بالتاريخ المصري القديم وما حدث لإخناتون مثلا ، ومرورا بالدولة الرومانية في عهديها الوثني والمسيحي-المذهبي ، وانتهاء بحرب أمريكا والغرب على الشيوعية أولا ، وما حديث المكارثية عنا ببعيد ، ووصولا لحربها الحالية المستعرة ضد الإسلام والمسلمين بدعاوى التطرف والإرهاب ، وسواء كان ذلك بالحق أو بالباطل ، فحدث ولا حرج.

فيا أيها المصابون بالأرتيكاريا من الإسلام ، والإسلام وحده ، والإسلام فقط دون غيره ، لماذا لا تخرجون أولا الخشبة الضخمة العظيمة التي في أعينكم قبل أن تنتقدوا القذاة في عيون التاريخ الإسلامي ؟!

ولكن ، هل ترونهم يفعلون أعزائي القراء ؟ أشك ! أتعلمون لماذا ؟ لأن الغرض مرض !
 


06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية