مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 المصريون ومنطق : حاسيبك للزمن !
...............................................................

 

الصبر مفتاح الفرج

 

بقلم : معتز شكري
......................

صديق لي رأيته مكتئبا حزينا ، وعلمت منه أن ابنته المريضة اشتد عليها المرض ونقلت للمستشفى ، وأن والدتها مرضت لمرضها ، ثم قال لي : والذي زاد همومي وأحزاني أن صاحب البيت رفع دعوى لطردنا من الشقة. لم أملك إلا أن خففت عليه الأمر بقدر ما وسعني ودعوت لكريمته وزوجته بالشفاء والعافية ، وذكرته بأن هذه كلها ابتلاءات من الخالق عز وجل لابد لنا في مواجهتها أن نعتصم بالصبر الجميل والدعاء المخلص مع استنفاد كل الأسباب الممكنة والمتاحة. وفي موضوع الطرد قلت له سأخبرك شيئا سبق أن قاله لي محام كبير في مثل تلك الحالات ، وهو أنه حتى إذا لم يثبت حقكم في الإقامة بالشقة ، فإن أمثال تلك القضايا تستغرق وقتا طويلا بالمحاكم ولعل ذلك يمنحك زمنا لتدبير حالك. وكم أراحه ذلك الذي قلته له فانفرجت أساريره وتنفس الصعداء وأحسست أن جانبا من ذلك الغم قد انزاح من فوق كاهله.

أعود للعنوان ، فأقول إن الزمن آية من آيات الخالق العظيم جل شأنه وعز سلطانه ، خلقه وخلق المكان فهما من مخلوقاته ويخضع لهما كل خلقه فيما نعلم ، ولا يخضع هو سبحانه لزمان ولا مكان.

ومثلما الزمن والمكان آيتان ، هما كذلك جنديان من جنود الحق تعالى. "وما يعلم جنود ربك إلا هو..." (المدثر – جزء من الآية 31) ، فكم ينقذ إنسانا في محنة أو كرب أن ييسر الله سبحانه له انتقالا من مكان لآخر "ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها..." (النساء – جزء من الآية 97). وكذلك يشكل الزمن وحده – إذا انعدمت إمكانية الأسباب الأخرى – أملا للمقهور في انتهاء قهره وللمكروب في انفراج كربته.

قل لمن يحمل هما إن هما لا يدوم
مثلما تفنى المسرات كذا تفنى الهموم !

ولا معنى للأمل من دون إدراك لآية الزمن والحركة المستمرة له ، والتي تحمل معها دائما تغييرا من حال إلى حال ، فإذا كانت الحال صعبة كان الأمل في التغيير الحتمي المصاحب لمرور الزمن هو أن تزول تلك الحال الصعبة ويحل محلها حال سهلة ، فيتعافى المريض وتنكسر شوكة الظالم وينفرج هم المكروب ، وهكذا. الشرط فقط أن نفعل شيئا وألا نقصر في الأخذ بالأسباب حسب الطاقة.

والزمن حير العلماء والفلاسفة والمفكرين ولا يزال يحيرهم. وكان من اختراقات نظرية النسبية لأينشتين في القرن العشرين اكتشاف قيمة الزمن كعنصر مهم لا تكتمل إلا به مقومات أي شيء في هذا الوجود ، فلا يكفي لتعريف كيان مادي ما أن تصف بدقة طوله وعرضه وعمقه ، بل لابد من أن تدخل في الحسبان ما أسماه أينشتين (البعد الرابع) ، وهو الزمن ، فتقول إن هذه الأبعاد لهذا الشيء كانت في زمن كذا ، لأن طبيعته تتغير في زمن آخر.

وكما أن الزمن والمكان – فيما نرى - من تجليات اسم الله تعالى (القهار) ، لاستحالة خروج الإنسان من قيود الزمان والمكان خروجا مطلقا ، من غير معجزة خارقة للعادة يجريها له ربه جل وعلا لحكمة ما أو لنبوة أو لكرامة ، وهو أمر في جميع الأحوال لا يقاس عليه ، فكذلك هما نعمتان من نعم الخالق العظيم ، لأن الإنسان (نسبي) و(نهائي) ، له بداية ونهاية ، وليست له طاقة على زمن مطلق لانهائي في الأزل والأبد ولا هو يطيق – لمحدودية كيانه – انتشارا مطلقا في لامكان بلا حدود. وأما الآخرة حيث وعد الخالق جل في علاه بنعيم مقيم لا ينفد أو عذاب مقيم والعياذ بالله لا ينقطع ، وخلود في الجنة أو خلود في النار ، فكيفية ذلك لا يعلمها إلا هو سبحانه ، وهو القادر عز وعلا وحده في الحالتين أن يكيف عبده – وهو أعلم به – لتلك اللانهائية في الزمن ، وهو سبحانه أعلم بمراده وأعلم بخلقه ، ونفوض له سبحانه هذه الحقائق الإيمانية السمعية ونؤمن بكل ما جاءت به النصوص الصحيحة القطعية قرآنا وسنة ، ولا نشطح مع الشاطحين.

ثم أعود من جديد وأربط موضوع مقالي بالشعب المصري الصبور المسكين ، فألاحظ أن له مع الزمن حكاية وأي حكاية وشأنا وأي شأن ! يتجلى ذلك في حكاياته الشعبية وأمثاله الحكيمة ونوادره الطريفة.

ومع أن هناك من يتهم المصريين باعتياد الخنوع والسلبية في وجه الطغيان والاستبداد واستمراء الصبر على الذل ، والتسليم للأمر الواقع دون عمل جاد لتغييره ، إلا أنني أرى للمسألة بعدا آخر ، وهو أن المصريين ينتفضون ويغيرون واقعهم في ظروف كثيرة ، وقد فعلوا في حالات سابقة ذكرها لنا التاريخ ، ولكنهم أحيانا يغلبهم القهر الشديد وتتكاثرعليهم الشدائد فتسد عليهم كل طريق ، فلا يجدون للانتفاض سبيلا ، وهنا يلجأون لذلك المعين الذي لا ينضب من الحكمة ، فيجدون العزاء في أمثالهم ، من قبيل :

- اصبر على جارك السو يا يرحل يا تيجي له داهية !
- الصبر طيب ولو كان مر نرضى به
- الصبر جميل
- اللي له أول له آخر
- إن صبرتم أجرتم وأمر الله نافذ وإن ما صبرتم قبرتم وأمر الله نافذ
- تبات نار تصبح رماد لها رب يدبرها
- العبد في التفكير والرب في التدبير
- دولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة

كما يجد السلوى في نوادر من قبيل تلك النادرة عن (جحا) عندما تورط ووعد السطان بتعليم الحمار القراءة والكتابة وإلا قطع السلطان رأسه ، ولكنه احتاط لنفسه فاشترط عشر سنين لإنجاز المهمة ، وعندما عاتبه بعض الناس على هذه الورطة الخطيرة وحذره من قطع رأسه لأنه بالتأكيد سيخفق في المهمة ، أجابه بهدوء يغيظ :

- يا سيدي ، لقد وافق السلطان على شرط السنوات العشر كمهلة ، وإلى أن تنقضي هذه السنوات العشر يكون قد حدث أمر واحد من ثلاثة :

- إما أن أموت أنا
- وإما أن يموت السلطان
- وإما أن يموت الحمار !

وقد حيرتني مسألة تعويل المصريين المبالغ فيه على مجرد مرور الزمن باعتباره أحيانا (الأمل) الوحيد لتغيير الأوضاع السيئة. وأذكر أن حوارا جمعني قبل نحو أربعين سنة بجدي وزوج خالتي رحمهما الله ، وكنا نتحدث عن الظاهرة نفسها ، وقلت لهما – وأنا يومئذ شاب صغير تفصلني عنهما عشرات السنين – إن الاعتماد فقط على عامل الزمن غير مقنع لأنه قد يحمل معه تغييرا – هذا صحيح – ولكن ربما إلى الأسوأ ، فما الذي استفدناه من مجرد التعويل على حركة الزمن دون أي عمل إيجابي في الواقع ؟

هنا قال لي زوج خالتي :

- اسمع يا بني ، هناك مثل يقول : "شر يذهب وشر يجيء خير من نحس مستمر"!

ما رأيكم ؟!
 

06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية