في انتظار قرار أممي بدولة فلسطينية : ألو يا أمم !
...............................................................
| |
عباس | |
بقلم : معتز شكري
.....................
نكبة القضية الفلسطينية في بعض أبنائها – من فلسطينيين وعرب ومسلمين – أكبر من نكبتها على أيدي أعدائها. وبعد نحو 17 عاما على أوسلو (بدأت المفاوضات السرية 1993 ووقعت 1994) ، وهي 17 عاما من الفشل ، و 17 عاما من الدوران في حلقات مفرغة ، لا يزال أصحاب أوسلو وورثة أوسلو يصرون على أوسلو ! ومن باب أوسلو ، وبدلا من الاعتراف بالفشل والبحث عن طرق أخرى ، يضعون الآن كل رهانهم على انتزاع قرار أممي بقيام دولة فلسطينية حتى "نجبر" إسرائيل على قبولها ! من الذي يجبر إسرائيل ؟ الأمم المتحدة التي أنشأت إسرائيل ، والتي تحمي وجود إسرائيل ؟! الأمم المتحدة التي لا تزال أمريكا تجثم على صدرها بحق الفيتو ؟! أضحكتموني والله، أضحك الله سنكم ، مع أن كل ما حولنا كئيب ! ومازال أبناء أوسلو يتمسكون بأوسلو.
أوسلو هي التي أعطت الصهاينة اعترافا بدولتهم اللقيطة ولم تعط أصحاب القضية إلا مجموعة أوراق لا قيمة لها ولم يحترم اليهود حرفا واحدا منها. وأوسلو هي التي أحيت الفلسطينيين في أوهام الدولة ولا دولة في الحقيقة ، وأوهام السلطة ولا سلطة في الواقع ، ورئيس السلطة نفسه بجلالة قدره ينتظر تصريحا أمنيا من دولة إسرائيل لكي يتحرك من مكان إلى مكان ، ولو أرادوا لحددوا إقامته في بضع غرف داخل ما يسمى بالمقاطعة ، كما فعلوا مع عرفات ، ولقطعوا عنه الماء والكهرباء والغذاء كما فعلوا معه ، وهو ما صار معه دخول الحمام نفسه بدون مياه مسألة محرجة ومشكلة كبيرة !
وهو ما أدى إلى خفض المطالب يومئذ إلى مجرد السماح بدخول بعض البسكويت وكرتونة مياه معدنية يحملها وفد أوروبي يزور عرفات في المقاطعة من باب الضغط عليه لقبول إملاءات الصهاينة ! وهو ما يذكرنا بما حدث أيام الاعتقالات في مصر ، عندما كان يتم حرمان المعتقلين أحيانا من دخول الحمام كوسيلة ضغط ، فقال أحد المعتقلين الظرفاء : كنا نطالب بحرية القول ، فصارت أهم مطالبنا الآن هي حرية البول !
وربما آخر ما سمحوا به لأبو عمار يومئذ هو الأدوية ، ليس من أجل صيانة صحته وحفاظا على حياته ، بل من أجل تدمير صحته والقضاء على حياته من خلال نوع مخابراتي نادر من السموم وضع بمهارة مخابراتية فائقة داخل شريط الدواء !
ولكن أبو مازن ليس كأبو عمار ، لقد أصدر مثلا تصريحا في الأيام الأخيرة سيقيه تماما مصير عرفات ، فقد أكد أنه طالما بقي رئيسا للسلطة لن يسمح بانتفاضة جديدة ، ولكنه لا يضمن من سيخلفه ! أبشر بطول رئاسة يا مربع !
أوسلو أجلت أهم بنود القضية إلى مرحلة هلامية أسطورية مثل جودو الذي لا يأتي أبدا في مسرحية صمويل بيكيت العبثية " في انتظار جودو" ، لأنها ( أوسلو ) هي أيضا مسرحية عبثية. كل شيء ممكن التفاوض عليه إلا قضايا الوضع النهائي. وما قضايا الوضع النهائي أفادكم الله ؟ قال لك :
القدس - اللاجئون - المياه - الحدود - الأمن - المستوطنات
هذه هي القضايا المؤجلة ؟! وماذا بقي من القضية أصلا له قيمة غير ذلك وظللتم تتفاوضون عليه 17 سنة ؟! قال لك : تخفيف الاستيطان ، وأقول : لا مؤاخذة ، لم يحدث ! قال لك : حكم ذاتي ، وأقول : لا مؤاخذة ثانية ، كان موجودا بعد 67 بصورة ما ، من باب راحة دماغ اليهود من المسئوليات الداخلية المباشرة ، كل ذلك من غير أوسلو وبطريقة أفضل. قال لك : رفع أو تقليل الحواجز ،وأقول : زاد عددها ولم يقل ، وهي تقترب في عددها من سبعمائة تقطع أوصال المدن والبلدات والقرى والطرق الفلسطينية في الضفة. قال لك : كلام عن شكل الدولة ، وأقول : كلام في الهواء.
قال لك : قانون أساسي ، وانتخابات ، ومجلس تشريعي ، ورئاسة ، وحكومة ، إلخ. وأقول : لا قيمة لذلك كله تحت الاحتلال ، وقد دك جيش الصهاينة كل هذه المقار على رؤوس الفلسطينيين عندما غضبوا عليهم ، واغتالوا رئيس السلطة نفسه ، حتى يكون "الكلام لك يا جارة" لمن لا يسمع الكلام !
قال لك : تنسيق أمني ، وأقول : نعم ، حدث ، وهو سبة في جبين أبناء أوسلو ، لأنه لم يكن له معنى ولن يكون سوى أن تضع السلطة يدها في يد أعداء الشعب الصهاينة لملاحقة أفراد المقاومة واعتقالهم واغتيالهم بدم بارد ، ناهيك عن تعذيبهم البشع في سلخانات السلطة ، لوضع حد لأي انتفاضة أو مقاومة أو روح استشهادية ضد الاحتلال ، ولولا انتفاضة 1987 التي أشعرت الصهاينة بخطورة ولادة روح جديدة للنضال والاستشهاد لما تفتقت أذهانهم عن خديعة أوسلو الجهنمية.
ولولا أن حماس وقعت هي الأخرى في الفخ وقبلت أوسلو – عمليا – بالمشاركة في الانتخابات ، بالرغم من أنها رفضتها قوليا ، لما سالت الدماء الزكية بين أبناء الشعب الواحد ولما وقعت بينهم الفرقة والعداء والتنافس حتى الآن ولما بذرت بذرة الشقاق التي لم تفلح كل الجهود في اجتثاثها حتى اليوم ، والصهاينة يخرجون ألسنتهم ليغيظونا ، فقد فعلوا فعلتهم ودقوا الإسفين ، وانتهى الأمر !
والآن ، ثمة شيء يتم طبخه ،وبدأت روائحه تفوح ، ولكن الطباخين مهرة أيها السادة !
ربما تتم إزاحة وجوه قديمة فقدت مصداقيتها ، وقد انخرطت الآن من باب حلاوة الروح فقط وتبييض الوجه ، في حملات هجومية لم نعتدها منهم ضد الاحتلال وضد الاستيطان. (منذ متى ؟!) وربما يتم الدفع بوجوه جديدة شابة بعد أن تم ختمها بخاتم النضال والاعتقال لنيل المشروعية الجماهيرية ، وربما تتضمن الطبخة "أوسلو" جديدة معدلة ، فكل وقت وله أذان !
هناك شيء آخر مهم وخطير زرعته أوسلو ومازالت أطراف كثيرة تتعهده بالرعاية ،وهو ما يطلق عليه – من منظور أصحابه طبعا – "ثقافة السلام" ، وفي ظلها ، تم إنفاق مبالغ طائلة ربما بعشرات الألوف من أي عملة تعجبك أيها القاريء ، على إقامة أضخم مائدة كنافة نابلسية في العالم لتدخل موسوعة الأرقام القياسية ، كل ذلك بدعوى إثبات أن الشعب محب للحياة وأنه في حاجة للأمل وللاحتفالات بعيدا عن النكد اليومي ! كل ذلك من أموال المساعدات والتبرعات التي تأتي للسلطة ، وهي تنفقه حسب تقديرها ، كل ذلك وهناك من إخوتهم الفلسطينيين ، وبالذات في قطاع غزة ، من يتضور جوعا من أطفال ونساء وشباب وشيوخ بسبب الحصار !
ومن ثقافة السلام ما تردد من فترة عن النية لإقامة احتفال لملكة جمال فلسطين في الضفة الغربية ! ومن ذلك ما كان قيل بعد أوسلو بفترة بسيطة عن إقامة كازينو للقمار في بعض مدن الضفة الغربية !
هل هناك مزيد يمكن قوله ؟
كان الشاعر زمان في وجه المعتدي الغاصب يقول : قولوا معي : الله أكبر فوق كيد المعتدي. والآن ، ولأن الزمان كله أصبح "هلسا" ، لابد أن يكون رد الفعل "هلسا" أيضا.
إذا قالوا لكم : سنسعى لقرار أممي ، قولوا لهم معي : ألو يا أمم ! وإذا حدثك أحد عن أن السلطة الفلسطينية خطوة مهمة نحو تحرير فلسطين ، قل له : ألو يا سلطة .. وليس مهما وأنت تقولها كيف تضبط كلمة "سلطة" بالشكل ، هل بضم السين وسكون اللام أم بفتحها وفتح اللام !
ويا أيها المتنفذون في فلسطين : المفروض أنكم في هذه القضية تأتون قبلنا في مصر ، وتأتون قبل العرب ، وتأتون قبل المسلمين ، وتأتون قبل المجتمع الدولي ، لأنكم في وجه المدفع.. أنتم كما يقال ملح الأرض – في هذه القضية بالذات – فانأوا بأنفسكم عن الفساد ، لأنه من يصلح الملح إذا الملح فسد ؟!
06/11/2014